السيد محسـن سالمــي
آثار سوء النية على المنازعات المتعلقة بمرحلة التحفيظ على ضوء قانون
التحفيظ العقاري رقم 14.07
مقدمــة:
يشكل العقار الأرضية الأساسية لانطلاق المشاريع الصناعية والتجارية والسياحية المنتجة، وأداة لتحقيق استقرار الأمن والسلم الاجتماعي، بالنظر إلى الدور الفعال الذي يقوم به على المستوى الاقتصادي والاجتماعي.[1]
ونظرا لذلك الدور الفعال الذي يقوم عليه العقار، وارتباطه الوثيق بالإنسان
منذ ولادته وإلى ما بعد موته، مصداقا لقوله تعالى في كتابه العزيز: "مِنْهَا
خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ"[2]، فقد سعت
البشرية ومنذ القدم إلى خلق وابتداع قواعد وقوانين من شأنها حماية الملكية العقارية،
وتحصينها ضد كل اعتداء أو تعسف، حيث كانت وما زالت العامل الأساسي في تكوين ثروة
الإنسان وعنوانا للمكانة الاجتماعية.
وهكذا
تم إيجاد نظام له دور مهم في إعطاء الملكية العقارية وضعا أكثر استقرارا وثقة في
التعامل بها، وكذا توفير الحماية القانونية للعقار في مواجهة الأطراف المتعاملين
بشأنه، وفي مواجهة الأغيار كذلك، ويتعلق الأمر بنظام التحفيظ العقاري الذي نظمه
المشرع المغربي بمقتضى ظهير 12 غشت 1913[3]،
الذي خضع لمجموعة من التعديلات، ولعل أبرزها التعديل الأخير بمقتضى القانون رقم
14.07.[4]
ومن هذا المنطق يظهر بوضوح إيجابيات وفوائد
هذا النظام من جهة[5]،
ومن جهة أخرى تظهر الخطورة التي تهدد حقوق الغير من جراء هذا النظام نفسه، كلما تم
استعمال واستغلال مسطرة التحفيظ بشكل تعسفي يضر بحقوق الأغيار، والأمر كذلك
بالنسبة للتقييدات التي تكون مبنية على أساس فاسد أو ذو نية سيئة للإضرار بالغير،
فالنية السيئة "هي أمر ذاتيٌّ غير مفترض أي أنه إرادة باطنية داخلية يسعى من
خلالها الفرد للإضرار بالغير، ويعد إدعائها أمرا غير مقبول بغير دليل"[6].
فمسطرة التحفيظ العقاري تمر بمجموعة من
المراحل يتعين إتباعها والحرص على احترامها، حيث تبتدئ بتقديم مطلب التحفيظ الذي
يخضع لعملية إشهار واسعة، وعملية تحديد يكلف بها المهندس المساح الطبوغرافي، وصولا
إلى تأسيس الرسم العقاري.
إلا أن هذه المسطرة لا تمر دائما بهذه
السلاسة، إذ غالبا ما تتخللها منازعات في هذا الإطار أهمها تقديم التعرضات، هذه
الأخيرة التي يمكن أن تكون جزئية أو كلية أو على حقوق مشاعة مرتبطة بالعقار المراد
تحفيظه أو غيرها...
فغالبا ما تكون تلك التعرضات كيدية أو تعسفية أي
بسوء نية، وهو الأمر كذلك بالنسبة لمطالب تحفيظ العقارات، وذلك من أجل إضرار
أحدهما بالأخر، مما يزيد تلك النزاعات عنصرا أخر مرتبطا بها ألا وهو سوء النية،
مما يؤدي إلى عرقلة إجراءات التحفيظ والتأثير على دوره التنموي في المستويين
الاجتماعي والاقتصادي.
وهو الأمر الذي تنبه إليه المشرع المغربي،
من أجل تكريس الحماية الدستورية لحق الملكية في الفصل 35 من الدستور المغربي لسنة
2011[7]،
فحاول ردع ذلك من خلال تقرير جزاءات وعقوبات، لكل من سولت له نفسه اتخاذ مرحلة
التحفيظ بسوء نية أو كيد أو تعسف، وذلك في مقتضيات قانون 14.07 المتعلق بالتحفيظ
العقاري.
ومنه يمكن طرح الإشكالية المحورية: إلى أي حد وفق المشرع
والقضاء المغربيين في التصدي للآثار المترتبة عن سوء النية في المنازعات المتعلقة
بمرحلة التحفيظ في إطار قانون 14.07؟
للإجابة على الإشكالية المطروحة سنقسم الموضوع
إلى مطلبين أساسيين:
المطلب الأول: الآثار السلبية لسوء النية في المنازعات المتعلقة بمرحلة التحفيظ.
المطلب الثاني: الجزاء المرتَّبُ لسوء
النية في المنازعات المتعلقة بمرحلة التحفيظ
المطلب الأول: الآثار السلبية لسوء النية في المنازعات المتعلقة
بمرحلة التحفيظ
لا شك أن نظام التحفيظ العقاري يمثل إحدى
الضمانات القوية لاستقرار المعاملات العقارية، وتحقيق الأمن العقاري، وخلق
الطمأنينة في نفوس أصحاب الحقوق العينية العقارية، لأنه يشكل أهم وسيلة لإشهار
الملكية العقارية، وذلك عن طريق إدراجها بسجل معين يسمى السجل العقاري، بعد إجراء
بحث دقيق بشأن حقوق المالك، وإنجاز عملية التحديد التي تجمع بين الطابع القانوني
والهندسي، واستنادا على ذلك يحق لأي شخص الإطلاع على وضعية العقار ليعرف مالكه
ومساحته والتكاليف المترتبة عليه.[8]
إلا أن تدخل النية السيئة
في ذلك، سواء لدى طالب التحفيظ أو المتعرضين على ذلك التحفيظ، ينشب عنه نزاعات
تعرقل دخول ذلك العقار المتنازع عليه سياسة المخططات التنموية والبرامج
الاستثمارية، وهو ما يعد أثرا سلبيا على مجموعة من المستويات المحيطة بالعقار
المتنازع حوله، أهمها تأثيره السلبي على الدور التنموي للعقار، خاصة ما يتعلق
بتأثيره على القطاع السكني والفلاحي (الفقرة الأولى)، وتأثيره على الضمان
البنكي (الفقرة الثانية).
