تجربـة الأمـن والإعــلام في فـترة إدريـس البصـري - الأستاذ إسماعيل الوفى- العدد 42 من مجلة الباحث - منشورات موقع الباحث القانوني
لتحميل العدد بصيغته الرقمية pdf اليكم الرابط أذناه:
الأستاذ إسماعيل الوفى
باحث بسلك الدكتوراه كلية
العلوم القانونية والاقتصادية
والاجتماعية بسلا
تجربـة الأمـن
والإعــلام في فـترة
إدريـس البصـري
L'expérience de la sécurité et des médias pendant la période d'Idris
al-Basr مقدمة:
يعتبر الأمن[1] من بين
المقومات الأساسية التي تبنى عليها الشعوب، فلا أساس للاستقرار والأمان إلا بوجود
جهاز أمني قادر على بسط سيطرته على جميع المخارج والمداخل التي تقام عليها الدولة،
فالضرورة الملحة للأمن اليوم أضحت من أهم المطالب الرئيسية التي تطالب بها الشعوب
اليوم، والتي عانت من ويلات الانفلات الأمني وتشتت المصالح العليا للبلاد.
وكغيره من الدول استطاع المغرب في فترة حكم
الملك الراحل محمد الخامس، من بناء المؤسسة الأمنية التي كانت منهمكة من فترة
الحماية الفرنسية للمغرب، فقد أبانت حكمة الملك الراحل محمد الخامس من السهر على
امتلاك المغرب لمؤسسة أمنية تكون قادرة على ضمان أمن المغرب، وهذا ما كان من خلال
توليته لمحمد الغزاوي مديرا عاما للأمن الوطني.
وبعد استلام الملك الراحل الحسن الثاني
مقاليد الحكم بالمغرب، واصل مسار الإصلاح والبناء داخل المؤسسة الأمنية، فقد حرص
جلالته على إعطاء المزيد من الأولية لقطاع الأمن، باعتباره الحصن المنيع والقويم
في حماية سلامة التراب المغربي، حيث عهد للكولونيل محمد أوفقير باستلام منصب
المدير العام للأمن الوطني خلفا لمحمد الغزاوي.
أما اليوم، وفي إطار المساعي الحميدة
لجلالة الملك محمد السادس، والذي يحرص في الآونة الأخيرة، على تطوير المؤسسة
الأمنية والنهوض بها إلى مصاف الدول المتقدمة، لا لشيء إلا من أجل ضمان خصوصية
المغرب في مجال الأمن، واهتمامه المتواصل بإعطاء الأمن مكانته التي يستحقها داخل
مؤسسات الدولة.
وفي نفس المسار الإصلاحي الذي يعتمده
المغرب في جميع القطاعات، نشهد التغير الملحوظ والإيجابي في مجال الصحافة والإعلام[2]،
هذا القطاع الذي أصبح من أهم الركائز التي تعتمد عليها الدولة حاليا، فبها يقاس
منسوب الحق في الحرية والتعبير وما مدى ديمقراطية الدولة أو ديكتاتوريتها،
فالإعلام هو السلاح الذي أضحت الدول تنشد به التقدم والازدهار في جميع الشؤون
الداخلية والخارجية لها.
وبطبيعة الحال، عانى المغرب في القرن
العشرين من انتكاسة إعلامية كبرى، فلم يكن المغرب يملك إعلاما نزيها أو حرا أو
مستقلا، إنما كانت مؤسسة الإعلام تتبع للمخزن أي الدولة العميقة، هي التي كانت
تتحكم فيه وتسيره أينما أرادت لخدمة مصالحها وأجندتها، ويبقى المثال الحي على صحة
ما نقول هو ما حصل في فترة إدريس البصري رحمه الله، حيث جمع هذا الأخير بين منصبي
وزير الداخلية ووزير الإعلام في سنة 1985، وبالضبط في حكومة محمد كريم العمراني.
إلا، وأنه ومع تغير الإرادة
السياسية بالبلاد في سنة 1999، ونهجها للمسار الإصلاحي والمؤسساتي في مختلف
القطاعات، حرص جلالته على تولية القطاع الإعلامي مكانة مهمة داخل مكونات الدولة
الحديثة، باعتباره أداة العصر الحالي ورافعة أساسية نحو التقدم الذي ينشده المغرب
في المرحلة الراهنة، وقد توج هذا النهج الإصلاحي بالتنصيص في دستور 2011 على إنشاء
الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري[3].
فقد شكلت هذه المحطة حدثا تاريخيا في
القطاع الإعلامي بالمغرب، فالغاية من هذه الهيئة هي إبعاد هذا القطاع الحيوي من
هيمنة الدولة وحكرها الذي دام سنوات طويلة، فالتحولات الديناميكية والديمقراطية
والتقدم التكنولوجي الذي يشهده عصر الإعلام اليوم، أوجب على المغرب ايلاء مزيد من
العناية لهذا القطاع الذي طغت فيه المعلومة الإعلامية بشكل متسارع للغاية.
بما أن الإعلام أضحى من الضروريات التي
تعتمد عليه الدول في الوصول لمصالحها السياسية، كان لزاما على المغرب من زيادة الرعاية
والعناية لقطاع الإعلام، نفس الأمر يتعلق بالأمن وما يمثله لدى المنتظم الدولي
بصفة عامة والمغرب بصفة خاصة، من هنا يمكننا طرح الإشكالية التالية: كيف دبر
المغرب قطاع الأمن والإعلام في فترة إدريس البصري؟ وما هي النقلة النوعية التي
عاشها الأمن والإعلام في عهد الملك محمد السادس؟
تتفرع عن هذه الإشكالية التالية
مجموعة من الأسئلة الفرعية التالية:
- كيف استطاع إدريس البصري
المزاوجة بين وزارة الداخلية ووزارة الإعلام؟
- ألم تشكل فترة إدريس البصري
انتكاسة أمنية وحتى إعلامية للمغرب؟
- كيف عالج المغرب قطاع الأمن
والإعلام في فترة حكم الملك محمد السادس؟
- ما هي القيمة المضافة للإعلام
الأمني كتوجه جديد للمؤسسة الأمنية؟
وحتى يتم الإحاطة بهذه الإشكالية،
ارتقينا الإجابة عنها من خلال التصميم التالي: -المبحث الأول: واقع الأمن والإعلام
في عهد إدريس البصري. المبحث الثاني: مسار إصلاح الأمن والإعلام في فترة حكم الملك
محمد السادس.
المبحث الأول: واقع الأمن والإعلام
في عهد إدريس البصري
عاش المغرب مجموعة من المتغيرات بعد حصوله
على الاستقلال سنة 1956، فقد أسس المديرية العامة للأمن الوطني في نفس السنة،
معلنا بذلك عن بداية مرحلة جديدة في بناء الدولة الحديثة، فقد استفاد المغرب من
الخبرات الفرنسية في مجال الأمن، خصوصا وأن مؤسسة الأمن كانت في طور التكوين
الداخلي، وكان لابد لها من الاستعانة بالشرطة الفرنسية التي لها الشيء الكثير من
الخبرة والممارسة العملية التي تفتقدها نظيرتها المغربية.
وكأي مؤسسة من مؤسسات الدولة المغربية، عرفت
المديرية العامة للأمن الوطني في بدايتها بعض التعثرات، والتي أثرت على مسارها
الحقيقي، وهو محاربة الجريمة وتكريس الطمأنينة لكافة المواطنين، ويعود السبب في
ذلك إلى تولي المناصب العليا في هذه المديرية لبعض الأشخاص المنتمون للمؤسسة
العسكرية، مما انعكس سلبيا على عمل المديرية العامة للأمن الوطني.
إلى جانب البداية المتعثرة في القطاع
الأمني، عرف مجال الإعلام بدوره في تلك المرحلة الكثير من المضايقات، خصوصا وأن
الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية كانت في بداياتها الأولى، كل هذا جعل من
المجال الإعلامي في المغرب مجرد تابع لأجهزة الدولة التي تتحكم فيه كيف تشاء.
ومع تولي إدريس البصري لوزارة الإعلام في
سنة 1985، أصبح الإعلام في المغرب مقيدا إلى حدود كبيرة، فالإشراف الفعلي كان من
مسؤولية وزارة الداخلية التي يرأسها البصري، مما يمكن القول معه أننا أمام إعلام
مخزني مسير، والذي قام بإعدام حرية التعبير والرأي بالمغرب، فقطاع الإعلام في عهد
وزير الإعلام، كان فقط عبارة عن اسم مجرد من كل شيء، فالسلطة الحقيقة لوزارة
الإعلام كانت في يد وزارة الداخلية، التي طبقت هيمنتها على هذا القطاع وسيرته وفق
نظام عمال الداخلية وليس وفق ضوابط الإعلام الحر.
إن المغرب لم يكن يملك إعلاما بمفهوم
الكلمة، بل كان فقط يدعي بأنه له مؤسسة إعلامية بنظم قانونية ليست بالحقيقية، وهذا
الوضع كان نتيجة حتمية في تلك الحقبة الزمنية من تاريخ المغرب، فلا يمكننا أن
نتصور إشراف وزير الداخلية، لجهاز الإعلام لمدة تفوق عشر سنوات، فهذه المدة كفيلة
بتحويل قطاع الإعلام إلى وسيلة بيد الدولة تدبره كيف تشاء وتفرض عليه شروطها، لأن
انعدام الإعلام بالدولة يولد إعدام الحريات والحقوق، ويوجب إسكات أي صوت يطالب
بحرية التعبير والرأي في إطار إعلام حر ومستقل.
ولتعميق البحث في هذا المبحث،
سنحاول تقسيمه على الشكل التالي: المطلب الأول: مكانة الأمن الوطني مع وزير
الداخلية إدريس البصري. المطلب الثاني: حقيقة الإعلام في مرحلة إدريس البصري.
المطلب الأول: مكانة الأمن الوطني
مع وزير الداخلية إدريس البصري
تولى إدريس البصري منصب وزير الداخلية في
الفترة الممتدة من 1979 إلى 1999، حيث تعتبر هذه أطول مرحلة قضاها وزير الداخلية
في منصبه بالمغرب، فهذه الوزارة تعد من بين الوزارات السيادية، والتعيين بها يكون
من قبل الملك دون غيره، نظرا لمكانتها في الهرم السلطوي والسياسي والإداري
بالمغرب.
فقد كان يطلق على وزارة الداخلية فيما مضى
بأم الوزارات، خصوصا وأنها كانت تحظى بمكانة مهمة لدى القصر الملكي، فقد جعل إدريس
البصري من الوزارة الداخلية الآمر والناهي على جميع الوزارات الأخرى، فحتى منصب
الوزير الأول في عهد البصري لم يكن يملك من السلطات، إلا جلوسه على كرسي الوزارة
لا غير، فإدريس البصري هو صاحب القرار والفصل في جميع القرارات السياسية.
فسلطته كان يستمدها من الملك الراحل الحسن
الثاني مباشرة، حيث أصبح الرجل الثاني في الدولة بدون منازع، يبث في كل القضايا
الأمنية والاقتصادية والسياسية، ويعمل على تطبيق قراره مهما كان على دوائر الدولة،
وأي معارضة من أي جهة أو شخص على أي إجراء منه، يعاقب أو يعرض لتنكيل أو تلصق له
تهمة التآمر على النظام الملكي.
فعند تولي إدريس البصري لمنصب وزير
الداخلية، كانت المؤسسات الأمنية كالاستخبارات ومديرية المستندات، لا تتبع له من
حيث الإشراف الإداري أو الأمني، الشيء الذي جعلها في مرمى البصري في التلفيق وكيد
الدسائس لها، حتى يفقد الملك الراحل الحسن الثاني ثقته في جهاز الأمن، ويعتمد فقط
على البصري في كل كبيرة وصغيرة تهم دواليب السلطة.
وحتى يتسنى لإدريس البصري بسط سيطرته على
المؤسسة الأمنية، فقد عمل على إنشاء شبكة أمنية مرتبطة به حرص على وضعها في مختلف
مفاصل وأجهزة المؤسسة الأمنية، ليتمكن من معرفة جميع المعلومات السرية حتى يبلغها
هو مباشرة إلى الملك، إلى جانب هذه الشبكة هناك شبكة أخرى كونها داخل دواليب وزارة
الداخلية من ولاة وعمال وقواد[4]،
حتى يحكم قبضته على عدم إفلات أي معلومة منه مهما كانت أهميتها.
وقد ساعد إدريس البصري في الوصول إلى ما
وصل إليه في التحكم في المؤسسة الأمنية، هو المحاولتين الانقلابيتين التي تعرض لهم
الملك الراحل الحسن الثاني، ففي سنة 1971 كان هناك انقلاب الصخيرات بزعامة
الكولونيل محمد أعبابو ومحمد المدبوح، أما الانقلاب الثاني والذي كان في سنة 1972
بقيادة الجنرال محمد أوفقير، من خلال قصفه للطائرة التي كانت تحمل الملك الراحل
الحسن الثاني أثناء عودته إلى أرض الوطن عائدا من إسبانيا.
