مقدمة:
إذا كان من المعلوم أن الإثبات نظام قانوني لا يقبل من
طرقه ووسائله إلا تلك التي حددها المشرع، حيث ظلت وسائل الإثبات التقليدية مسيطرة
على قناعات القاضي لمدة طويلة، فإنه في خضم
الثورة الرقمية والصحوة المعلوماتية أصبحت تكنولوجيا المعلومات تشكل العمود الفقري
لأغلب المعاملات والتبادلات الاقتصادية.
كما أدى الانتشار المتنامي للعقود المبرمة بوسائل
الاتصال الحديثة إلى شيوع ما يسمى بالعقود الإلكترونية، هذه الأخيرة باتت اليوم
تطرح مجموعة من الإشكالات القانونية، لا سيما الشق المتعلق بالإثبات، وذلك بالنظر
لتعقد العلاقات الناجمة عن مثل هذا النوع من العقود، واختلاف الوسيط المادي الذي
يتم من خلاله تحرير العقد وتدوين بنوده، ففي مثل هذا النوع من التعاقد تثور مجموعة
من الأسئلة المحورية حول مدى اعتبار ما يتم تدوينه على الدعامات غير الورقية، هو
من قبيل الكتابة المعتد بها في الإثبات، ومدى حجية هذه الكتابة، ويزداد الوضع
تعقيدا فيما لو أراد أطراف العقد التمسك بالمحرر الإلكتروني كدليل كتابي كامل، كما
يطرح التوقيع الإلكتروني باعتباره وليد مثل هذا النوع من المعاملات بدوره مجموعة
من الإشكالات، ذلك أن الأخذ بالوسائل الإلكترونية في الإثبات من شأنه أن يحرم
الأطراف المتعاقدة من امتلاك الأدلة التي تثبت تصرفاتهم التعاقدية، كما ستدخلهم في
متاهات البحث عن أدلة تقليدية يقبلها المشرع مما يضيع علهم الوقت والجهد.
لذلك بات من الواضح أن المصلحة العامة تقتضي ضرورة
انسجام النصوص القانونية مع الوسائل التكنولوجيا بدلا من التمسك بالمفاهيم
التقليدية للإثبات، كما أن درجة الوثوق الاجتماعي والتقني في وسائل الاتصال
الحديثة وصلت إلى حد كاف يجعل الالتزامات والحقوق المعبر عنها بطريقة إلكترونية لا
ينقصها إلا الاعتراف القانوني. هذا ما يفتح
باب النقاش أمام الإشكال المطروح بقوة على مستوى الواقع العملي والمتعلق بمدى حجية
الوسائل الإلكترونية في الإثبات؟
الإجابة عن هذا التساؤل تطلبت
تقسيمه إلى المحاور التالية: المحور الأول: ماهية الوسائل الإلكترونية؛ المحور
الثاني: مكانة الوسائل الإلكترونية ضمن منظومة الإثبات؛ المحور الثالث: الإثبات
بالوسائل الإلكترونية في العمل القضائي.
تتمة المقال في الرابط اعلاه:
0 تعليقات