الفقرة
الأولى: آثار سوء النية في مسطرة التحفيظ العقاري على القطاع السكني والفلاحي
إن تفعيل دور العقار
وجعله كعامل لجذب الاستثمارات في مختلف المجالات والقطاعات بما في ذلك القطاع
السكني والفلاحي، يستلزم أن يرتكز على نظام الإشهار العقاري[9]، من أجل
ضبط معالمه ومعطياته، سواء على الصعيد المادي أو القانوني، وبالتالي جعله أداة من
أدوات إنجاح المشروع التنموي.[10]
وبالرجوع لفوائد التحفيظ
العقاري لدى الأستاذ "إدريس الفاخوري"[11]،
فإنه يرى بأن لعملية التحفيظ العقاري أهمية بالغة بحيث:
§
يعتبر الرسم العقاري المنطق الوحيد لتحديد هوية العقار المحفظ من
الناحيتين المادية والقانونية، إذ يكفي الرجوع إليه لمعرفة معالم العقار وأوصافه
والحقوق العينية المنشأة عليه.
§
ينجم عنها إشهار الحقوق والتغييرات المصاحبة للعقار من بدايته إلى
نهايته.
§
الزيادة في قيمة العقارات المحفظة، وتشجيع وتسهيل عملية البناء
والتعمير والسكن...
وبالتالي فإن التحفيظ
يعتبر من أبرز ملامح السياسة التشريعية في ميدان الاسكان والتعمير، إذ يتم ربط هذه
السياسة في الغالب الأعم من خلال أدواتها خاصة التجزئات العقارية بشرط التحفيظ،
حيث شكل قانون 25.90 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية[12]، على سبيل
المثال منعرجا حاسما في علاقة التحفيظ بالتجزئة العقارية، متبنيا ضرورة التجزئة
بالتحفيظ، إذ أن هذا الأخير مطلوب قانونا في أعمال التجزئة.[13]
حيث تنص المادة 5 من
قانون 25.90 على أنه: "لا يقبل طلب التجزئة المنصوص عليه في المادة 4 أعلاه
إذا كانت الأرض المراد تجزئتها ليست محفظة ولا بصدد التحفيظ، ولا يكون الطلب
مقبولا إذا تعلق الأمر بأرض بصدد التحفيظ إلا إذا كان الأجل المحدد لتقديم
التعرضات على التحفيظ قد انصرم دون تقديم أي تعرض على تحفيظ العقار المراد
تجزئته".
وعليه فإن من خلال هذه
المادة أعلاه، يعتبر التحفيظ لازما في عمليات التجزئات العقارية، ومرد ذلك إلى
إنشاء رسوم عقارية وحافزا مهما لتنمية القطاع السكني، فالأراضي غير المحفظة والتي
في طور التحفيظ ولم تتجاوز مرحلة معينة، أصبحت منذ القانون رقم 25.90 ليست فقط غير
قابلة للتجزيء، بل أكثر من ذلك أنها لا تقبل حتى طلبات دراستها.
هذا وأن العقار كذلك يحتل
مكانة متميزة ضمن الطاقات والموارد المتاحة لتحقيق مستوى نمو أفضل في القطاع
الفلاحي، باعتباره الفضاء الذي تتفاعل فيه مختلف وسائل الإنتاج والاستثمار، مما
يجعل من المحافظة عليه والرفع من قدرته، واستقرار المعاملات الجارية عليه شرطا
أوليا لكل إقلاع ناجح.[14]
غير أن وضعية الهياكل
العقارية الفلاحية بالمغرب تتسم بالتشتت والانقسام، كما أن غالبية هذه العقارات
تعتبر غير محفظة، مما ينتج عنه صعوبة الاستغلال والاستثمار في الميدان الفلاحي،
لذلك ومن أجل تحسين الوضعية العقارية الفلاحية بالمغرب، تم اتخاذ عدة مبادرات
تشريعية تراوحت بين تحسين وضعية الهياكل العقارية وتأمين حق الملكية، والاستغلال
وتوحيدها.[15]
مما يترجم توجها تشريعيا
مزدوج الغاية، فمن جهة يقوم على هيكلة الوضعية المادية للعقارات الفلاحية وضمها
وترتيبها وتنظيمها، ومن جهة أخرى يقوم بالتثبت من وضعيتها القانونية وتحصينها من
المنازعات عن طريق إقرار إجبارية التحفيظ.
ولما كانت الغاية الأساسية
من عملية ضم الأراضي الفلاحية[16]، التي
تؤدي إلى جمع الأراضي المشتتة والمجزئة إلى قطع متفرقة داخل دوائر الضم، والعائدة
لنفس المالك أو لنفس الملاك على الشياع إلى قطعة أرضية واحدة مجهزة بالطرق
والممرات ومدها بشبكة الري، من شأن ذلك المساهمة في الرفع من إنتاجية هذه الأراضي،
والرفع من مداخيل الملاك وتحسين ظروف عيشهم.
فالحقيقة أن آلية ضم
الأراضي، والتي تؤول إجباريا إلى تحفيظ العقارات المضمومة، وكذا آلية التحفيظ
الجماعي، إنما هي عمليات عقارية تترجم إحدى أهم ملامح السياسة التشريعية في
الميدان الفلاحي.
واعتبارا للأهمية الكبرى
التي تحتلها عملية التحفيظ، سواء على مستوى القطاع السكني أو الفلاحي، ومحاولة
المشرع المغربي قدر الإمكان إدماج العقار في طور التحفيظ في خضم إحدى السياستين
التشريعيتين، سواء في ميدان التعمير والإسكان أو الميدان الفلاحي، غير أن هذه
الرغبة تصطدم بالعديد من الإكراهات والمعيقات القانونية والواقعية، أهمها التعرضات
الصادرة عن الكيد أو سوء النية، حيث تقع كعائق حقيقي في سبيل تنفيذ السياسات،
وتحقيق الأهداف المسطرة سواء كانت هذه التعرضات عادية مقدمة داخل أجلها القانوني
أو استثنائية خارج الأجل[17].
فمن ناحية المجال السكني،
فإنها في نظرنا ستأثر سلبا على التخفيف من أزمة السكن، فهي تعيق أحيانا تنفيذ
السياسة التشريعية في التخفيف من استفحال أزمة السكن.