فعندما أحس الملك الراحل الحسن الثاني
بخيانة المؤسسة العسكرية له، بادر إلى تغيير التوجه العام لتدبير الجيش المغربي،
حيث عمل على تولي منصب القائد العام للقوات المسلحة الملكية ضمانا منه في التحكم
في أمور الجيش، زيادة على ذلك عمل على الاعتماد على المؤسسة الأمنية في مراقبة
تحركات رجالات الجيش، كل هذا كان فرصة سانحة لإدريس البصري في التفاني وإظهار
الولاء المطلق للملك، حتى يكسب ثقته ويقربه منه باعتباره رجل المرحلة القادمة بدون
منازع.
وليؤدي إدريس البصري مهمته بالشكل المطلوب
منه، كان لابد عليه من تسخير جميع المؤسسات الأمنية بكل أنواعها[5]،
حتى تصير تابعة له بدون منازع يتحكم في قرارها ويراقب جميع العاملين بها، ولكي
ينجح مسعاه في إخضاع الأجهزة الأمنية الغير التابعة له، قام بتوظيف شبكة من
المخلصين له من بني مدينته سطات، حتى يتمكن من الوصول إلى مختلف المعلومات السرية
ويبلغها إلى الملك قبل أي جهاز آخر.
إن الاختراق الذي قام به إدريس البصري
للمؤسسة الأمنية، يعد مسألة خطيرة للغاية من حيث فرض هيمنته على هذه المؤسسة
البالغة الأهمية، فقيامه بتوظيف شبكة معينة في مناصب عليا داخل الجهاز الأمني،
يعطي إشارة بأن الدولة أصبحت تدار بقرار إدريس البصري لا غير، لأن التسلط الذي قام
به على هذا الجهاز، كان الغرض منه شيطنة المؤسسة الأمنية في أعين الملك الراحل
الحسن الثاني.
وبدهائه الخبيث وكيده الخطير، وصل إدريس
البصري إلى غايته المراد تحقيقها، وهي إبعاد جهاز الأمن عن أنظار الملك والتحكم في
مفاصله، من خلال رجاله الأوفياء الذين تقلدوا المناصب العليا داخل المؤسسة
الأمنية، والذين كانوا يزودونه بأدق المعلومات السرية التي يتوصل بها جهاز الأمن،
حتى يقوم هذا الأخير بتبليغها هو بنفسه للملك الراحل الحسن الثاني، بعدما يقوم هو
بتحليلها واختيار الأصح والمهم ليبلغه للقصر الملكي.
وقد أبدع إدريس البصري في كيفية صياغة
المعلومات المراد تبليغها للقصر، حيث وجد فيها فرصة موالية للقضاء على جميع أعدائه
ومعارضيه، من خلال تلفيق التهم لهم إما أنهم سيقومون بانقلاب على النظام الملكي،
أو يشكلون تهديدا على حياة الملك أو على عرشه، كل هذا وجد فيه إدريس البصري فرصة
سانحة في التعبير عن ولائه المطلق للجالس على العرش، وفي التفاني في خدمته وإظهار
حرصه الشديد على الملك وعلى الملكية في المغرب.
كل هذا سارع بإدريس البصري لأن يصبح الرجل
الثاني والقوي في الدولة بدون منازع، وهذا راجع بالأساس إلى الفراغ الذي أحدثه كل
من محمد أوفقير المدير العام للأمن الوطني ووزير الداخلية ووزير الدفاع في عهد
الراحل الحسن الثاني، ومحمد الدليمي الذي كان يرأس جهاز الكاب 1 و يرأس مديرية
الدراسات و المستندات[6]،
فغياب الجنرال ومساعده مكنا البصري من التحكم في الأمور وتوظيفها لصالحه.
فبعدما أصبحت الطريق فارغة من كل من أوفقير
والدليمي، سارع إدريس البصري إلى احتلال مكانتهما، وملئ الفراغ الذي تركاه من خلال
استغلال المعلومات السرية التي كانت بحوزته، وتوظيفها لصالحه من أجل إرضاء الملك
الراحل الحسن الثاني، وأيضا ليبرهن للجالس على العرش بأنه الخادم الوفي والحارس
الوحيد لحماية العائلة الملكية.
وبالفعل، نجح إدريس البصري في الوصول إلى ما
كان يصبو إليه، فقد أصبحت الطريق معبئة أمامه للدخول للقصر الملكي متى يريد،
واستحوذ على الثقة التي كان يريدها من الملك الراحل الحسن الثاني، وأصبح الرجل ذو
قوة تتعاظم يوما بعد يوم، يتحكم في جميع الأمور بيد من حديد، وأي معارضة من الداخل
تقابل بالتنكيل بها بشتى الطرق.
إن النزعة السلطوية التي اتسم بها إدريس
البصري، هو نتاج حاصل لمسار طويل راكمه من أقوى رجلين في الدولة أوفقير والدليمي[7]،
ولأنه اشتغل مع الاثنين فإنه تخرج من نفس المدرسة التي تشبع بأفكارها، فهو لم يكن
يختلف عنهما كثيرا بل يعد صورة تقريبية لهما، حيث قام بتطوير نفسه ليكون البديل
لهما إذا ما دعت الحاجة إلى ذلك.
كما أن من بين العوامل التي مكنت إدريس
البصري الوصول إلى هرم السلطة، هو شخصيته المدنية حيث اشتغل في منصب مفتش الشرطة
التابع للمديرية العامة للأمن الوطني، ومع تدرجه في المناصب العليا الأمنية، فقد
عينه الملك الراحل الحسن الثاني على رأس مديرية حماية التراب الوطني، والتي لم
يغادر منها إلا في صيف 1999، كل هذا وغيره جعل من إدريس البصري الرجل المناسب في
المكان المناسب بدون أي منازع.
وقد تطرق الدكتور محمد شقير لمجموعة من
الوقائع التي ساعدت إدريس البصري في بلوغ أعلى المناصب في جهاز الدولة، من بينها
حادثة راعي الغنم الذي وجد مقتولا في ضواحي الرباط، فقد أصدر الملك الراحل الحسن
الثاني تعليماته لإدريس البصري إلى التعرف على الجناة، هذا ما دفع بالبصري إلى
الدفع بأحد رجاله إلى الواجهة وهو العميد المركزي عبد العزيز علابوش، الذي كان
يشتغل بمركز للشرطة في العاصمة الرباط.
زيادة على ذلك، قام إدريس البصري بتصيد
أخطاء الآخرين، على رأسهم الجنرال محمد الدليمي والذي كان في أخر أيامه وفقد
السيطرة على تصرفاته، ورغم ذلك فإن إدريس البصري لم تكن له الجرأة ولا الشجاعة في
التصدي أو مواجهة الجنرال الدليمي، والذي يعتبر أستاذه ومعلمه الحقيقي ووريث جميع
المعلومات السرية، التي أخذها من كل من أوفقير والدليمي في فترات اشتغاله معها[8].
ويبقى من العوامل التي ساعدت إدريس البصري
في الوصول إلى مكانته لدى الملك الراحل الحسن الثاني، هو ملئ الفراغ الذي تركه
الجنرال أحمد الدليمي بعد مقتله في حادثة السير بمراكش، فكمية المعلومات والبيانات
السرية التي كانت بحوزة إدريس البصري، مكنته من احتلال موقع المسؤولية في تلك
الفترة من تاريخ المغرب، فلم يكن أحد يستطيع ملئ مكانة الدليمي إلا إدريس البصري.
إن رحيل كل من الجنرال أوفقير والدليمي عن
الحياة، جعلا من إدريس البصري رجل المرحلة بامتياز، فقد تمكن بذكائه وخبثه المعروف
من استغلال هذه الفرصة بالشكل الصحيح، زيادة على ذلك مكنه منصبه على رأس مديرية
حماية التراب الوطني، من بسط نفوذه الأمني على جهاز المخابرات الداخلية، والعمل
على توظيفها في مصلحته في التقرب والتودد للملك لينال رضاه.
كما أكد ضابط المخابرات المغربي أحمد
البخاري، أن سبب صعود نجم إدريس البصري في هرم السلطة، هو مصاهرته مع عائلة وزير
الداخلية السابق محمد بنهيمة، وتمكنه من زرع رجالاته في مختلف الأجهزة الأمنية
والترابية[9]،
الشيء الذي سهل عليه التحكم في المؤسسات الأمنية، وإخضاعها لخدمة أجندته الأمنية
وهي السيطرة على مصدر المعلومة.
إن المناصب التي تقلدها إدريس البصري في
الاستخبارات العامة بالرباط، وفي المصالح العامة التابعة للاستعلامات العامة، إلى
حين تعيينه رئيسا للمصلحة الجهوية للتوثيق والتحقيق بالرباط، ساعدته في جمع مجموعة
من المعلومات السرية عن المعارضين وعن رجال السياسة، هذه البيانات التي أحسن
تدبيرها لخدمة مصلحته الشخصية.
ومع توالي سنوات خدمة إدريس البصري وتدرجه
في المناصب العليا، فمن عضو بديوان وزير الداخلية إلى مدير الشؤون العامة، إلى
مساعد كاتب الدولة في الداخلية إلى كاتب الدولة، ليصير إلى وزير الداخلية سنة
1979، حيث بقي في هذا المنصب إلى سنة 1999، و مع تولي الملك محمد السادس لعرش
المغرب، قام بإعفاء إدريس البصري من منصب وزير الداخلية[10].
هذا الانتقال الفوري أو خرق المراحل إن صح
التعبير، هو الذي مكن إدريس البصري من التربع على المؤسسة الأمنية، وجمع جميع
مصالحها تحت يده بواسطة رجالاته السطاتيين المخلصين له، الذين استقدمهم من مديرية
الاستعلامات العامة، حتى يشكل جبهة سطاتية في جهاز مراقبة التراب الوطني، توفر له
ضبط جميع المنافذ الأمنية الخاصة بالمملكة المغربية.
وإذا كان إدريس البصري قد تحكم في الجهاز
الأمني، وأصبح يتبع له ويعمل لصالحه ويأتمر بأوامره في كثير من الأحيان، فذلك راجع
بالأساس إلى شبكة الموظفين الذين أوصلهم إلى المناصب العليا في المؤسسة الأمنية
لخدمته، فإذا كان هذا هو حال الجهاز الأمني مع وزير الداخلية، فكيف سيصبح حال قطاع
الإعلام مع وزير جمع بين حقيبتين وزاريتين، هما الداخلية والإعلام في نفس الوقت.
المطلب الثاني: حقيقة الإعلام في
مرحلة إدريس البصري
عاش قطاع الإعلام بالمغرب مجموعة
من المراحل التي أثرت عليه، فالدولة لم تكن تعرف ما الإعلام وما أهميته بالنسبة
لها، فبعد حصول البلاد على الاستقلال عانى هذا القطاع مشاكل جمة، من بينها أنه كان
إعلاما تابعا لأجهزة الدولة، ويعمل بكل الأوامر التي تصدر من مسؤولي الجهاز
الأمني.
فالإعلام بمختلف صوره وأنماطه كان يعيش تحت
وطأة المخزن[11]،
حتى الأحزاب السياسية والتي كانت تقوم بتحرير أخبارها بنفسها عن طريق جرائدها، لم
تسلم هي كذلك من تدخل السلطة في نشر هذه الأخبار، بل قد يتعدى الموضوع إلى ما هو
أكبر من ذلك بكثير، في معرفة ما سينشر في عدد الصباح لتزكيته أو تعديله أو رفضه
بالمرة.
فعند تأسيس أول حكومة في المغرب بعد
الاستقلال بزعامة البكاي بن مبارك الهبيل سنة 1955، شغل عبد الله إبراهيم منصب
كاتب الدولة في الإعلام، حيث واجه هذا الأخير العديد من الصعوبات التي تواجه هذا
القطاع الفتي، خصوصا وأن كاتب الدولة المكلف بالإعلام، يعد كاتبا ونقابيا وسياسيا
محنكا، يعرف أهمية الإعلام بالنسبة للدولة والمجتمع.
ومع توالي الحكومات المتعاقبة على تدبير
الشأن السياسي بالمغرب، عرف الإعلام بدوره العديد من المراحل السياسية التي نالت
منه في بعض الأحيان، كانتفاضة الخبز بالدار بيضاء في سنة 1965 وانقلاب الصخيرات
سنة 1971 وانقلاب 1972 وغيرها، كل هذه المحطات كانت حدثا بارزا في المشهد الإعلامي
المغربي.
ففي سنة 1965 شهدت مدينة الدار بيضاء
انتفاضة شعبية، كانت في بداية الأمر تتعلق بقرار لوزير التعليم، يمنع من خلاله
الطلبة الذين تفوق أعمارهم فوق 17 من الحضور والدراسة في الثانوية، لكن سرعان ما
دخل على الخط الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بزعامة المهدي بن بركة، بالإضافة إلى
انضمام الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، كما انضم إلى هذه الاحتجاجات مجموعة من
المحتجين القادمين من المناطق العشوائية، والمنددين بتحسين وضعيتهم المعيشية
والاجتماعية.
كل هذه الحوادث، سارت في المغرب تحت أعين
المؤسسة الأمنية بقيادة الجنرال محمد أوفقير، والذي تعامل معها بنوع من الوحشية
والدموية تفوق الوصف، دون اهتمام أو اكتراث الإعلام، الذي كان مغيبا تماما عن
الأحداث، فخطاب قطاع الإعلام في تلك الفترة الحرجة كان في واد، والوقائع الميدانية
كانت في واد أخر.
