الدكتور عبد المولى بن اشبيبة
دكتور
في الحقوق – المملكة
المغربية
الدليل الإلكتروني في الإثبات الجنائي
في
القانون المغربي
La preuve
électronique dans la preuve pénale en droit marocain
مقدمة:
تلعب
الأدلة الجنائية دورا أساسيا في الإثبات الجنائي[1] من حيث
إثبات التهمة أو نفيها عن المتهم، ويتفرد الدليل الإلكتروني عن الأدلة الجنائية
التقليدية المعتادة من حيث مكان وجوده أو البيئة التي تحكمه أو الإجراءات التقنية والفنية
الخاصة بجمع الأدلة في هذا الباب.
إن استخدام التكنولوجيا في الحياة
المعاصرة أدى إلى ظهور أفعال غير مشروعة أصبحت تشكل ظاهرة إجرامية من نوع خاص قلبت
المفاهيم القانونية السائدة سواء على مستوى القانون الموضوعي من حيث التجريم
والعقاب بفعل ازدواجية طبيعتها بين جريمة معلوماتية محضة تستهدف الأنظمة والبيانات
المعلوماتية في حد ذاتها أو كجريمة عادية مرتكبة بواسطة تقنية المعلومات كآلية من
أجل التواصل والتخطيط كتنفيذ المشاريع الإجرامية أو على مستوى القانون الإجرائي
بفعل تغلبها على القواعد المسطرية المقررة كأصل عام للبحث وملاحقة مرتكبي الجرائم
العادية ومحاكمتهم[2].
هذا التنوع والتعقيد الذين يطبعان
الجريمة المعلوماتية يظهران مدى أهمية الدليل الالكتروني في إثبات هذا النوع من
الجرائم الماسة بحقوق الأفراد والضارة باقتصاد العالم حيث قدرت الخسائر التي
تكبدها العالم جراء الجريمة الإلكترونية سنة 2016 بنحو 650 بليون دولار وكان هذا
المبلغ مرجح للارتفاع إلى أكثر من تريليون دولار بحلول سنة 2020[3].
وتجدر الإشارة إلى أنه لا يكفي الوصول
إلى الدليل الإلكتروني في الجريمة المعلوماتية حتى تنسب لشخص معين من طرف القاضي
الجنائي بل يجب أن تكون للدليل قيمة قانونية موضوعية وإجرائية تعطيه القوة
الثبوتية الضرورية.
هذا ما سنحاول التطرق إليه في هذا
الموضوع من خلال ما تطرقت إليه بعض الدراسات ومن خلال موقف التشريع والقضاء
المغربيين وذلك على النحو التالي:
المطلب الأول: صيغ اعتماد الدليل الالكتروني في
الإثبات الجنائي
للأخذ بالدليل الإلكتروني كوسيلة
للإثبات في الجريمة الالكترونية من طرف القاضي الجنائي لابد له من الرجوع إلى
الأسس القانونية والقضائية وحتى الفقهية المعمول بها وهذا ما يعرف بمشروعية الدليل
الإلكتروني؛ إلا أن هذه المشروعية تثار بشأنها مجموعة من التساؤلات من قبيل قيمته
وحجيته في تكوين قناعة القاضي لإصدار الحكم بالبراءة أو الإدانة. كما أن قناعة
القاضي تتحدد بناء على السلطة التقديرية المخولة له والتي أظهرت محدوديتها في هذا
المجال نظرا للطبيعة العلمية والتقنية للدليل الإلكتروني والبيئة الافتراضية التي
ترتكب فيها هذه الجرائم.
ويكمن الأساس القانوني في الجرائم
المعلوماتية في التشريع المغربي فيما يمكن اعتباره كقانون إطار في هذا الباب وهو
القانون 07.03 بشأن تتميم مجموعة القانون الجنائي فيما يتعلق بالإخلال بسير نظم
المعالجة الآلية للمعطيات[4]
بالإضافة إلى نصوص أخرى لاحقة عليه.
وإجمالا يعمد القاضي الجنائي
لتكوين قناعاته إلى طريقتين هما الطريقة المباشرة والطريقة غير المباشرة[5].
1.
الفقرة
الأولى: الطريقة المباشرة
إن المقصود بقبول الدليل
الإلكتروني من طرف القاضي الجنائي في الإثبات بطريقة مباشرة هو الأخذ به وإدراجه
في أحكامه وقراراته ضمن تعليله للحكم بصفة مباشرة باعتباره حجة وقرينة للإثبات[6].
