الشرعية الدولية بين المفهوم والممارسة - الأستاذ محمد التجاني - العدد 42 من مجلة الباحث - منشورات موقع الباحث القانوني
لتحميل العدد بصيغته الرقمية pdf غليكم الرابط أذناه:
الأستاذ محمد التجاني
باحث بسلك الدكتوراه كلية العلوم القانونية والاقتصادية
والاجتماعية وجدة المغرب
. الشرعية الدولية بين المفهوم والممارسة
Légitimité internationale entre concept et pratique
مقدمة:
ما فتئ العالم بعد الحرب العالمية
الثانية، نتيجة للويلات التي جرتها عليه هذه الحرب، يطمح إلى عالم مستقر خال من الصراعات،
تحظى فيه الدول بالأمن والسلم، وتضمن فيه حق وجودها. وفي هذا الصدد قامت جهود دولية
كمحاولة للحد من الحروب وضبط العلاقات بين الدول في إطار قانوني، يحث على التعايش والسلم
ويحد من الممارسات الشاذة لبعض الدول التي تخل بمبادئ القانون الدولي الذي أقرته الأمم.
وقد تمخض عن هذه الجهود، إنشاء منظمة أممية، يخول لها حفظ السلم
والأمن الدوليين، والحيلولة دون نشوب صراعات جديدة، فتم تأسيس منظمة الأمم المتحدة،
والتي أسندت بدورها مهمة حفظ السلم والأمن الدوليين لجهازها التنفيذي (مجلس الأمن)
وفقا لميثاقها التأسيسي الذي حدد تركيبته والصلاحيات المخولة له، كما دعت الدول إلى
الخضوع لقرارات هذا الأخير (المادة 51) وعدم التملص من تنفيذها. كما منحته حرية تكييف
الأوضاع الدولية وفقا للمساطر القانونية التي يراها مناسبة باعتباره جهازا للشرعية
الدولية.
ومن هنا بدأ الحديث عن مفهوم الشرعية الدولية في الأوساط الدولية،
السياسة منها والحقوقية، بكونه مفهوما جديدا ظهر على الساحة الدولية، والذي يعتبر في
أبسط معانيه، خضوع مجلس الأمن في صدد ممارسته اختصاصاته لمبادئ الأمم المتحدة وميثاقها
التأسيسي.
وأهمية الموضوع تعزى بالأساس إلى محاولة بيان الوضعية التي
آلت إليها منظمة الأمم المتحدة، والتي بنيت عليها آمال الشعوب لحفظ السلم والأمن
الدوليين، بعد ثبوت فشل تجربة عصبة الأمم التي تبعها نشوب حرب عالمية ثانية
إذن فما هو مفهوم الشرعية الدولية؟ وما موقف الدول من هذا المفهوم؟
وكيف تأخذ به؟ كل هذه التساؤلات سنحاول الإجابة عنها حسب التصميم التالي: المبحث الأول:
مفهوم الشرعية الدولية. المبحث الثاني: إشكالية تطبيق قواعد الشرعية الدولية.
المبحث الأول مفهوم الشرعية الدولية.
لا شك أن مفهوم الشرعية الدولية مازال يشوبه بعض الغموض على
مستوى تحديد تعريفه، وعلى مستوى مصادر الشرعية الدولية وتمييزها عن المشروعية الدولية
بالإضافة إلى الجهاز المختص بتطبيقها، فهل تعني توافق أعضاء مجلس الأمن أو إرادة المجتمع
الدولي؟ أم توافق إجراءات هذا المجلس مع قواعد القانون الدولي؟ وهذا ما سنحاول الإجابة
عنه من خلال المطلبين الآتيين.
المطلب الأول: مفهوم الشرعية الدولية والمشروعية الدولية
تجدر الإشارة هنا على أن المفهومين مختلفين، سواء على مستوى
التعريف أو على المستوى المصدر (الفرع الأول) وهذا ما سيدفع بنا إلى تحديد مفهوم الشرعية
الدولية بشكل أدق لا سيما على المستوى الإيديولوجي (الفرع الثاني).
الفرع الأول: تعريف الشرعية الدولية وتميزها عن المشروعية
الدولية
الشرعية الدولية في أبسط معانيها تعني تطابق أو توافق الممارسة
الدولية، وعلاقات الدول بعضها ببعض مع القانون والاتفاقيات والأعراف الدولية[1].
