الدكتور أحمد جبريل أحمد العويطي
أستاذ القانون الدولي العام المساعد - محاضر بالجامعات الفلسطينية
ومحكم ومدرب
قانوني معتمد
ضوابط استخدام القوة المسلحة في القانون الدولي الإنساني وإشكالية السيادة
Controls of the use of armed force in
international humanitarian law and
the problem of sovereignty
المستخلص
تناول البحث ضوابط استخدام القوة أثناء التدخل المسلح،
تمثلت مشكلة البحث في الإجابة عن بعض الأسئلة وهي ما هي ضوابط استخدام القوة المسلحة ف القانون الدولي ؟ ماهي ضوابط
استخدام القوة المسلحة في فترة النزاعات الدولية؟ وما هو المستند القانوني
لاستخدام القوة المسلحة واشكالية السيادة؟ ، تكمن أهمية
البحث في الوسائل التي يجب ان تتبع في
استخدام القوة المسلحة وضوابطها، يهدف البحث إلى أهمية معرفة الضوابط القانونية الدولية في حالة استخدام القوة المسلحة على
المستوى الدولي والمحلي وسيادة الدول ، اتبع الباحث في بحثه المنهج الوصفي التحليلي لتوضيح المعاني
الخاصة بالنصوص والمواد القانونية ذات الصلة ، وكذلك
استخدام المنهج ، ولتحقيق الأهداف المرجوة من البحث تناول أهمية التوصل للمستند القانوني للتدخل
المسلح وماهي ضوابطه القانونية، توصل الباحث في بحثة الى اهم النتائج وهي: لابد من
ووجود مسوغ قانوني وعارضها مع السيادة
واضح وفقا لنص قانوني في القانون الدولي للتدخل المسلح ، وكانت أهم التوصيات: ضرورة التشديد في حالات
استخدام القوة المسلحة ومعاقبة الدولة التي تتجاوز حدود استخدام القوة المسلحة
وفقا للقانون الدولي الإنساني.
Extracted
The research addressed the controls of the use of force during armed
intervention, the problem of searching for some questions, which are the
controls on the use of armed force in international law? What are the controls
on the use of armed force in the period of international conflict? What is the
legal document on the use of armed force and the problem of sovereignty? The
importance of research lies in the means to be followed in the use of armed
force and its controls, the research aims at the importance of knowing
international legal controls in the case of the use of armed force at the
international and local level and the sovereignty of states, the researcher
followed in his research the descriptive analytical approach to clarify the
meanings of the texts and related legal materials, as well as the use of the
curriculum, and to achieve the objectives of the research addressed the
importance of reaching the document The legal ity of armed intervention and its
legal controls, the researcher in his research reached the most important
results: there must be a legal justification and its opposition with
sovereignty is clear in accordance with a legal provision in international law
of armed intervention, the most important recommendations were: the need to
emphasize in cases of the use of armed force and punish the State that exceeds
the limits of the use of armed force in accordance with international
humanitarian law.
مقدمة:
باتت
مسألة التدخل لحماية حقوق الإنسان والأقليات جزءا من القانون الدولي، وتم إدراجها فعليا من خلال ميثاق مناهضة جرائم الإبادة الجماعية لعام 1948 ، وميثاق جنيف الخاص بقوانين الحرب لعام ، 1949 لكن المتغيرات الدولية في فترة الحرب الباردة حالت دون تطبيق هذه المبادئ والقواعد القانونية .
ولكن
مع انتهاء الحرب الباردة، أصبحت الساحة الدولية مهيأة لنشوء توافق تيار سياسي عام بين القوى الدولية الكبرى حيال مبدأ التدخل الإنساني، بسبب الاتحاد السوفيتي، وهو ما أتاح للولايات المتحدة السيطرة على مجلس الأمن لاستصدار قرارات تجاه القضايا والصراعات الدولية . وحتى في الحالات التي تعذر فيها استصدار قرارات من مجلس الأمن، مثل حالة كوسوفو، فإن الولايات المتحدة وحلف الناتو بادرا بالتدخل عسكريا ،ً من دون غطاء قانوني دولي.
المبحث الأول/ مبدأ حظر استخدام القوة العسكرية
في القانون الدولي
أولا: مبدأ حظر استخدام القوة في عهد عصبة
الأمم :-
لقد كان في عهد عصبة الأمم، أول تطوير لقواعد
القانون الدولي التقليدي المتعلقة بالحرب، فقد أصبحت الحرب طبقًا لنصوص العهد
أمرًا يهم المجتمع الدولي بأسره ويظهر ذلك واضحًا من ديباجة العهد التي نصت على أن
(الأطراف المتعاقدة السامية، رغبة في الدفع قدمًا، بالتعاون الدولي وتحقيق السلام
والأمن الدولي بقبول التزامات بعدم الالتجاء للحرب بتشريع علاقات علنية وعادلة
وشريفة بين الأمم، بالإرساء الراسخ لتفهم القانون الدولي بوصفه قاعدة السلوك
المتبعة في الوقت الحاضر بين الحكومات، وبالمحافظة على العدل باحترام الالتزامات
التعاهدية احترامًا تامًا في معاملات الشعوب المنظمة الواحد بالآخر توافق على عهد
عصبة الأمم.
وطبقًا لعهد عصبة الأمم تعتبر الحرب غير مشروعة
في الحالات الآتية:
1 ـ تعتبر الحرب غير مشروعة إذا شنت قبل عرض
النزاع على التحكيم أو التسوية القضائية أو التحقيق بواسطة مجلس العصبة وفقا لما
جاء بصدر المادة (12/1) من العهد. [1]
2 ـ تعتبر الحرب غير مشروعة إذا نشبت قبل
انقضاء فترة ثلاثة أشهر على صدور قرار التحكيم أو الحكم القضائي أو تقرير المجلس
وفقًا لعجز الفقرة الأولى من المادة الثانية عشر.
3 ـ تعتبر الحرب غير مشروعة إذا أعلنت ضد دولة
قبلت قرار التحكيم أو الحكم القضائي الصادر من المحكمة الدائمة للعدل الدولي أو
تقرير المجلس الصادر بالإجماع في موضوع النزاع ولو بعد مرور فترة الثلاثة أشهر
وفقًا المادتين (13/4، 15/6) من العهد(1)
4 ـ في حالة النزاع بين دولة عضو ودولة ليست
عضوًا في العصبة أو بين دولتين غير أعضاء في العصبة فإن اللجوء إلى الحرب يعد
أمرًا غير مشروع في ظروف معينة وفقـًا للمادة (17/1، 3) من العهد.
5 ـ تعتبر حرب العدوان التي تهم أعضاء العصبة
جمعيًا طبقًا لنص المادة (10) من العهد غير مشروعة، حرب العدوان هي كل حرب ترتكب
خروجًا على التزام الدول الأعضاء باحترام وكفالة السلامة الإقليمية والاستقلال
السياسي للدول ضد أي عدوان خارجي
وفى حالة وقوع حرب عدوانية، أو التهديد بها،
يشير المجلس بالوسائل التي يتم بها تنفيذ هذا الالتزام، وهذا الفرض قد وضع اللبنات
الأولى لمبدأ الأمن الجماعي الدولي، ذلك أن حرب العدوان هذه أصبحت تهم أعضاء
العصبة جميعًا، فوجب عليهم أن يهبوا لتقديم المعونة للمجني عليه طبقًا للمادة (11)
من العهد، ونصت (يعلن أعضاء العصبة بأن أي حرب أو تهديد بها سواء كان أم لم يكن له
تأثير مباشر في أي عضو من أعضاء العصبة جميعًا يعتبر مسألة تهم العصبة جميعا)،
ويعد نص المادة العاشرة من العهد حجر الأساس فيما يتصل بموقفه من الحرب، ورغم ذلك
فقد تعرض لانتقادات عديدة منها أنه تضمن فقط مجرد التزام أخلاقي.[2]
ولعل أهم ما يوجه نص المادة العاشرة، هو
التعارض الواضح مع نص المادة (15/7)، من العهد، الذي أجاز اللجوء إلى الحرب في
ظروف معينة في حين أن نص المادة العاشرة يبدو وكأنه قد حظر اللجوء إلى الحرب
باستثناء حالة
الدفاع الشرعي فضلاً عن أن الأعمال التحضيرية
للعهد لم يأت بها أي إشارة يمكن بها إزالة هذا التناقض وكل ما يمكن استخلاصه منها
هو وجود ارتباط بين نص المادة العاشرة ونص الفقرة السابعة من المادة الخامسة عشر
ولم يقتصر العهد على ما سبق، إنما حاول وضع عقوبات ضد الدول التي تلجأ إلى الحرب
خلافًا للأحكام والشروط التي وضعت في المادة (16) وصحيح أن هذه العقوبات يمكن أن
تكون غير كافية وغير مؤكدة وعرضية ولكن في أحوال معينة تكون قاسية لو طبقتها الدول
جميعا، وفى خلال عهد العصبة استمرت النظرة إلى الحرب ومشروعيتها في حدود النصوص
التي أوردها وسبق الإشارة إليها، وحدث خلال تلك الفترة مجهودات في إطار العصبة
وخارجها فيما يتصل بالأحكام الخاصة بمشروعية الحرب اقتناعًا بضرورة وضع المزيد من
القيود على حق الدول في اللجوء إلى الحرب.
الجهود الدولية في إطار العصبة: (1)
تم في إطار العصبة عدة محاولات لوضع قيود على
حق الدول في استخدام القوة:
1 ـ مشروع معاهدة المساعدة المتبادلة 1923م
2 ـ بروتوكول جنيف للتسوية السلمية للمنازعات
الدولية 1924م
3 ـ تصريح عصبة الأمم بشأن الحرب العدوانية
يتضح مما سبق، أن المحاولات التي جرت قبل ميثاق
الأمم المتحدة، لم تفلح في حظر الحرب أو اللجوء إلى استخدام.[3]
القوة
في العلاقات الدولية، ولم تنجح أيضًا في وضع تنظيم قانوني فعال، في شأن تحريم
استخدام القوة المسلحة في العلاقات الدولية، لعدم وجود نص قانوني في شأن تلك
المسألة، إضافة إلى الأسباب المتعلقة بقصور التنظيم الدولي
ثانيا: مبدأ حظر استخدم القوة في ميثاق الأمم
المتحدة: (1)
جاء ميثاق الأمم المتحدة ليكمل الخطوة النهائية
في مراحل حظر الحرب واللجوء إلى استخدام القوة في العلاقات الدولية، فلم تكن
المعاهدات والوثائق الدولية التي صدرت قبله كافية لتجنب العالم خطر حرب عالمية
أخرى، وهو ما حدث بالفعل، فوقعت الحرب العالمية الثانية التي جرت على العالم
أحزانًا وأهوالاً يعجز عنها الوصف، لذلك لم تجد شعوب العالم ـ بعد انتهاء الحرب
العالمية الثانية ـ مفرًا من السعي قدمًا نحو ترسيخ مفاهيم التضامن والتنظيم
الدولي فتم إنشاء منظمة الأمم المتحدة وقد عبرت عن هذا ديباجة ميثاقها.