كما تساهم في عرقلة الرغبة
في توسيع الوعاء العقاري المحفظ، الذي شكل أساس تنفيذ أي سياسة سكنية، كما تعيق
الرغبة في إدماج العقار في طور التحفيظ في دائرة التداول الاقتصادي، لذلك يجب
إفراد جزاءات قاسية على المتعسف في استعمال حق التعرض، لأن هذا التعسف لا يؤثر على
طالب التحفيظ فقط، بل يشمل النظام العام الاقتصادي والاجتماعي ككل.
وكمثال على ذلك، أن
القانون إذا كان قد اشترط لإحداث التجزئة العقارية إذا تعلق الأمر بعقار في طور
التحفيظ، أن يكون أجل التعرضات قد انتهى دون وقوع أية منازعة، فإن ذلك لا يعني نزع
الاختصاص من المحافظ العقاري في شأن قبول التعرضات الاستثنائية المخول له بمقتضى
الفصل 29 من ظ.ت.ع كما عدل وتمم بقانون 14.07.
وهو ما يعني، أنه قد يتصور
أحيانا أن صاحب التجزئة يثبت أن مطلب التحفيظ موضوع طلب إحداث التجزئة قد انصرم
بشأنه الأجل العادي لقبول التعرضات، وأنه خال من أي منازعة، ويحصل بذلك على الإذن
بإحداث تجزئة عقارية، ويقدم تعرض خارج الأجل (تعرض استثنائي)، ويحكم بعدم صحته،
وأنه لا يستند على سبب صحيح، فيكون بذلك لهذا التعرض الكيدي التعسفي آثار وخيمة
على صاحب المشروع (التجزئة)، وذلك لطول مدة سريان المرحلة القضائية للتحفيظ والتي
قد تستمر لسنوات عدة، مما يحرم صاحب المشروع من إمكانية الإقتراض لدى البنوك
لتنفيذ الأشغال اللازمة لإتمامه.
أما من ناحية المجال
الفلاحي، ففي نظرنا أن انتشار الدعاوى التعسفية في هذا المجال عامة، والتعرضات
الكيدية والتعسفية وبسوء النية خاصة، فإنها تعصف بمسار عملية التحفيظ، نظرا لما
يتطلبه أمر البت فيها من طول المدة وتعقد المساطر الإدارية والقضائية، مما يؤدي
إلى تضرر حقوق ملاكي الأراضي نتيجة المنع والتصرف في عقاراتهم بكل حرية، مما يشل
العملية ككل.
وهو ما عبر عنه "الملك
الراحل الحسن الثاني رحمة
الله عليه" عندما قال: ".... فلا بد
لكل واحد يملك أرضه أن تكون ملكيته غير مشبوهة فيها، لا بد أن يكون عارفا أنه إذا
خدم الأرض، فإنه يخدمها لنفسه ولأولاده، ولا بد أن يعرف أنه في مأمن من أي منازع
ومن أي أحد ينزع منه تلك الأرض، وهذا يقتضي إذن قانونا متقنا وعمليات متقنة جدا
حتى لا تقع أية بلبلة في العقار...".[18]
فمن خلاله حث على عدم امتلاك الأراضي التي تكون
ملكيتها مشبوهة، أي يستخدم فيها سوء النية لاستغلالها، مما يثير نزاعات تؤثر
وتعرقل السياسة التشريعية للميدان الفلاحي، وهو ما يحيل إلى التأكيد على وجوب
تشديد الجزاء لكل من سولت له نفسه التدخل بسوء نية في ذلك سواء كطالب للتحفيظ أو
متعرض عليه، مع تأسيس مسؤوليته عن الأضرار التي لحقت بالنظام العام الاقتصادي
والاجتماعي، من خلال عرقلته لبرامج تحسين وضعية الهياكل العقارية الفلاحية المادية
والقانونية بالمغرب وتحصينها من النزاعات.
الفقرة
الثانية: آثر سوء النية في مسطرة التحفيظ العقاري على الضمان البنكي
إن جلب رؤوس الأموال
إلى مجال العقار يكون نتيجة توفير الضمان الكافي لاستقرار المعاملات والطمأنينة
فيها، ولن يتحقق الأمن الاقتصادي والاجتماعي إلا بالضمانات المادية والقانونية
التي يوفرها النظام القانوني الذي يحكم العقار.
وهو ما اعتبره الأستاذ "إدريس
الفاخوري" أحد أهم فوائد التحفيظ العقاري، حينما اعتبر أن ذلك التحفيظ
يهدف من خلاله تسهيل تهيئة القروض وتنمية السلف الرهني، إذ يعتبر الرهن الرسمي[19] من بين
الضمانات العينية التي تخول للدائن، حق تتبع العقار ولو تغير مالكه، وحق الأولوية
في استيفاء الدين على بقية الدائنين.[20]
كما أنه قد اعتبر أن ربط
المشرع المغربي الرهن الرسمي بالعقارات الخاضعة للتحفيظ يعد ميزة من مزايا نظام
التحفيظ العقاري، إذ لا يتصور تحقيق أي استثمارات من غير التوفر على ضمان يمنح
المؤسسات المقرضة الثقة والاطمئنان، ولذلك يعتبر الرهن الرسمي من بين الضمانات
العينية التي تخول للدائن حق التتبع والأولوية.[21]
بالإضافة إلى كل ما قيل،
فإن نظام التحفيظ العقاري في نظرنا يسعى كذلك إلى استقرار المعاملات العقارية،
وخلق الثقة والاطمئنان بين المتعاملين في المجال العقاري، وعلى الخصوص المقرضين
الذين يجعلون العقار هو الضمانة الوحيدة لاسترداد أموالهم، لأن الرسم العقاري يعد
بمثابة الحالة المدنية بالنسبة للعقارات المحفظة.
وبالرجوع إلى ظهير 2 يونيو
1915 للتشريع المطبق على العقارات المحفظة[22]،
نجده ينص بكيفية صريحة على إمكانية ورود الرهن الرسمي على العقار في طور التحفيظ، ومدونة
الحقوق العينية هي الأخرى جاءت مؤكدة على ذلك وبصفة صريحة على إمكانية ورود الرهن
الرسمي على العقار في طور التحفيظ، وذلك بمقتضى المادة 165 منه، والتي جاء فيها
بأن: "الرهن الرسمي حق عيني
تبعي يتقرر على ملك محفظ أو في طور التحفيظ ...".