وفي ظل هذا التوتر الغير المسبوق في تاريخ
المغرب بين الشعب والنظام الملكي، وخروج الأمور عن السيطرة في الشارع العام، وغياب
الحقيقة الكاملة في كيفية تدبير انتفاضة الشارع، نرجع وكلنا آمال إلى وسائل
الإعلام، كي توضح الحقيقة لتاريخ وللأجيال الصاعدة، لكن وكما هي العادة نجد جهاز
الإعلام يناقش مواضيع أخرى، غير تلك الموجود في الساحة الوطنية والتي تهم الرأي
العام الوطني.
فوسائل الإعلام المغربية الحرة كانت كلها
تحت الرقابة، ولا يمكنها نشر أو كتابة أي شيء إلا بإذن من المخزن، أما أجهزة
الإعلام المحسوبة على الدولة، فهي من أنشأتها وتقوم بتمويلها وتتحكم فيها،
وبالتالي فهي لا تخرج عن أوامرها في كل كبيرة أو صغيرة، ففي احتجاجات الدار بيضاء
قامت السلطات البوليسية بحجز مجموعة من الجرائد، من أبرزها جريدة المحرر
وليبراسيون والأهداف[12].
كما شكل انقلاب كل من سنة 1971 و1972 محطة
أخرى لانتكاس الإعلام بالمغرب، فقد سيطر الانقلابيون على جهاز الإذاعة والتفلزة
المغربية، ففي انقلاب 1971 بقيادة محمد اعبابو قام هذا الأخير باقتحام الإذاعة هو
وجنوده، وكلف الفنان عبد الحليم حافظ بتلاوة بيان الانقلاب على أمواج التلفزة،
التي كانت تدار من طرف مديرها محمد بنددوش.
كما اعتبر انقلاب 1972 بزعامة الجنرال محمد
أوفقير حدثا مهما في محطات المغرب، فبينما الإعلام ينتظر وصول طائرة الملك إلى
مطار سلا، فالجيش في تلك الساعة ينفذ انقلابه على الملك، من خلال قصف طائرته
بواسطة طائرات حربية، إلا أن الإعلام لم يكن على دراية بالموضوع، إلا بعد انتهاء
الانقلاب ونجاة الملك الراحل الحسن الثاني من هذه المحاولة الانقلابية.
إن ما عاشه المغرب في انقلاب 1971 و1972
يعري الوجه الحقيقي للإعلام بالمغرب، فضعف التكوين الإعلامي وقلة خبرة الصحفيين
المغاربة، هي التي ساهمت إلى حد ما في نقل الأحداث الجارية، بنوع من الضبابية
والفوضى الغير معهودة في الصحفي، ولكن وبما أن الإعلام كان تابعا للأجهزة الدولة،
فهو لن يقوم بأكثر مما قام به في السابق، وهذا ما دفع بالملك الراحل الحسن الثاني
للخروج إلى شعبه لتوضيح الأمور.
ومع توالي السنوات السياسية في المغرب،
وبروز أسماء جديدة في الشأن السياسي الداخلي، برز نجم وزير الداخلية أنداك، ففي
سنة 1985 تولى إدريس البصري وزارة الإعلام إلى جانب وزير الداخلية مع صفة وزير
الدولة في حكومة لمحمد كريم العراقي سنة 1985[13]، حيث
تعد هذه المرحلة هي الانتكاسة الحقيقية للإعلام بالمغرب، خصوصا وأن الفارق بين
الوزارتين كبير للغاية، فالداخلية تبقى لها حساسية مفرطة من مجال الإعلام ومن حرية
الرأي والتعبير.
ولقد وجد إدريس البصري في هذه الفرصة،
دورا أساسيا في إثبات ولاءه للملك الراحل الحسن الثاني، فبعد السيطرة المطبقة على
جهاز الأمن زادت سيطرته الفعلية على قطاع الإعلام، فلا يمكن تمرير أي شيء في
الإذاعة إلا إذا وافق هواه، أما ما يراه غير مناسب للمشاهدة من برامج الإذاعة، فلا
يمكن تمريره على الإطلاق وبدون مناقشة أي أحد.
وبفعل هذه السطوة المحكمة على جهاز الإذاعة
والتلفزيون، أصبح وزير الداخلية في شكل وزير الإعلام، هو الساهر على جميع الشؤون
الإعلامية، فقد أصبح له مستشارون من الداخلية يشتغلون في الإذاعة، يراقبون المدير
العام لهذا الجهاز ويناقشونه في جميع التفاصيل، بل إن أمرهم أضحى أكثر أهمية من
أمر المدير العام لتلفزة والإذاعة.
فقد أكد كل من الصديق معنينو الصحفي
والكاتب العام السابق لوزارة الإعلام والمدير العام للإذاعة والتلفزة، وعبد
الرحمان عشور مدير الإذاعة المغربية سابقا والعامل المكلف بالتواصل بوزارة
الداخلية[14]،
عن معاناتهم الحقيقية التي عاشوها في عهد إدريس البصري كوزير للإعلام، وكذا عن
كمية التحكم التي فرضت على قطاع الإعلام في فترة تدبير له، الشيء الذي نتج عنه
تعميق الهفوة بين جهازين مختلفين عن بعضها البعض، الداخلية والإعلام.
فمن خلال الاطلاع على هاذين الكاتبين، تظهر
لنا الصورة الحقيقية لقطاع الإعلام في فترة إدريس البصري، لقد أصبح المسؤول عن كل
شيء بيده جميع السلطات وينفذ ما يريد، أما جميع العاملين بقطاع الإعلام فلا حول
لهم ولا قوة، بمن فيهم حتى المدير العام للإذاعة والتلفزة، وما يثير استغربنا
وحيرتنا هو الاستعانة بمسؤولي الداخلية في الاشتغال في أسلاك وزارة الإعلام.
كما كشف الصديق معنينو في كتابه عن حجم
التسلط الذي فرطه إدريس البصري الرجل القوي في المملكة على قطاع الإعلام، حيث وصف
معنينو وزارة الداخلية بأم الوزارات وبذات الأسنان المسلحة، كما أكد الصديق معنينو
أنه سمع الملك الراحل الحسن الثاني يقول لإدريس البصري " أنت عندك التلفزيون
ديالك ويقصد القناة الأولى وأنا عندي التلفزيون ديالي ويقصد القناة الثانية
".
إن تصريح ملك البلاد بتخصيصه للقناة الأولى
لإدريس البصري، يدبرها كيف شاء ومتى شاء، يبين لنا مكانة وزير الإعلام بالنسبة
للمؤسسة الملكية، فغياب الثقة في كل المسؤولين جعلت من البصري رمز الوفاء والأمان
بالنسبة للقصر، فالملك لم يعد يعتمد في كل أموره إلا على البصري، وكان ثمن هذه
الثقة هي تسليمه منصب وزير الإعلام للبصري، والذي أبدع كعادته في إعطاء صورة غير
مشرفة لمؤسسة الإعلام، من خلال التقارير التي كان يرفعها للملك الراحل الحسن
الثاني، وأنه يرجع له الفضل في تنظيم جهاز الإذاعة والتلفزة من الفوضى التي كان
يعيشها.
إن المكانة التي كان يحتلها إدريس البصري
داخل مؤسسات الدولة، جعلته يصف نفسه بأنه هو المسؤول الوحيد عن العلاقة بين
الإعلام والملك، الأمر الذي يعكس مدى خطورة هذا الكلام، لأن وزير الإعلام كان يعي
تمام المعرفة، مضامين خطابه وبأنه هو أداة الوصل بين الإعلام والقصر، فما يروقه
سيروق الملك بطبيعة الحال.
لقد تمكن وزير الداخلية والإعلام من إدارة
الشؤون الإعلامية بالمغرب من قبضة من حديد، فقد حرص ألا ينشر شيء في الجرائد أو
يذاع في الإذاعة إلا بمباركة منه هو شخصيا، وإذا وقع أي خلل في أي نشاط ملكي كان
من المفترض أن يتم عرضه في أخبار المساء، لكن لحدث مانع أو سهو أو نسيان لا يتم
تقديم هذا النشاط في نشرة الأخبار المسائية، الأمر الذي ينتج عنه غضبة ملكية على
وزير الإعلام إدريس البصري.
وبدوره يعمل إدريس البصري على إفراغ هذا
الغضب، على مدير الإذاعة والتلفزة وعلى جميع العاملين فيها، فهو لا يستثني أي أحد
مهما كانت مكانته، حيث كان يقوم باستدعاء مدير التلفزة إلى ملعب الكولف في ساعات
الصباح الأولى، انتقاما منه لوقوع أي خطأ إعلامي، وكذا توبيخا له في كثير من
الأحيان، خصوصا وأن المدير العام للتلفزة ونظرا لظروف عمله التي تبقيه مستيقظا حتى
ساعات متأخرة من الليل، إلا وأن وزير الإعلام يحلو له استدعاءه في الساعات الأولى
من الصباح، لإعطائه دروس التقوية في الإعلام.
ومع استمرار تدبير إدريس البصري لمجال
الإعلام في المغرب، صاحب ذلك وجود قانون الحريات العامة الصادر سنة 1958[15]،
حيث يعتبر هذا القانون هو المنظم لشأن الحريات والحقوق التي يكفلها القانون
للمواطن، إلا أن الموضوع كان مختلفا بالنسبة لوزير الإعلام، فلقد لقي الإعلام
بمستوياته الثلاث المقروء والمسموع و المكتوب تضييقا كبيرا عليه من مختلف الجهات
أو ما يسمى " بالمخزن ".
لقد اعتبر العديد من الصحافيين المغاربة
الذين عاصروا حقبة إدريس البصري كوزير للإعلام، إلى كميات المضايقات والتدخل في كل
ما يكتبونه في الجرائد اليومية، فقد اعتبر الصحفي خالد الجامعي المقابلة التي
جمعته بوزير الإعلام، أمرا عاديا ومألوفا في تلك الفترة، فقد قام الجامعي بنشر
مقال في جريدة لوبنيون الفرنسية، باعتباره مسؤولا عن التحرير في هذه الجريدة.
فقد كتب خالد الجامعي مقالة حول
الديمقراطية المغربية، وتطرق فيها إلى أن التعددية الحزبية في المغرب مجرد كذبة
بلقاء، لأن المخزن هو الحزب الوحيد وأن باقي الأحزاب الأخرى مجرد تزويق وتأثيث،
ليفاجئ الجامعي في الصباح الموالي لصدور المقال، بتلقيه دعوة عاجلة من وزير
الداخلية، ومخاطبا له بعبارة " اشكون أنت " ( من تكون أنت ) لتقوم بنشر
هذا المقال[16].
ومع بداية التسعينات وظهور الإعلام الأجنبي
على الشاشة المغربية، كان لابد على المغرب من التفكير مليا في تنظيم هذا القطاع
المهم، بترسانة قانونية تؤهل القطاع السمعي البصري ببلادنا، وهذا ما دفع بالسلطات
العمومية إلى إطلاق المناظرة الوطنية في سنة 1993، والتي تعتبر الأولى من نوعها في
العالم العربي. كما أكد الملك الراحل الحسن الثاني، من خلال رسالته الموجهة لأشغال
المناظرة الوطنية، على ضرورة إحداث هيأة عليا للإعلام بالمغرب، مما اعتبره البعض
إشارة قوية ورغبة واضحة للدولة في وضع قطاع الإعلام السمعي البصري على سكة التغيير
والتطوير[17].
لكن، وفي ظل الانتقال الذي عاشها المغرب، وبالضبط
خلال حكومة التناوب بزعامة الوزير الأول عبد الرحمان اليوسفي في سنة 1998، واتهام
إدريس البصري وزير الإعلام أنداك بالتجسس على المشاورات الأولى لتشكيل الحكومة
والتي اعترضت عن تولي هذا الأخير لمنصب وزير الداخلية[18]،
وقد أحس هذا الأخير بأن بوصلة الإعلام بدأت تتجه إلى الحكومة الجديدة، فقد كان أول
إنجاز لها هو صدور ظهير تشكيل الهيئة العليا للإعلام ومختلف القوانين التي تهم
تدبير الإذاعة والتلفزة، بعد أن كان قطاع الإعلام حكرا على الدولة منذ سنة 1924.
إن ما تعرض كل من الأمن والإعلام في
المغرب في فترة إدريس البصري، لدليل واضح على أن الدولة كانت تدار من طرف الأقوى
لا غير، فقد سيطر البصري على مؤسسة الأمن وجعلها تابعة له، ووظف فيها كل من يخدمه
ويمهد له الطريق لتحكم فيها، كما عمل البصري على استغلال منصب وزير الإعلام، جاعلا
منه ولاية تتبع لوزارة الداخلية، فاندمج الإعلام بالداخلية، فاختلط علينا التفريق
بين ما هو إعلامي وبين ما هو سلطوي.
