مقدمة
:
يعد الماء مصدرا طبيعيا
لا غنى عنه، ورهانا عالميا، ووضعيته حافلة بالمخاطر بالنسبة لأغلب البلدان، فالأنشطة
الاجتماعية والاقتصادية كلها رهينة به، فالتحكم في الماء يكاد يكون مرادفا للاستمرارية
والتقدم.
وتبعا لذلك، فإن وضعية الماء في المغرب تتسم
بتفاوتات مكانية في التساقطات المطرية، وعدم الانتظام في الزمن، وهشاشة كبيرة سواء
في مواجهة التغيرات المناخية أو بسبب الأضرار التي تترتب على الأنشطة البشرية.
إن الطلب على الماء بالمغرب في وقتنا الراهن،[1]
أكبر من الكميات المتوفرة سنويا من الموارد المتجددة من المياه العذبة،[2]
لذا، فإن تحقيق الأمن المائي يعد أولوية قصوى بالنسبة لبلادنا حاليا وفي السنوات
القادمة، وبالنظر لما يترتب عنه من مخاطر تمس بالسلم الاجتماعي وتساهم في تفاقم
الفوارق المجالية، فإن الأمن المائي يستدعي تقديم إجابة سياسية عاجلة تجعله في صلب
الرؤية التنموية الوطنية وباعتباره عاملا أساسيا لاستدامة نموذجنا التنموي المنشود
وقدرته على مواجهة التقلبات.
ويتعين أن تندرج هذه
الإجابة في إطار سياسة عمومية تمكن في الآن ذاته من حماية الموارد المائية
وتثمينها، وتتسم بالإبداع وتسترشد بالممارسات الفضلى في مجال حكامة الموارد
المائية.
إن مسألة الماء باعتباره شأنا عموميا، يجب أن
يرقى إلى مستوى القضية الوطنية، التي يتحمل بشأنها كل طرف؛ من سلطات عمومية وفاعلين
اجتماعيين واقتصاديين وساكنة، مسؤولية كاملة، ونجاح مثل هذه السياسة يقتضي النهوض بثقافة
جديدة للماء على المستوى الوطني، تعترف بالقيمة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية
لهذه الثروة الطبيعية.
هذا ويعتبر المغرب من البلدان التي راكمت تجارب
مهمة في مجال السياسة المائية، من حيث تعبئة موارده المائية، عبر تبني سياسة إنشاء
السدود، ووضع مخططات وبرامج استراتيجية وطنية للتدبير المندمج لموارده
المائية على المدى المتوسط والبعيد، وإطلاق أوراش تهم الاقتصاد في
الماء، كمشاريع تحلية مياه البحر وتجميع مياه الأمطار وإعادة استعمال المياه
المستعملة.
تتمة البحث في الرابط أعلاه:
[1]
يتوفر المغرب على موارد مائية تقدر بحوالي 22
مليار متر مكعب في السنة، وهو بذلك يصنف من بين العشرين دولة الأكثر إجهادا في
العالم من حيث توفر هذه الموارد، إذ يبلغ النصيب السنوي للفرد من الموارد المائية
حوالي 620 متر مكعب، وهذه الوضعية تضع المغرب تحت عتبة الندرة المزمنة، والتي قد
تتدهور في أفق سنة 2050 لتصل لعتبة الندرة المطلقة المتمثلة في 500 متر مكعب
للفرد.
تقرير المجلس
الأعلى للحسابات برسم سنتي 2019/2020، الصفحة 108، منشور بالجريدة الرسمية عدد
7073 مكرر، بتاريخ 11 شعبان 1443 (14 مارس 2022)، الصفحة 1245.
[2]
عندما تقل المياه التي يتوفر عليها بلد ما عن
1000 متر مكعب للفرد سنويا، فإنه يعتبر في وضعية خصاص في الموارد المائية، أما في
المغرب، فإن الوضع قد أصبح مقلقا على اعتبار أن موارده المائية تقدر حاليا بأقل من
650 متر مكعب للفرد سنويا، مقابل 2500 متر مكعب سنة 1960، ومن المتوقع أن تقل هذه
الكمية عن 500 متر مكعب بحلول سنة 2030، وتشير بعض الدراسات الدولية إلى أن تغير
المناخ يمكن أن يؤدي إلى فقدان 80 في المائة من الموارد المائية المتوفرة في بلادنا
خلال السنوات ال 25 المقبلة.
تقرير المجلس
الاقتصادي والاجتماعي والبيئي: "الحق في الماء والأمن المائي مهددان بسبب
الاستغلال المفرط للموارد المائية"، نقطة يقظة، دون ذكر باقي المعلومات، صفحة
1.
[3]
تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي:
"الحكامة عن طريق التدبير المندمج للموارد المائية في المغرب: رافعة أساسية
للتنمية المستدامة"، مطبعة سيباما، إحالة ذاتية رقم 15/2014، الصفحة 23 و 24.