وقد لا يكون هذا بالأمر الهين خاصة
في مرحلة البحث والتحري من قبل الضابطة القضائية التي يعتمد القاضي الجنائي على
محاضرها إلى جانب محاضر الخبرة نظرا للطابع التقني لهذه الجرائم وفي مرحلة لا تخلو
من صعوبات لأن "الدليل الالكتروني يعد دليلا متطورا لأنه نتاج وسائل
إلكترونية متطورة، والمقصود بتطور الدليل الالكتروني تطور مصادر الحصول عليه بما
يتفق مع طبيعة الجريمة والتي يكون هذا الدليل أداة لإثباتها وإسنادها إلى
مرتكبيها، ولذلك نجد أن الدليل لا يأتي على صورة واحدة بل يوجد له العديد من الصور
والأشكال"[7].
وهكذا فلابد أن يستوفي هذا الدليل
كل مقوماته المادية والقانونية للاعتداد به ليكون كفيلا بالجزم إما باليقين أو
الشك في تقديره من قبل القاضي.
فمن الناحية القانونية نجد أن
الواقع العملي في التشريع المغربي أثبت أن جريمة الدخول الإحتيالي إلى نظم
المعالجة الآلية للمعطيات هي الاصل وتتنوع عنها باقي الجرائم الأخرى وهو ما كان
وراء صدور العديد من النصوص القانونية في هذا الباب لمحاصرة هذا النوع من الجرائم
التي تعرف بالتطور المستمر لسبل اقترافها.
فالقاضي الجنائي ملزم بالبث في
النزاع المعروض عليه بالاستناد إلى النص القانوني المؤطر للنازلة وبالاتجاه
القضائي الذي أثبت العمل القضائي السير عليه في صدور أحكامه وقراراته حيث لا جريمة
ولا عقاب إلا بنص قانوني؛ كما أن الجانب المادي يستلزم الإحاطة من طرف القاضي بكل
الظروف والحيثيات التي أدت بالضابطة القضائية إلى تبنيه.
وبصفة عامة يبقى الدليل الالكتروني
خاضعا لتقدير مدى قوته الثبوتية من طرف المحكمة بعد طرحه في جلسة المحاكمة للنقاش
بهدف الوصول إلى حقيقة تبنيه في إصدار الحكم أو استبعاده في حالة وجود الشك بشأنه
وذلك بناء على السلطة التقديرية التي يتمتع بها القاضي.
لقد عانى القضاء المغربي في
البداية فيما يخص التطبيق السليم لمقتضيات القانون 07.03 سواء من حيث استيعاب مفهوم
نظام المعالجة الآلية للمعطيات أو من حيث الانعكاس السلبي على إشكالية التطبيق
القانوني للأفعال موضوع المتابعة[8].
وقد تم تجاوز هذا الوضع بصدور
العديد من الأحكام في هذا الباب وهكذا تم إعطاء حجية للبريد الإلكتروني بصدور
القانون 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية[9]
وصدرت في شأنه العديد من الاحكام ومن ضمنها ما ذهبت إليه المحكمة الإبتدائية
بالرباط لما اعتبرت في النازلة التي عرضت
عليها أن شخصا بدافع الحقد عمد إلى إحداث علبة إلكترونية باسم الشخص
المشتكي (الضحية) وتضمنت المعلومات الخاصة بهذا الشخص ورقم هاتفه على أساس أنه شاذ
جنسيا، وهو ما يستشف من حيثيات الحكم المذكور والتي تضمنت ما يلي " وحيث
اعترف أنه أمام الضابطة القضائية أن قام بإنشاء علبة إلكترونية، باسم المشتكى
منتحلا هويته ومدون بها معلوماته، وحيث اقتنعت المحكمة تبعا لذلك بشأن الأفعال
المنسوبة للمتهم ثابتة مما يتعين مؤاخذته من أجلها"ّ[10].
كما جاء في حكم ابتدائي آخر صادر
عن المحكمة الابتدائية بمراكش ما يلي "...وحيث أن إنكاره المنسوب إليه أمام
المحكمة تكذب تصريحاته التمهيدية أمام الضابطة القضائية وكذا مختلف الصور
والفيديوهات التي تم استخراجها من الموقع الالكتروني العالمي المسمى Facebook والذي قام الضنين بالكشف لضباط الشرطة القضائية عن العناوين
السرية التي يستعملها للانخراط في الموقع المذكور"[11].