وبعبارة أدق وأكثر تحديدا هي تطابق قرارات مجلس الأمن، باعتباره،
الجهاز الأممي المختص في حماية وحفظ السلم والأمن الدوليين مع قواعد القانون الدولي[2]
وهنا يكمن الفرق بين الشرعية والمشروعية، فهذه الأخيرة لا تستلزم تماما ما تستند إليه
الشرعية الدولية، بل تضع في اعتبارها ما يسمى بالعدالة والأخلاق بالدرجة الأولى. وعليه
يمكن لعمل ما أن يكون شرعيا وغير مشروع في نفس الوقت. لأن القواعد التي تستند إليها
الشرعية تخضع لمجموعة من التفسيرات والتأويلات. ويعكس ميثاق الأمم المتحدة سمو أحكام
الشرعية الدولية على جميع القوانين الأخرى، ويتجسد ذلك في الفصل السابع من الميثاق،
الذي ينيط بمجلس الأمن مهمة الحفاظ على السلم والأمن العالميين، وإنماء العلاقات الودية
بين الدول على أساس المساواة في الحقوق، واحترام مبادئ حقوق الإنسان والحريات الأساسية،
وأن تكون الأمم المتحدة هي المرجع لتحقيق هذه الأهداف والمرامي بين أعضاء الجماعة الدولية
والتزامهم بمبادئها[3].
وعلى هذا الأساس تجدر الإشارة إلى أنه ثمة اختلاف بين الشرعية والمشروعية على مستوى
مصادرهما.
فالشرعية الدولية تستند
بالأساس على ما هو قانوني مثل نصوص القانون الدولي (القواعد الآمرة) وأعرافه وكذلك
المبادئ العامة للقانون والمعاهدات الدولية كمصادر أساسية، ومذاهب كبار الفقهاء وأحكام
المحاكم، كمصادر ثانوية. بينما تستند المشروعية إلى ما هو أخلاقي بالدرجة الأولى كمبادئ
العدالة والأخلاق، ومن هنا نستخلص أن المشروعية لها أسبقية من حيث الوجود عن الشرعية
الدولية وأشمل منها باعتبارها تستند على أمور غير محددة ومدققة.
الفرع الثاني المفهوم الإيديولوجي للشرعية الدولية.
إذا كانت الشرعية الدولية تعني سيادة القانون والالتزام بأحكامه
والخضوع لسلطته، فهل يختلف مدلولها حسب الإيديولوجية الاشتراكية والرأسمالية؟
بالرجوع إلى التطور
التاريخي لمفهوم الشرعية الدولية يمكن القول أنه نشأ في أحضان البورجوازية الفردية،
إلا أن هذا لا يعني استبعاد هذا المبدأ في الإيديولوجية الاشتراكية، بل يعتبر من المبادئ
الأساسية في تنظيم المجتمع الاشتراكي وذلك رغم طابعها الخاص، وهذا لا يمنع القول أنه
تم الاستناد إلى بعض خصائصه في المجتمع الليبرالي. وهنا لا يجب أن نفهم على أن هذا
المصطلح يختلف حسب الإيديولوجيتين، بل بصفة
عامة يعني الخضوع للقانون، بل يكمن الفرق في الهدف من الشرعية، ففي المجتمع الليبرالي
فهو يستخدم لخدمة مصالح الطبقة صاحبة المصلحة ، وهي الطبقة السائدة اقتصاديا بينما
يخدم في الإيديولوجية الاشتراكية مصالح القوى العاملة، ويخدم التحول الاشتراكي،وهنا
تكمن علاقة القانون بالشرعية [4]
ووفقا لهذه المعطيات يمكن القول أن مفهوم الشرعية الدولية خضع للتجاذب بين الإيديولوجيتين
خصوصا إبان الحرب الباردة، مما نجم عنه تعطيل دور مجلس الأمن في استصدار القرارات الدولية.