[4] ظهرت
تقنية الخطارة لأول مرة في المغرب في حوز مراكش، ويــذكر بعــض المـؤرخين أن المهنـدس الأندلسي "عبيـد الله بـن
يـونس" هـو الـذي أنشأ الخطـارة بـالجنوب المغـربي في عهـد المـرابطين، وارتبطـت هـذه التقنيـة بالمجـال
الجـاف والشـبه الجـاف بالواحـات، فهـي تمكـن مـن تصريف
الميــاه لمســافة طويلــة، حيــث يــتم حفــر مجموعــة مــن الأثقاب في شــكل
خطــي ومســتقيم، ويتم الربط بينهما لتسهل عملية تنقية القناة من الشـوائب
والأوحـال، وتســاهم هــذه التقنيــة في التقليــل مــن التبخــر أو اخــتلاس الماء،
ويقــوم بأشــغال الحفــر والصــيانة رجـالات
الواحـات يطلــق علـيهم "الحفــارة"، ولازالـت العديــد مـن الخطــارات
في الوقـت الحــاضر بمراكش وواحات الجنوب الشرقي.
الموساوي العجلاني: "تقنيات استخراج المياه
الباطنية في مناجم الفضة بالمغرب:، مقال منشور ضمن مؤلف جماعي بعنوان: " الماء
في تاريخ المغرب:، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة الحسن الثاني، سلسلة
ندوات ومناظرات، رقم 11، مطبعة المعارف الجديدة، طبعة دجنبر 1996، ص 111 وما بعدها.
[5] يعد الفقه الإسلامي من النظم القانونية التي
اهتمت بهذا الجانب، فهناك فصيل ممن ليس لهم اقتراب كاف من المدونات الفقهية،
يعتقدون أن الفقهاء يتحدثون عن المياه فيما يتعلق بعينها من حيث نجاستها وطهارتها،
لكن الأمر غير ذلك، فالفقهاء يدركون أن الغاية القصوى لأي نظام قانوني هو العدل
الذي يتضح من خلال ضبط العلاقات بين الأفراد من جانب، والدول من جانب آخر، لذا
اهتم الفقهاء المسلمون بقضية توزيع المياه واستغلالها، بين الشركاء وغير الشركاء،
غاية الأمر أن الحديث عندهم لم يأت في مكان واحد غالبا، نظرا للصياغة التي اعتادها
الفقهاء في معظم مدوناتهم، فقضية مثل تلك قد تعثر على فروعها مبعثرة تحت تسميات
شتى، فالمذهب المالكي أورده تحت باب "نفي الضرر وسد الذرائع"، والمذهب
الحنفي في باب 'الشرب"، وعند الشافعية تحت باب "تزاحم الحقوق"،
بينما الحنابلة تحت باب "الصلح".
أحمد حسين عثمان: "تسوية النزاع حول
المياه في الفقه الإسلامي –دراسة تحليلية مقارنة بالقانون الدولي-"، مجلة
الدراسات الإسلامية والبحوث الأكاديمية، العدد رقم 102، القاهرة، بدون ذكر تاريخ
النشر، ص 290 و 291.
[6]
ظهير
شريف صادر بتاريخ 7 شعبان 1332 (فاتح يوليوز 1914) في شأن الأملاك العمومية، منشور
في الجريدة الرسمية بتاريخ 16 شعبان 1332 (10 يوليوز 1919)، ص 257.
[7] ظهير شريف صادر بتاريخ 8 نونبر 1919، منشور في
الجريدة الرسمية عدد 342 بتاريخ 17 شتنبر 1919، ص 734.
[8]
منشور في الجريدة الرسمية عدد 670، بتاريخ 25
غشت 1925، ص 1457.
[9]
فعلى
المستوى المؤسساتي وضع هذا القانون أسس التدبير المندمج والتشاوري والتشاركي
واللامركزي للموارد المائية عبر:
-
مؤسسة
المجلس الأعلى للماء والمناخ الذي يختص أساسا بتحديد توجهات السياسة الوطنية
للماء؛
-
إحداث 9
وكالات للأحواض المائية وإعطاؤها مجموعة من الصلاحيات المهمة في مجال تدبير وحماية
موارد المياه؛
-
إحداث
لجان للماء على صعيد العمالات والأقاليم مهمتها التشجيع على الاقتصاد في الماء
والتحسيس بالمحافظة عليه.
أما على المستوى القانوني، فقد مكن
هذا القانون من وضع القواعد المنظمة للتخطيط والتدبير المندمج للماء، ومحاربة تلوث
المياه، والشروط العامة لاستعمال الملك العمومي المائي، والميكانيزمات المالية من
خلال مبدأ من يجلب الماء يؤدي ومن يلوثه يؤدي.
[10] القانون رقم 10.95 المتعلق بالماء الصادر بتنفيذه الظهير الشريف
رقم 1.95.154 صادر في 18 من ربيع الأول 1416 (16 أغسطس 1995)، منشور في الجريدة
الرسمية عدد 4325 بتاريخ 24 ربيع الآخر 1416 (20 سبتمبر 1995)، ص: 2520.
[11]
دستور المملكة، صادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم
1.11.91 بتاريخ 29 يوليو 2011، منشور في الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر بتاريخ 30
يوليوز 2011، ص: 3600.
[12]
راجع
الفصل 31 من الدستور.
0 تعليقات