تالثا: أساس مبدأ حظر
استخدام القوة في ميثاق الأمم المتحدة:
إن السند القانوني الصريح لمبدأ حظر استخدام
القوة في ميثاق الأمم المتحدة المادة(2/4)(يمتنع أعضاء الهيئة عن التهديد باستخدام
القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي
وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة.
ويوجد في الميثاق بعض المواد التي تشير ضمنًا
أو بطريق المخالفة إلى حظر استخدام القوة في العلاقات الدولية فمثلاً نصت (1/1)
علي (حفظ السلم والأمن الدوليين وتحقيقًا لهذه الغاية تتخذ الهيئة التدابير
المشتركة الفعالة لمنع الأسباب التي تهدد السلم وإزالتها.[4]
فقد أوضحت هذه الفقرة بأن حفظ السلم والأمن
الدوليين من أهم أهداف الأمم المتحدة مما يعنى بطريق المخالفة أن نبذ استخدام
القوة في العلاقات الدولية يعد أيضًا من أهم أهداف الأمم المتحدة، وتؤكد ذلك (2/3)
وتنص علي (يفض جميع أعضاء الهيئة منازعاتهم الدولية بالوسائل السلمية على وجه لا يجعل
السلم والأمن والعدل الدولي عرضة للخطر الواقع أن مبدأ التسوية السلمية الوارد
سلفا يرتبط ارتباطـًا وثيقـًا بمبدأ استخدام القوة في العلاقات الدولية،
فالمنازعات الدولية لا محال موجودة واستخدم القوة محظور فكان من الطبيعي ضرورة
النص على وسيلة أخرى لحل هذه المنازعات الدولية – غير القوة – فجاءت (2/3) لتنص
على مبدأ التسوية السلمية كوسيلة لحل المنازعات الدولية أما نص المادتين (33 و 37)
من الميثاق فهما مكملان لنص (2/3) الخاص بالتسوية السلمية للمنازعات الدولية
فالمادة (33) من الميثاق توضح طرق التسوية السلمية التي يمكن للأطراف المتنازعة أن
تلجأ إليها لحل المنازعات القائمة بينهم أما المادة (37) من الميثاق، فإنها تجعل
لمجلس الأمن دورًا في تسوية المنازعات الدولية في حالة فشل التسوية من خلال الطرق
السابقة التي وردت في المادة (33) سالفة الذكر تنص المادتين (33 و 37) على الكيفية
التي يتم بها تطبيق نص المادة (2/3) بشأن التسوية السلمية للمنازعات الدولية،
والذي يعتبر تطبيقه نتيجة حتمية لالتزام الدول بعدم اللجوء للقوة أو التهديد بها
في علاقاتهم الدولية(1)
إن المجتمع الدولي ـ بعد ميثاق الأمم المتحدة ـ
أصبح ينظر إلى الحروب واستخدام القوة باعتبارهما وسائل غير مشروعة في العلاقات
الدولية، ففي 8 أغسطس 1945م أبرم اتفاق بين كل من فرنسا وبريطانيا والاتحاد
السوفيتي والولايات المتحدة، بإنشاء محكمة عسكرية دولية لمحاكمة مجرمي الحرب، وقد
أرفق بالاتفاق لائحة تضم الأحكام الخاصة بتشكيل المحكمة وإجراءاتها واختصاصاتها
وقد نصت المادة (6) من هذه اللائحة على أن الهدف من إنشاء المحكمة هو محاكمة مجرمي
الحرب كما نصت هذه المادة أيضًا على الجرائم التي تختص بها المحكمة والتي يعد
ارتكابها منشأ للمسئولية الدولية.
ثم تأكدت هذه القاعدة بالنص عليها في المواثيق
الدولية وقرارات هيئة الأمم المتحدة ومن بينها على سبيل المثال لا الحصر:[5]
• قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (290)
الصـادر في 1/12/1949م والذي يسمـى " أسس السلام" تضمن عددًا من المبادئ
دعا القرار الدول الأعضاء إلى احترامها والمبدأ الثاني هو تكرار صريح لنص م (2/4)
أما المبدأ الثالث فقد دعا الدول الأعضاء إلى الامتناع عن أي تهديدات وأعمال
مباشرة أو غير مباشرة تهدف إلى المساس بحرية واستقلال أو تكامل أي دولة أو إثارة
صراعات داخلية وقهر إرادة شعب أي دولة.
• قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم
(2625) الصادر في 24 أكتوبر 1970م الذي أكد على التزام الدول بالامتناع عن الدعاية
لحرب الاعتداء أو التهديد باستخدام القوة أو استعمالها لانتهاك الحدود الدولية لأي
دولة كوسيلة لحل المنازعات الإقليمية.
• القرار رقم (2334) الصادر في 16 ديسمبر 1970،
والمعروف بإعلان "تعزيز الأمن الدولي" الذي نص على دعوة جميع الدول
بمراعاة أهداف ومبادئ الأمم المتحدة في علاقاتهم الدولية خاصة مبدأ الامتناع عن
اللجوء للقوة أو التهديد بها وحل المنازعات الدولية بالطرق السلمية. (1)
• ومن أهم القرارات الصادرة عن الجمعية العامة،
القرار رقم (3314) الصادر في 14 ديسمبر 1974م الخاص "بتعريف العدوان"،
فقد بدأت محاولات تعريف العدوان عن طريق الأمم المتحدة منذ مؤتمر سان فرنسسكو، إلا
أن الجهود التي بذلت في هذا الصدد باءت بالفشل، لم يفت من تصميم الأمم المتحدة على
تعريف العدوان، فبدأت المحاولات مرة أخرى اعتبارًا من عام 1950م عن طريق الجمعية
العامة من خلال لجنة القانون الدولي، وتكليف الأمين العام للمنظمة بإعداد تقرير
شامل عن الموضوع.
ويعتبر تعريف العدوان ضروريًا لاعتبارات حفظ
السلم والأمن الدوليين، وبعد زهاء نصف قرن تسنى لخبراء القانون والسياسة الاتفاق
على تعريف العدوان، بصورة نهائية، حيث كانت المحاولات الأولى قد بدأت منذ عام
1923م في عهد عصبة الأمم. وبعد حل عصبة الأمم واصلت الأمم المتحدة العمل في لجنة
خاصة بتعريف العدوان، ثم تقدمت بمشروع للتعريف يتضمن ثماني مواد إلى الجمعية
العامة في إبريل سنة 1974م. وقد صدر قرار الجمعية العامة رقم 3314 في دورة
الانعقاد التاسعة والعشرين في 15 ديسمبر سنة 1974م بتعريف العدوان كما يلي:[6]
• المادة الأولى: العدوان هو استخدام القوات
المسلحة بمعرفة دولة ضد سيادة ووحدة الأراضي أو الاستقلال السياسي لدولة أخرى، أو
بأي شكل يتنافى وميثاق الأمم المتحدة، ونلاحظ في هذا التعريف أن لفظة
"دولة" استخدمت دون إخلال بمسائل الاعتراف أو ما إذا كانت الدولة عضواً
في هيئة الأمم المتحدة وكذلك يقبل المعنى (مجموعة دول) عندما يكون هذا المفهوم
مناسبًا. (1)
• المادة الثانية: يعتبر استخدام القوات
المسلحة بالمخالفة للميثاق في ظاهر الأمر دليلاً على العدوان ومع ذلك يجوز لمجلس
الأمن وفقاً للميثاق .
• المادة الثالثة: ترقى أية من الأفعال التالية
بصرف النظر عن إعلان الحرب إلى مستوى العدوان، وفقًا لنصوص المادة الثانية:
أ ـ الغزو أو الهجوم بقوات مسلحة تابعة لدولة
لأراضى دولة أخرى أو أي احتلال عسكري حتى ولو كان مؤقتًا نتيجة مثل هذا الغزو أو
الهجوم، أو أي ضم باستخدام القوة المسلحة لدولة ضد أراضى دولة أخرى، أو استخدام
أية أسلحة ضد أراضى دولة أخرى.
ب ـ القصف بالقنابل من القوات المسلحة لدولة ضد
أراضى دولة أخرى أو استخدام أية أسلحة لدولة ضد أراضى دولة أخرى.
ج ـ حصار المواني أو سواحل دولة بالقوات
المسلحة لدولة أخرى.
د ـ هجوم القوات المسلحة على القوات البرية أو
البحرية أو الجوية أو المطارات أو المواني البحرية لدولة أخرى.
هـ ـ استخدام القوات المسلحة لدولة داخل أراضى
دولة أخرى وبموافقة الدولة المضيفة، بالمخالفة للشروط المنصوص عليها في الاتفاقية
أو أي امتداد لوجودها في تلك الأراضي بعد انتهاء الاتفاقية.
و ـ سماح دولة باستخدام أراضيها ضد دولة إذا
وضعتها تحت تصرف دولة أخرى للإعداد للعدوان ضد هذه الدولة الثالثة.
ز ـ إرسال جماعات مسلحة بمعرفة دولة أو عن طريقها،
أو قوات مرتزقة للقيام بأعمال مسلحة ضد دولة أخرى بشكل جدي يرقى إلى الأفعال
المبينة فيما سبق أو انغماسها المادي في ذلك. (1)[7]
• المادة الرابعة: الأفعال المنصوص عليها فيما
سبق ليست على سبيل الحصر ويجوز لمجلس الأمن أن يقرر ما إذا كانت أفعال أخرى تشكل
عدواناً بموجب نصوص الميثاق.
• المادة الخامسة: لا يؤخذ في الاعتبار أية
دوافع سياسية أو اقتصادية أو عسكرية أو غيرها كمبرر للعدوان. وجريمة العدوان هي
جريمة ضد السلام العالمي. وتنشأ عن العدوان مسئولية دولية ولا يعترف قانونًا بضم
أراضى أو الحصول على ميزة خاصة تنتج عن العدوان.