2.
الفقرة
الثانية: الطريقة غير المباشرة
تتجلى الطريقة غير المباشرة في
الإعتماد على اعترافات المتهم بما نسب إليه من أفعال إجرامية ومواجهته بأدلة
إلكترونية (من قبيل المكالمات الهاتفية المسجلة الملتقطة) دون أن يتم إعتماد هذه
الاخيرة في تعليل الحكم بل فقط الإعتماد على التصريحات المضمنة بمحضر الضابطة
القضائية والتي يتم تأكيدها من خلال الإعترافات القضائية[12].
وسلطة القاضي الجنائي في قبول
الأدلة الرقمية نابعة من طبيعة الإثبات السائد، فإما ان يكون في إطار النظام
اللاتيني أو ما يسمى بنظام الإثبات الحر حيث يترك له حرية تأسيس حكمه وفقا
لقناعاته الشخصية دون أن يكون ملزما بالأخذ بدليل معين، وإما النظام
الأنجلوساكسوني وهو ما يعرف بنظام الإثبات المحدد أو نظام الأدلة القانونية الذي
تحدد فيه الأدلة مسبقا ولا يجوز للقاضي الخروج عنها[13].
هكذا فالقاضي ملزم بالبحث في شرعية
الدليل الرقمي المعروض أمامه ومدى قابليته لإيصال الحقيقة المرجوة وذلك دون
اعتماده على معلوماته الشخصية بل مما انبثق عن التحقيق و المناقشة في جلسة
المحاكمة ومدى اقتناعه من الأدلة المستمدة من ذلك[14].
وهذا ما جاء في أحد أحكام المحكمة
الإبتدائية بالرباط بتاريخ 10/05/2012 الذي اعتمدت فيه في إصدار حكمها على علم
المتهم بما أقدم عليه من فعل وما صرح به. وتتلخص وقائع هذا الحكم كالتالي
"...وأنه كان على علم الحجز يكون ببطاقة بنكية مقرصنة وصرح المسمى (س.ل) بأنه
قام تعرضه معطيات تخص بطاقات بنكية تخص أشخاصا لا تربطه بهم أية علاقة إذ يراسلهم
عبر عنوانه البريدي ويرسل إليهم صفة مزورة تخص بنكا معينا باسمه، ويتمكن من نيل
ثقة المرسل إليه الذي يرسل له بياناته الشخصية...ورقم حسابه البنكي والرقم
التسلسلي لبطاقة ائتمان فيستعمل تلك المعطيات في الحصول على الخدمات مجانا، وأنه
كان يستعمل الحاسوب المحجوز والهاتف النقال في عمليات القرصنة وقد توبع بتهمة
جريمة استعمال وثائق معلوماتية مع العلم بتزويرها وتزييفها والنصب وإدخال معطيات
في نظام المعالجة الآلية للمعطيات عن طريق الاحتيال والتزوير والتزييف للوثائق
المعلوماتية بغرض إلحاق ضرر بالغير واستعمالها مع العلم بأنها مزورة ومزيفة
بالنسبة للضنين الثاني طبقا للفصول 540 و607-6 و 607-7 من القانون الجنائي"[15].
وجاء في تعليل حكم ابتدائي عن
المحكمة الإبتدائية بالدار البيضاء متعلق بالنصب والدخول إلى نظام المعالجة الآلية
عن طريق الاحتيال "حيث أحضر الظنين أمام المحكمة واعترف بما نسب إليه...وحيث
أنه لئن كانت محاضر الضابطة القضائية يوثق بمضمونها ما لم يثبت ما يخالفها فإن
الاعتراف القضائي يبقى خير دليل يمكن أن يدان بسببه المرء...وحيث أن قيام الظنين
بالدخول إلى نظام المعلوماتي عن طريق القرصنة...يكون بذلك الظنين ارتكب جنحة
الدخول إلى نظام المعالجة الآلية للمعطيات عن طريق الإحتيال"[16].