غير أنه بعد تحول النظام الدولي، تم ظهور مجموعة من المفاهيم،
من قبيل حقوق الإنسان، الديمقراطية، سيادة القانون، الشرعية الدولية، وذلك بالمفهوم
الليبرالي الغربي المحض بعيدا عن المضمون الحقيقي لهذه المفاهيم. فبعد انهيار الاتحاد
السوفياتي، وتحديدا بتاريخ 31 يناير 1992، أصدر مجلس الأمن بيانا تاريخيا خلال مؤتمر
القمة، والمتضمن لرفض الإيديولوجيات، ونبذ الإرهاب الدولي وتقوية دور الأمم المتحدة
والدبلوماسية الوقائية. وبقراءة ممحصة لمبدأ رفض الإيديولوجيات نستشف حقيقة إرادة تحقيق هدفين :
أولهما، البحث عن توفير الأساس القانوني للشرعية الدولية. وذلك
بمعاداة أي حركة أو نظام له توجهات عقائدية مغايرة، لتفادي بناء العلاقات الدولية على
أساس إيديولوجي.
وثانيهما هو محاولة فرض المفاهيم الغربية- بقيادة
الولايات المتحدة الأمريكية - حول الديمقراطية وحقوق الإنسان والتعددية، وذلك عن طريق
مصادرة حق الدول الأخرى في اختيار ايديولوجية مغايرة .
وهذا لا يمنعنا من أن نموقع مفهوم الشرعية الدولية في دائرة
الإيديولوجية الرأسمالية، وذلك يتم استشفافه من جميع القرارات الصادرة عن مجلس الأمن، التي تجسد
إرادة القوى الإمبريالية الكبرى وليس إرادة الجماعة الدولية [5].
المطلب الثاني: جهاز الشرعية الدولية "
مجلس الأمن".
خول ميثاق الأمم المتحدة لمجلس الأمن الدولي مهمة حفظ السلم
والأمن الدوليين ،وهو بهذه الصفة يعد الجهاز الأساسي والمرجعي للشرعية الدولية.
الفرع الأول: مجلس الأمن كجهاز للشرعية الدولية: " تشكيله
وتنظيمه"
يعتبر مجلس الأمن مصدرا للشرعية الدولية، حيث يعد الذراع التنفيذي
لمنظمة الأمم المتحدة، وله دون غيره صلاحية ممارسة الدفاع عن السلم والأمن الدوليين.
ويتألف مجلس الأمن من 15 مقعدا منها 5 دائمين والعشرة الأخرى
فهي غير دائمة يتم شغلها بالانتخاب من لدن الجمعية العامة للأمم المتحدة دوريا لمدة
سنتين، ويتعين على الجمعية العامة عند اختيارها للدول التي تشغل مقاعد غير دائمة في
المجلس أن تراعي ما يلي:
أولا مدى مساهمة الدول
الأعضاء في الأمم المتحدة في حفظ السلم والأمن الدوليين وفي تحقيق المقاصد الأخرى للمنظمة،
ثانيا عدالة التوزيع الجغرافي [6].
ويعقد مجلس الأمن اجتماعات
دورية، وله أن يجتمع في غير مقر الأمم المتحدة (دجنبر 2004 اجتمع بالعاصمة الكينية
نيروبي لتدارس الوضع في دارفور بالسودان)، لكن العرف جرى على أن يجتمع
مجلس الأمن في أي وقت بناء على طلب من أي دولة عضو أو غير عضو في الأمم المتحدة طبقا
لأحكام المادة 35 أو بطلب من الجمعية العامة طبقا لأحكام المادة 99. ويتولى رئيس المجلس
الدعوة إلى الانعقاد، وتكون رئاسة المجلس بالتناوب بين الدول الأعضاء وفقا للترتيب
الأبجدي للدول باللغة الإنجليزية، في حين يتولى شخص الأمين العام إعداد جدول الأعمال
المؤقت وعرضه على رئيس المجلس الذي يعتمده.[7]
الفرع الثاني | سلطات واختصاصات مجلس الأمن.