• المادة السابعة: ليس في هذا التعريف بصفة
خاصة المادة الثالثة ما يخل بأي وجه بحق تقرير المصير أو الحرية أو الاستقلال،
وفقًا للميثاق، للشعوب التي حرمت قهرًا من هذا الحق وعلى نحو ما هو مشار إليه في
الإعلان العالمي لمبادئ القانون الدولي فيما يختص بالعلاقات الودية والتعاون بين
الدول وفقًا لميثاق الأمم المتحدة، وخصوصاً الشعوب [8]
تحت الأنظمة الاستعمارية والعنصرية والأشكال
الأخرى للسيطرة الأجنبية، ولا يخل بحق هذه الشعوب في النضال الذي يرمى إلى الحصول
على الدعم والمساندة، ووفقًا لمبادئ الميثاق وبما يتفق والإعلان العالمي المشار
إليه.
• المادة الثامنة: عند تفسير وتطبيق النصوص
السابقة، فإنها تؤخذ بمعانيها معًا، وكل نص يجب أن يفسر في ضوء النصوص الأخرى.
وقد أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة التعريف
السابق بصورة نهائية في 14 ديسمبر 1974م وكان ذلك إنجازًا كبيرًا. وقد صدر هذا
القرار بالإجماع. مما يعطيه أهمية قانونية كبيرة(1)
وتتمثل أهمية هذا القرار في تفسير بعض نصوص
الميثاق وبصفة خاصة المواد (39، 41، 42) من الفصل السابع الخاص بالأعمال التي يمكن
أن يتخذها مجلس الأمن في حالات تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان، علمًا بأن
هذا القرار لم يتضمن حصرا للأعمال التي يمكن أن تشكل عدوانًا، وبالتالي فإنه يمكن
الرجوع إليه .
• مشروع مدونة الجرائم المخلة بسلم الإنسانية
وأمنها، ففي عام 1954م، قامت لجنة القانون الدولي بمشروع المدونة، إلى الجمعية
العامة للأمم المتحدة، التي رأت في قرارها رقم (897 د/9) الصادر في 4 ديسمبر لسنة
1954م، ولكن المشروع كما صاغته اللجنة يثير مشاكل ذات صلة بالمشاكل التي يثيرها
تعريف العدوان، ولذلك قـررت المدونة إرجاء النظر في مشروع المدونة إلى أن يتم
تعريف العدوان وفى العاشـر من ديسمبر لسنة 1981م دعت الجمعية العامة في قرارها
(106/ د36) لجنة القانون الدولي إلى استئناف عملها من أجل إعداد مدونة الجرائم
المخلة بسلم الإنسانية وأمنها وهو النوع الأول من الجرائم المنصوص عليه في المادة
(15/2) التي تنص على ما يلي(استعمال دولة ما للقوة المسلحة ضد سيادة دولة أخرى أو
سلامتها الإقليمية أو استقلالها السياسي أو بأي صورة أخرى تتنافى مع ميثاق الأمم
المتحدة.[9]
• المادة (16) من المشروع الخاص بجريمة العدوان
فنصت على أنه: (يتمثل التهديد بالعـدوان في إصدار بيانات أو إجراء اتصالات أو
استعراض للقوة أو تدابير أخرى من شأنها أن تحمل حكومة دولة ما على الاعتقاد حقًا
بوجود تفكير جدي في ارتكاب عدوان على هذه الدولة. (1)
• ويعالج مشروع نص المادة (17/2) جريمة التدخل
بأنها تتمثل التدخل في الشئون الداخلية أو الخارجية لدولة ما بالتحريض على القيام
بأنشطة "مسلحة" هدامة أو إرهابية، أو في تنظيم هذه الأنشطة أو المساعدة
عليها أو تمويلها، أو تقديم الأسلحة اللازمة لها، والإخلال بذلك "على نحو
خطير" بحرية ممارسة هذه الدولة لحقوقها السياسية.
• وينص مشروع المادة (24) على جريمة الإرهاب
الدولي بأنها عبارة عن: (مباشرة أعمال ضد دولة أخرى أو تنظيمها أو مساعدتها أو تمويلها
أو تشجيعها أو السكوت عنها، وتكون أعمالاً موجهة ضد الأشخاص أو الأموال ومن شأنها
إثارة الرعب في أذهان الشخصيات العامة والجمهور بصفة عامة).
وهذا النص جاء متفقًا والتطورات العالمية التي
تعمل على مكافحة الإرهاب، وتعمل على إنزال أقصى العقـوبات بمرتكبيه، والمقصود هنا
بالإرهـاب الدولي وليس الداخلي أي الإرهاب الموجه من دولة ضد دولة، أو إرهـاب
الجمـاعات والمنظمات على الصعيد الدولي أي التي تشتمل على عنصر أجنبي.
ما سلف، كان أهم المواثيق الدولية والقرارات
التي صدرت عن هيئة الأمم المتحدة التي تؤيد وتؤكد ما ورد في نص الفقرة الرابعة من
المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة، وهو المبدأ الذي أصبح من النظام العام في
القانون الدولي العام.
رابعا: المقصود بالقوة المحظورة في الفقرة
الرابعة من المادة الثانية (م2/4):
نصت المادة (2/4) على أن: (يمتنع أعضاء الهيئة
جميعها في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة
الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم
المتحدة).[10]
يمكننا أن نستخلص من نص المادة (2/4) سالف
الذكر، أن الدول يحظر عليها ما يلي:
1 ـ التهديد بالقوة أي مجرد التهديد بها.
2 ـ استخدام القوة الفعلية ضد:
أ ـ السلامة الإقليمية. (1)
ب ـ الاستقلال السياسي لدولة عضو من أعضاء
المنظمة.
ج ـ استخدام القوة على نحو لا يتفق مع أهداف
الأمم المتحدة.
لا يشترط توافر نية عدوانية من الدولة حتى
تنتهك الحظر بالمادة (م/2/4) لصعوبة إثباتها.
وقد ثار خلاف في الفقه والعمل الدوليين حول
تفسير معنى كلمة "القوة" الواردة في نص المادة (2/4) من حيث أنها تنصرف
فقط إلى القوة المسلحة أم تمتد فتشمل الضغوط الاقتصادية والسياسية أيضًا، وهناك
اتجاهين رئيسيين:
الاتجـاه الأول: التفسـير الواسـع:
يرى هذا الاتجاه أن اصطلاح " القوة "
الذي ورد في المادة (2/4) من الميثاق يشمل القوة المسلحة وغير المسلحة، بحيث تشمل
الضغوط السياسية والاقتصادية والدبلوماسية[11]
وقد أستند أنصار هذا الرأي إلى الأسانيد
التالية:
1 ـ أن المادة (2/4) لم تحصر الصور المحظورة
للقوة، بل بينت أنها تلك الموجهة ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة
والتي لا تتفق مع مقاصد الأمم المتحدة وليست القوة المسلحة وحدها هي التي من شأنها
حدوث ذلك.
2 ـ يستند أنصار هذا الاتجاه أيضًا إلى القياس
على أحكام المادتين (41، 42) من الميثاق اللتين تتحدثان عن التدابير العسكرية وغير
العسكرية التي يجوز لمجلس الأمن اتخاذها، حيث يتلخص منهما أن استخدام التدابير
الاقتصادية هو أحدى صور استخدام القوة .
3 ـ نصت مواثيق بعض المنظمات الدولية الإقليمية
على حظر لجوء الدول الأعضاء منها إلى وسائل الضغط الاقتصادي أو السياسي في علاقاتها
المتبادلة، ومن أمثلة ذلك منظمة الدول الأمريكية في المادة (18، 19) من ميثاق
منظمة الدول الأمريكية. (1)
4 ـ ويستندون أيضًا إلى الوثائق الدولية
الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تشجب التدخل وممارسة الضغوط
السياسية والاقتصادية في العلاقات الدولية باعتبارها مفسرة لكثير من نصوص الميثاق
وعلى سبيل المثال نشير إلى .
أ ـ القرار رقم (2131) في 31/12/1965م والمعروف
باسم إعلان عدم جواز التدخل في الشئون الداخلية للدولة وحماية استقلالها وسيادتها
(م/2) من هذا القرار.
ب ـ القرار رقم (2625) لسنة 1970م الخاص بإعـلان
مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول وفقًا لميثاق
الأمم المتحدة.
ج ـ تقرير اللجنة الخاصة المعينة بزيادة فعالية
مبدأ عدم استعمال القوة في العلاقات الدولية، فقد ورد في ورقة العمل المقدمة للجنة
من دول عدم الانحياز أن استعمال القوة أو التهديد بها لا يشمل القوة العسكرية
فحسب، بل أيضًا جميع استعمالات القسر الاقتصادي والقسر السياسي، هذا وقد أنشئت هذه
اللجنة بقرار الجمعية العامة رقم 150 في 1/12/1977م .
5 ـ أن المادة (2/4) من الميثاق استعملت لفظ
القوة Force
بدلا من لفظ " العنف " Violence عائد إلى أن
واضعي الميثاق قد أرادوا وأن يشملوا بالحظر القوة المسلحة ووسائل القهر الأخرى
إضافة إلى ما سبق، فأن هذا التفسير يتفق مع
آراء قضاة محكمة العدل الدولي في رأيهم الاستشاري بشأن نفقات الأمم المتحدة عام
1962م ونحن نؤيد الاتجاه.
الاتجـاه الثاني: التفسـير الضيـق: [12]
يرى أنصار هذا الاتجاه أن المقصود بالقوة ينصرف
إلى القوة المسلحة ولا يتجاوزها لكي يشمل الضغوط السياسة والاقتصادية . ويستند
أنصار هذا الاتجاه إلى:
1 ـ أن تفسير المادة (2/4) يجب أن يكون على ضوء
ديباجة الميثاق والنصوص الأخرى وقد نصت الديباجة على "منع استخدام القوة
المسلحة إلا للأغراض المشتركة" كما نصت المادة (44) على أنه (إذا أقرر مجلس
الأمن استخدام القوة فإنه قبل أن يطلب من عضو غير ممثل فيه تقديم القوات المسلحة)
فمضمون هذه المادة يفيد أن لفظ القوة الوارد في الميثاق إنما يقصد به القوة
المسلحة، ولا ينصرف إطلاقا إلى ما يسمى بالعدوان الاقتصادي أو العدوان
الأيديولوجي، وإن كانت هذه التدابير تمثل تهديدًا للسلم الدولي تقع تحت طائلة
المادة (39) من الميثاق.
2 ـ أن الأعمال التحضيرية للمادة (2/4) من
الميثاق تؤكد أن مراد واضعي الميثاق من لفظ القوة هو القوة المسلحة.
3 ـ كان من بين الاقتراحات التي عرضت بخصوص
صياغة هذه المادة، الاقتراح الذي تقدمت به البرازيل في مؤتمر سان فرانسيسكو ويهدف
إلى اعتبار إجراءات الضغط الاقتصادي من قبيل الاستخدام غير المشروع للقوة ورفض هذا
الاقتراح.