كل هذا، جعل من المغرب يعيش أصعب مرحلة في
تاريخه، حيث تمكن إدريس البصري من تغليب مفهوم الأمن على غيره من المفاهيم الأخرى،
وحتى يحقق هذه المعادلة الصعبة، جعل من الإعلام وسيلته لمراقبة أي شيء، فأصبحنا
نرى تدبير موظفين من الداخلية لشأن الإعلامي، الأمر الذي نتج عنه تغليب هاجس الأمن
على هامش الحرية والإعلام.
والأكيد أن كل من الأمن والإعلام، كان من
بين الوسائل التي يسعى لها أي رجل سلطة في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، وإدريس
البصري منهم، فالأمن هو غاية كل من يريد التحكم في كل الأمور والتقرب من القصر
الملكي، أما الإعلام فلا يمكن أن يتحرك أي شيء لا في شاشة التلفزة ولا في الصحافة
إلا بإذن منه، لأن صدور أي إعلان أو مقال صحافي، يهاجم النظام السياسي أو ينتقد
الوضعية الديمقراطية في المغرب، فهو بطبيعة الحال لن يكون مقبولا عند الحسن
الثاني، الذي سيصب جام غضبه على وزير الداخلية ووزير الإعلام إدريس البصري.
لكن، وكما لإدريس البصري وزير الإعلام مساوئ
فإن له ايجابيات كثيرة في مجال الإعلام بالمغرب، فقد ذكر عبد الرحمان عشور أن من
بين الحسنات التي تعود لإدريس البصري وزير الإعلام في الشأن الإعلامي المغربي،
إعداده لقانون الصحافة المهني ولبطاقة الصحافة، بالإضافة كذلك إلى خلق صندوق
لفائدة رجال الإعلام وإلى إعداد مشروع إنشاء المجلس الأعلى للأمن[19]،
كل هذه الخطوات المهمة في مجال الإعلام في المغرب كانت من نصيب وزير الإعلام إدريس
البصري.
ومع بداية التسعينات، ونتيجة لتحولات التي
عاشها المغرب في تلك الفترة، كان لابد للدولة من نهج مسار التغيير، فقد أدرك الملك
الراحل الحسن الثاني، بأن بوادر الإصلاح أصبحت ضرورية بالنسبة للمغرب، الأمر الذي
نتج عنه السماح لليساريين بترؤس الحكومة في سنة 1998، لطي صفحة من الصراعات بين القصر
الملكي واليسار المغربي.
وقد أدركت القيادة الجديدة للمغرب في سنة
1999، أن المغرب لم يعد هو مغرب الماضي، فكل المؤشرات الداخلية تطالب بالإصلاح
ونهج مسار التجديد، وهذا ما التقطه الملك محمد السادس في بداية حكمه، ليدشن مرحلته
بخطاب الدار البيضاء 12 أكتوبر 1999، معلنا بذلك عن ميلاد مفهوم جديد للسلطة،
مغايرا تماما لما كان معمولا به في السابق، متعهدا في نفس الوقت عن انطلاق مرحلة
جديدة بالبلاد بوجوه جديدة.
المبحث الثاني: مسار إصلاح الأمن
والإعلام في فترة حكم الملك محمد السادس
لقد استقبل الملك محمد السادس عهد ولايته
لحكم المغرب بنهج سياسي مغاير لما كان عليه والده الراحل الحسن الثاني، فبوادر
الإصلاح كانت بادرة على وجه الملك الشاب، الذي أراد أن يستقبل فترة حكمه بتغيير
جذري لكل الأمور السلبية التي كانت سائدة في النظام السابق وأولها إعفاءه إدريس البصري
من منصب وزير الداخلية كإشارة أولية للنهج التقدمي الجديد في تاريخ المغرب الحديث.
كان لابد لملك البلاد من طرح خريطة الطريق
التي سيعتمد عليها في مشوار حكمه للمغرب، فالكل كان مترقبا لهذا الإعلان الجديد،
بدءا من الطبقة السياسية والأوساط المدنية بمختلف توجهاتها، ونتيجة لهذا الوضع
سارع عاهل البلاد إلى بث الطمأنينة إلى مختلف الطبقات السياسية والفرق الحزبية،
بأن المغرب اليوم سيسع الجميع رغم اختلاف التوجهات السياسية والانتماءات الحزبية.
فقد أولى جلالته عناية كبيرة بجميع مؤسسات
الدولة، حيث عمل على إخراج هذه المؤسسات إلى الوجود من جديد، مشددا في نفس الوقت
بأن المغرب اليوم قائم على التعددية الحزبية والنهج الديمقراطي، وبأن على قطاعات
الدولة باختلاف مهامها، العمل وبجدية كبيرة على خدمة المواطن والسهر على ضمان أمنه
وسلامته، قاصدا بذلك المؤسسة الأمنية باعتبارها الساهر الوحيد على ضمان الأمن
والسكينة العامين.
إن الإصلاحات التي شهدت المؤسسة الأمنية في
عهد الملك محمد السادس، تبقى هي الأهم والأحدث في تاريخ المغرب، فالظروف التي
عاشتها هذه المؤسسة، جعلت منها مؤسسة قمعية وسلطوية لا تراعي الحقوق ولا الحريات،
لكن التوجه الجديد للدولة عمل على تغيير هذه الصورة النمطية للمؤسسة الأمنية،
وبأنه جهاز وجد لخدمة المواطن ولتوفير الحماية له، وهذا الفضل يعود للملك محمد
السادس المهندس الوحيد لسياسية الأمنية بالمغرب.
إضافة لذلك، قام الملك محمد السادس
بالاهتمام أيضا بقطاع الإعلام، باعتباره منارة للحرية والتعبير واحترام الحقوق
والحريات العامة للمواطنين، فقد اعتبر جلالته أن جهاز الإعلام هو المكسب الحقيقي
للدولة، فمنه يأخذ المواطن مصداقية والصحة الخبر، ولا مناص من إعلام هادف ذو رسالة
نبيلة يخدم المصالح العليا للمواطن وللدولة المغربية.
كما أن المتتبع للشأن الأمني المغربي، يجد
بأن المؤسسة الأمنية قامت في السنوات الأخيرة بالانفتاح على العالم الخارجي
والداخلي، من خلال وسائل الإعلام سواء الوطنية أو الدولية، وذلك لتقريب الإعلام من
المؤسسة الأمنية المغربية، حتى يتم إزالة جميع الشبهات التي كانت تحيط بهذه
المؤسسة في ما مضى، وجعلها مؤسسة مفتوحة على جميع مكونات المجتمع عن طريق الإعلام
الأمني.
سنحرص في هذا المبحث على تسليط الضوء على
جهاز الأمن والإعلام في عهد الملك محمد السادس، وكذلك على انفتاح المؤسسة الأمنية
على محيطها الخارجي عن طريق الإعلام، وذلك من خلال التصميم التالي: المطلب الأول:
أولوية الأمن والإعلام مع بداية حكم الملك محمد السادس. المطلب الثاني: المؤسسة
الأمنية وانفتاحها على الإعلام الأمني.
المطلب الأول: أولوية الأمن
والإعلام مع بداية حكم الملك محمد السادس
تعتبر فترة تولي الملك محمد السادس
لحكم المغرب من أهم المحطات المهمة التي عاشتها الدولة مع نهاية القرن العشرين
وبداية القرن الواحد والعشرون، فقد أحدثت بداية حكمه نقلة نوعية لجميع القطاعات
الحيوية للدولة، فالتوجه الجديد للجالس على العرش يسير نحو مغرب الغد والمستقبل، الذي
يعتمد على مؤسساته ويقوم على موارده البشرية الهائلة.
ومع تغير توجه الدولة نحو الإصلاح الشامل والتدريجي، حرص الملك محمد السادس
إلى بعث بوادر الطمأنينة لمختلف الفاعلين الحقيقيين في الشأن العام الداخلي، مبينا
لهم في نفس الوقت بأن عهده سيكون مغايرا تماما لما كان عليه سلفه الملك الراحل
الحسن الثاني، وبهذه المضامين الجديدة دخل المغرب في مرحلة تعكس الطموح الملكي
لبناء دولة الغد والمستقبل.
فقد حرص جلالته على تولية العناية لمختلف
مؤسسات الدولة حتى يتم القطع مع الممارسات التي كانت تشوبها في فترة حكم والده،
حيث أعلن في أول خطاب له يوم 12 أكتوبر 1999 بمدينة الدار البيضاء على إطلاق مفهوم
جديدة للسلطة في إشارة واضحة للإصلاحات المقبلة عليها المؤسسة الأمنية، فقد اعتبر
كثيرون بأن السياسة الأمنية بالمغرب، انطلقت مع تولي الملك محمد السادس لحكم
المغرب[20].
لقد شكل خطاب 12 أكتوبر 1999، محطة أولية
لمسار إصلاحي طويل تنبني عليه المؤسسة الأمنية، كما شكلت محطة هيئة الإنصاف
والمصالحة حدثا بارزا جعل من المغرب يحظى بكل التقدير والاحترام، فقد اعتبر هذا
الإنجاز من أول الإنجازات التي قام بها الملك محمد السادس في بداية حكمه، ففي سنة
2004 أعطى جلالته تعليماته بإحداث هيئة وطنية للإنصاف والمصالحة، مستجيبا بذلك
لتوصية المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بإحداث هذه الهيئة[21].
وقد جاء في التقرير الختامي الصادر عن هيئة
الإنصاف والمصالحة، وبالخصوص في التوصية الرابعة منه تحت عنوان " ترشيد
الحكامة الأمنية "، فقد تضمن هذا التقرير سبع مرتكزات تقوم كلها حول الإصلاح
التشريعي والهيكلي للقطاع الأمني بالمغرب[22]،
والتي يجب العمل بها ضمن الجهاز الأمني لإصلاح المشاكل التي عانى منها هذا الجهاز
على مر الأعوام الماضية.
ومع استمرار التطور الحاصل في المسار
السياسي المغربي، كان لابد من مواصلة النهج الإصلاحي داخل المؤسسة الأمنية، فقد
أكد الملك محمد السادس في خطابه بمناسبة عيد العرش ل 30 يوليوز 2004، بضرورة إصلاح
القطاع العمومي والذي يشمل بالطبع الجهاز الأمني، وذلك عن طريق تخليق الحياة
العامة ومحاربة كل أشكال الفساد، والاعتماد في هذا الصدد على موارد بشرية مؤهلة
لها من الكفاءة والخبرة الشيء الكثير[23].
كما أكد جلالته مرة ثانية في خطابه ل 30
يوليوز 2007، على أهمية النهوض بالأوضاع الاجتماعية لرجال الأمن، لما يقدمونه من
تضحيات جمة في سبيل الوطن، ومما جاء في نص خطابه " نجدد تنويهنا بالإدارة
الترابية وبأسرة الأمن الوطني، والدرك الملكي، والقوات المساعدة، والوقاية
المدنية، مؤكدين موصول عنايتنا بكافة الساهرين على شؤون الدفاع والأمن رعاية منا
لأوضاعهم الاجتماعية وتكفلا بأسرهم "[24].
إن العناية التي يوليها صاحب الجلالة
لجميع المؤسسات الأمنية، تبقى خير دليل على حرصه المولوي على تحسين جودة العمل
الأمني، حتى يضاهي الدول المتقدمة في سياستها الأمنية، كذلك يحرص جلالته على تولية
العناية لنساء ورجال الأمن، من خلال النهوض بأوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية لضمان
مستوى معيشي يليق بهذه الفئة، وأيضا لإبراز مكانتهم داخل المنظومة المجتمعية ككل.
وفي خطوة حكيمة من الملك محمد السادس، قام
هذا الأخير بتعيين عبد اللطيف الحموشي مديرا عاما للأمن الوطني سنة 2015، فقد شكل
هذا الحدث تحولا جذريا ومهما للغاية، أولا بتولية شخصية مدنية وليست هي الأولى من
نوعها، وثانيا من حيث شخصية المدير العام للأمن الوطني، هذه الشخصية التي حولت
جهاز الأمن الوطني، من وضعية حرجة للغاية إلى مستوى مغاير تماما للوضع السابق.
فبتولية السيد عبد اللطيف الحموشي على رأس الجهاز الأمني، عمل المدير العام
للأمن الوطني على إحداث نقلة نوعية للمؤسسة الأمنية من جميع المستويات، فقد قام
بتحسين الوضعية الاجتماعية والمالية لنساء ورجال الأمن الوطني، كما قام بتعديل
النظام الأساسي الخاص بموظفي الشرطة سنة 2019، استجابة منه في تحسين وضعية موظفي
الأمن الوطني[25].
زيادة على ذلك، قام المدير العام للأمن
الوطني بإصلاح تدريجي وشامل للمؤسسة الأمنية، سواء المركزية منها أو اللاممركزة،
حتى تكون في المستوى المطلوب منها وهو خدمة المواطن المغربي، حيث قام بتأهيل
المرافق الأمنية بالوسائل والمعدات المتطورة، التي تواكب التغيرات الحاصلة على
الساحة الوطنية والدولية، بالإضافة إلى ذلك عمل على تولية العنصر البشري مزيدا من
العناية، فقد ركز المدير العام للأمن الوطني، على الكفاءة والخبرة في رجال ونساء
الأمن الوطني بمختلف دراجاتهم المهنية، للرفع من الأداء الأمني المطلوب منهم.