وظيفة مجلس الأمن الأساسية تتمحور حول ضمان وحفظ السلم والأمن
الدوليين. حيث يتوجب بادئ ذي بدء التمييز بين سلطات واختصاصات مجلس الأمن المقررة
له بموجب أحكام الفصل السادس من الميثاق تحت عنوان " تسوية المنازعات بالطرق السلمية
"والممتدة موادها من المادة 33 إلى المادة 38. وتلك المسطرة بموجب أحكام الفصل
السابع تحت عنوان" تهديد السلم والإخلال به أو وقوع العدوان"والممتدة موادة
المادة 39 إلى المادة [8]59
ففي الحالة الأولى يستطيع المجلس أن يوصي بما يراه مناسبا من الإجراءات بطرق التسوية
السلمية التي يمكن أن يلجأ إليها أطراف النزاع من غير أن يوصي بحل موضوع النزاع ذاته،
مع مراعاة أن يراعي الأطراف المتنازعة عرض النزاع ذو الطبيعة القانونية على محكمة العدل
الدولية طبقا لأحكام المادة 36 في فقرتها الثالثة من الميثاق .[9]
وفي حال فشل كل وسائل التسوية السلمية المتعارف عليها عالميا والتي قصدتها الأطراف
المتنازعة من تلقاء أنفسهم، أو تلك التي أوصى بها المجلس، فإن له في هذه الحالة أن
يوصى بما يراه ملائما للنزاع وحله، ورغم كل هذا فإن القرارات الصادرة عن مجلس الأمن
تعتبر مجرد توصیات موجهة للدول الأعضاء ليس إلا، إذ لا تملك إطلاقا قوة الإكراه والإلزام
بالتنفيذ .
أما في الحالة الثانية وهي حالة وجود تهديد للسلم والأمن الدوليين،
وذلك حسب تكييف المجلس لها، فمجلس الأمن مختص بالنظر في المسائل المتعلقة بالحفاظ على
السلم والأمن الدوليين، وهو يتوفر على سلطة تقدير ما إذا كان وضع ما يعد تهديدا للسلم
و إخلالا به أو عملا عدوانيا، وذلك بهدف الحفاظ على السلم أو إقراره [10]فإن
المجلس في هذه الحالة يملك سلطات واسعة وذات صبغة إجبارية، لأنه يتدخل بصفته سلطة ردع
مهمته حفظ السلم والأمن الدوليين، ولكي يحقق مجلس الأمن مهامه على الساحة الدولية،
وحتى يتمكن من تنفيذ قراراته، فهناك إمكانية تكوين ووضع تحت تصرف المجلس قوات عسكرية
دولية تحت اسم القبعات الزرق والعلم الأممي.
المبحث الثاني: إشكالية تطبيق قواعد الشرعية الدولية
لا شك أن مفهوم الشرعية الدولية كغيره من المفاهيم القانونية
الأخرى، يكرس سيادة القانون الدولي ومبدأ المساواة بين الدول، كما أنه يرسخ الأمن والسلم
العالمين إلا أن تحولات النظام الدولي أفضت إلى ممارسات تجعل من المفهوم مجرد شعار
لا يعكس الصورة الحقيقية له، وهذا ما نتج عنه عدة عوائق تحد من فاعليته
المطلب الأول: الشرعية الدولية وتحول النظام الدولي.
عرف مفهوم الشرعية الدولية عدة تحولات، ارتبطت بمفهوم موازين
القوى وأي اختلال محتمل في هذا التوازن يؤدي إلى التأثير على اتخاذ القرارات المتعلقة
بالشرعية الدولية
الفرع الأول: علاقة الشرعية الدولية بموازين القوى
تميزت الحرب الباردة بتجاذب المصالح بين المعسكرين السائدين
أنداك، حيث ساد مفهوم الاستقطاب، مما استتبع سيطرة هاتين القوتين على صنع القرار داخل
مجلس الأمن، ما أدى إلى تجميد اختصاصات المجلس في إطار حفظ السلم والأمن الدوليين،
المخولة له بموجب ميثاق الأمم المتحدة على اعتباره جهازا للشرعية الدولية، ماخول للجمعية
العامة، طبقا لتوصية "أشيسون" ممارسة بعض صلاحيات مجلس الأمن، رغم أنها ليست
ملزمة، وإصدار توصيات في غيابه تهم حفظ السلم والأمن الدوليين. إلا أن حفظ السلام إبان
هذه الفترة، لم يكن مرهونا بالأمم المتحدة، بقدر ما7كان مرهونا بالتوازن القائم على
الردع النووي بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي. [11]
واستتبع هذا الصراع بين المعسكرين عراقيل بخصوص القرارات من
داخل مجلس الأمن، نظرا لوقوف كل منهما كحجرة عشرة في وجه الآخر عند محاولة استصدار
قرار معين، يخص قضية معينة، وذلك بالتصويت بالفيتو من قبل الطرف الآخر،الشيء الذي يحول
دون التوصل إلى صياغة قرار نهائي.