وما تجدر الإشارة إليه أن القضاء سار قبل صدور مدونة الحقوق العينية في
منحى إمكانية ورود الرهن الرسمي على عقار في طور التحفيظ، إذ اعتبر إيداع الرهن
على مطلب التحفيظ في إطار الفصل 84 من ظهير التحفيظ العقاري[23]،
يعطي لصاحبه حق إمكانية ترتيب هذا الحق في التسجيل، والتمسك به في مواجهة الغير
على أن يسجل هذا الحق في الرسم العقاري يوم التحفيظ.
ومن وجهة نظرنا، فإن العقار المطلوب تحفيظه يمكن أثناء سريان مسطرته أن
يكون محلا للرهن الرسمي، وذلك بتقييده بسجل التعرضات طبقا للفصل 84 من ق.ت.ع.
وبالرجوع للعمل البنكي، ومن خلال العقود المبرمة بينه وبين الزبناء، نجد أن
مؤسسات الائتمان لا تشترط أن يكون العقار الذي قدم كضمان بنكي قد استوفى مرحلة
التعرضات أو مر أجلها، سواء كانت تعرضات عادية أو استثنائية، ومن تم فإن تقديم
تعرض على مطلب التحفيظ المثقل برهن رسمي، قد يحول دون إنشاء الرسم العقاري باسم
طالب التحفيظ، مما قد يترتب عنه ضياع حقوق المؤسسة البنكية، لأن ضمان استرجاعها
لقيمة القرض مع الفوائد معلق على مصير المطلب وتحويله إلى رسم عقاري، وهذا بغض
النظر عن التعسف أو سوء النية الذي قد يحول دون انشاءه أو قد يطيل من أمد مسطرة
التحفيظ.[24]
بحيث لا يخفى علينا، مدى الدور الفعال الذي تلعبه القروض في تسيير الحياة
الاقتصادية بصفة عامة، والمساهمة في إنجاز المشاريع الاجتماعية والاقتصادية بصفة
خاصة، وهي ككل تعامل تجاري ترتكز على الثقة والأمان بين الدائن (شخص أو بنك أو
مؤسسة سلف...)، والمدين الذي قد يكون شخصا ذاتيا أو معنويا، بحيث يضع البنك تحت
تصرف الزبون مبلغا من المال، وذلك بعد توقيعه على العقد الذي يحدد كيفية تنفيذ هذا
القرض، وكيفية تسديده وفوائد البنك مقابل هذه العملية، وكذا مدة القرض وضمانات
الزبون للوفاء به.
وحسب أحد الباحثين فإن الممارسة العملية، أثبتت أن أغلب المؤسسات المالية،
وفي إطار تشجيعها للاستثمارات أصبحت تقبل العقار في طور التحفيظ كضمان رهني، حيث
يتم إيداع الرهن بسجل الايداعات مقابل حصول المؤسسة الدائنة على شهادة بإيداع رهن
طبقا للفصل 84 من ظ.ت.ع، وبالتالي فإن المركز القانوني للعقار في طور التحفيظ أصبح
ذو اعتبار خاص، وهو توجه محمود خاصة في ظل محدودية الوعاء العقاري المحفظ.[25]
وفي نظرنا فإن الوضع القانوني للعقار في طور التحفيظ يظل غير مستقر وغير
ثابت، حيث وطيلة تواجد العقار في مرحلة التحفيظ، يمكن أن تثار بشأنه تعرضات من طرف
الأغيار، وهو أمر عادي باعتبار أن التعرضات تشكل إحدى وسائل المحافظة على الحقوق،
لكن صدور هذه التعرضات بشكل تعسفي وكيدي وعن سوء نية، يؤثر سلبا على قابلية العقار
في طور التحفيظ للتعامل به بشكل عام، فبالأحرى اعتماده كضمان رهني، لأن تلك
التعرضات التعسفية تطيل مسطرة التحفيظ وتتطلب اللجوء إلى القضاء للفصل فيها، هذا
الأخير الذي يقوم على مسطرة وإجراءات معقدة ومطولة نظرا لكثرة الملفات المعروضة
عليه.
ولذلك ترى إحدى الباحثات[26]
بأن ورود تعرض كيدي أو تعسفي على عقار في طور التحفيظ، له آثار سلبية على الضمان
الرهني لهذا العقار، حيث أنه في إطار دراسة طلب القرض، فإن المؤسسة البنكية تعمل
على تقويم القيمة الحقيقية للعقار حتى يتسنى لها معرفة التحملات التي تثقل العقار،
فإذا تبين لها وجود تعرض، خاصة إذا كان كليا، فإنها بالأساس ترفض منح القروض لطالب
التحفيظ والسيولة المالية التي قد يحتاجها لتمويل مختلف المشاريع التنموية، خاصة
إذا كان طالب التحفيظ ذاك مستثمرا.
ومن ذلك واعتبارا لكل هذه الآثار السلبية وغيرها _حيث أننا تطرقنا في بحثنا
هذا لأهمها فقط_ التي يرتبها سوء النية في المنازعات المتعلقة بمسطرة التحفيظ،
خاصة تقديم مطالب التحفيظ والتعرضات بسوء نية أو كيد أو تعسف، يجعلنا نتساءل حول
الجزاء المترتب عن ذلك، ومدى قدرته على الحد منه؟
المطلب الثاني: الجزاء المُرَتَّبُ لسوء النية في المنازعات المتعلقة
بمرحلة التحفيظ
كما هو معلوم فإنه عند
تقرير تعرضات على مطلب للتحفيظ داخل الآجال المنصوص عليها قانونا في مقتضيات قانون
التحفيظ العقاري رقم 14.07، وبعد مرور ثلاثة أشهر من إنصرام الأجل المنصوص عليه في
الفصل 23 من نفس القانون[27]، يوجه
المحافظ العقاري مطلب التحفيظ والوثائق المتعلقة به إلى المحكمة الابتدائية التي
يقع العقار بدائرتها، وذلك طبقا للفقرة الأخيرة من الفصل 32 من قانون 14.07[28].
فبعد إحالة ملف النزاع من
قبل المحافظ العقاري على المحكمة المختصة، يعين رئيس هذه الأخيرة قاضيا مقررا
يتولى تحضير القضية للبت فيها من قبل محكمة التحفيظ، ويتخذ الاجراءات الضرورية للمساعدة
في تحديد معالم النزاع المعروض عليه، ومن ذلك تعد كمرحلة كاشفة للتعرضات والمطالب
الكيدية والتعسفية والمقدمة بسوء نية.