كما أدرك الملك محمد السادس بأن المرحلة
الراهنة التي يعيشها المغرب، لم يعد من الممكن التعامل معها فقط بمفهوم الأمن
بشكله التقليدي، بل إن أبعاد الأمن اليوم تعددت وتغيرت، ولم يبقى الأمن حبيس معناه
الضيق، وهو حماية الأرواح والممتلكات، بل تعداه إلى ما هو أكثر من ذلك، فاليوم
أضحى لدينا الأمن الصحي والأمن الدوائي والأمن الاجتماعي وغيره، لأن وظائف الأمن
في الوقت الراهن لدول أصبحت متعددة ومتنوعة في مختلف مناح الحياة.
ورغبة من المؤسسة الملكية في السهر على
عصرنة المؤسسة الأمنية، نجد أيضا المدير العام للأمن الوطني يسير بنفس الخطوات،
التي تبناها الملك محمد السادس صانع السياسة الأمنية بالمغرب، فالأمن المغربي
اليوم يعيش في أحسن مرحلة في تاريخه، من حيث الكفاءة والمستوى العالي الذي تتمتع
به أجهزته الأمنية، لا على المستوى الداخلي ولا على المستوى الخارجي.
فاليوم أصبح العالم كله، يعترف بمكانة
المؤسسة الأمنية المغربية في محاربة الإرهاب والتطرف، ولم يقف المغرب عند هذا الحد
بل إن أجهزته الأمنية، تقوم بالتنسيق بينها وبين الاستخبارات الدولية[26]،
حول المعلومات الأمنية المتعلقة بالخلايا الإرهابية وبالتهريب الدولي للمخدرات
والهجرة الغير الشرعية، فقد أكدت العديد من الاستخبارات العالمية تعاون
الاستخبارات المغربية معها، في إلقاء القبض على الفارين من العدالة الدولية[27].
إن ما وصلت إليه المؤسسة الأمنية في عهدنا
الحالي، هو نتيجة القيادة الرشيدة والحكيمة للملك محمد السادس، فحرصه الشديد على
إبراز مكانة الأمن داخل المجتمع المغربي من الأولويات المهمة في قراراته السياسية،
كما يعمل جلالته على جعل الجهاز الأمني من ضمن المؤسسات الأمنية الدولية العريقة،
المشهود لها بالتفوق وبالتجربة الأمنية ذات الصيت العالمي، رغبة منه في تسويق
التجربة الأمنية للمغرب إلى باق الدول المجاورة.
فالمؤسسة الأمنية حاولت جاهدة القطع مع كل
الممارسات التي لحقتها من القرن الماضي، فقد اتهمت في العديد من القضايا بالاختفاء
القسري والتعذيب والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وأمام هذا الوضع الصعب حاول
جلالة الملك محمد السادس بكل جهوده، إلى إضفاء صورة نموذجية ومثالية للمؤسسة
الأمنية في وضعنا الراهن، وبالفعل فقد انعكست هذه الصورة الإيجابية على المؤسسة
الأمنية، سواء بالداخل المغربي أو خارجه.
كذلك، اهتم العاهل المغربي بوضع اللبنة
الأساسية للمؤسسة الأمنية، كمؤسسة تقوم على احترام القانون والتقيد بالمبادئ
العالمية لحقوق الإنسان، وهذا ما أظهرته التجربة الأمنية المغربية في فترة الربيع
العربي سنة 2011، وكيف تعامل معها الأمن الوطني بنوع من المسؤولية الجادة، القائمة
على الأسس القانونية واحترام الحريات العامة، هذا في حد ذاته يدل على وظيفة الأمن
الجديدة المبنية على حماية المواطن والوطن معا[28].
إلى جانب الإصلاح الذي شهده القطاع الأمني، نجد أيضا الاهتمام الملكي بشأن
الإعلامي وما يمثله بالنسبة للدولة، فقد وجه جلالته يوم 15 نونبر 2002 رسالة سامية
إلى أسرة الصحافة والإعلام، ومما جاء في بعض مضامينها " وعندما نقول الحرية،
فلأنه لا سبيل لنهوض وتطور صحافة جيدة دون ممارسة لحرية التعبير. كما أن التأكيد
على ملازمة المسؤولية للحرية، مرده إلى اعتبار أنه لا يمكن للإعلام أن يكتسب
المصداقية الضرورية، وأن ينهض بالدور المنوط به، ويتبوأ المكانة الجديرة به في
حياتنا العامة، ما لم تمارس هذه الحرية في نطاق المسؤولية "[29].
فقد عرف المغرب أول قانون لصحافة في سنة
1958 والذي تم تغيره وتعديله في سنة 2002[30]، رغبة
منه في امتلاك ترسانة قانونية تهتم بالشأن الإعلامي، فلا يمكن أن يتطور هذا القطاع
بدون مواكبة القانون له، وحمايته من الدخلاء الذين يشوهون قطاع الإعلام ومبادئه،
الأمر الذي عمل معه المغرب على وضع الإعلام في مساره الصحيح.
كما عرف قطاع الإعلام في سنة 2004 صدور
قانون الاتصال السمعي البصري[31]،
لترسيخ قيم الديمقراطية التي رسمها الملك محمد السادس، بهدف تقوية أسس دولة الحق
والقانون وتوسيع مجال الحقوق والحريات العامة والفردية، فهدف هذا القانون هو جعل
المغرب بلدا يواكب المتغيرات الدولية الحاصلة في مجال الإعلام والاتصال السمعي
البصري.
فقد أكد جلالته في خطاب العرش ل 30 يوليوز
2004، على ضرورة النهوض بأوضاع المشهد الإعلامي بالمغرب، حيث أكد في خطابه "
وبما أن إصلاح الفضاء السياسي سيظل ناقصا بدون استكمال الإصلاح الشامل للمشهد
الإعلامي، لترابطهما العضوي في دمقرطة الدولة والمجتمع، فإننا عازمون على مواصلة
الإصلاحات الأساسية للمشهد الإعلامي الوطني، بما في ذلك إيجاد قانون منظم لاستطلاع
الرأي، منتظرين من الحكومة العمل على انبثاق مؤسسات إعلامية مهنية، حرة
ومسؤولة..."[32].
وفي نفس المسار الإصلاحي لقطاع الإعلام،
وبروز اهتمام المؤسسة الملكية بوضعية الإعلام وما يمثله بالنسبة للدولة، فقد وجه
جلالته رسالة سامية إلى الدورة الثامنة للمؤتمر الإسلامي لوزراء الإعلام سنة 2009،
والتي دعا فيها إلى تجديد الخطاب الإعلامي، حيث أكد في خطابه ما يلي " بما
يقتضيه ذلك من صياغة خطاب إعلامي متجدد وموضوعي، واعتماد أساليب حديثة للتواصل،
ووضع خطط فعالة لإسماع صوت العالم الإسلامي، وشرح مواقفه، ونصرة قضاياه العادلة..."[33].
لقد مثلت التوجهات الملكية دورا أساسيا في
تأهيل قطاع الإعلام، حيث تبقى بعض الخطب الملكية بمثابة المرجع الأسمى لإصلاح
الإعلام ببلادنا، هذا القطاع الذي يحظى بمكانة متميزة داخل السياسة العمومية
للدولة، فالإعلام هو السلاح الجديد الذي تقوم عليه المصالح العليا للدول، والمغرب
ووعيا منه بفعالية الإعلام في المرحلة المقبلة، فهو يحرص تمام الحرص من أن يجعل من
الإعلام، مكسبا دستوريا وديمقراطيا لتنمية البلاد على جميع الأصعدة.
وقد عرف المناخ السياسي المغربي محطة مهمة
في سنة 2011، فقد شهدت البلاد صدور دستور جديد ينهض بالأوضاع الداخلية والخارجية
للدولة، كما تطرق هذا الدستور للعديد من الإصلاحات التي شملت مختلف القطاعات
الرئيسية، ومن بين أهم هذه المجالات التي حظيت باهتمام دستوري نجد قطاع الإعلام،
فقد نص الفصل 28 من دستور 2011 على ما يلي " حرية الصحافة مضمونة، ولا يمكن
تقييدها بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية. للجميع الحق في التعبير، ونشر الأخبار
والأفكار والآراء، بكل حرية، ومن غير قيد، عدا ما ينص عليه القانون صراحة. تشجع
السلطات العمومية على تنظيم قطاع الصحافة، بكيفية مستقلة، وعلى أسس ديمقراطية،
وعلى وضع القواعد القانونية والأخلاقية المتعلقة به. يحدد القانون قواعد تنظيم
وسائل الإعلام العمومية ومراقبتها. ويضمن الاستفادة من هذه الوسائل، مع احترام
التعددية اللغوية والثقافية والسياسية للمجتمع المغربي. وتسهر الهيئة العليا
للاتصال السمعي البصري على احترام هذه التعددية، وفق أحكام الفصل 165 من هذا الفصل
"[34].
فبالعودة إلى الفصل 28 من دستور 2011، نجده
تطرق إلى حق التعبير والرأي واعتبارهما من الحقوق المقدسة، وتتفرع عن هذه الحقوق
حرية الصحافة التي كفلها الدستور الجديد، معتبرا إياها من الوسائل التي تقوم عليها
الدولة الديمقراطية، فالقانون ينظم كيفية اشتغال وسائل الإعلام المختلفة، ويحرص
على تمتعها بكل الحقوق المكفولة لها قانونيا، ويتشدد في محاسبة كل من يقف في وجه
وسائل الإعلام كيفما كانت.
أيضا، تناول دستور 2011 في الفصل 165 منه،
ما يسمى بالهيئة العليا للاتصال السمعي البصري[35]، فهذه
الهيئة سيكون لها آثر بليغ في النهوض بمختلف وسائل الإعلام، فهي التي ستسهر على
ضبط وتقنين قطاع الاتصال السمعي البصري، خصوصا وأن هذا القطاع كان حكرا على الدولة
لمدة كبيرة من الزمن، ولكن بإحداث الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، سترفع
الدولة يدها عن هذا القطاع الحيوي الذي عانى من هيمنة الدولة وتحكمها فيه.
فالمغرب يعي تماما أن درجة تقدم الدولة وما
مدى الديمقراطية المنشودة فيها، تقاس بمدى احترامها لحرية الرأي والتعبير وعدم
تدخلها في شؤون الإعلام، لأن أي رقابة أو سيطرة على وسائل الإعلام بمختلف أنواعها،
ستصبح الدولة أمام واقع خطير للغاية، وهو قمعية وبوليسية الدولة التي تصادر حرية
الإعلام، لكل هذا سارع الدستور الجديد على التنصيص على الهيئة العليا للاتصال
السمعي البصري، حتى تقوم على جميع القضايا التي تهم الإعلام، وتعمل كذلك على تحسين
أوضاع الطبقة الصحفية العاملة في مجال الإعلام.
وحتى ندعم قطاع الإعلام ونزيد من مكانته
داخل الدولة، فقد حرض المشرع المغربي إلى تولية هذا المجال عناية خاصة، فقد قام
بإصدار قانون رقم 13-88 المتعلق بالصحافة والنشر[36]، كما
قام المشرع بإخراج قانون رقم 13-89 المتعلق بالنظام الأساسي للصحافيين المهنيين[37]،
لتنظيم مهنة الصحافة والصحافيين المغاربة، وحتى تكتمل المنظومة القانونية
الإعلامية، كان لابد على المشرع من التنصيص على قانون رقم 13- 90 المتعلق بالمجلس
الوطني للصحافة[38]،
المراد منه السهر على وضعية جميع الصحفيين المغاربة، وكذا الدفاع عن صورة الصحافة
المغربية في المحافل الدولية.
إن ما قام به المغرب في مجال الإعلام لم
يكن ليحدث، لولا الإرادة الحقيقية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، فكل هذه
القوانين لم تكن لترى النور إلا بالتوجيهات السامية له، والرامية إلى زيادة منسوب
الصحافة القائمة على حرية الرأي والتعبير، فالإرادة الملكية تعي تماما أن المغرب
بدون إعلام نزيه وحر، لا يمكنه الوصول إلى أهدافه الحقيقية والتي تقوم على
الاعتماد على وسائل الإعلام، وعلى الطفرة النوعية التي حققها الإعلام في السنوات
الأخيرة.
فالمشهد الإعلامي بالمغرب أصبح اليوم بفعل
السياسية الملكية الرشيدة، نموذجا عربيا وإفريقيا يحتذى به ويشاد بدوره الفعال في
الإعلام العربي، وهذا راجع إلى الرؤية التي قامت عليها النظرة الاستباقية لجلالته،
حيث وجه جلالته الحكومة إلى ضرورة تنظيم قطاع الإعلام في المغرب، وزيادة دعم
الدولة لهذا القطاع وتأهيله، حتى يكون في المستوى المطلوب منه، فالمغرب يحتاج إلى
إعلام يدافع عن قضاياه المشروعة والمصيرية، كقضية الصحراء المغربية التي يبقى فيها
جزء كبير من المسؤولية، ملقى على عاتق الإعلام في التعريف بهذه القضية العادلة
وإيصالها لمختلف دول العالم.