إن أصحاب هذا الاتجاه ردوا على حجج أنصار الرأي
الأول التفسير الواسع. ففي معرض الرد على السند الأول قالوا:
• أنه إذا كانت كل من القوة المسلحة والضغوط
الاقتصادية من الممكن أن تمس السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي، إلا أننا
نسلم مع الجميع بأن المادة (2/4) من الميثاق لا تعالج كل صور استخدام القوة، لأنها
تعالج في نصوص أخرى عديدة من الميثاق .[13]
والـرد علـى السـند الثاني:
• أن المقابلة بين نص (م/2/4) ونصوص الفصل
السابع من الميثاق تبدو غير لازمة في هذا المقام ولا قيمة لها، لأن المادة (2/4)
تبين الالتزام المفروض على الدول الأعضاء بعدم اللجوء لاستخدام القوة، أما نصوص
الفصل السابع تبين سلطات واختصاصات مجلس الأمن في حفظ السلم والأمن
خامسا: نطاق تطبيق الحظر الوارد في نص م2/4 من
الميثاق:
إن الحظر الوارد في نص (م2/4) من الميثاق، جاء
عامًا وغير مفصل، الأمر الذي يدعونا إلى التساؤل عما إذا كان هذا الحظر لاستخدام
القوة أو التهديد بها قاصرًا على علاقة الدول ببعضها البعض أم هذا الحظر يشمل
استخدام القوة في العلاقات الداخلية كقيام ثورة داخل الدولة.
وقد أنقسم الفقه في ذلك إلى رأيين:
الأول: يرى أن حظر استخدام القوة الوارد في نص
(م2/4) من الميثاق يسرى على الحروب والمنازعات الداخلية، كما يسرى على استخدام
القوة في العلاقات الدولية، وقد استند أنصار هذا الرأي على ما يلي:
أ ـ نصت (م2/4) من الميثاق على منع الدول في
علاقاتها الدولية عمـومًا، أي سواء كانت خاصة بالمسائل الداخلية أو بالمسائل
الخارجية من التهديد باستخدام القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي والاستقلال
السياسي لأية دولة أو على أي وجه لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة. (1)
ب ـ لمجلس الأمن أن يتخذ تدابير القسر طبقًا
للفصل السابع من الميثاق حتى بالنسبة للأمور التي تعد من صميم السلطان الداخلي
للدول الأعضاء (م/39) من الميثاق فإذا علمنا أن الفصل السابع يعمل على حفظ السلم
والأمن الدولي، وأن الالتجاء إلى القوة في بعض الأمور الوطنية .[14]
أجله أورد هذا الاستثناء فالذي يؤدى إلى ذلك
منع الدول من الالتجاء إلى القوة في هذه الأمور حتى لا يتهدد السلم والأمن
الدوليين، أي يعتبر عملها عدوانيًا، فيضطر المجلس إلى التصرف طبقا للمادة (39) من
الميثاق
وقد أيد بعض الفقهاء هذا الرأي، ولكن بشرط أن
تهدد الاضطرابات الداخلية السلم والأمن الدوليين أو تتم بطريقة تخالف مقاصد الأمم
المتحدة.
الرأي الثاني: يرى أصحاب هذا الرأي أن نص
(م/2/4) يقتصر مجاله على العلاقات الدولية، أي بين دولة وأخرى، وبالتالي فإن
المنازعات الداخلية تخرج عن نطاق الحظر الوارد في نص المادة السالفة ,يستوي أن
تكون الدولة صغيرة أو كبيرة كاملة السيادة أو ناقصة السيادة.
قد استند أنصار هذا الرأي إلى:
إن هذا التفسير يتفق مع نص المادة (2/7) من الميثاق
التي نصت على أن: (ليس في هذا الميثاق ما يسوغ للأمم المتحدة أن تتدخل في الشئون
التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما وليس فيه ما يقتضى الأعضاء أن يعرضوا
مثل هذه المسائل .
رابعًا: الطبيعـة القانونيـة للمـادة (2/4) من
الميثـاق:
يستند تحريم استخدام القوة في عصر التنظيم
الدولي إلى نص المادة (2/4) من الميثاق، ويستمد قيمته القانونية من قيمة ميثاق
الأمم المتحدة ذاته، وميثاق الأمم المتحدة يعلـو على أي التزام أو معاهدة دولية
عقدت أو ستعقد بين الدول أعضـاء الأمم المتحـدة وغيرها، وذلك طبقـًا للمادة (103)
من الميثاق التي نصت على أنه: (إذا تعارضت الالتزامات التي ترتبط بها أعضاء الأمم
المتحدة، وفقًا لأحكام هذا الميثاق مع أي التزام دولي آخر يرتبطون به فالعـبرة
بالتزاماتهم المترتبة على هذا الميثاق).[15]
لذلك أصبح الحظر الوارد بالمادة (2/4) من
الميثاق قاعدة قانونية دولية ملزمة للدول الأعضاء وغير الأعضاء في الأمم المتحدة،
استثناءً من مبدأ نسبية أثر المعاهدات، لتعلقه بالحفاظ على السلم والأمن الدوليين،
الذي يعتبر مقصد وهدف لكل دول العالم، أي للجماعة الدولية بأسرها.
بل أصبح الأمر أكثر من ذلك، فأصبحت هذه القاعدة
الواردة في (م2/4) من القواعد الآمرة في القانون الدولي العام، أي من النظام العام
الدولي، مما يترتب عليه عدم جواز مخالفتها حتى ولو بالاتفاق، فأي اتفاق يبرم يخالف
تلك القاعدة يعتبر باطلاً بطلانًا مطلقًا، ولا ينتج أثره القانوني بين أطرافه، فلا
يجوز الادعاء بحاله الضرورة، أو المصالح الحيوية، أو أي اعتبارات أخرى سياسية كانت
أو اقتصادية أو عسكرية وقد أكد ذلك قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (3314)
الخاص بتعريف العدوان في مادته الخامسة، ومضمون الالتزام الوارد ينص المادة (2/4)
الامتناع عن استعمال القوة أو التهديد باستعمالها، ينصرف إلى القوة المسلحة وشتى
أنواع القوة مثل الضغوط السياسية والاقتصادية، شريطة أن تمس سيادة الدول
واستقلالها، كما ينصرف إلى العلاقات بين الدول ولا يمتد حكمة إلا في حالة النزاعات
الداخلية التي تهديد السلم والأمن الدوليين أو يتم استخدام القوة في هذه النزعات
بطريقة تخالف أهداف ومبادئ الأمم المتحدة.
سادسا: الاستثناءات الواردة على مبدأ حظر
استخدام القوة
اختلف الفقه الدولي حول الاستثناءات الواردات
على مبدأ حظر استخدام القوة في القانون الدولي العام، فمن قائل بأن الاستثناءات
واردة في ميثاق الأمم المتحدة بخلاف عهد العصبة، وميثاق باريس ومن قائل بأن هناك
استثناء لم يرد في ميثاق الأمم المتحدة ولكنه يظهر بالمخالفة للخطر الوارد في
م/2/4 من الميثاق، ومن قائل بأن هناك استثناء أظهرته التطورات الحديثة في العلاقات
الدولية.
ولحسن الدراسة والعرض، نتعرض بالدراسة هناك للاستثناءات
التي اختلف الفقه حولها، سواء الواردة في ميثاق الأمم المتحدة، أو التي قال بها
الفقه الدولي، وهذه الاستثناءات يمكن تقسيمها إلى:
أ ـ استثناءات واردة في ميثاق الأمم المتحدة.
ب ـ استثناءات قال بها الفقهاء الدوليين.
أ ـ استثناءات واردة في ميثاق الأمم المتحدة:
هناك خمس حالات لاستخدام القوة المسلحة طبقا
لميثاق الأمم المتحدة أربعة منها تم النص عليها صراحة، والخامسة لم يوضح في شأنها
كيفية استخدام القوة المسلحة، لكنها تم النص والتأكيد عليها بعد صدور الميثاق،
بموجب مجموعة من قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهى حق الشعوب في تقرير
مصيرها.[16]
أولاً: تدابير الأمن الجماعي الدولي:
تنص المادة (42) من الميثاق أنه: (إذا رأى مجلس
الأمن أن التدابير المنصوص عليها في المادة (41) لا تفي بالغرض أو ثبت أنها لم تف
به، جاز له أن يتخذ بطريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ
السلم والأمن الدوليين أو لإعادته إلى نصابه، ويجوز أن تتناول هذه الأعمال
المظاهرات والحصر والعمليات الأخرى بطريق القوات الجوية أو البحرية أو البرية
التابعة لأعضاء الأمم المتحدة).
ورد في هذه المادة حالة تدابير الأمن الجماعي
الدولي، وهى التدابير التي يتم اتخاذها من قبل مجلس الأمن طبقًا لأحكام الفصل
السابع من الميثاق، والتدابير التي تتخذها الجمعية العامة بناءً على قرار الاتحاد
من أجل السلم. وقد سبق دراسة الأمن الجماعي الدولي.[17]
ثانيًا: التدابير التي تتخذ ضد الدول الأعداء،
بمقتضى المادة (53/1) أو المادة (107)
وقد فقد هذا الاستثناء علة وجوده، وذلك بعد أن
طرأت تغييرات جوهرية على الظروف الدولية التي كانت سائدة وقت الحرب العالمية
الثانية، وأصبحت الدول الأعداء في هذه المادة والتي استهدفت بهذا النص وهى ألمانيا
وإيطاليا واليابان أعضاء في الأمم المتحدة.
ثالثًا: الأعمال المشتركة التي قد تلزم لحفظ
السلم والأمن الدوليين التي تتخذها الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن
بمقتضى المادة (106) من الميثاق:
وتشير هذه المادة إلى قيام الدول الخمس الدائمة
العضوية في مجلس الأمن بالنيابة عن الأمم المتحدة، بالأعمال المشتركة اللازمة لحفظ
السلم والأمن الدوليين، في حالة عدم وجود قوات مسلحة تحت سيطرة وإدارة الأمم
المتحدة، طبقًا لنص المادة (43) من الميثاق، وتلك هي الحالة القائمة عليها الآن
تلك المنظمة منذ إنشائها، ولذلك فمـن المتصور هنا استخدام القوة المسلحة إذا كان
ذلك لازمًا لحفظ السلم والأمن الدوليين طبقا للمادة (106).
رابعًا: حالة الكفاح المسلح لتقرير المصير:
أباح ميثاق الأمم المتحدة استعمال القوة للدفاع
عن حق تقرير المصير، وقد عبر الميثاق عن حق تقرير المصير في مواضع عدة، وقد سبق
دراسة هذه الحالة في الفصل الثاني.