ومتى تأكد ذلك، أمكن الحكم
بما جاء به الفصل 48 من ظهير التحفيظ العقاري المعدل والمتمم بمقتضى قانون 14.07 (الفقرة
الأولى)، إلا أن هذا الفصل تعتريه مجموعة من الإشكالات والنواقص، بالرغم من
الامتيازات التي جاء بها بهدف حماية الملكية العقارية والحفاظ على الحقوق المشروعة
(الفقرة الثانية).
الفقرة
الأولى: الجزاء المطبق على سيء النية في مرحلة التحفيظ
يعتبر الفصل 48 من
قانون 14.07 المعدل والمتمم لظهير التحفيظ العقاري الذي نص على أن: "كل طلب للتحفيظ أو تعرض عليه ثبت للمحكمة صدوره عن تعسف أو كيد أو سوء
نية يوجب ضد صاحبه غرامة لفائدة الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري
والخرائطية لا يقل مبلغها عن عشرة في المائة من قيمة العقار أو الحق المدعى به،
والكل دون المساس بحق الأطراف المتضررة في التعويض.
إن المحكمة التي أحيل عليها مطلب التحفيظ لها صلاحية الحكم تلقائيا
بالغرامة والبت، عند الاقتضاء، في طلبات التعويض"، بأنه الإطار المنظم
للجزاء المطبق على ذوي النية السيئة في مرحلة التحفيظ العقاري.[29]
حيث أن إفراد نص خاص لذلك،
يؤكد على نية المشرع للحد من حالات التعسف والكيد وسوء النية في ممارسة تقديم
مطالب التحفيظ أو الادعاء عن طريق التعرض، والتي من شأنه تفعيل وترتيب ذلك الجزاء،
هذا الأخير الذي يعد مزدوجا في طبيعته، حيث أن هناك غرامة مقدرة قانونا تدفع
لفائدة الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية (أولا)،
بالإضافة إلى إمكانية طلب التعويض من طرف المتضرر الذي أصابه ضرر من جراء ذلك
التعسف أو الكيد أو سوء النية، والذي قد يكون في الغالب الأعم المالك الحقيقي
للعقار موضوع مسطرة التحفيظ (ثانيا).
أولا:
الغرامــة كجـزاء لسـوء النيـة فـي مرحلـة التحفيـظ
انطلاقا من الفصل 48 من
ظهير التحفيظ العقاري كما عدل وتمم بقانون 14.07، نجد المشرع قد أسند للقضاء
(محكمة التحفيظ) مهمة تفعيل مقتضياته متى تبين له أن مطلب التحفيظ أو أن التعرض
يتم بسوء نية أو كيد أو تعسف، إمكانية الحكم تلقائيا بالغرامة[30] والتعويض
عند الإقتضاء.
هذا وقد حدد المشرع
المغربي الغرامة في مبلغ لا يقل عن% 10 من قيمة العقار أو الحق
المدعى به، على خلاف ما كان منصوصا عليه في القوانين السابقة، بداية من ظهير
التحفيظ العقاري لسنة 1913 الذي حددها في غرامة تتراوح بين عشرة دراهم وألف درهم،
وذلك حسب الفصل 48 منه الذي نص على أن: "كل تعرض ثبت للمحكمة صدوره عن تعسف
أو كيد أو سوء نية يوجب ضد صاحبه غرامة تتراوح بين عشرة دراهم وألف درهم بقطع
النظر عن التعويض المستحق للأطراف المتضررة".
ومرورا بظهير 25 غشت 1954 الذي حدد الغرامة فيما قدره ما بين 1000
و100.000 فرنك، حيث نص في فصله 48 على أنه: "كل من قدم طلب تحفيظ أو قدم تعرضا
ثبت للمحكمة صدوره عن تعسف أو كيد أو سوء نية يوجب ضد صاحبه غرامة قدرها ما بين
1000 و100.000 فرنك زيادة على التعويضات التي يدفعها للخصوم الذين لحقهم ضرر، وذلك
إذا ظهر أن طلب التحفيظ أو طلب التعرض قد قدما بدون مراعاة القوانين وعلى وجع
التعدي وبسوء نية".
وصولا إلى مشروع قانون التحفيظ العقاري لسنة 1997 الذي حدد تلك
الغرامة بين 5000 و50.000 درهم، حين نص في فلصه 78 على أن: "كل مطلب
لتحفيظ أو تعرض يقدم بكيفية تعسفية أو كيدية أو سوء نية يعرض صاحبه لغرامة تتراوح
بين خمسة آلاف درهم وخمسون ألف درهم تؤدى لصندوق التأمين...".
فعلى خلاف ما تم التنصيص
عليه في الفصل 78 من مشروع قانون التحفيظ العقاري لسنة 1997، التي تقر بأن الغرامة
المترتبة عن سوء النية أو التعسف أو الكيد يتم استخلاصها لفائدة صندوق التأمين
المخصص لتعويض المتضررين من آثار قرار التحفيظ أو التقييد أو التشطيب أو التصحيح،
فإن الفصل 48 من قانون 14.07 يقر بأن الغرامة المترتبة عن ذلك يتم استخلاصها
لفائدة الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية.
إلا
أن ذلك مجانب للصواب في نظرنا، فكيف للوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح
العقاري والخرائطية أن تستفيد من الغرامة المترتبة عن سوء النية في مسطرة التحفيظ
العقاري، وهي من الأساس ليست طرفا في الدعوى، ولم يحصل لها أي ضرر من خلال تقديم
مطلب للتحفيظ أو تعرض عليه بصورة كيدية أو تعسفية أو بسوء نية، بل الأكثر من ذلك
فإنه بالرجوع للقانون 58.00 القاضي بإحداث الوكالة المشار إليها أعلاه[31]، ولا سيما
المادة 11 منه[32] لا يوجد
فيها ما يفيد أن من موارد الوكالة غرامات متحصلة عن تعسف في مسطرة التحفيظ.