ولم تعتبر المحكمة الابتدائية
بالرباط في حكم صادر لها بتاريخ 16 نونبر 2015 ان استغلال المستخدم لمنصبه وإقدامه
على إرسال البوابات الإلكترونية والجدادات الخاصة بالزبناء المحتملين من حسابه
الإلكتروني المهني إلى حسابه الإلكتروني الشخصي ولوجا غير مشروعا لنظام المعالجة
الآلية للمعطيات رغم علمه أن ذلك مخالفة لبنود عقد العمل الذي يربطه مع الشركة
ورفضت تبعا لذلك ببراءته...حيث عللت المحكمة حكمها كما يلي "وحيث ان المتهم
صرح تمهيدا أنه أقدم على إرسال البوابات الإلكترونية والجدادات الخاصة بالزبناء من
حسابه الإلكتروني المهني إلى حسابه الإلكتروني الشخصي بمناسبة العطب الذي أصاب
الشبكة الإلكترونية الداخلية، مضيفا أنه لم يسبق له أن اشتغل على زبناء سابقين
للشركة للمطالبة بالحق المدني، وحيث أن ولوج المتهم إلى تلك لم يتم بواسطة وسائل
احتيالية بل بناء على كونه مستخدم مكنته الشركة المشغلة من قن سري للولوج، أما
إرساله تلك المعطيات إلى بريده الإلكتروني الشخصي
لا يمكن تكييفه طبقا لفصل المتابعة أعلاه"[17].
3.
المطلب
الثاني: شروط قبول الدليل الإلكتروني
إن قبول القاضي الجنائي للدليل
الإلكتروني يتوقف على القوة والحجية اللتين يكونهما عليه وهو ما يقصد به أن يكون
الدليل مشروعا (الفقرة الأولى) وأن يكون قابلا للمناقشة (الفقرة الثانية).
4.
الفقرة
الأولى: أن يكون الدليل مشروعا
إن القول بالمشروعية يعني مدى توفر
القوة الثبوتية والقانونية في الدليل الإلكتروني لاعتباره صحيحا، فطرق الحصول عليه
يجب أن تكون موافقة للقانون مما يحتم توظيف وسائل لا يترتب عليها بطلان الإجراءات،
ذلك أن وسائل الإثبات في هذا النوع من الجرائم ذات الطابع التقني يتعين أن تكون
مقنعة ودامغة. وتعني مشروعية الدليل الجنائي كذلك عند القبول به والأخذ به ما يوفره من حماية للحقوق
الفردية والجماعية وهو ما يعبر عنه ب "التوافق والتقيد بالأحكام القانونية في
إطارها ومضمونها العام فهي تهدف إلى تقرير ضمانة أساسية وجدية للأفراد لحماية
حرياتهم وحقوقهم الشخصية ضد تعسف السلطة وبالتطاول عليها في غير الحالات التي رخص
فيها القانون بذلك من أجل حماية النظام الإجتماعي وبنفس القدر لتحقيق حماية مماثلة
للفرد ذاته"[18].
وبصيغة أخرى فالقاضي مطالب بالتأكد
من مدى مراعاة ضوابط قانونية في البحث عن الدليل الإلكتروني "ومدى احترامه
لإعلانات حقوق الإنسان وقواعد النظام العام والآداب العامة في المجتمع بالإضافة
إلى المبادئ التي استقر عليها القضاء[19].
وهكذا فمشروعية الدليل هي مشروعية
الوجود أولا يعني أن يكون معترفا به بمعنى أن يكون القانون يجيز للقاضي الإستناد
إليه لتكوين عقيدته للحكم بالإدانة[20].
وقد يختلف هذا باختلاف النظم
القانونية من نظام الأدلة القانونية إلى نظام الإثبات الحر مما يوسع من سلطة
القاضي التقديرية في الإقتناع بالدليل من عدمه أو يجعلها محدودة، ويبقى الهدف
المنشود هو أهمية الحصول على هذا الدليل أو الأدلة بحيث تتوفر فيها النزاهة
والشرعية؛ غير أن "مبدأ الشرعية لا يقتصر على القواعد الموضوعية فحسب بل يشمل
أيضا القواعد الإجرائية la principe de la légalité de la preuve وهو ما يعرف بالشرعية
الإجرائية ...كذلك يجب أن يتم الحصول على أدلة الإثبات من طرف جهة المتابعة بطرق
مشروعة ونزيهة أي دون مخالفة نصوص القانون ودون اللجوء إلى حيل ومناورات وخدع تحرض
وتدفع إلى ارتكاب الجريمة ودون المساس بحقوق الدفاع"[21].