خامسًا: الدفاع الشرعي طبقا للمادة (51) من
الميثاق:
يعد نص المادة (51) من الميثاق أهم وأخطر
استثناء ورد في الميثاق خاصة وفى القانون الدولي عامة، وقد أثارت هذه المادة (51)
وما نصت عليه من قاعدة الدفاع الشرعي الكثير والكثير من الجدل الفقهي والقضائي
الدوليين أكثر ـ في نظر بعض الفقهاء ـ من نص المادة الثانية الفقرة الرابعة،
والمادة (51) تمثل المبدأ الأساسي لاستخدام القوة المسلحة في القانون الدولي
المعاصر .
لدرجة التلازم بين الدفاع الشرعي في القانون
الدولي ومبدأ خطر استخدام القوة في العلاقات الدولية، فمنذ اللحظة التي أخذ فيها
بهذا المبدأ في معاهدة دولية أثيرت التساؤلات حول ما إذا كان لدولة الحق في أن
تدافع عن نفسها باستخدام القوة إذا ما تعرضت لعدوان من دولة أخرى.
ب ـ الاستثناءات التي قال بها بعض الفقهاء
الدوليين: [18]
بالإضافة إلى حالات استخدام القوة المسلحة
المنصوص عليها من ميثاق الأمم المتحدة، ذهب بعض الفقهاء إلى القول بوجود حالات
أخرى مشروعة دوليًا لأنها لا تتعارض والأحكام العامة لميثاق الأمم المتحدة أو
القانون الدولي العام، وتتمثل في ثلاث حالات هي:
1 ـ التدخل.
2 ـ الحق في استخدام القوة لفرض احترام القانون
في حالات فشل أجهزة الأمم المتحدة في القيام بوابها، أو الحق في مساعدة الذات.
3 ـ الحق في الحماية المسلحة للحقوق التي تتعرض
إنكارًا عنوة "إنكار الحقوق الدولية".
1- التدخــل: التدخل بصفة عامة يعنى، قيام دولة بفرض إرادتها على دولة أخرى من أجل الإبقاء
على النظام السائد فيها أو تغيره، فالتدخل هو عمل إرادي من جانب دولة تتعرض به
للشئون الداخلية أو الخارجية لدولة أخرى، ويتخذ التدخل صور شتى؛ فقد يكون داخليا
أو خارجيا، وثقافيًا أو اقتصاديًا فرديًا أو جماعيًا، سياسيًا أو عسكريًا أو
أيديولوجيًا، والتدخل بذلك لا يعد عملا غير مشروع فحسب في القانون الدولي المعاصر،
بل يعد أحدى الجرائم الدولية طبقًا لمشروع مدونة الجرائم المخلة بسلم الإنسانية
وأمنها، بحيث أصبح الالتزام الدولي بعدم التدخل من قواعد العرف الدولي المستقرة في
ضمير الشعوب، فبلغ الالتزام بالقاعدة العامة العرفية التي تحرم استخدام القوة أو
التهديد باستخدامها في العلاقات الدولية .
عدم التدخل أحد المبادئ العامة في القانون
الدولي المعاصر، وقد ورد في ميثاق الأمم المتحدة بنص المادة (2/7) منه عندما ذكر
أنه ليس في هذا الميثاق ما يسوغ "للأمم المتحدة" أن تتدخل في الشئون
التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما) وإذا كان التدخل في الشئون الداخلية
للدول الأعضاء أمرًا محظورًا على المنظمة العالمية فمن باب أولى محظور في علاقات
الدول بعضها البعض والتدخل محظور بمقتضى القواعد الدولية سواء كان واقعًا على
الشئون الداخلية أو الخارجية للدول الأخرى، وقد تضمن إعلان مبادئ القانون الدولي
الخاص بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول وفقًا لميثاق الأمم المتحدة، والذي
أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1970م الإشارة إلى عدة مبادئ تتعلق بعدم
التدخل، وقد أشار الإعلان بصفة خاصة إلى بعض الحقوق الأساسية للدول والتي لا يمكن
التنازل عنها ومنها حقهم في اختيار نظامها السياسي أو الاقتصادي أو الثقافي.
وقد تصدى الفقه الدولي لدراسة مبدأ عدم التدخل
المشروع وغير المشروع دوليًا، ولذلك فإن الفقه اتجه إلى تقييد تطبيق هذا المبدأ
بمجموعة شروط يمكن تلخيصها فيما يلي:[19]
أ - يجب أن يكون الرضا بالتدخل صادرًا عن هيئة
تمثل حقيقة إرادة الدولة المعنية أي الحكومة الشرعية التي تمثل الدولة بصورة
واقعية عن ذلك الرضا.
ب- يجب أن يكون الرضا بالتدخل صحيحًا خاليًا من
عيوب الرضاء مثل الغلط أو التدليس أو الإكراه، كذلك يجب أن يكون قد تم وفقا
للأوضاع الدستورية للدولة التي ارتضت بالتدخل ".
ج- يجب أن تراعى الدولة المتدخلة حقوق كافة
الدول وليس فقط الدولة طالبة التدخل فلا يبرر رضاء دولة ما بتدخل دولة أخرى في
أراضيها وأن تقوم هذه الأخيرة بالتدخل لدى دول أخرى ارتبطت مع الدولة طالبة التدخل
بميثاق دفاعي "تكتل عسكري" .
د- يجب ألا يتعارض أو يخالف التدخل والرضا به،
قاعدة أمرة من قواعد القانون الدولي، كأن ترتكب أثناء التدخل أعمال عدوانية،
فالعدوان محـرم في جميع صورة وأيضًا لا يعتبر الرضا قانونًا ومنتجًا لآثاره
القانونية إذا كان من شأنه الحفاظ وإعادة نظام استعماري.
هـ- ينبغي أن يكون الرضاء سابقًا على التدخل
باستعمال القوة، فإن كان لا حقـًا عليه فإنه لا ينفى عنه "أي التدخل"
عدم المشروعية، ولكنه يعد تنازلاً من الدول المعنية عن المطالبة بترتيب الآثار
الناجمة عن التدخل غير المشروع فى إقليمها بالمخالفة لمبدأ خطر استخدام القوة في
العلاقات الدولية.
إلا أن الفقه الدولي لم يتفق على الحالات
الاستثنائية للتدخل المشروع دوليا، ولكن يمكن القول بأن أهم هذه الحالات هي
1- التدخل الجماعي طبقًا لميثاق الأمم المتحدة
(المواد 2/7، 39، 51(1)
2- التدخل الاتفاقي بناءً على موافقة صريحة
صادرة من الدولة المتدخل في شئونها.
3- التدخل في شئون الدول المشمولة بالحماية
بالنسبة للدولة الحامية.
4- الدفاع عن الذات أو الدفاع الشرعي لمواجهة
خطر هجوم مسلح سواء أكان التدخل فرديًا أو جماعيًا وفقًا للأحكام الواردة في نص
المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة.
5- التدخل في حالة ما إذا كانت الدولة المتدخل
في شئونها قد ارتكبت مخالفة خطيرة لأحكام القانون الدولي العام في حق الدولة
المتدخلة كأن تكون هي نفسها قد بدأت بالتدخل في شئون الدولة الأخيرة دون سند من
القانون الدولي.[20]
2 ـ الحق في استخدام القوة المسلحة لفرض احترام
القانون:
كان هذا الحق مشروعًا في القانون الدولي
التقليدي أي قبل عصر التنظيم الدولي، حيث كانت الدول تلجأ إلى استخدام القوة لفرض
احترام القانون، حيث لم تكن هناك أجهزة متخصصة في النظام الدولي تمارس مثل هذه
المهمة، لذلك كانت الدول تمارس هذه الوظيفة عن طريق الحرب، أي باستخدام القوة التي
كان وسيلة مشروعة من وسائل فض المنازعات، فقد كانت قوات الحلفاء تعتبر قيامها
بالحرب ضد ألمانيا في الحرب العالمية الأولى لفرض احترام القانون الدولي.
ولكن في عصر القانون الدولي المعاصر "عصر
التنظيم الدولي" أخذت فكرة هذا الحق في الاختفاء تدريجيًا، حتى أصبحت تتعارض
– من حيث المبدأ – مع مفهوم القانون ذاته وتأكد ذلك في نص المادة (2/4) من ميثاق
الأمم المتحدة الذي نص – لأول مرة – على قاعدة حظر استخدام القوة أو التهديد بها
في العلاقات الدولية من جانب الدول بصورة مجتمعة أو منفردة بما لا يتفق والأحكام
العامة في الميثاق.
ولكن ومع ذلك فقد ظل جانب من الفقه يتمسك بهذا
المبدأ، خاصة فى الحالات التى تفشل فيها الأجهزة الدولية، عن القيام بوظيفتها،
بحفظ السلم والأمن الدوليين ورد الحقوق إلى أصحابها.[21]
3 ـ الحق في الحماية المسلحة للحقوق التي تتعرض
للإنكار عنوة:
يتلخص مضمون حق الدولة في حماية وتأكيد حقوقها
التي يتم إنكارها بصورة مخالفة للقانون في ثلاث حالات رئيسية هي
أ - حق الدولة في اتخاذ تدابير الحماية المسلحة
لتأمين إقليمها ضد الأعمال المشروعة المخالفة لحقوق الدولة في سلامة إقليمها والرد
على حالات التدخل غير المباشر غير المشروع سواء أكان ذلك في شكل مادي أو أي
مساعدات أخرى للقيام بعمليات إرهابية على إقليم الدولة .
ب- حق الدولة الساحلية، دولة العلم في حماية
وتأكيد حقوقها في المناطق البحرية التي تعد جزاءً من إقليم دولة أو أكثر من دولة
والتي يطبق فيها نظام خاص للملاحة البحرية كما في حالة البحر الإقليمي والمضايق
الدولية.
ج- تأمين وتأكيد حقوق جميع الدول وحرياتها في
المناطق التي لا تخضع للسيادة الإقليمية لأية دولة (وعلى وجه الخصوص في سطح أعالي
البحر وأسفلها، والمنطقة الاقتصادية الخالصة).
هذا وقد وصفه الفقيه "والدوك" بأنه
نوع خاص من الحقوق، وأنه يتم ممارسته في حالات محددة وتستند مشروعيته إلى النصوص
الاتفاقية الدولية وقواعد العرف الدولي، وأن من أهم خصائص هذا الحق ما يلي:
1- إن استخدام القوة المسلحة، في هذا الحق، هو
استخدام محدود لا يرقى إلى درجة استخدام القوة المسلحة في حالة الدفاع عن النفس.