وبالرجوع إلى الصياغة التي
استعملها المشرع المغربي في الفصل 48 من قانون 14.07، فإنه يطرح التساؤل حول طبيعة
تلك الغرامة[33] المنصوص
عليها، في هل هي غرامة ذات طبيعة مدنية؟ أم ذات طبيعة جنائية؟
للإجابة على هذا التساؤل
سوف نقف عند آراء بعض الفقهاء والباحثين المتباينة في هذا الصدد، فقد ذهب أحد
الفقه[34] إلى كون
الغرامة المنصوص عليها في الفصل 48 من قانون 14.07 هي غرامة مدنية لكونها صادرة عن
القضاء المدني، كما اعتبر آخر[35] أن صيغة
الفصل 48 من قانون التحفيظ العقاري تكاد تكون جنائية، والمتمثلة في سوء النية إلا
أن الغرامة مع ذلك تبقى ذات طبيعة مدنية، خاصة وأن المشرع في هذا الفصل لم يعبر عن
ذلك بالقول "جريمة مطلب التحفيظ أو التعرض الصادر بتعسف أو كيد أو سوء
نية".
كما ذهب أحد الباحثين[36] إلى أن
الغرامة هي ذات طبيعة مدنية، بحيث لا يجب قراءة الفصل 48 السالف الذكر، بمعزل عن
النصوص الأخرى المجاورة له في نفس القانون، ومنها الفصل 86 مكرر الذي نص فيه صراحة
على أنه: "على المحكمة كلما ثبت لها أن طلب التقييد الاحتياطي قدم بصفة
تعسفية أو كيدية أو عن سوء نية، أن تقضي تلقائيا لفائدة الوكالة الوطنية للمحافظة
العقارية والمسح العقاري والخرائطية بغرامة مدنية لا يقل مبلغها عن عشرة في
المائة من قيمة العقار..."، ومن ذلك يتضح أن المشرع لم يترك مجالا للاختلاف
والشك حول الطبيعة المدنية للغرامة المنصوص عليها في الفصل 48 من قانون 14.07.
وقد ذهب اتجاه أخر إلى
اعتبار أن الغرامة المنصوص عليها في الفصل 48 السالف الذكر ذو طبيعة جنائية، حيث
ذهب أحد الفقه[37] إلى أن
طبيعتها الجنائية تتكرس باعتبارها أنها جزاء على خطأ متعمد، يتمثل في قيام شخص عن
سوء نية بتقديم مطلب للتحفيظ أو تعرض، وهو يعلم أنه ينازع في حق ليس له، زيادة على
أنه تستخلص بقوة القانون، ويمكن استخلاصها عن طريق الإكراه البدني.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا
الرأي قد أُسْتُخْلِصَ مع الفصل 48 من ظ.ت.ع، الذي كان ينص في فقرته الأخيرة على
إمكانية استخلاص الغرامات عن طريق الإكراه البدني ان اقتضى الحال ذلك، حيث نص على
أنه: "ويباشر استخلاص الغرامات –إن اقتضى الحال- عن طريق الإكراه
البدني طبقا لمقتضيات الفصول 672 إلى 687 من ق.م.ج[38]"، أو ظهير 25 غشت 1954 الذي كان ينص في فصله
48، خاصة فقرته الأخيرة على نفس الأمر بأنه: "ويتابع استخلاص الغرامات بطريق
الإجبار بالسجن إذا اقتضى الحال ذلك ...".
وهو ما ذهب إليه أحد الباحثين[39] إلى
اعتبار تلك الغرامة جنائية من خلال أن الفصل 48 من ظ.ت.ع الذي عدل وتمم بمقتضى
قانون 14.07 قد استعمل مصطلح "غرامة"، الذي يعد مصطلحا جنائيا
يعرف بأنه عقوبة مالية يفرضها ويقيدها القانون في مال المجرم كجزاء على جريمته.
إلا أن هناك اتجاه ثالث،
يعد موقفا وسطيا بين الاتجاهات السابقة، حيث ذهبت إحدى الباحثات[40] إلى
اعتبار أن الغرامة المحددة في إطار الفصل 48 من ظ.ت.ع لا ينطبق عليها بشكل تام
تعريف الغرامة المدنية، وذلك نتيجة تدخل مقتضيات جنائية في طبيعتها أي ما أحال
عليه المشرع في الفصول من 633 إلى 647 من ق.م.ج الجديد، وكذلك لا يمكن أن نعتبرها
جنائية على أساس أن هناك هيئة مدنية هي من أصدرت هذه الغرامة، وبالتالي فهي تقع
بين منزلتين أي أنها غرامة مدنية وجنائية في آن واحد، يمكن أن تسمى غرامة شبه
مدنية.
وما تجدر الإشارة إليه أن جل الكتابات تدور حول ظ.ت.ع القديم، إلا أنه في نظرنا أن الإتجاه الأقرب للصواب هو الاتجاه الأول القائل بأن طبيعة الغرامة المنصوص عليها في الفصل 48 من قانون 14.07 ذات طبيعة مدنية محضة، وذلك على اعتبار أنها صادرة عن القضاء المدني (محكمة التحفيظ التي يقع العقار بدائرتها)، إضافة إلى أن المشرع اعتبر ارتكاب سوء النية أو التعسف أو الكيد من طرف طالب التحفيظ أو المتعرض يقيم المسؤولية المدنية، حيث أنه لو اعتبرها جنائية لأقر لها عقوبات سالبة للحرية، بحكم المفاهيم الواسعة التي اعتمدها "التعسف، الكيد، سوء النية" التي تحتمل تزوير الوثائق وغيرها.
ثانيا:
التعويــض كجـزاء لسـوء النيـة فـي مرحلـة التحفيـظ
بالرجوع للفصل 48 من
قانون التحفيظ العقاري رقم 14.07، نجده قد أقر إضافة إلى الغرامة كجزاء لسوء النية
في مرحلة التحفيظ إمكانية المطالبة بالتعويض من طرف المتضرر من ذلك، بحيث نص على
أن: "كل طلب للتحفيظ أو تعرض عليه ثبت للمحكمة صدوره عن تعسف أو كيد أو سوء
نية ...، والكل دون المساس بحق الأطراف المتضررة في التعويض.
إن
المحكمة التي أحيل عليها مطلب التحفيظ لها صلاحية الحكم تلقائيا بالغرامة والبت،
عند الاقتضاء، في طلبات التعويض".