إن احتمالية وقوع الخطإ في إجراءات جمع الأدلة الإلكترونية
لا يمكن استبعادها وبالتالي فوجود دليل رقمي غير كاف لإدانة المتهم لما يمكن أن يشوب
هذا الدليل من عيوب من شأنها التأثير في مضمونه. ومن أمثلة ذلك استخدام الإكراه
المادي أو المعنوي او الغش أو غيرها من الوسائل الغير القانونية[22]،
وقد ينجم هذا عن الصعوبات العملية التي تواجه أجهزة التحقيق وأحيانا ما تتطلبه هذه
الإجراءات من بحث خارج الحدود الوطنية.
وقد أوصى المؤتمر
الدولي الخامس عشر للجمعية الدولية لقانون العقوبات الذي انعقد في عاصمة البرازيل في سبتمبر 1994 وكان موضوع
لقائه حركة إصلاح الإجراءات الجنائية بالتوصية رقم 18 التي تنص " كل الأدلة
التي يتم الحصول عليها عن طريق انتهاك حق أساسي للمتهم والأدلة الناتجة عنها تكون
باطلة، ولا يمكن التمسك بها أو مراعاتها، كما أشار الى ضرورة احترام مبدأ المشروعية
عند البحث عن الدليل في جرائم الحاسب الآلي والجرائم التقليدية في بيئة تكنولوجيا
المعلومات وإلا يترتب عليه بطلان الإجراء فضلا عن تقرير المسؤولية لرجل السلطة العامة
الذي انتهك القانون"[23].
ولم يخرج لا المشرع
ولا القضاء في المغرب عن هذه المبادئ والقواعد حيث جاء في باب مشروعية الدليل الإلكتروني
جزاء البطلان في حالة عدم احترام الإجراءات التي تم التنصيص عليها قانونا وما
يترتب عنها من إجراءات (المادة 63 والمادة 751 من قانون المسطرة الجنائية). وهذا
ما يؤكد حرص المشرع على التقيد بالقواعد الإجرائية لما فيها من ضمانه لحقوق المتهم
قبل الحكم عليه بالإدانة. كما أن القضاء المغربي بدوره قال بوجوب مشروعية الأدلة الجنائية
ذلك أن غرفة الجنايات الإستئنافية بالرباط صرحت في أحد الأحكام الصادرة عنها
" أن المحضر الباطل يؤثر على الاعتراف المضمن به ويبطله، وهو ما أكدته محكمة
النقض في حكم آخر "عدم استدعاء المحامي يترتب عليه بطلان محضر الاستنطاق
وبطلان الاعتراف الذي يتضمنه، وأن حضور المحامي لجلسة الاستنطاق بدون استدعائه لا
يصحح البطلان"[24].
5.
الفقرة الثانية: قابلية الدليل للمناقشة
يطرح الدليل
الالكتروني للمناقشة في جلسة المحكمة ولابد للقاضي الجنائي أن يقتنع به إلى درجة
اليقين التي يبدد بها كل شك بالنظر إلى مدى تأثير وجدانه به، ذلك أن الثابت في القانون المقارن والفقه أن
للقاضي سلطة واسعة في تقدير الأدلة واستنباط ما تتضمنه الوقائع من دلالات سعيا منه للكشف عن الحقيقة[25].
وهذا راجع لكون محاضر الضابطة القضائية في القضايا الجنائية غير كافية للقاضي
الجنائي ولا بد له قبل إصدار الحكم بالإدانة أن يكون قد كون قناعته من خلال مناقشة
ما تم عرضه أمامه من عناصر إثبات وما راج امامه من أقوال المتهم وما توصل إليه من
قرائن.
إن المشرع المغربي
الذي يعتمد نظام الإثبات الحر لم يخرج عن هذا التوجه حيث جاء في المادة 286 من
قانون المسطرة الجنائية ما يلي "يمكن إثبات الجرائم بأي وسيلة من وسائل الإثبات
ما عدا في الأحوال التي يقضي القانون بخلاف ذلك، ويحكم القاضي بحسب اقتناعه الصميم
ويجب أن يتضمن المقرر ما يبرر اقتناع القاضي..."، وحتى يتمكن القاضي من تكوين
قناعته بالأدلة أوالدليل الإلكتروني لابد أن يطرح هذه الأدلة في جلسة المحاكمة للمناقشة
ذلك أنه على القاضي أن لا يؤسس حكمه إلا على الأدلة التي طرحت أمامه في جلسه المحاكمة
وأن يكون لها أصل ثابت في أوراق الدعوى وأن تمنح للخصوم فرصة
الإطلاع عليها ومناقشتها[26].