ومما سبق، يمكن القول أن مفهوم الشرعية الدولية، كان ينتابه
الغموض، ويخضع للتجاذب بين المعسكرين كل حسب مصالحه، وبالتالي هذا ما دفع بالبعض إلى
القول أن روح ميثاق الأمم المتحدة كان غائبا تماما في هذه الظرفية،حيث كان المعسكرين
يتجاوزان الأمم المتحدة، ويفضلان العمل خارجها. فقد تم الإتفاق على أن الأمم المتحدة، ليست المكان المناسب لتسوية
الأزمات الخطيرة التي تمس العلاقات الدولية.
ويبدو أنهما متفقتين على أن نقل هذه الصراعات إلى المنظمة قد يسبب ضررا فعليا لعملية
المساومة بينهما وهو ما يؤخر التوصل إلى تسوية حقيقية. ومثال ذلك أزمة الصواريخ الكوبية
سنة 1962، وأزمات الشرق الأوسط.
وهذا العمل خارج
إطار الأمم المتحدة، أدى إلى تقليص دورها ليصبح هامشيا، لا سيما وأنهما اعترضتا على
تعديل أو مراجعة ميثاق الأمم المتحدة [12] ( التعديل الذي كانت
تهدف إليه الدول النامية وتعتبره ضروريا). وقد استمر الحال كذلك إلى حين تولی غور باتشوف
السلطة في الاتحاد السوفياتي.
الفرع الثاني: الشرعية الدولية وعلاقتها بالقطبية الأحادية.
بعد سقوط الاتحاد السوفياتي،
كان المجتمع الدولي ينتظر قيام نظام عالمي جديد تسوده الشرعية والديمقراطية وحقوق الإنسان،
وتكريس الدور الحقيقي المنوط بالمجلس الأمن، إلا أنه ما فتئ أن اصطدم بواقع أخر حيث
أثبتت الممارسة أن عالم خالي من توازن القوى أعطى للمعسكر الرأسمالي الهيمنة على صنع
القرار وتوجيه مصير العالم.
وفي خضم هذه التطورات الجديدة، أخذت الولايات المتحدة تعيد ترتيب
مواقف الدول النامية بعد أن تمكنت من فرض هيمنتها على المحيط الدولي [13]
وذلك في وقت اتسمت فيه الساحة الدولية باتجاه ميزان القوة لصالح الولايات المتحدة الأمريكية،
ونتيجة لهذا التحول يمكن القول أن مفهوم الشرعية الدولية استخدم من قبل الأمم المتحدة
كشعار، وكإحدى دعائم النظام الدولي الجديد، في الوقت الذي تمارس فيه القوی الكبرى شتى
الانتهاكات ضد الدول الصغرى، وكل ذلك يمر تحت غطاء الشرعية الدولية، فقد وظفت الولايات
المتحدة الأمريكية مجلس الأمن لتحقيق أهدافها ومصالحها، مهمشة دور الجمعية العامة التي
تم استخدامها إبان الحرب الكورية الشرعية استخدام
القوة [14]،
والملاحظ أن مجلس الأمن بعد أفول الاتحاد السوفياتي من الوجود، أصبح أداة في يد الولايات
المتحدة الأمريكية تستخدمها كيفما ومتى تشاء لتنفيذ سياستها وفرض تصوراتها تحقيقا لمصالحها
ومصالح حلفائها، بشكل ظاهره قانوني يحظى بتوافق دولي متمثل في قرارات مجلس الأمن،هذه
الهيمنة أدت عمليا إلى بروز التفوق الأمريكي وظهور نمط أمريكي لمعالجة الفوضى والعنف
المسلح في العلاقات الدولية [15]ولعل
ما يكشف عن ذلك أكثر هو التعاون الذي لم يسبق له مثيل في مواجهة الأزمات والحروب الإقليمية،
مثل الأزمة العراقية الإيرانية،و الحرب الأهلية في يوغوسلافيا ،و البوسنة، والصومال،
وكمبوديا وأنغولا ، حيث لم يعد استخدام حق الفيتو أمرا واردا لتعطيل قرارات مجلس الأمن
إلا من لدن روسيا أو الصين، حتى وفي حالة وجود خلاف فتكتفيان بالامتناع عن التصويت وتلتزمان الحياد.
المطلب الثاني: الشرعية الدولية من حيث الممارسة " نموذج
الحرب على العراق".