2- يخضع استخدام القوة المسلحة، في هذا الحق،
لشرطي الضرورة، والتناسب.
3- يستند استخدام هذا الحق إلى نص اتفاقي أو
عرف دولي
لا يعد هذا الحق نوعًا من المساعدة الذاتية أو
الانتقام لأنه لا يستهدف توقيع العقاب، كما أنه يتم طبقًا للقانون الدولي المعاصر.
[22]
هذا الحق محل خلاف كبير بين الفقهاء في القانون
الدولي، ويبدو أن هذا الخلاف الفقهي قد انتقل إلى لجنة القانون الدولي بالأمم
المتحدة، وهى بصدد مناقشة حالة الضرورة كأحد الأسباب النافية للمشروعية الدولية،
وقد ثار خلاف حول مشروعية لجوء الدولة إلى استخدام القوة المسلحة في غير حالات
الدفاع الشرعي، أو الحالات التي لا ترقى إلى درجة الهجـوم المسلح ومن أمثلة:
1- قيام الدولة ببعض الغارات الجوية على إقليم
دولة أخرى لمنع قيام جماعة مسلحة تقوم بالإعداد لهجوم مسلح من أعلى إقليم تلك
الدولة ضد الدولة الأولى.
2- مطاردة الجماعات المسلحة أو الخارجة على
القانون بالتسلل عبر حدود دولة أخرى وقاموا باستخدام إقليمها كقاعدة لانطلاقهم.
3- حماية مواطني الدولة من الاعتداءات الصادرة
من القوات أو جماعات لا تعمل تحت إشراف أية دولة.
4- استخدم القوة المسلحة للحد من مصادر الخطر
التي تصل إلى مناطق الحدود الطبيعية القانونية لحق الدولة في حماية وتأكيد حقوقها
التي يتم إنكارها مخالفة للقانون:
يرى أنصار هذا الحق، أنه يختلف عن الدفاع
الشرعي، لأنه يستخدم في الحالات التي لا ترقى إلى درجة الهجوم المسلح المستوجب
للدفاع الشرعي. كما أنه يختلف عن الحماية الذاتية المسلحة أو التدابير الثأرية
المسلحة بأنه لا يخالف نص المادة (2/4) من الميثاق، ويتميز هذا الحق عن الانتقام
المسلح بأن الأخير يتضمن معنى العقاب علاوة على أنه مخالف لنص المادة (2/4) من
الميثاق ويختلف أيضًا عن التدابير المضادة التي تعتبر رد فعل مشروع عن فعل غير
مشروع، أما هذا الحق والذي يتضمن قدرًا من استخدام القوة المسلحة من أجل تأكيد
حقوقها وحمايتها فهو تصرف مشروع من حيث المبدأ
المبحث الثاني
:-التدخّل الدولي الإنساني وإشكالية السيادة
مع ازدياد معاناة الأفراد وتعرّض حياتهم للخطر،
بسبب النزاعات المسلّحة الداخلية والإقليمية، والجريمة المنظّمة، وانتشار الأسلحة
الخفيفة وأسلحة الدمار الشامل، والأعمال الإرهابية، والتي ذهب ضحيتها ملايين
الأشخاص، برزت المصاعب أمام المجتمع الدولي لتلبية متطلّبات البشرية وحاجاتها
الضرورية. (1)
فقد اصطدمت الحاجة إلى التدخّل الدولي لأسباب
إنسانية بجميع مواثيق حقوق الإنسان الدولية والإقليمية وإعلاناتها وعهودها
واتفاقياتها ومبادئها، وخصوصًا مبدأي السيادة وعدم التدخّل في شؤون الدول الداخلية
المنصوص عليها في هذه المواثيق الدولية والإقليمية. ويقصد بالتدخل الدولي الإنساني
التدخّل غير المادي، والتدخّل الذي يستند إلى عمليات إنسانية من قبل منظمات دولية
تتطلّب موافقة مسبقة ومشروطة من الدول المعنية، والتدخّل الإجباري لتأمين وصول
المساعدات الإنسانية وتوزيعها من قبل الأمم المتحدة مصحوبة بوحدات عسكرية والتي لا
تتطلّب موافقة الدول المعنية، والتدخّل الوقائي في إطار الديبلوماسية الوقائية .[23]
أولا: الإطار القانوني لسيادة الدول
والاستثناءات
ما أهم المواثيق والقرارات والمستندات الدولية
والإقليمية، على صعيد القانون أو الفقه أو الاجتهاد الدولي، التي تقرّ بمبدأ
السيادة المطلقة للدول من خلال حقّها بالتصرّف بحرّية تامة بشؤونها الداخلية
والخارجية، وتحظّر كل تدخّل في شؤون الدول؟ يتصدّر ميثاق الأمم المتحدة هذه
المواثيق. لكنه ليس الوحيد في هذا المجال، فهناك أيضًا مواثيق المنظّمات
الإقليمية، ومواقف اللجان القانونية الدولية، وموقف الاجتهاد الدولي المستند إلى
أحكام محكمة العدل الدولية. ويلاحَظ أن مبدأ عدم التدخّل يلقى تأييدًا واضحًا في
جميع هذه المستندات والمواقف.
بعد أن طرأت تغيّرات على مهام الأمم المتحدة
على صعيد حماية هذه الحقوق التي تقود إلى نوع جديد من التدخّل الذي يعرف باسم
التدخّل الإنساني، أو التدخّل دفاعًا عن الإنسانية.
1ـ ميثاق الأمم المتحدة وإعلانات الجمعية
العامة للأمم المتحدة
أشارت الفقرة السابعة من المادة الثانية من
ميثاق الأمم المتحدة، إلى أنّ من مبادئ الأمم المتحدة "عدم التدخّل في الشؤون
التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما"(1). كما أبدت
الجمعية العامة للأمم المتحدة اهتمامًا كبيرًا بمبدأ عدم التدخّل، وندّدت بأعمال
التدخّل التي تهدّد أسس السلام في العالم وتعكّر صفو العلاقات الدولية. وفي 21
كانون الأول / ديسمبر
1965، أصدرت الجمعية إعلانًا حول عدم جواز التدخّل في شؤون الدول الداخلية وحماية استقلالها
وسيادتها. وأتبعته في 24 تشرين الأول / أكتوبر 1970 بإعلان آخر، أعمّ وأشمل، حول "مبادئ القانون
الدولي الخاصة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول، وفق ميثاق الأمم
المتحدة". وتضمّن "الإعلان" سبعة مبادئ مهمة، أولها مبدأ امتناع
الدول، في علاقاتها الدولية، عن اللجوء إلى التهديد بالقوة أو استعمالها ضد سلامة
الأراضي أو الاستقلال السياسي لكل دولة، أو بأي طريقة تتنافى مع مقاصد الأمم
المتحدة. وثانيها المبدأ الخاص بواجب عدم التدخّل في الشؤون التي تكون من صميم
اختصاص الدولة الوطني. لقد حظّر إعلان العام 1970 كل تدخّل في الشؤون الداخلية
والخارجية لأي دولة، واعتبر كل شكل من أشكال التدخّل السياسي أو الاقتصادي أو
الثقافي مخالفًا للقانون الدولي.[24]
2- المواثيق الإقليمية
أ-
ميثاق جامعة الدول العربية: تنصّ المادة الثامنة منه على أن "تحترم كل
دولة من الدول المشتركة في الجامعة نظام الحكم القائم في دول الجامعة الأخرى،
وتعتبره حقًا من حقوق تلك الدول، وتتعهّد بأن لا تقوم بعمل يرمي إلى تغيير ذلك
النظام فيها".
ب- ميثاق منظّمة الاتحاد الإفريقي: تنصّ المادة
الثالثة، في البندين الأول والثاني، على "المساواة في السيادة بين جميع الدول
الأعضاء"، وعلى "عدم التدخّل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء".
ج- ميثاق منظّمة الدول الأميركية: تنصّ المادة
15 منه على أنه " لا يحقّ لأي دولة أو مجموعة دول أن تتدخّل مباشرةً أو بصورة
غير مباشرة، مهما يكن السبب، في الشؤون الداخلية لأي دولة".
3- مواقف اللجان القانونية الدولية
سيتم الاقتصار على مواقف لجنتين: الأولى، هي
لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة، حيث ظهر مبدأ عدم مشروعية التدخّل في
معظم المشاريع التي أعدّتها حول حقوق الدول وواجباتها أو حول قانون الجرائم
الموجّهة ضد سلام البشرية وأمنها. فقد اعتبرت أنّ على كل دولة واجب الامتناع عن أي
تدخّل في الشؤون الداخلية أو الخارجية لدولة أخرى، وعن إثارة الاضطرابات الداخلية
في إقليم دولة أخرى. وصنّفت في خانة الجرائم ضد السلام، التدخّل في الشؤون
الداخلية والخارجية لدولة ما، بواسطة ضغوط اقتصادية أو سياسية بهدف التأثير في
قرارها أو الحصول منها على منافع معيّنة. أما اللجنة الثانية، فهي اللجنة
القانونية التابعة لمنظّمة الدول الأميركية. ففي العام 1959، وضعت هذه اللجنة
دراسة مسهبة تضمّنت قائمة مفصَّلة بالحالات التي تعدّ خرقًا لمبدأ عدم التدخّل في
شؤون الدول الأعضاء الداخلية. ومن هذه الحالات:-[25]
أ- الأعمال التي تقوم بها دولة، مباشرة أو غير
مباشرة، للاعتراض على تشكيل حكومة داخل دولة أخرى.
ب- أعمال الضغط التي تمارسها دولة لفرض إرادتها
على دولة أخرى بقصد الإبقاء على أوضاع معيّنة فيها، أو فرض أمر واقع عليها، أو
الحصول على مزايا وفوائد من أي نوع.
ج- الاعتراف غير المبرّر بحكومة معيّنة، خلافًا
لقواعد التعامل المتعارف عليها في القانون الدولي العام. وهذه الدراسة وضعت للحدّ
من صلاحية الولايات المتحدة الأميركية التي لم تتوقّف.
4- الاجتهاد الدولي(1)
كان موقف الاجتهاد الدولي، المتمثَّل بأحكام
محكمة العدل الدولية، من مسألة التدخّل غير المشروع، واضحًا وحاسمًا منذ 27 / 6 / 1986، أي
منذ صدور الحكم المتعلّق بالأنشطة العسكرية وشبه العسكرية التي قامت بها الولايات
المتحدة ضد دولة نيكاراغوا. فقد رفضت المحكمة، في هذا الحكم، الاعتراف للولايات
المتحدة بأي حق في التدخّل في شؤون نيكاراغوا الداخلية والخارجية، مهما تكن
الأسباب. وذكرت أن اختيار هذه الدولة لنظام ماركسي مختلف عن العقيدة السياسية
الأميركية لا يمنح الولايات المتحدة حقًا في التدخّل في شؤونها، لأن التدخّل في
هذه الحالة، .