فالأدلة
الإلكترونية من بيانات مدرجة في حاملات البيانات أو من بيانات معروضة على شاشة
الحاسوب أو على شكل أشرطة أو أقراص أو غيرها من هذه الأدلة المتحصل عليها من بيئة تكنولوجيا المعلومات يجب أن
تطرح للمناقشة عند الأخذ بها كأدلة إثبات وأن تتاح فرصة الإطلاع عليها من قبل
الخصوم وهو ما يدخل في مبدأ المواجهة
كقاعدة تحكم إجراءات المحاكمة الجزائية وهو مبدأ يحقق أيضا مبدأ رقابة المحكمة الجزائية
على الأعمال والإجراءات السابقة على المحاكمة ومراقبة التقرير الذي خلصت إليه سلطة التحقيق[27].
ويعتبر هذا من حقوق الدفاع المتاحة بالمناقشة بشكل علني وفي
حضور الخصوم وحيث أنه على المحكمة ان لا تبني قراراتها إلا على الحجج والأدلة التي
أتيح لأطراف الدعوى مناقشتها علنيا[28].
إن هذا ما أكده المشرع المغربي من خلال المادة 287 من قانون
المسطرة الجنائية التي جاء فيها "لا يمكن للمحكمة أن تبني مقررها إلا على حجج
عرضت أثناء الجلسة ونوقشت شفهيا وحضوريا أمامها". وهو ما ذهب إليه القضاء المغربي حيث أقرت محكمة
النقض في أحد قراراتها بأنه "بمقتضى الفصل 287 من قانون المسطرة الجنائية، فإن
القاضي لا يمكن أن يبني مقرره إلا على حجج عرضت أثناء الجلسة ونوقشت شفهيا وحضوريا
امامه، ولهذا يتعرض للنقض المقرر الذي يبنى على علم رئيس الجلسة عندما قام
بالتحقيق في قضية سابقة.[29]
ويدخل في هذا الباب كذلك استدعاء الشهود والخبراء وحضورهم
لجلسة المحاكمة والمناقشة فتقارير الخبرة في الجرائم المعلوماتية غالبا ما تفرض
نفسها لما لها من أهمية في تنوير رأي القاضي ومساعدته على الإحاطة التامة بالدليل
المعروض أمامه ورفع كل لبس أو شك في واقعية ومدى قابليته لمنح القاضي الدرجة
العليا من اليقين المنشودة للحكم بالإدانة من عدمه.
ذلك أن طبيعة
الدليل الالكتروني الإفتراضية تجعله قابلا من حيث مضمونه للتحريف مما ينقص من
قيمته الثبوتية وما يتطلبه ذلك من المزيد من البحث والتحري.
خاتمة:
ان الثورة العلمية والتكنولوجية
التي يعرفها العالم المعاصر وما أصبحت تحتله الإعلاميات من مكانة في حياة
المجتمعات وما رافق هذا من تطور وتنوع في السلوكات الجرمية للأفراد وبالخصوص في الجريمة
المعلوماتية وتجاوزها للحدود الوطنية كان وراء الاهتمام بالأدلة الإلكترونية لما ساهمت
به من أدوار في اكتشاف هذا النوع من الجرائم وفي محاصرة مرتكبيها ومعاقبتهم وذلك
صونا للحقوق المادية والمعنوية للأفراد ولاستتباب الأمن والنزاهة والشفافية في
تبادل المعلومة المعلوماتية.
وقد عرف المغرب
افتتاح أول مختبر جهوي لتحليل الآثار الرقمية بمقر ولاية الأمن بمراكش في 25 دجنبر2012،
وانضافت إليه فيما بعد مختبرات جهوية أخرى من نفس القبيل بكل من الرباط والدار
البيضاء وفاس ومراكش والعيون وأخيرا تطوان سنة 2020[30].
لائحة المراجع:
بوعياد فاطمة زهرة:
"مشروعية الدليل الإلكتروني في مجال الإثبات الجنائي"، أطروحة دوكتوراه
في العلوم، تخصص علوم قانونية فرع علوم جنائية، جامعة جيلالي ليابس سيدي بلعباس
كلية الحقوق والعلوم السياسية، السنة الجامعية 2013-2014.
يوسف قجاج، "خصوصية القواعد الإجرائية في مجال
البحث عن الجريمة الإلكترونية"، دراسة مقارنة – سلسلة البحوث الجامعية - العدد 14/2016
محمد حبحب، "تطبيق القواعد الجزائية الإجرائية
على الجريمة الإلكترونية –تحديات وآفاق-"، مجلة كلية القانون الكويتية
العالمية، أبحاث المؤتمر السنوي الدولي الخامس، 9/10 مايو 2018.