مثلت حرب الخليج الثانية نموذجا لإجماع دولي تم تحت مظلة
الشرعية الدولية، واتسمت القرارات الأممية التي إتخذت إبانه بقانونيتها
وسلامة مساطرها، غير أن الأمر يختلف البتة إثر الحرب التي شنتها الولايات المتحدة على النظام العراق فيما يسمى بحرب الخليج الثالثة والتي تعد
خروجا وخرقا سافرا للشرعية الأممية ،ونموذجا للعمل خارج إطار الأمم المتحدة ،ما
يضفي عليها طابع عدم الشرعنة
الفرع الأول تطبيق قواعد الشرعية الدولية: " نموذج حرب
الخليج الثانية":
من البديهي أن العدوان العراقي على الكويت واستيلائه على أراضيها
بالقوة يعد خرقا للشرعية الدولية. مما استدعى تدخل المجتمع الدولي باسم الشرعية الدولية
لحماية دولة الكويت واستتباب الأمن والسلم الدوليين في المنطقة، فالعراق هنا سجل خرقا
سافرا لميثاق الأمم المتحدة المادة 2 الفقرة
4 التي تأكد على تحريم مبدأ اللجوء إلى استعمال القوة والتهديد بها ضد سلامة الأراضي
أو الاستقلال السياسي للدول الأعضاء وعلى أي وجه يخالف أحكام الميثاق. [16]إذ
عمل العراق عل القيام بأعمال عدوانية، باستخدام السلاح في مواجهة الكويت،وقام بتدمير منشاتهم ونهب وثرواتهم، وهو ما مثل خرقا سافرا
لقواعد القانون الدولي الشيء الذي أوجب تدخل الأمم المتحدة التي لعبت دورا محوريا في
العلاقات الدولية ، وفي النظام العالمي الجديد، حيث كان هناك توافق عالمي مثير للانتباه،
بيد أن العديد من الدول کروسيا ، الصين والهند لم تعترض على ما سمي بإرادة المجتمع
الدولي بعد هذا الاحتلال (2 غشت 1990).بل وساهمت في بلورة هذه الإرادة الدولية الجماعية
فيما عرف بقرارات الشرعية الدولية ، رغم عدم مشاركتها في هذه الحرب .
وفي خضم هذه الأجواء أكدت جميع القرارات الصادرة عن مجلس الأمن
- بدءا من القرار 660 ومرورا بقرار استخدام القوة لتحرير الكويت 678 في 29 نونبر
1990، وانتهاء بقرار وقف إطلاق النار - على مسؤولية العراق عن غزوها واستيلائها على
أراضي الكويت وضمها بالقوة وتعويضها عن ما أصابها من أضرار أيا كان نوعها، على اعتبار
أنها خرقت الشرعية الدولية واستنادا إلى هذه المعطيات نستخلص أن هذه المحطة شكلت تجسيدا
حقيقيا لإرادة دولية جماعية للتصدي للخروقات السافرة للشرعية الدولية، وذلك بغض النظر
عن تصفية الحسابات السياسية، وفكرة المصلحة القومية، التي قد تقبع وراء الأهداف المتوخاة
من لدن بعض الدول کسبب للخوض في الحرب ورغم الإقرار بكون هذه المحطة قد شكلت فعلا تجسيدا
حقيقيا للشرعية الدولية ، إلا أن ذلك يمنعنا من القول أن الولايات المتحدة أثبتت قدرتها
على تعبئة الدول لتوفير غطاء الشرعية الدولية في هذه المناسبة، وكذا في مناسبات أخرى
كالحرب على الإرهاب ، وهو ما يؤكد الهيمنة الواضحة للولايات المتحدة الأمريكية على
مجلس الأمن .
الفرع الثاني الانفلات من قواعد الشرعية الدولية ومبرراتها
: " حرب الخليج الثالثة نموذجا"
بعد حرب الخليج الثانية
عام 1991 تصاعد العداء الأمريكي اتجاه النظام العراقي، وقد تجلى هذا العداء بصورة سافرة
في إصرار الولايات المتحدة على استمرار العقوبات الاقتصادية الشاملة على العراق ، وفي
قيامها بتهديده عسكريا وتنفيذ ضربات جوية ضده على أمل أن يؤدي ذلك إلى إسقاط نظام الحكم
في العراق باعتباره يشكل تهديدا لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، وقد
بلغ هذا العداء أشده بعد ما رفض العراق عودة لجنة التفتيش الدولي على أسلحة الدمار
الشامل، وقد شكلت أحداث 11 سبتمبر 2001 فرصة ذهبية لإعلان الولايات المتحدة عن جولتها
الثانية في حربها القائمة ضد الإرهاب.