وحتى لا يبقى الإعلام بعيدا عن المؤسسات
الحساسة للدولة، فقد قامت المؤسسة الأمنية بالانفتاح على المشهد الإعلامي منذ
2015، رغبة منها في تقريب المواطن المغربي من قطاع الأمن ومن أدواره المهمة في
حماية الأمن والاستقرار، وكذلك لإزالة الغموض الذي كان يلف مؤسسة الأمن، من خلال
اتهامها بأنها مؤسسة قمعية ولا تحترم حقوق الإنسان.
المطلب الثاني: المؤسسة الأمنية
وانفتاحها على الإعلام الأمني
تعتبر تجربة المؤسسة الأمنية من أهم
التجارب الناجحة على الإطلاق، فقد استطاعت هذه المؤسسة النجاح بكل المقاييس في تقريب
قطاع الإعلام منها، ففي الوقت الراهن لا يمكننا الاستغناء عن وسائل الإعلام، فقد
أصبح العالم قرية صغير بوجود الإعلام الذي قرب المسافات بين الشعوب، كل هذا عجل
بتوغل الإعلام في مختلف القطاعات، والأمن بدوره استفادت من هذه الوسائل الحديثة
للإعلام، حتى يقرب عموم الناس من الأدوار الريادية لجهاز الأمن.
فقضية الأمن والإعلام تعد تكاملا جوهريا في
الوضع الراهن، فبدون إعلام لن تستطيع المؤسسة الأمنية بلوغ هدفها، وهو جعل الأمن
في خدمة المواطن ولن يكون هذا الأمر، إلا في حالة عودة الثقة بين المؤسسة الأمنية
والمواطن المغربي، وعامل الثقة لن يكون إلا في حالة تقريب قطاع الإعلام من المؤسسة
الأمنية، التي تقوم إستراتيجيتها في المرحلة القادمة على وسائل الإعلام.
فمهما كان التقدم الحاصل داخل المؤسسة
الأمنية، فهو يبقى بلا قيمة إذا لم يتم إشراك الإعلام كفاعل ومحرك رئيسي للأمن،
فبوجود إعلام داخلي أصبح المواطن المغربي اليوم يرتكز على ثقافة أمنية لا بأس بها،
كذلك أصبح لدينا اليوم مجتمع يعي بالتضحيات الجسيمة لنساء ورجال الأمن الوطني، كل
هذا دفع بالمؤسسة الأمنية إلى التركيز في سياستها الأمنية، على منافع الإعلام
ودوره الأساسي في تفعيل وعصرنة الأداء الأمني[39].
إن ما تحتاجه المؤسسة الأمنية بالمغرب من
قطاع الإعلام، هو وجود إعلام أمني متخصص ومتكون في الأمور الأمنية بمختلف درجاتها،
فمهما يكن فالإعلام العادي يبقى عاجزا عن إيصال المضمون الحقيقي لمعنى الأمن
الوطني، هذا ما يدفعنا إلى وجوب اعتماد المؤسسة الأمنية على إعلاميين أمنيين، ذوو
مستوى عال من الحنكة والممارسة الإعلامية والأمنية على حد السواء، فضرورة العصر
اليوم هو الإعلام، والمؤسسة الأمنية بلا إعلام تعتبر بدون فائدة ترجى منها.
لقد أدركت المؤسسة الأمنية أهمية الأمن
فاشتغلت عليه تحت الإشراف الفعلي للمدير العام للأمن الوطني، فوظائف الإعلام
الأمني كثيرة ومتعددة، منها ما هو اجتماعي كالأمن والسكينة العاميين، من خلال
توعية عموم المواطنين حيال الأمن العام، أيضا هناك وظيفة أساسية تقع على الإعلام
الأمني، وهي توفير المعلومات الأمنية للجمهور بخصوص القضايا الأمنية التي تهم
الرأي العام المغربي[40].
وبفعل السياسة الأمنية الناجحة للملك محمد
السادس رئيس الدولة، فقد تمكنت المؤسسة الأمنية بفضل رؤيتها الأمنية المتعددة
والاستباقية، من الحد من انتشار الجريمة وعواملها بالمغرب، ولو بشكل نسبي فالمهم
هو الحد من انتشار الجريمة، فالسياسة الأمنية الوقائية التي تنهجها المؤسسة
الأمنية، مكنت المواطن المغربي من معرفة واجباته اتجاه الأمن العام[41]،
وتقديم يد العون له في إطار الشرعية القانونية لمحاربة الجريمة.
وتجدر الإشارة إلى أن المؤسسة الأمنية قد
تمكنت بفعل سياستها الهادفة، إلى خلق نوع من الرقابة الأمنية على وسائل الإعلام
المختلفة (واتساب وفايسبوك ...)، حماية أولا للمعلومات الشخصية التي يحميها قانون
رقم 08-09 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع
الشخصي[42]،
وثانيا لتكريس المبدأ الدستوري المنصوص عليه في الفصل 24 من دستور 2011[43].
لذا، كان لابد على المديرية العامة للأمن
الوطني، من خلق إطار مؤسساتي للتواصل الأمني داخل مقر مديرية الأمن الوطني، يعمل
على مأسسة العلاقة بين الشرطة والمجتمع والإعلام، وتعزيز جو الثقة بين الشرطة
ومحيطها الخارجي[44]،
فغرض المديرية العامة للأمن الوطني هو مراقبة الإعلام الافتراضي، بكيفية تضمن
لمستعمليه جميع الحقوق القانونية، ولكن في نفس الوقت لا تسمح لهم بالتعدي والهجوم
على حقوق الغير، والتي تبقى هي أيضا محمية قانونا لفائدة أصحابها الأصليين.
علاوة على ذلك، لا يجب أن نتغافل عن دور
الصحافة وأهميتها بالنسبة للمؤسسة الأمنية، فالصحافة الحقيقية هي التي تغطي
الأخبار الأمنية بنزاهة ومصداقية ودون مزايدة، فهي شريك أساسي للمؤسسة الأمنية في
تنوير المجتمع، وأي خلل بقطاع الصحافة أو تغيير في مبادئها، سينعكس سلبا على دورها
المهم في دعم الأمن والسكينة العاميين[45].
الأمر الذي يدعو المؤسسة الأمنية إلى ضرورة امتلاك جهاز صحافة ذو مواصفات أمنية،
حتى لا يكون هناك خلط أو ازدواجية في الخبر الأمني، فالجهاز الأمني لا يصلح له إلا
الصحافة الأمنية المتمرسة، التي تعرف كيفية تحليل الوقائع الأمنية بطريقة تمكن
المواطن من فهم الحدث الأمني بسلاسة سهلة، وتضعه في صلب الموضوع أو الواقعة
الأمنية.
كذلك نجد انفتاح المسؤولين الأمنيين على
وسائل الإعلام الوطنية والدولية، من بين التجارب الناجحة التي عملت المؤسسة
الأمنية على تكريسها في عاداتها الأمنية الجديدة، فالانغلاق الذي كانت عليه
المؤسسة الأمنية في الماضي، لم يجلب لها إلا الابتعاد والانعزالية على محيطها
الداخلي والخارجي، فالتوجه الحالي يفرض على المسؤولين الأمنيين التواصل الإعلامي،
وشرح أهمية الأمن وعمل رجل الأمن للرأي العام الوطني والدولي.
أيضا، أصبحنا نشهد في الوضع الحالي خروج
المؤسسة الأمنية الاستخباراتية في وسائل الإعلام، وهذا المشهد لم يكن يقع في
المغرب فيما مضى، أن تخرج مؤسسة الاستخبارات عن طريق مسؤوليها، ويعلنوا للإعلام عن
جهود المغرب في محاربة الإرهاب، وأيضا عن الخلايا الإرهابية التي تم تفكيكها، وعن
عدد الأشخاص الذين تم إلقاء القبض عليهم في إطار مكافحة الإرهاب، فهذا التوجه
الجديد للمؤسسة الأمنية الاستخباراتية، يعد في حد ذاته تقدما مسبوقا للمغرب
وترسيخا للمبدأ الدستوري، الذي جاء به دستور 2011، في حدود عدم الإضرار بالمعلومات
السرية التي تشكل تهديدا على الأمن القومي المغربي[46].
كما أن وسائل الإعلام يبقى لها تأثير كبير
على جهاز الأمن، فقد اعتبرت النظريات العلمية أن قطاع الإعلام، يعد من أقوى
الأجهزة تأثيرا على مجريات الأمن وفعالية أجهزته[47]،
فالإعلام في عصرنا الحالي يمتلك من وسائل الضغط الشيء الكثير، فقوة الدول اليوم
تقاس بالمنظومة الإعلامية لهذه الدول، والأمن بدوره تجري عليه هذه المتغيرات، فقد
يشيطن الإعلام من مكانة الأجهزة الأمنية وينّقص من أدائها، أو قد يضخم من جاهزيتها
ومستواها العالي في محاربة الإجرام والجريمة، الشيء الذي يعطي الجهاز الأمني صورة
ايجابية ومقبولة لدى الرأي العام.
إن الشراكة الحقيقية التي تجمع المؤسسة
الأمنية بقطاع الإعلام تبقى متعددة ومتنوعة، فهي قائمة على محاربة الجريمة ونشر
الثقافة والوعي الأمني لدى عموم المواطنين، الأمر الذي يلزم جميع وسائل الإعلام
بأن تكون شريكا أساسيا للمؤسسة الأمنية، وأن يعملا جنبا إلى جنب للنهوض بالقطاع
الأمني إلى المستوى المطلوب منه، فلا يمكن للجهاز الأمني الاستغناء عن الإعلام
الذي يرفع من قيمة العمل الأمني، لكن لا يجب للأمن أن يتدخل في الأمور الإعلامية
ويوجهها لمصالحه، ففي هذه الحالة سنكون أمام إعلام جعلت منه المؤسسة الأمنية بوقا
لها.
إن ثقافة الإعلام الأمني بالمغرب وما لها
من دور بناء في نشر الوعي الأمني بين عموم المواطنين، أصبحت ضرورة ملحة للمؤسسة
الأمنية المطالبة بالتغيير، وباحترام الحقوق والحريات لكافة المواطنين، فالأمن
والإعلام هما توأمان لا يفترقان مادام هناك غاية أساسية تجمع بينهما وهي المصلحة
العليا للدولة، لذا فإن وسائل الإعلام القائمة على الأسس الديمقراطية، تنادي بوجود
مؤسسة أمنية مواطنة تراعي مصلحة الفرد والدولة معا.
أما في الدول التي يقوم إعلامها الداخلي
بتمجيد المؤسسة الأمنية، فهي بلا شك تقدم مصلحة الأمن على الحقوق والحريات العامة،
بذريعة أن المؤسسة الأمنية قائمة على حماية الفرد، الذي يجب عليه التنازل عن بعض
الحقوق لضمان أمنه وسلامته، الأمر الذي يخرج وسائل الإعلام من جوهرها الحقيقي
ورسالتها النبيلة، وجعلها تساند الأمن العام من خلال دعمه إعلاميا بشرعنة أفعاله،
وتبريرها بأنها تصرفات قانونية قائمة على تغليب الأمن العام، في مقابل ضياع الحرية
الفردية التي تعد أقدس حرية في القوانين والأعراف الدولية.
ففي ظل ما تمر منه المؤسسة الأمنية
المغربية من إصلاح جذري في هياكلها، استجابة لمضامين الفصل 54 من دستور 2011، الذي
دعا بوجوب العمل بمبادئ الحكامة الأمنية داخل المرفق الشرطي، لابد للإعلام الأمني
في هذه المرحلة من لعب دور مهم، وهو تعريف المواطن بأهمية الحكامة الأمنية التي
يجب العمل بها داخل المؤسسة الأمنية، فنحن نحتاج اليوم إلى تجديد الثقة بين
المجتمع والمؤسسة الأمنية، ولن تكون هذه الثقة إلا عن طريق وسائل الإعلام، القائمة
على الوظيفة النقدية في المجال الأمني.
إن المطلوب في وقتنا الراهن من وسائل
الإعلام، هو إشراك المجتمع ليكون فاعلا أساسيا في صناعة القرار الأمني الداخلي
والخارجي، فبدون التواصل الايجابي مع كافة المواطنين وإبلاغهم بكل الأحداث
الأمنية، التي تمس أمن المغرب وسيادته ومحاولة فهم التوجه العام للمجتمع، هذا
التوجه الذي تبنى عليه السياسة الأمنية العامة للدولة، والذي يسند الأمر فيه
للإعلام لشرح مضامينه الرئيسية، للقاعدة الجماهرية بكل أصنافها ومستوياتها
المعرفية.
كذلك، يعيش قطاع الإعلام في وقتنا الحالي
طفرة معلوماتية متطورة على جميع الأصعدة، فتكنولوجيا المعلومات وعصر الانترنيت
لعبا دورا مهما في حداثة وسائل الإعلام، هذه الحداثة التي جعلت من العالم قرية
صغيرة، عن طريق نقل الأخبار كيفما كانت بسرعة كبيرة، هذا المعطى استفاد منه الأمن
الذي بين مساوئه ومحاسنه في نفس الوقت، فوسائل التواصل الاجتماعي بمختلف أصنافها،
جعلت من المؤسسة الأمنية صورة مكشوفة للعالم بأسره، الشيء الذي عملت معه هذه
المؤسسة على التقيد بالضوابط القانونية والحقوقية، انطلاقا من الرقابة الإعلامية
المفروضة عليها من تكنولوجيا الإعلام والاتصال.