مقال: حجية الدليل
الإلكتروني ومشروعيته أمام القاضي الجنائي"، مجلة المختبر القانوني www.labodroit.com اطلع عليه بتاريخ 26-01-2022 على الساعة 14:54.
مسامح زكرياء، "القضاء المغربي وتكييف الجرائم
الإلكترونية"، مجلة القانون والأعمال الدولية، الموقع الإلكتروني www.droitentreprise.com 28 شتمبر 2020،
تاريخ
الاطلاع 26-01-2022 على الساعة 13:52.
. بن فردية محمد، "الدليل الجنائي الرقمي
وحجيته أمام القضاء الجزائي"ّ، دراسة مقارنة: revue académique de la recherche Juridique
volume 5 numero1, page 282 université Abderrahmane Mira-Bejaia faculté de droit
et des sciences juridique العدد 02- 2018، ص 282. الموقع:www.asjp.cerist.dz تاريخ الإطلاع 25/01/2022.
الدكتور أحمد محمد العمر، "الدليل الرقمي
وحجيته في الإثبات الجزائي"، مجلة الدراسات الفقهية والقانونية مجلة علمية
محكمة متخصصة (نصف سنوية) المعهد العالي للقضاء، سلطنة عمان، العدد الثالث، يناير
2020.
[1]
الإثبات الجنائي هو تأكيد الحق بالبينة، والبينة هو الدليل أو الحجة، ومعنى ذلك أن
الإثبات في اللغة هو تأكيد أي شيء بأي دليل: بوعياد فاطمة زهرة: "مشروعية الدليل الإلكتروني في مجال
الإثبات الجنائي"، أطروحة دوكتوراه في العلوم، تخصص علوم قانونية فرع علوم
جنائية، جامعة جيلالي ليابس سيدي بلعباس كلية الحقوق والعلوم السياسية، السنة
الجامعية 2013-2014. ص 7.
[2]
يوسف قجاج، "خصوصية القواعد الإجرائية في مجال البحث عن الجريمة
الإلكترونية"، دراسة مقارنة – سلسلة البحوث الجامعية - العدد 14/2016، ص 5.
[3]
محمد حبحب، "تطبيق القواعد الجزائية الإجرائية على الجريمة الإلكترونية
–تحديات وآفاق-"، مجلة كلية القانون الكويتية العالمية، أبحاث المؤتمر السنوي
الدولي الخامس، 9/10 مايو 2018.
[4]
وهو القانون الصادر بتنفيذه الظهير رقم 197-03-1 بتاريخ 10 رمضان 1424
(11نونبر2003) جريدة رسمية عدد 5171 بتاريخ 22 دجنبر 2033، ص 4284.
[5] مقال: حجية الدليل الإلكتروني ومشروعيته أمام القاضي
الجنائي"، مجلة المختبر القانوني www.labodroit.com اطلع عليه بتاريخ 26-01-2022 على الساعة 14:54.
[6] مقال: حجية الدليل
الإلكتروني ومشروعيته أمام القاضي الجنائي"، مرجع سابق.
[7]بوعنان فاطمة الزهرة، مرجع سابق، ص 58-59.
[8]
مسامح زكرياء، "القضاء المغربي وتكييف الجرائم الإلكترونية"، مجلة
القانون والأعمال الدولية، الموقع الإلكتروني www.droitentreprise.com
28 شتمبر 2020، تاريخ الاطلاع 26-01-2022 على
الساعة 13:52.
[9] ظهير شريف رقم 1-07-129 صادر في 19 ذي القعدة
1428 (30نوفمبر 2007) بتنفيذ القانون 05-53 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات
القانونية والمنشور بالجريدة الرسمية رقم 5584 بتاريخ 06/12/2007 ص 3879.
[10]
حكم جنحي ملف عدد 460 صادر بتاريخ 13-03-2016 غير منشور. مأخوذ عن مسامح زكرياء،
مرجع سابق.
[11]
حكم ابتدائي عدد 4 صادر بتاريخ 02-01-2012 ملف جنحي تلبسي عدد 11/3103/3823 حكم
غير منشور. مأخوذ عن مسامح زكرياء، مرجع سابق.
[12] مقال : " حجية
الدليل الإلكتروني ومشروعيته أمام القاضي الجنائي"، مرجع سابق.