واعتبارا كذلك بأن
المسؤولية في إطار الميدان المدني هي المؤاخذة عن الأخطاء التي تضر بالغير، وذلك
بإلزام المخطئ بأداء التعويض للطرف المتضرر وفقا للطريقة والحجم الذي يحددهما
القانون.[41]
فإذا كان المشرع قد حسم
الأمر في المحكمة المكلفة بالحكم بالغرامة ولو تلقائيا مع إمكانية حكمها في طلبات
التعويض عند المطالبة بذلك من قبل الأطراف المتضررة، فإن التساؤل المطروح في هذا
الصدد هو في مدى إمكانية مطالبة المتضرر بالتعويض أمام محكمة أخرى غير محكمة
التحفيظ؟
كجواب على هذا التساؤل، يرى أحد الفقه[42]
بأن المتضرر من مطلب التحفيظ أو التعرض عليه الذي ثبت أنه بسوء نية، له الخيار بين
أن يطالب بالتعويض إما أمام المحكمة المحال عليها مطلب التحفيظ في نفس الوقت الذي
تبت فيه بشأن التعرضات طبقا للفصل 48 من ظ.ت.ع كما غير وتمم، أو أن ينتظر إلى أن
تصدر هذه المحكمة حكمها أو قرارها فقط بخصوص ادعاءات المتعرض أو المتعرضين، وعندما
يكتسب المقرر قوة الشيء المقضي به يطالب بالتعويض أمام القضاء المدني في إطار دعوى
شخصية عقارية.
وقد اعتبر أن طلب التعويض
الوارد في الفصل 48 من ظ.ت.ع يعتبر من الدعاوى الشخصية العقارية، والتي يرجع
الاختصاص فيها للمحكمة المدنية إلى جانب محكمة التحفيظ التي لها إمكانية البت في
الموضوع، لتوفرها على جميع الآليات والوسائل التي من خلالها تقدر نوعية التعرض،
أهو تعرض كيدي أم جدي.
إلا أن هناك من ذهب إلى
وجوب اقتصار البت في التعويض من طرف محكمة التحفيظ فقط، فحسب أحد الباحثين[43] فيرى أنه
كان على المشرع التنصيص صراحة على انعقاد الاختصاص حصريا إلى محكمة التحفيظ في
طلبات التعويض عن التعسف في مسطرة التحفيظ، لأنها تملك جميع العناصر القانونية
والواقعية لتقدير وجود الطابع التعسفي في مطلب التحفيظ أو التعرض عليه.
وفي نظرنا أن الإتجاه
الأقرب للصواب هو الاتجاه الأول، على اعتبار أن للمحاكم المدنية الأخرى من غير
محكمة التحفيظ السلطة التقديرية في تقرير التعويض للمتضرر، حيث لا تحكم بذلك إلا
بعد ثبوت أركان المسؤولية المترتبة عن الضرر الذي أصاب الغير بسبب سوء نية طالب
التحفيظ أو المتعرض عليه من ضرر وخطأ وعلاقة سببية بينهما.
وما يمكن التساؤل حوله في هذا الصدد مدى
إمكانية الحكم بالغرامة دون تعويضات، أو تعويضات بدون غرامة عند إصدار العقوبة
المقررة في الفصل 48 من قانون 14.07؟
بالرجوع إلى الفصل 48 من
ظ.ت.ع المعدل والمتمم بقانون 14.07، نجده ينص بالإضافة إلى الغرامة على إمكانية
التعويض، حيث تنص الفقرة الثانية منه على ما يلي: "إن المحكمة التي أحيل
عليها مطلب التحفيظ لها صلاحية الحكم تلقائيا بالغرامة والبت، عند الاقتضاء، في
طلبات التعويض".
ومن ذلك فإنه بمجرد ثبوت
سوء النية أو الكيد أو التعسف لدى طالب التحفيظ أو المتعرض عليه، فإن المحكمة التي
يعرض عليها النزاع تبت تلقائيا بالغرامة لفائدة الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية
والمسح العقاري والخرائطية، إلا أن التعويض لا يمكن أن تحكم به المحكمة إلا عند
مطالبة المتضرر بذلك.
وبالتالي كجواب على
التساؤل المطروح، فإنه يمكن الحكم بالغرامة دون تعويضات، لكن لا يمكن الحكم
بالتعويضات دون الغرامة.
وإذا كان المشرع قد قام
بالزيادة في الغرامة مقارنة بما كان عليه الأمر في ظ.ت.ع والظهائر المعدلة له
كذلك، ومنح أهمية كبيرة للموضوع بمنحه للقضاء إمكانية البت تلقائيا في الجزاء
المقرر لذلك، وكل ذلك من أجل التصدي لسوء النية
في مرحلة التحفيظ طبقا للفصل 48 السالف الذكر، إلا أنه يعرف محدودية كبيرة
في التطبيق، وهو ما سنعالجه في الفقرة الموالية.
الفقرة
الثانية: محدودية الفصل 48 في زجر سوء النية بمرحلة التحفيظ
إن المحكمة متى تولدت
لديها قناعة بأن مطلبا ما للتحفيظ أو تعرضا عليه جاء كيديا أو تعسفيا أو صادرا عن
سوء نية، فيجب أن لا تتوانى لحظة في توقيع الجزاء الذي نص عليه الفصل 48 من قانون
14.07، وذلك حتى لا يتخذ بعض الأشخاص من مسطرة التحفيظ وسيلة لمساومة الآخرين،
والمضاربة على جهلهم وحاجتهم.
فقد لا يصبح للفصل 48
السالف الذكر أي جدوى مادام القضاء غالبا ما لا يقرر الجزاء ويطبقه (أولا)،
هذا الأخير الذي يمكن أن يعتبر مساهما هو الأخر في محدوديته في زجر الأشخاص ذوي
النية السيئة من خلال قيمة تلك الجزاءات لتعتبر غير رادعة (ثانيا).
أولا: عدم تفعيل
القضاء لمقتضيات الفصل 48 من قانون 14.07
إن القاعدة القانونية
تخضع للجمود والسكون ما لم تقترن بالتطبيق القضائي، أي أن القضاء هو الذي يبث
الروح في القاعدة القانونية ويخرجها إلى الحيز الواقعي من خلال التطبيق السليم
لها.