فعلى صعيد استغلال قرارات الشرعية الدولية وجدت الولايات المتحدة
بمساندة من طرف بريطانيا في قرارات مجلس الأمن أداة فعالة لتحقيق أهدافها المرسومة
، وهي العمل على استمرار العقوبات الدولية والحيلولة دون رفعها وإضعاف العراق عن طريق
استغلال قرار الحظر الجوي ، وإنشاء منطقة حظر جوي تشمل شمال العراق وجنوبه واتخاذ أعمال لجنة التفتيش الدولي على أسلحة العراق
التدميرية أداة لاستفزاز العراق ولتضييق الخناق
عليه، وكل ذلك كان مطية لاستنزاف قدرات العراق الاقتصادية والعسكرية ضاربة بعرض الحائط
بأهم مبادئ القانون الدولي ، كمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وكذا مبدأ
سيادة الدول على ثرواتها الطبيعية .
كما شكلت تهديدات الولايات المتحدة إنذارا لأعضاء مجلس الأمن
الدائمين ( فرنسا، روسيا ، الصين) من أن وقوفهم مكتوفي الأيدي سيؤدي إلى تهميش دور
المجلس، وأنها عازمة على التصرف منفردة إذا لزم الأمر.
حيث تمخضت المفاوضات حول صياغة قرار لمجلس الأمن بالتصريح بالاستخدام
الشامل للقوة إذا لم يلتزم العراق بشروط التفتيش عن الأسلحة لكن الولايات المتحدة ،لكنها
لم تتمكن من استصدار قرار من داخل مجلس الأمن يعطي لها الحق في غزو العراق بدعوی وجود
مخالفة مادية من جانب العراق, فالاستخدام المنفرد للقوة من طرف الولايات المتحدة هو
الذي يثير قضية الشرعية [17]
.
وسعيا من الولايات المتحدة الأمريكية إلى إيجاد ثغرة لغزو العراق جادلت بكون العراق قد خالف قرارات مجلس الأمن في
عدة محطات ، وأنه لا حاجة لمزيد من الانتظار، وحاولت أيضا الاستناد على كون النظام
العراقي أجبر الولايات المتحدة الأمريكية على تفعيل مبدأ الدفاع عن النفس والحيلولة
دون أن يصبح العراق مركزا جديدا لإيواء المنظمات والعناصر الإرهابية، ولذلك حاولت دون
جدوى إثبات وجود علاقة بين العراق وتنظيم القاعدة.
إلا أن حالة الحرب الأمريكية على العراق أثارت حالة من الجدل
الصاخب، داخل دوائر الرأي والفكر والسياسة على المستوى العالمي، وداخل الولايات المتحدة
الأمريكية ذاتها، مما جعل هذه الأخيرة في مأزق بشأن هذه الحرب. ما يثير عدم شرعية الحرب
الأمريكية على العراق هو معارضتها من طرف دول دائمة العضوية في مجلس الأمن، أي أنها
تفتقر إلى الأساس القانوني. واستناد الولايات المتحدة إلى كون المشاركة المتعددة الأطراف
في استعمال القوة يكسبها شرعية دولية فهو خطأ وهو ما يشكل خرقا سافرا للمبدأ
الأممي المتمثل في تحريم اللجوء إلى القوة أو التهديد بها في العلاقات الدولية .
خاتمة:
كان ومازال مفهوم الشرعية الدولية محط تحفظات كبيرة لدى الأوساط
السياسية والفكرية. فعلى المستوى النظري هناك شبه إجماع في الساحة الدولية على أهمية
خضوع تصرفات الدول لضوابط قانونية محددة تحد من تذرع الدول بسيادتها المطلقة وحرية
التصرف في العلاقات الدولية باعتباره يرسخ السلم والأمن الدوليين، ويكبح النزعة الفردية
للدول نحو الهيمنة والتوسع، ويخضعها لإرادة دولية مشتركة أقرتها جميع الأمم. إلا أن
واقعها ما فتئ يصطدم بممارسة دولية مصلحية بالأساس، تنخر المضمون الحقيقي لمفهوم الشرعية
الدولية، وغالواقعهايتم تسخيرها في العديد من المحطات لشرعنة تصرفات القوى الكبرى.