[13]
د. بن فردية محمد، "الدليل الجنائي الرقمي وحجيته أمام القضاء الجزائي"ّ،
دراسة مقارنة: revue
académique de la recherche Juridique volume 5 numero1, page 282 université
Abderrahmane Mira-Bejaia faculté de droit et des sciences juridique العدد 02-
2018، ص 282. الموقع:www.asjp.cerist.dz تاريخ
الإطلاع 25/01/2022.
[14]
محمد حبحب، مرجع سابق، ص 427.
[15]
حكم عدد 684 ملف جنحي تلبسي رقم 2015/646/12، مأخوذ عن مسامح زكرياء، مرجع سابق.
[16]
حكم ابتدائي عدد 907 بتاريخ 28 يناير 2011 في ملف جنحي تلبسي عدد 68/10/11 غير
منشور. مأخوذ عن مجلة المختبر القانوني، مرجع سابق.
[17] حكم ملف رقم 2016/96/88 مأخوذ
عن مسامح زكرياء، مرجع سابق.
[18]
مقال: حجية
الدليل الإلكتروني ومشروعيته أمام القاضي الجنائي"، مجلة المختبر القانوني www.labodroit.com اطلع عليه بتاريخ 28-01-2022 على الساعة 16:32.
[19]
الدكتور أحمد محمد العمر، "الدليل الرقمي وحجيته في الإثبات الجزائي"،
مجلة الدراسات الفقهية والقانونية مجلة علمية محكمة متخصصة (نصف سنوية) المعهد
العالي للقضاء، سلطنة عمان، العدد الثالث، يناير 2020، ص 145.
[20]
مقال : "الجريمة الإلكترونية وحجية الدليل الرقمي في الإثبات الجنائي، مركز
هردو لدعم التعبير الرقمي، القاهرة 2014، ص 25. الموقع الإلكتروني : www.hrdoegypt.org تاريخ الاطلاع
28-01-2022 على الساعة 13:01.
[21] بوعناد فاطمة زهرة، مرجع
سابق، ص 96.
[22] في هذا الصدد صادقت لجنة الوزراء التابعة للمجلس
الأوروبي في 28-01-1981 على اتفاقية خاصة بحماية الأشخاص في مواجهة مخاطر المعالجة
الآلية للبيانات ذات الطبيعة الشخصية، ومن بين ما أكدت عليه أن تكون البيانات
المضبوطة صحيحة وكاملة ودقيقة، ومستمدة بطرق مشروعة، ومدة حفظها محددة زمنيا، وعدم
إفشائها أو استعمالها في غير الأغراض المخصصة لها، وحق الشخص المعني في التعرف
والإطلاع على البيانات المسجلة المتعلقة به وتصحيحها وتعديلها ومناقضتها ومحوها
إذا كانت باطلة. (أحمد عوض بلال " قاعدة استبعاد الأدلة المتحصلة بطرق غير
مشروعة في الإجراءات الجنائية المقارنة"، دار النهضة العربية، القاهرة 1994،
ص 31-32. مأخوذ عن مجلة المختبر القانوني، مرجع سابق).
[23] بن فردية محمد، مرجع سابق،
ص 281.
[24]
قرار استئنافي غير مشار إلى عدده صادر بتاريخ 22-04-1978 ملف جنحي عدد 324/78 وقرار
محكمة النقض (المجلس الأعلى سابقا) عدد 183 صادر بتاريخ 24/12/1970 غير مشار إلى
ملفه. مأخوذ عن مقال: "حجية الدليل الإلكتروني ومشروعيته أمام القاضي
الجنائي"، مرجع سابق.
[25] أحمد محمد العمر، مرجع
سابق، ص 161.
[26] بن فردية محمد، مرجع سابق، ص 281.
[27] أحمد محمد العمر، مرجع
سابق، ص 162.
[28] محمد حبحب، مرجع سابق، ص
427.
[29] قرار جنائي عدد 49 بتاريخ 19/11/1970. بين فاطمة بنت
ابراهيم وبين النيابة العامة، قرارات المجلس الأعلى في المادة الجنائية، الموقع
الإلكتروني: www.dahayas.com 13 أبريل 2018، تاريخ الإطلاع 07-02-2022 على
الساعة 11:44.
[30]
الموقع الإلكتروني www.echamal24.ma 8 يوليو 2020، تاريخ الاطلاع 31-01-2022 على
الساعة 13:17.
0 تعليقات