وفي الأخير، يبقى كل من الإعلام والأمن من
بين المؤسسات الوطنية، التي تلعب دورا فعالا في بناء المجتمع المتكامل الواحد، فلا
غنى للأمن عن الإعلام فلكل واحد منهما مجال عمله الخاص به، ويلتقيان في تغليب
المصلحة العامة للوطن، فالإعلام يربي الأجيال الصاعدة على حب الوطن واحترام
القانون، ويعمل كذلك على إيصال الأخبار الصحيحة لكافة الشرائح المجتمعية، كما تقوم
المؤسسة الأمنية بمحاربة الجريمة والمجرمين، وبالسعي إلى استتباب الأمن في مختلف
التراب الوطني، والعمل على نشر الوعي الأمني لدى كافة المواطنين.
لقد تعرض الإعلام والأمن في القرن العشرين
لمجموعة من الإكراهات، والتي أثرت عليهما وعلى ظروف عملهما، فتدخل الدولة المباشر
في هاذين القطاعين أفرز عنه العديد من الأشياء التي انعكست سلبا عليهما، فالأمن
أصبح أداة طائعة في يد وزير الداخلية إدريس البصري، والذي سخره لتحقيق أغراضه
الشخصية المتمثلة في التسلط على مؤسسات الدولة الأخرى، حيث جعل من المؤسسات
الأمنية مجرد تابع له، وذلك عن طريق توظيف شبكة من المخلصين له في المراكز العليا
للمسؤولية داخل المؤسسة الأمنية.
أما الإعلام فقد كان هو الأخر يعاني من
ويلات تحكم وزير الإعلام فيه وهو إدريس البصري، والذي جعل من وزارة الإعلام مجرد
مقاطعة إدارية تابعة لوزارة الداخلية، فقد أجهض إدريس البصري على حرية التعبير
والرأي وجعلها في خبر كان، حيث سلط على قطاع الإعلام عمال تابعين لوزارة الداخلية
يسيرون مجال الاتصال السمعي البصري، مرسخا بذلك لمرحلة تحكم الدولة في قطاع
الإعلام، ومجهضا على أي تغيير أو إصلاح مستقبلي من شأنه الرفع من أهمية الإعلام
بالمغرب.
لكن، وبعد وصول الملك محمد السادس لسدة
الحكم، عرف المغرب العديد من المستجدات الوطنية، التي كان لها الفضل الكبير في رسم
السياسة العمومية للبلاد، فقد ركز جلالته على تولية العناية الكاملة والضرورية
للمؤسسة الأمنية، حتى تكون في مستواها المعهود لها وهو توفير الأمن العام للمجتمع،
والسهر على حماية الحقوق والحريات العامة لكافة المواطنين، فدور الأمن أضحى الغاية
المثلى للمؤسسة الملكية، التي تعي تمام المعرفة مكانة الأمن بالنسبة للدولة
المغربية.
بالإضافة إلى ذلك، عرف قطاع الإعلام مجموعة
من المكتسبات القانونية والحقوقية، التي لعبت جانبا مهما في المشهد الإعلامي المغربي،
فما قام به الملك محمد السادس في السنوات الأخيرة، من إبراز خصوصية الإعلام
بالنسبة لسياسة الدولة، من خلال جعل هذا القطاع ضمن التوجهات العامة لجلالته
المشمولة بالعناية الملكية، له دليل واضح لما يمثله قطاع الإعلام بالنسبة للمغرب
بصفة عامة ولنظام الملكية بصفة خاصة.
لائحة
المراجع:
فيصل بن عيص ال سمير، استراتيجيات الإصلاح والتطوير
الإداري ودورها في تعزيز الأمن الوطني، رسالة دكتوراه في العلوم الأمنية – قسم
العلوم الإدارية، جامعة نايف للعلوم الأمنية، الرياض 2007.
أسماء الكمي، الإعلام الأمني بالمغرب و تناوله لملف حقوق
الإنسان (نموذج مجلة الأمن الوطني لسنة 1981 و مجلة الشرطة لسنة 2006)، رسالة لنيل
دبلوم الماستر في القانون العام، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية
بسطات، جامعة الحسن الأول، السنة الجامعية: 2010/2011.
ظهير شريف رقم 1-02-212 صادر في 22 من جمادى الآخرة
1423 الموافق ل 31 غشت 2002، القاضي بإحداث الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري،
كما تم تغييره بمقتضى الظهير الشريف رقم 1-03-302 الصادر في 16 من رمضان 1424
الموافق ل 11 نونبر 2003، المنشور في الجريدة الرسمية عدد 5160، بتاريخ في 13
نونبر 2003.
محمد شقير، المؤسسة الأمنية بالمغرب بين حماية النظام
و سلامة المواطن، إفريقيا الشرق، 2016.
محمد شقير، المؤسسة العسكرية بالمغرب – من القبلية
إلى العصرنة، الداربيضاء : إفريقيا الشرق، طبعة الأولى، 2008.
الحسن بوقنطار، السياسية الخارجية المغربية 2000 –
2013، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية، الرباط، الطبعة الأولى،
2014.
[1] - الأمن لغة من آمن يأمن أمنا، فهو آمن، و آمن
أمنا و أمانا، اطمأن و لم يخف، فهو آمن و أمن و أمين، و الأمن هو الاستقرار و
الاطمئنان.
أما الأمن اصطلاحا فهو السعي لتحقيق التحرر من التهديد و
قدرة الدول و المجتمعات للحفاظ على هوية مستقلة و النزاهة الوظيفية ضد قوى التغيير
التي يرونها معادية، فالأمن هو البقاء على قيد الحياة. كما عرفه البعض بأنه تأمين
سلامة الدولة ضد أخطار خارجية و داخلية قد تؤذي بها إلى وقوع تحت السيطرة أجنبية
نتيجة ضغوط خارجية أو انهيار داخلي.
- فيصل بن عيص ال سمير، استراتيجيات الإصلاح و التطوير
الإداري و دورها في تعزيز الأمن الوطني، رسالة دكتوراه في العلوم الأمنية – قسم
العلوم الإدارية، جامعة نايف للعلوم الأمنية، الرياض 2007، ص 110.
[2] - الإعلام لغة هو مصدر من أعلم
يعلم، أي أخبر يخبر، و هو الإبلاغ و الإفادة و نقل معلومة لشخص ما و تأكيد درايته
بها.
أما من الناحية الاصطلاحية فمفهوم الإعلام هو نقل
الحقائق و المعلومات الجديدة التي تهم أكبر عدد من الناس، بطريقة موضوعية دقيقة و
سريعة أو فورية، كلما كان ذلك ممكنا وضروريا، و هو كافة أوجه النشاطات الاتصالية
التي تستهدف تزويد الجماهير بكافة الحقائق و الأخبار الصحيحة و المعلومات السليمة
عن القضايا و الموضوعات و المشكلات و مجريات الأمور بطريقة موضوعية.
- أسماء الكمي، الإعلام الأمني بالمغرب و تناوله لملف
حقوق الإنسان ( نموذج مجلة الأمن الوطني لسنة 1981 و مجلة الشرطة لسنة 2006 )،
رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و
الاجتماعية بسطات، جامعة الحسن الأول، السنة الجامعية: 2010/2011، ص 16.
[3] - ظهير شريف رقم 1-02-212 صادر في 22 من جمادى الآخرة 1423 الموافق
ل 31 غشت 2002، القاضي بإحداث الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، كما تم تغييره
بمقتضى الظهير الشريف رقم 1-03-302 الصادر في 16 من رمضان 1424 الموافق ل 11 نونبر
2003، المنشور في الجريدة الرسمية عدد 5160، بتاريخ في 13 نونبر 2003.
[4] - محمد شقير، المؤسسة الأمنية
بالمغرب بين حماية النظام و سلامة المواطن، إفريقيا الشرق، 2016، ص 122.
[5] - تتعدد المؤسسات الأمنية المكلفة
برفع التقارير الأمنية للقصر الملكي، فالغاية الوحيدة لهذه المؤسسات تتمحور حول
تتبع أخبار المعارضين السياسيين و الثوريين الداعين إلى إحداث تغيير بأي ثمن كان،
فبعد تعيين الملك الراحل الحسن الثاني إدريس البصري على رأس وزارة الداخلية، عمل
هذا الأخير على تحجيم دور جميع الأجهزة الأخرى، بدءا من إدارة المحافظة على التراب
الوطني و جهاز الأمن، وجهاز الدرك الملكي الذي كان يرأسه الجنرال حسني بن سليمان،
وجهاز الأمن الخاص بالملك و جهاز الموالي للمديرية العامة للدراسات و المستندات.
[6] - يرجع أصل إنشاء الكاب 1 إلى
السلطات الاستعمارية الفرنسية أثناء فترة الحماية للمغرب في سنة 1912، فلضمان
مصالحها ومواجهة معارضيها بالمغرب، عملت على إحداث مصلحة التوثيق الخارجي و محاربة
التجسس بالرباط سنة 1948، لغرض تصفية و إسكات الأحزاب السياسية و النقابات، و
للقيام بحرب سرية ضد حركات المقاومة التي انطلقت سنة 1953 و جيش التحرير المغربي
الذي ظهر سنة 1955.
فبعد حصول المغرب على الاستقلال حفاظ أول مدير عام للأمن
على هذا الجهاز، لكن بعد تعيين الكولونيل محمد أوفقير سنة 1960 على رأس المديرية
العامة للأمن الوطني، قام هذا الأخير بإعادة هيكلة الكاب 1 باعتباره أو رئيس له،
وقد تولى الجنرال محمد الدليمي فيما بعد رئاسة الكاب 1 منذ 1961 حتى 1966، و كان
الغرض من هذا الجهاز هو ملاحقة معارضي الملك الراحل الحسن الثاني.
- محمد شقير، م س، ص 60.
[7] - محمد شقير، المؤسسة العسكرية بالمغرب – من القبلية إلى العصرنة،
الداربيضاء: إفريقيا الشرق، طبعة الأولى، 2008، ص 145.
[8] - هذه الواقع ذكرها، محمد شقير، م
س، ص 125 و 162.
[9] - محمد شقير، م س، 127.
إن سبب رجوعنا إلى هذا الكتاب القيم في كثير
من الأحيان في بحثنا هذا، هو قلة الكتب التي تتناول المؤسسة الأمنية المغربية في
عهد الملك الراحل الحسن الثاني، فندرة الأبحاث الأكاديمية التي تعالج الجهاز
الأمني بشيء من التفصيل تعد منعدمة في الخزانات المغربية، نظرا لسرية التي تحاط
بها المؤسسة الأمنية في ذلك العهد، و أيضا نظرا لخطورة المعلومات التي يمكن أن
يؤذي تسريبها، إلى الكشف عن فظاعة الأعمال التي كانت تقوم بها المؤسسة الأمنية في
تلك الفترة.
[10] - الحسن بوقنطار، السياسية الخارجية المغربية 2000 – 2013، منشورات
المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية، الرباط، الطبعة الأولى، 2014، ص 29.
[11] - إن أول من استعمل مفهوم المخزن هم السعديين في القرن 16 من
الميلاد، فقد عرف الفرنسي ميشو بيلير المخزن بأنه مكان تجميع و خزن الأموال، و
الدولة هي التي أنشأت المخزن لتجميع ما تأخذه من القبائل و الحواضر من ضرائب و
مؤونات و إتاوات و هدايا مستخدمة في سبيل ذلك – العنف الشرعي المسلح. كما عرفه
الطيب بياض بأن مفهوم المخزن هو شكل الحكم وهيكله و آلياته، ظهرت نواته الأولى في
وقت مبكر من تاريخ المغرب، و تفاعلت مع مختلف المكونات السوسيو ثقافية و السياسية
للبلاد، فعملت هذه الأخيرة على استنباط و إفراز باقي العناصر المهيكلة له حسب ما
أملته شروط التطور التاريخي.
- Cherifi Rachida, le makhzen politique au maroc – hier et
aujourd’hui, 2 édition, afrique orient, 1988, p 17.
[12] - عبد الرزاق السنوسي، مقالات .. انتفاضة 23 مارس 1965، جريدة
الاتحاد الاشتراكي، بتاريخ: 23-03-2009.
[13] - و تكمل القصة الحقيقة التي جعلت من إدريس
البصري وزيرا للإعلام، هو الغياب المتكرر أنداك لوزير الخارجية و الإعلام عبد
اللطيف الفيلالي خارج المغرب، ففي ليلة 12 نونبر 1985 بث التلفزيون حلقة من برنامج
" وثيقة "، استضافة خلاله المهدي بنعبود أحد قادة جيش التحرير، و المعروف بصراحته و الذي
تحدث عن عودة بطل التحرير الملك محمد الخامس من المنفى، و الانقسام الذي حدث وسط
الطلاب المغاربة بين الذين ارتاحوا لهذا الرجوع، و بين الذين رفضوا إرسال برقية
تهنئة إلى الملك محمد الخامس، وفهم من هذا
الكلام أن هناك مغاربة لم يكونوا مؤيدين لرجوع الملك إلى العرش، و في تلك الليلة
كان الملك الراحل الحسن الثاني، أمام التلفاز يتابع هذا البرنامج وقد وصل لعلمه
مسبقا، عن طريق وزير الداخلية إدريس البصري عن الفوضى العارمة التي تعيشها التلفزة
الوطنية، فاتصل بعبد اللطيف الفيلالي فلم يعثر عليه، فطلب إدريس البصري هاتفيا
لتوقيف البرنامج، حيث يعد هذا هو السبب المباشر في تعيين إدريس البصري وزيرا
للإعلام، حسب ما ذكره الصديق معنينو الكاتب العام السابق لوزارة الإعلام.