وكانت
الإدارة الأميركية، في معرض تبريرها للتدخّل في شؤون نيكاراغوا، قد ادّعت أنها
تدخّلت، أولاً، لاستجابة طلب المساعدة المقدّم إليها من الفئات المعارضة في تلك
الدولة، وثانيًا، للعمل بمبدأ حقّ الدفاع الجماعي المشروع الذي انتهكته نيكاراغوا،
عندما قدّمت أسلحة إلى معارضين في بعض دول أميركا الوسطى، وهدّدت بذلك سلامة الأمن
الجماعي الأميركي، وثالثًا، لإكراه نيكاراغوا على تنفيذ الالتزامات التي تعهّدتها
أمام منظّمة الدول الأميركية ولم تف بها (مثل إقامة نظام ديمقراطي، وإجراء
انتخابات نزيهة، واعتماد نظام تعدّد الأحزاب). وقد رفضت المحكمة الادّعاءات
الأميركية، وبيّنت أن تقديم الأسلحة إلى جماعات معارضة في دول أخرى لا يشكّل
عدوانًا بالمعنى القانوني حيث أن من أهم هذه الشروط إخطار مجلس الأمن بوجود
العدوان فور وقوعه، وتعرُّض الدولة لهجوم مسلّح على جانب من الخطورة. وأكّدت
المحكمة أن الإخلال بالتزامات داخلية من قبل دولة لا يمنح الولايات المتحدة حق
التدخّل في شؤون هذه الدولة من أجل إكراهها على تنفيذ الالتزامات، وأن النظام
السياسي الداخلي لأي دولة داخلي .[26]
5- المعيار السياسي والأمني لتبرير مبدأ
التدخّل
بعد أن أصبحت سيادة الدول عائقًا أمام حماية
حقوق الإنسان الأمنية والسياسية، وتأمين حاجات البشرية الأساسية، كان لا بد
للمجتمع الدولي من تخطّي حاجز مبدأ السيادة. وقد ازداد اهتمام منظّمة الأمم
المتحدة بالمشكلات الداخلية لوحدات النظام الدولي، أي للدول، وتجلّى ذلك في:
أ -
قيام المنظّمة بتنظيم الانتخابات العامة أو الإشراف عليها ومراقبتها في بعض الدول.
ب - إعلان حمايتها بعض الأقليات أو الجماعات
المضطهدة.
ج - إنشاء مناطق آمنة يحظّر تخزين السلاح فيها
أو استعماله.
د - مساهمتها، بعد انتهاء الحروب الأهلية، في
إعادة بناء هياكل الدولة، ومساعدة مؤسّساتها على النهوض من كبوتها. وأخيرًا في
إطار مكافحة الأعمال الإرهابية التي تهدّد الأمن العالمي.
وفي
هذا السياق، أعلن الرئيس الفرنسي الراحل، فرنسوا ميتران، في أثناء اجتماع لوزراء
خارجية الاتحاد الأوروبي في باريس في 30 أيار / مايو1989، "إن وجوب احترام مبدأ سيادة الدولة وعدم التدخّل
في الشؤون الداخلية، يتوقّف عندما يكون قسم من شعبها ضحية الاضطهاد، ويكون من
الخطأ جدًا عدم تقديم المساعدة الإنسانية" وفي تحليله الأمن البشري، رأى وزير
خارجية كندا السابق Liyod Axworthy أن حاجات البشر ومتطّلباتهم أهم بكثير من متطلّبات الدول
وسيادتها. فمع جدال الديمقراطيّة في كل مستوياته ومضامينه (الأمن الغذائي، الأمن
الصحي، الأمن البيئي)، والحفاظ على سلامة الأشخاص من التهديد العنيف، ينتقل الأمن
البشري مباشرة من مسؤولية الدولة إلى مسؤولية المجتمع الدولي. كما أشار إلى علاقة
الأمن البشري بالسلم والأمن الدوليين. فمن منظور الأمن البشري يمتدّ الاهتمام
بسلامة الشعوب إلى ما وراء الحدود، مع ذلك فإن التركيز على سياسة أمنية أبعد من
المواطنين يمكن أن يظهر على أنه نقلة جذرية، وهو امتداد منطقي لمقاربات السلم
والأمن الدوليين الحالية. وينص ميثاق الأمم المتحدة على أن الأمن لا يمكن أن
تحقّقه دولة منعزلة، وعبارة "السلم والأمن الدوليين" تعني أن أمن دولة
ما يعتمد على أمن دولة أخرى.[27]
1-
ومفهوم الأمن البشري يبنى على هذا المنطق، أي أن أمن شعب في جزء من العالم
يعتمد على أمن شعب في الجزء الآخر، وبناء نظام أمن عالمي آمن ومستقرّ يتم في الاتجاهين:
من الأعلى إلى الأسفل ومن الأسفل إلى الأعلى. وبالتالي، فإن أمن الدول وصيانة
السلم والأمن الدوليين يجب أن يتمّ فعليًا على أساس الشعوب الآمنة، ويتطلّب تحقيقه
أحيانًا تجاوز الحدود والحواجز القانونيّة للدولة القومية(12). وفي هذا المضمار،
وفي غياب أي مستند قانوني في القانون الدولي يبرّر شرعية التدخّل الإنساني، شكّلت
القرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، بمبادرة من فرنسا، رقم 43 / 131 في 8
كانون الأول / ديسمبر
1988، ورقم 45 / 100
في 14 كانون الأول / ديسمبر 1990، "حول حق المساعدة الإنسانية لضحايا الكوارث
الطبيعية والأوضاع الطارئة"، بداية تحوّل في تجاوز مبدأ عدم التدخّل في شؤون
الدول الداخلية، على الرغم من أنها تفترض موافقة حكومات الدول المعنية واحترام
سيادتها(15). وهذا التطوّر في حق الضحايا في المساعدة والعون الإنساني، وواجب
الدول الاعتراف بدور المنظّمات الدوليّة الإنسانية غير الحكومية وتسهيل مهامها في
هذا المجال، قد طرح تساؤلات حول القانون الإنساني الجديد الذي يفرض تدخلّاً
لمساعدة المنكوبين والضحايا من دون أن يتنكّر للسيادة. فالأمر يقتضي وضع مدى
قانوني جديد يربط على نحو وثيق شرعية التدخّل الإنساني ومبدأ استقلال الدولة
الأساس وعدم خضوعها لإرادة خارجية[28] لقد
شكل القراران اللذان بادرت إليهما الأمم المتحدة الإطار القانوني للتدخّل الإنساني
بموافقة مسبقة ومشروطة من الدول. وقد ترجم ذلك عملانيًا في العديد من الدول
المنكوبة في آسيا وأفريقيا وغيرها جرّاء الزلازل والفيضانات، من خلال تقديم أعمال
الإغاثة والمساعدة الإنسانية. وقد أفسح ذلك في المجال لاحقًا أمام صدور قرارات
جديدة من مجلس الأمن ذات طابع إلزامي.
ينصّ
على وجوب إيصال المساعدات الإنسانية من قبل المنظّمات الدوليّة وضرورة مواكبتها
بقوة عسكرية، من دون الوقوف على موافقة الدولة المنكوبة. ومن القرارات التي سمحت
بالتدخّل الإنساني، وألزمت الدول السماح للقوات الدوليّة بتأمين وصول المعونات
الإنسانية إلى ضحايا النزاعات المسلّحة الداخلية والمضطهدين من السلطة الحاكمة،
القرار 668 الصادر عن مجلس الأمن في 5 أبريل 1991، الذي دان عملية قمع المدنيين في
أنحاء كثيرة من العراق، بما فيها مناطق وجود الأكراد في شمال العراق، كما فرض على
النظام العراقي وضع نهاية لعملية القمع من دون تأخير. وأصرّ على السلطات بوجوب
السماح للمنظمات الإنسانية الدوليّة بالوصول إلى جميع المنكوبين الذين هم في حاجة
إلى مساعدة في جميع أنحاء العراق، وسمح لقوة عسكرية مشتركة من الأميركيين
والإنكليز والفرنسيين بالمساهمة في عمليات إيصال المعونات وإنقاذ الأكراد في يونيو
1991.
وتكرّرت قرارات مجلس الأمن التي تولي احترام
حقوق الإنسان أهمية قصوى وأولوية، والمرتبطة بعمليات تدخّل إنساني عسكري لتأمين
وصول المعونات الإنسانية وضمان أمن السكان[29]
ثانيا: الالتباس في مفهوم التدخّل الإنساني
العسكري
شهد التدخّل الوقائي نموًّا وتطوّرًا في سياق
الديبلوماسية الوقائية التي تبنّتها الأمم المتحدة منذ العام 1992، بمبادرة من
فرنسا والمنظّمات الدوليّة الإنسانية غير الحكومية، بهدف تحقيق أمن الأفراد. وقد
بدأت ملامحه تترجم عملانيًا على أرض الواقع في حقبة الأمين العام السابق للأمم
المتحدة بطرس غالي. حيث تم إنشاء جهاز إنذار مبكر يضمّ مؤسسات الأمم المتحدة،
والمنظّمات العاملة في الحقل الإنساني والبيئي (الصليب الأحمر والهلال الأحمر
الدولي، بالتعاون مع الهيئات الإقليمية والوطنية، ومنظمتا أطباء بلا حدود وأطباء
العالم، منظّمة العفو الدوليّة، ومنظّمة السلام الأخضر). مهمة هذا الجهاز مراقبة
تطوّر الأحداث والنزاعات، والإفادة مسبقًا عن الأخطار التي قد تهدّد البيئة،
والكوارث الطبيعية، التطهير العرقي أو الاثني، تهجير السكان الكثيف، الجرائم ضد
الإنسانية، الإبادة الجماعية، انتشار الأوبئة والمجاعة، كما يعمل هذا الجهاز على
اتخاذ التدابير الوقائية الملائمة المستعجلة كانتشار وقائي للقبّعات الزرق،
التدخّل الديمقراطي الوقائي، التدخّل الوقائي لمحاربة الاتجار بالمخدّرات. وبرز
منحى جديد ألا وهو التدخّل الوقائي لمحاربة الإرهاب لتجنّب الأزمات الداخلية
والدوليّة، ومعالجة المسائل الإنسانية المهدّدة للسلم والأمن الدوليين، والحدّ من
الخسائر البشرية الناجمة عن المجازر والإبادة الجماعية والكوارث الطبيعية
والإرهاب.