ما يحتم إعادة النظر في تركيبة جهاز الشرعية الدولية، ليضم أطرافا
أخرى غير الدول الدائمة، على أساس تكريس المساواة بين الدول وتفعيل الديمقراطية الحقة.
حتى يضمن للجميع حق المشاركة في صنع القرار وحفظ السلم والأمن الدوليين.
لائحة المراجع:
الكتب:
عبد العزيز محمد سرحان، العرب والمسلمون في ظل النظام الدولي
الجديد والشرعية الدولية وأثره على العالم العربي، دار النهضة العربية، القاهرة ،1993.
عبد الواحد الناصر:
العلاقات الدولية الراهنة، مطبعة النجاح، الدار البيضاء، 2003.
جمال العاطفي: آراء
في الشرعية وفي الحرية، مطابع الهيئة المصرية العامة للكتاب ،2006.
عبد الواحد الناصر النظام القانوني الدولي، منشورات الزمن،
المغرب ،2006.
محمد غربي: الوجيز في
تاريخ العلاقات الدولية المعاصرة مع دراسة تأصيلية مختصرة للمنظمة الدولية، مطبعة
دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع، القنيطرة، 2005.
سعد حقي توفيق، النظام الدولي الجديد، الأهلية للنشر والتوزيع،
لبنان، الطبعة الأولى، 1999.
رجب عبد المنعم متولي: مبدأ تحريم الاستيلاء على أراضي الغير
بالقوة، في ضوء القانون الدولي، المعاصر، مع دراسة تطبيقية للعدوان العراقي ضد الكويت،
دار النهضة العربية، القاهرة، الطبعة الأولى ،1999
الرسائل:
أحمد أمساس: الإتجاهات الجديدة للمسؤولية الدولية للدول.رسالة
لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون العام ،1996كلية الحقوق طنجة -1997.
المجلات:
شريف بسيوني، الحرب الأمريكية في العراق مشروعية استخدام
القوة، مجلة السياسة الدولية، مطابع الأهرام ،عدد 151 يناير 2003.
[1] عبد العزيز محمد
سرحان، العرب والمسلمون في ظل النظام الدولي الجديد والشرعية الدولية واثره على
العالم العربي، دار النهضة العربية، القاهرة، 1993، ص 4-6-9
[2] عبد الواحد الناصر، العلاقات الدولية الراهنة ،
مطبعة النجاح، الدار البيضاء، 2003، ص 79
[3] http://www.rtv.gov.sy/index.PHP?P=3788
<d:50832
[4] جمال العاطفي،
آراء في الشرعية وفي الحرية، مطابع الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1980 ص:10
[5] عبد الواحد الناصر، النظام القانوني الدولي،
منشورات الزمن، 2006، ص 147-148
[6] محمد مغربي الوجيز في تاريخ العلاقات الدولية
المعاصرة، مع دراسة تاصلية مختصرة للمنظمات الدولية، مطبعة دار القلم للطباعة
والنشر والتوزيع، القنيطرة، 2005،
ص 215.
[7] محمد مغربي، نفس المرجع ، ص
215
[8] . محمد مغربي، نفس المرجع ، ص 215
[9] . محمد مغربي، نفس المرجع ، ص 216
[10] احمد امساس، الاتجاهات الجديدة للمسؤولية
الدولية للدول، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون العام ، كلية الحقوق طنجة، 1996-1997، ص 120
[11] سعد حقي توفيق، النظام الدولي الجديد، الأهلية
للنشر والتوزيع، لبنان، الطبعة
الأولى 1999، ص 44.
[12] عبد الواحد
الناصر، العلاقات الدولية الراهنة، مرجع سابق م 80
[13] سعد حقى توفيق، مرجع سابق ، ص48
[14] سعد حقى توفيق، مرجع سابق ، ص49
[15] بد الواحد الناصر، العلاقات الدولية الراهنة ،
مرجع سابق، ص:83
[16] رجب عبد المنعم
متولي ، مبدا الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة ، في ضوء القانون الدولي المعاصر،
مع دراسة تطبيقية للعدوان العراقي ضد الكويت، دار النهضة العربية ، الطبعة الأولى ، القاهرة، 1999، ص: 364.
[17] شريف بسيوني ،
الحرب الأمريكية في العراق مشروعية استخدام القوة، مجلة السياسة الدولية، عدد 151
يناير 2003. مطابع الأهرام. ص 15.
0 تعليقات