[14] - فقد أصدر الصديق معنينو كتابا له
عنونه ب " أيام زمان "، تطرق من خلالها لمجموعة من الوقائع التي عاشها
كمدير عام لجهاز التلفزة بالمغرب، كما تناول في هذا الكتاب تجربة إدريس البصري
كوزير للإعلام، و المعاناة التي عاشها معه في كيفية تدبير هذا القطاع الحساس. في
حين تناول عبد الرحمان عشور في كتابه تحت عنوان
"رجل السلطة بالإذاعة "، المشاكل الحقيقة التي عان منها قطاع
الإعلام في فترة إدريس البصري، وكذا لعشوائية التسيير التي كان يدير بها البصري
هذا القطاع المهم، فقد سيطرة الداخلية على الإعلام و أصبح لدينا إعلام الداخلية لا
غير. يعتبر عبد الرحمن عاشور عاملا من بين العمال، التابعين لوزارة الداخلية
والمعينين بظهير ملكي باقتراح من وزير الداخلية وبمبادرة من رئيس الحكومة، حيث قام
إدريس البصري وزير الإعلام باستقدام عبد الرحمن عاشور من وزارة الداخلية، للاشتغال
في جهاز الإذاعة الوطنية.
- عبد الرحمان عشور، رجل سلطة بالإذاعة ( 1986 – 2003 )،
دار النشر المغربية – عين السبع الداربيضاء، الطبعة الأولى 2018، ص 59.
[15] - ظهير شريف رقم 376-58-1 صادر في
15 نونبر 1958، المتعلق بتأسيس الجمعيات،
المنشور في الجريدة الرسمية تحت عدد 2404 مكرر بتاريخ 27 نونبر 1958، ص
2849.
ظهير شريف رقم 377-58-1 الصادر في 3 جمادى الأولى 1378
الموافق ل 15 نونبر 1958، المتعلق بشأن التجمعات العمومية، المنشور في الجريدة
الرسمية تحت عدد 2404 مكرر بتاريخ 16 جمادى الأولى 1378 ( 27 نونبر 1958 )ن ص
2853.
ظهير شريف رقم 378-58-1 صادر في 3 جمادى الاولى 1378
الموافق ل 15 نونبر 1958ن المتعلق بقانون الصحافة و النشر، المنشور في الجريدة
الرسمية تحت عدد 2404 مكرر بتاريخ 16 جمادى الأولى 1378 ( 27 نونبر 1958)، ص 2856.
قانون رقم 71-004 بتاريخ 21 شعبان 1391 ( 12 أكتوبر 1971
)، المتعلق بالتماس الإحسان العمومي، المنشور في الجريدة الرسمية تحت عدد 3077
بتاريخ 20 أكتوبر 1971، ص 2465.
[16] - رسالة خالد الجامعي التي نشرها على صحيفة لوبنيون، لسان حزب
الاستقلال باللغة الفرنسية، بتاريخ 22 نوفمبر 1993.
[17] - عبد الرحمان عشور، م س، ص 63.
[18] - عبد الرحمان اليوسفي، أحاديث في
ماجرى، إعداد: امبارك بودرقة، الطبعة الثالثة 2020، الجزء الثاني، ص 259.
[19] - عبد الرحمان عشور، م س، ص 65 و 66.
[20] -شيماء غنيم، تطور مفهوم و نظريات الأمن بين التحولات الدولية و
التجربة المغربية، مؤلف جماعي، الحكامة الأمنية بالمغرب – مقاربات في ثنائية الأمن
و الحرية -، مطبعة الأمنية الرباط، 2019، ص 20.
[21] - إسماعيل حمودي، مسار الحكامة الأمنية بالمغرب: تحليل و نقد، مؤلف
جماعي، الحكامة الأمنية بالمغرب – مقاربات في ثنائية الأمن و الحرية -، مطبعة
الأمنية الرباط، 2019، ص 41.
[22] - هيئة الإنصاف و المصالحة،
التقرير الختامي، الكتاب الأول، طبعة خاصة تكريما للمرحوم إدريس بن زكري، منشورات
المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، 2007، ص 119.
[23] - مقتطف من نص الخطاب الملكي السامي بمناسبة عيد العرش، 30 يوليوز
2004.
[24] - مقتطف من نص الخطاب الملكي
السامي بمناسبة عيد العرش، 30 يوليوز 2007.
[25] - مرسوم رقم 429-19-2 الصادر في 18
رمضان 1440 الموافق ل 24 ماي 2019، بشأن النظام الأساسي الخاص بموظفي الأمن
الوطني، المنشور بالجريدة الرسمية رقم 6781 الصادر بتاريخ 21 رمضان 1440 الموافق ل
27 ماي 2019، ص 3201.
[26] - مصطفى حازين، الشرطة المغربية
تحولات العقيدة الأمنية و الأداء الوظيفي ورهان الحكامة الأمنية، مطبعة الأمنية –
الرباط، الطبعة الأولى 2020، ص 83.
[27] - ذكر مدير المكتب الوطني للأبحاث القضائية، في استعراض لنتائج عمل
هذا المكتب، بأنه هناك تعاون دولي بين المغرب و عدة دول أوروبية بزعامة التحالف
الدولي، الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية لمواجهة الخطر الإرهابي داعش، حيث
أشار السيد حبوب الشرقاوي في هذا الصدد، إلى التعاون الموجود بين الاستخبارات
المغربية و الاستخبارات الأمريكية، حيث أفرز هذا التعاون و التنسيق الموجود بين
المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني و جهاز الاستخبارات الأمريكية، إلى تفكيك
خلية إرهابية بمدينة وجدة خلال شهر مارس 2021، كما قامت هذه المديرية بتزويد مكتب
التحقيقات الفيدرالي الأمريكي، بمعلومات مهمة في شهر يناير 2021 حول الجندي
الأمريكي كول بريدجز الذي تم اعتقاله.
حبوب الشرقاوي، المكتب المركزي للأبحاث القضائية قام منذ إحداثه
بتفكيك 84 خلية إرهابية، مقال منشور على الموقع الإلكتروني،WWW. MAROC.MA، تاريخ الدخول: 30/08/2021، ساعة
الدخول: 16h44.
[28] - إحسان الحافظي، المؤسسة الأمنية
و الانتقال الديمقراطي في بلدان الربيع العربي، مؤلف جماعي، الحكامة الأمنية
بالمغرب – مقاربات في ثنائية الأمن و الحرية -، مطبعة الأمنية – الرباط، 2019، ص 93.
[29] - مقتطف من رسالة السامية لصاحب
الجلالة الملك محمد السادس، مأخوذة من الموقع الالكتروني لوزارة الاتصال: WWW. MINCOM. GOV.MA، تاريخ زيارة الموقع :
02/09/2021، ساعة الدخول: 18h16.
[30] - ظهير شريف رقم 378-58-1 صادر في 3 جمادى الاولى
1378 الموافق ل 15 نونبر 1958، المتعلق بقانون الصحافة و النشر، المنشور في
الجريدة الرسمية تحت عدد 2404 مكرر بتاريخ 16 جمادى الأولى 1378 ( 27 نونبر 1958)،
ص 2856، وقد عوض هذا الظهير بقانون رقم 00-77 الصادر بتنفيذه ظهير شريف رقم
1-02-207 بتاريخ 25 رجب 1423 ( 3 أكتوبر 2002 ) المنشور في الجريدة الرسمية تحت
عدد 5075 بتاريخ 20/01/2003، ص 220.
[31] - ظهير شريف رقم 257-04-1 الصادر في 25 من ذي القعدة 1425 ( 7
يناير 2005)، بتنفيذ القانون رقم 03-77 المتعلق بالاتصال السمعي البصري، المنشور
في الجريدة الرسمية تحت عدد 5288 الصادر بتاريخ 23 ذو الحجة 1425 ( 3 فبراير 2005
).
[32] - امحمد اقلبي، مدونة الصحافة و النشر في شروح، مكتبة الرشاد سطات،
الطبعة الأولى 2020، ص 3.
[33] - رسالة سامية لصاحب الجلالة الملك
محمد السادس موجهة إلى الدورة الثامنة للمؤتمر الإسلامي لوزراء الإعلام، الرباط ،
الثلاثاء 27 يناير 2009.
[34] - ظهير شريف رقم 91-11-1 الصادر في
27 من شعبان 1432 ( 29 يوليوز 2011)، بتنفيذ نص الدستور الصادر في الجريدة الرسمية
تحت عدد 5964 مكرر، بتاريخ 28 شعبان 1432 ( 30 يوليوز 2011 )، ص 3606.
[35] - ينص الفصل 165 من دستور 2011 على
ما يلي " تتولى الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري السهر على احترام
التعبير التعددي لتيارات الرأي و الفكر، و الحق في المعلومة في الميدان السمعي
البصري، و ذلك في إطار احترام القيم الحضارية الأساسية وقوانين المملكة ".
- الظهير الشريف رقم 257-04-1 صادر في 25 من ذي القعدة
1425 بتنفيذ القانون رقم 03-77 المتعلق بالاتصال السمعي البصري، المنشور في
الجريدة الرسمية تحت عدد 5288 بتاريخ 23 ذو الحجة 1425 ( 3 فبراير 2005 ).
[36] - ظهير شريف رقم 122-16-1 صادر في ذي القعدة 1437 ( 10 غشت 2016 )
بتنفيذ القانون رقم 13-88 المتعلق بالصحافة و النشر، المنشور في الجريدة تحت عدد
6491، بتاريخ 11 ذو القعدة 1437 ( 15 غشت 2016 ).
[37] - ظهير شريف رقم 51-16-1 صادر في
19 من رجب 1437 ( 27 أبريل 2016 ) بتنفيذ القانون رقم 13-89 المتعلق بالنظام
الأساسي للصحافيين المهنيين، المنشور في الجريدة الرسمية تحت عدد 6466 بتاريخ 12
شعبان 1437 ( 19 ماي 2016 ).
[38] - ظهير شريف رقم 24-16-1 صادر في 30 من جمادى الأولى 1437 ( 10
مارس 2016 ) بتنفيذ القانون رقم 13-90 القاضي بإحداث المجلس الوطني للصحافة،
المنشور في الجريدة الرسمية تحت عدد 6454، بتاريخ 28 جمادى الآخرة 1437 ( 7 أبريل
2016 ).
[39] - Youssef Chami, sécurité et médias a la recherche
véritable complémentarité, magazine police, juin 2008, N° 41, p 35.
[40] - بركة بن زامل الحوشان، الإعلام الأمني و الأمن الإعلامي،
أكاديمية نايف للعلوم الأمنية، الطبعة الأولى، 2004، الرياض، ص 24.
[41] - أسماء الكمي، الإعلام بالمغرب
وتناوله لملف حقوق الإنسان ( نموذج مجلة الأمن الوطني لسنة 1981 و مجلة الشرطة
لسنة 2006)، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام، كلية العلوم القانونية و
الاقتصادية و الاجتماعية سطات، جامعة الحسن الأول، السنة الجامعية: 2010-2011، ص
54.
[42] - ظهير شريف رقم 15-09-1 الصادر في
22 صفر 1430 ( 18 فبراير 2009 ) بتنفيذ قانون رقم 08-09 المتعلق بحماية الأشخاص
الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي، المنشور في الجريدة الرسمية تحت
عدد 5711 بتاريخ 27 صفر 1430 ( 18 فبراير 2009 ).
[43] - ينص الفصل 24 من دستور 2011 في
فقرته الأولى على ما يلي " لكل شخص الحق في حماية حياته الخاصة ".
[44] - مهدي بناني، ملف خاص، الإعلام
الأمني أو الوظيفة الإعلامية للأمن، مجلة الشرطة، العدد 12، نونبر 2015، ص 34.
[45] - ملف خاص، إعداد سكرتارية التحرير،
الصحافة و الوقاية من الجريمة، مجلة الشرطة، العدد 12، نونبر 2015، ص 30.
[46] - ينص الفصل 26 من دستور 2011 في
فقرته الأولى على ما يلي " للمواطنين و المواطنات حق الحصول على المعلومات،
الموجودة في حوزة الإدارة العمومية، والمؤسسات المنتخبة، والهيئات المكلفة بمهام
المرفق العام ".
[47] - مصطفى حازين، دور الإعلام في
تكريس الحكامة الأمنية الجيدة، مؤلف جماعي، الحكامة الأمنية بالمغرب- مقاربات في
ثنائية الأمن والحرية -، مطبعة الأمنية – الرباط – 2019، ص 132.
0 تعليقات