يعطي حقوق الإنسان الأولوية على الإجراءات
الرادعة التي تكون من صميم سلطان الدولة الداخلي (كالسيادة وعدم التدخّل في الشؤون
الداخلية). وقد أدّى إلى ردود فعل دوليّة متباينة ومتناقضة بين الدول المتطوّرة في
المجتمع الغربي من جهة[30]
ثمة
رأي يرى أن مدى انتهاك حقوق الإنسان هو الذي يفرض هذا التدخّل للحفاظ على الأمن
والسلم الدوليين، وتوخيًا لوضع حدّ لتعسّف الحكومة القائمة. في المقابل، تنطلق
مواقف أخرى من مبدأ السيادة، وتحذّر من مغبّة الدوافع السياسيّة التي قد تحرّك
مجلس الأمن الدولي للتدخّل في منطقة معيّنة من العالم. وترى أن التدخّل الوقائي
العسكري قد استخدم كذريعة وأداة للتدخّل الشرعي من قبل الدول الكبرى وخصوصًا
الولايات المتحدة لتحقيق أهدافها الاستراتيجية، من دون إيجاد حلول جدّية للمشاكل
التي تواجهها الإنسانية. ولا بدّ من ذكر بعض التدخّلات العسكريّة التي تمّت باسم
الحفاظ على حقوق الإنسان وأثارت التساؤل والشكوك بين دول الأطراف المتناقضة.
الخاتمة:
حق الدول وواجبها في الاشتراك بنشاط وعلى قدم
المساواة في حل القضايا الدولية المعلقة، مسهمة بذلك إسهاما ايجابياً في
إزالة أسباب المنازعات والتدخل؛ حق الدول وواجبها في أن تدعم دعماً تاماً حق تقرير
المصير والحرية والاستقلال للشعوب الواقعة تحت السيطرة الاستعمارية أو الاحتلال
الأجنبي أو النظم العنصرية، فضلاً عن حق هذه الشعوب في أن تخوض كفاحاً سياسياً
ومسلحاً معاً تحقيقاً لهذه الغاية، وفقاً لمقاصد ومبادئ الميثاق؛ حق الدول وواجبها
في مراعاة جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية وتعزيزها والدفاع عنها داخل
أقاليمها الوطنية والعمل على القضاء على الانتهاكات الجسيمة والصارخة لحقوق الدول
والشعوب، وبوجه خاص، العمل على القضاء على الفصل العنصري وجميع أشكال العنصرية
والتمييز العنصري.
أولاً : أهم النتائج :
توصلت الدراسة إلى
عدة نتائج أهمها الأتي :
1.
تتعارض سيادة الدول في كثير من الأحيان مع قواعد التدخل المسلح وهذا مايثر
شكوك حول نية الدول المتدخلة . .
2.
تبين وجود بعض النماذج التي حصلت فيها التدخل في بعض الدول ولوحظ أن التدخل
كان هدفه سياسي استعماري ونهب ثروات الشعوب.
3.
الهدف من التدخل العسكري وفقا للقانون الحفاظ على مصالح الشعوب وملاحقة
المجرمين خاصة قادة الحرب ورؤساء الدول.
ثانياً : التوصيات :
من خلال النتائج
السابقة أوصت بلأتي :
4.
من الضروري دراسة حالة الدول التي حدث فيها التدخل المسلح ومعرفة النتائج التي
ألت اليها البلاد لتوجيه المجتمع الدولي لتقنين التدخل بشكل انساني .
5.
لابد من وضع ضوابط قانونية دولية حديثة لعملية التدخل تتوافق عليها جميع الدول.
6.
من الضروري حماية الضعفاء والنساء والأطفال اثناء وبعد التدخل المسلح بموجب
القانون الدولي وتوفير كل سبل الحياة الكريمة لهم.
قائمة المصادر والمراجع:
1-
عبد الإله بلقزيز: "ندوة الحرب على العراق طبيعتها "، مجلة نوافذ،
عدد 20/21 سنة 2003
2-
ريمون حداد، "العلاقات الدوليّة"، بيروت: دار الحقيقة، 2000.
3-
راجع تقرير الأمين العام للأمم المتحدة للعام 1995، الأمم المتحدة، نيويورك
4-
تقرير منظّمة العفو الدوليّة، جنيف، 1994
5-
تقرير الأمين العام ، في الدورة 59، نيويورك، آذار/مارس 2005
6-
عبد القادر القادري: "القانون الدولي العام"، الطبعة الأولى، ،
الرباط، 1984
7-
سمير عبد العزيز: "النزاعات المسلحة في القانون الدولي "، رسالة
ماجيستير في القانون، جامعة بغداد 1978
8-
رزاق حمد العوادي : "جرائم الحرب والعدوان إخلال بالشرعية الدولية
وإنتهاكا للقانون الدولي الإنساني"، الحوار المتمدن، العدد 2080،26/10/2007.
9-
وجدي أنور مردان : "انتهاك الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا لميثاق
الأمم المتحدة والقانون الدولي
10-
حيدر محمد حسين محاسنة : "تحريم الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة
10/12/2007"،
11-
العميد محمد محمود نصيري: "استخدام القوة في العلاقات الدولية"،
مجلة الحرس الوطني.
12-
محمد الأمين الركالة : " محاولة لفهم ما يجري"، مجلة وجهة نظر، العدد
12/13-2001
13-
أحمد سيد أحمد: "الأزمة العراقية مجلس الأمن في حفظ السلم "، مجلة
السياسة ، العدد 153، 2003
14-
حسنين المحمدي بوادي: "غزو العراق بين القانون الدولي والسياسة
الدولية"، الاسكندرية: منشأة المعارف ، 2005
15-
حرب علي حديث النهايات: فتوحات العولمة ومأزق الهوية، المركز الثقافي العربي، ،الرباط: الدار البيضاء،
2000
16-
حسان حسام حسن: التدخل الإنساني في القانون الدولي المعاصر، ، القاهرة: دار النهضة العربية، 2004
17-
حمدي صلاح الدين احمد : دراسات في القانون الدولي، منشورات ايلجا ، مالطا،
2002
18-
احمد الرشيدي، العراق والشرعية الدولية: قراءة في
دلالات وسياق القرار1441، مجلة السياسة الدولية، المجلد (38)، العدد (151)، السنة
(39)، مؤسسة الأهرام، القاهرة، 2003.
19-
د.علي جميل حرب، نظام الجزاء الدولي العقوبات الدولية
ضد الدول والإفراد، ط1، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2010.
[1] - محمد المجذوب، "التنظيم الدولي"، الدار
الجامعية، بيروت، 1998، ص 362.
[3]
محمد المجذوب، "القانون الدولي العام"، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت،
2003، ص. 315
– 319.
[4] ريمون حداد، "العلاقات الدوليّة"، دار الحقيقة، بيروت،
الطبعة الأولى، 2000، ص. 586.
[5] راجع تقرير الأمين العام للأمم المتحدة للعام 1995، الأمم المتحدة، نيويورك، ص 54ـ56.
[6] عدنان السيد حسين،
"نظرية العلاقات الدوليّة"، مطبعة سيكو، بيروت، 2003، ص 211.
[7] عدنان السيد حسين، "حرب كوسوفو في أبعادها الإقليمية
والدوليّة"، الدفاع الوطني، اليرزة، العدد 29، يوليو 1999، ص. 5-13.
[8] فريد هاليداي، "ساعتان هزتا العالم 11 سبتمبر 2011، الأسباب
والنتائج"، دار الساقي، بيروت، 2002، ص 10- 11.
[9] عصام سليمان، "الحرب على الإرهاب والقانون الدولي
الإنساني"، الدفاع الوطني، العدد 52، نيسان/أبريل 2005
[10] - المعهد الدولي للدراسات في الولايات المتحدة، المستقبل العربي، بيروت، عدد 285، 2002، ص. 195.
[11] تقرير منظّمة العفو الدوليّة، جنيف، 1994، ص. 4-7.
[12] غسان العزي، "المشهد الدولي غداة الحرب على العراق"، شؤون الشرق الأوسط، بيروت، 2003، ص. 125
[13] كوفي عنان، "عدم قانونيّة الحرب"، جريدة الحياة، لندن، 17/04/2004
[14] محمد حسنين ،
"الإمبراطورية الأميركية والإغارة على العراق"، مركز الأهرام للترجمة ،
الأهرام، 2003، ص 119.
[15] فاضل عبد اللطيف، "تداعيات الحرب في مالي على الأوضاع في
ليبيا" 30/1/2013.
[16] عدنان السيد حسين،
"نظرية العلاقات الدولية"، مرجع سابق،2012، ص 210-212.
[17] تقرير الأمين العام ، في الدورة 59، نيويورك، آذار/مارس 2005، ص
82.
[18] عبد القادر القادري : "القانون الدولي العام"، الطبعة
الأولى، 1984، الرباط، ص : 329
[19] سمير عبد العزيز: "النزاعات المسلحة في القانون الدولي "،
رسالة ماجيستير في القانون، جامعة بغداد 1978، ص : 213-221.
[20] علاء الدين مكي خماس : "استخدام القوة في القانون الدولي"، رسالة الماجيستير، كلية القانون والسياسية بغداد سنة 1982، ص : 119-120-121.
1-
[21] غسان الجنحي : "حق التدخل الإنساني"،
عمان دار وائل للنشر 2003، ص : 56 وما بعدها
[22] غسان الجندي : المرجع السابق، ص : 58 وما بعدها
[23] د. حامد سلطان : "القانون الدولي العام وقت السلم"،
القاهرة، 1972، ص : 95.
[24] رزاق حمد العوادي : "جرائم الحرب والعدوان إخلال بالشرعية الدولية وإنتهاكا للقانون الدولي الإنساني"، الحوار المتمدن، العدد 2080،26/10/2007.
[25] عبد الله أسبري : "ماذا عن ما يسمى بالإرهاب الدولي"،
الحوار المتمدن، العدد 1584-2006/6/7
[26] وجدي أنور مردان : "انتهاك الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي
[27] حيدر محمد حسين محاسنة : "تحريم الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة 10/12/2007
[28] صالح جواد الكاظم : "دراسة في المنظمات الدولية"، بغداد 1975، ص : 153.
[29] سمعان فرج: " جبهة التحرير التدخل الأمريكي في فيتنام"،
مجلة السياسة الدولية، القاهرة، العدد 10، سنة 1977.
[30] العميد محمد محمود نصيري : "استخدام القوة في العلاقات
الدولية"، مجلة الحرس الوطني 01/09/2003
0 تعليقات