إلا أن الواقع العملي قد
أبان بأن تطبيق مقتضيات الفصل 48 من قانون 14.07 من طرف القضاء المغربي، والتصريح
تبعا لذلك بكون التعرض أو مطلب التحفيظ كيدي أو بسوء نية يظل أمرا مستبعدا، بمعنى
أنه لو تم الحكم بكون التعرض غير صحيح، فهذا يعني بالضرورة أن مطلب التحفيظ جدي
وأن طلب التعرض كيدي والعكس صحيح، لكن وبالرجوع إلى الأحكام القضائية في هذا الصدد
نجدها تكتفي فقط بالقول بصحة التعرض أو عدم صحته دون تقرير الغرامة ولو حتى
التعويض.
فكمثال على ذلك في مجال التعرضات بسوء نية:
هناك حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بمكناس[44]
الذي جاء في حيثياته أن المتعرض قد قدم تعرضا كليا ضد مطلب تحفيظ.
مع أن طالبة التحفيظ قد
أسست مطلبها على حيازة العقار المدعى فيه بشهادة إدارية، مع عدم إدلاء المتعرض بما
ينف هذه الحيازة عنها ويثبت خلاف ذلك، بالإضافة إلى استدلاله بحجج لا علاقة له بها
وتفتقر لشروط الملك شرعا وقانونا، وبالتالي ليس هناك ما يثبت أحقية الطرف المتعرض
في الحقوق المزعومة من طرفه، الأمر الذي يجعل هذا التعرض غير مرتكز على أساس
قانوني سليم، ومن ذلك يتضح سوء نيته، إلا أن المحكمة قضت بعدم صحة التعرض الكلي
المقدم منه وتحميله لمصاريف تعرضه فقط.
كما أن هناك حكما أخر عن
نفس المحكمة الابتدائية بمكناس[45]، والذي
جاء فيه بأن متعرضة قد قدمت تعرضها ضد مطلب التحفيظ، وقد أسسته على حقها في ممارسة
حق الشفعة الواجب المشاع الذي اشتراه شخص أخر من شريكها، لكنها لم تدلي بما يفيد
استشفاعها للواجب المذكور، أو قيامها بأي إجراء ما من إجراءات الشفعة، الأمر الذي
يبقى معه تعرضها غير مؤسس، ومن ذلك أيضا يتضح سوء نيتها إلا أن المحكمة قضت بعدم
صحة التعرض المقدم منها وتحميلها لمصاريف تعرضها فقط.
أما بالنسبة لمطالب
التحفيظ بسوء النية: فقد جاء في حكم لإبتدائية مكناس[46] بأنه قدم
تعرض من طرف متعرضين في حدود حقوق مشاعة على تحفيظ الملك موضوع مطلب التحفيظ، حيث
أنهم أثبتوا شراء ذلك الجزء المشاع المطالب به، وتأكدت المحكمة من ذلك واعتبرته
تعرضا مؤسسا من الناحية القانونية، ومع وضوح سوء نية طالبي التحفيظ، إلا أنها قضت
بصحة ذلك التعرض في حدود مناب كل واحد منهم مع تحميل طالبي التحفيظ لمصاريف التعرض
فقط.
فإذا كان ما تم ذكره يتعلق
بالأساس بتقديم حجج لا علاقة لها بما هو مطالب به، أو أن ذلك الطرف لا ينازع فيما
أدلاه الطرف الأخر، فإنه يمكن أن يكون أكثر من ذلك حين يتناقض أحد أطراف النزاع في
أقواله واثباتاته، أو عدم إدلائه بأي وثيقة أو حجة تأكد تعرضه، مما يبين بشكل واضح
سوء نيته إلا أن المحكمة تكتفي أيضا بعدم صحة ذلك التعرض فقط، دون تقرير عقوبات
الفصل 48 من قانون 14.07.
ففي ما يتعلق بتناقض أحد
أطراف النزاع بين أقواله وإثباتاته، نجد الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية بوجدة
قضى بما يلي: "عدم صحة التعرض المضمن بكناش..... ضد مطلب التحفيظ
رقم...."، فقط مع أنه بالرجوع إلى حيثيات الحكم نلاحظ أن المتعرض قد
قدم تعرضه ضد مطلب التحفيظ ويطالب ببقعة أرضية مساحتها أكبر من مساحة طالب
التحفيظ، مع أن له عقد الشراء يتضمن مساحة أقل من المساحة المصرح بها من قبل طالب
التحفيظ.[47]
أما فيما يتعلق بعدم تقديم أي حجة أو دليل لإثبات ما يدعيه المتعرض،
فقد جاء في حكم للمحكمة الابتدائية بمكناس[48]
ما يلي: "وحيث أن المتعرضين في نازلة الحال لم يدليا بأية وثيقة لإثبات
ملكيتهما للملك موضوع مطلب التحفيظ، الأمر الذي يبقى معه تعرضهما غير مؤسس ويتعين
التصريح بعدم صحته.
وحيث يتعين تحميل
المتعرضان مصاريف التعرض".
وفي هذا الصدد نتساءل عن مدى اعتبار تنازل المتعرض عن تعرضه أثناء
سريان الدعوى أمام القضاء تكريسا لسوء نيته؟ ومدى اعتمادها ضده للحكم بالعقوبات
المقررة بالفصل 48 من قانون 14.07؟
كجواب على التساؤل
المطروح، ففي حكم لإبتدائية مكناس[49] جاء في
حيثياته ما يلي: "وحيث إنه بتنازل المتعرضين عن تعرضهما حسب التنازلين
الصادرين عنهما المذكورين أعلاه، يكون النزاع القائم بين الطرفين قد انتفى
بالتنازل عنه ويتعين الإشهاد عليهما بذلك".
يتبين من خلال الحكم أن المحكمة تطبق الفصل 37 من قانون التحفيظ العقاري،
لكن إذا نظرنا له من ناحية حسن النية فيكون تنازلا لتفادي طول النزاع القائم بين
الطرفين، لكن إذا نظرنا له من ناحية سوء النية فيكون هذا التنازل بمثابة تهرب من
المسؤولية المتعلقة بسوء النية أو الكيد أو التعسف المفتعل من طرف المتعرض،
ليُقِرَّ الفصل 37 من نفس القانون ثغرة أخرى لذوي النيات السيئة بقيام الأفراد
بابتزاز طالبي التحفيظ عن طريق التعرض، والتأثير سلبا عليه بذلك، ثم التنازل عن
ذلك التعرض طبقا للفصل المذكور.
فمن خلال هذه الأحكام
القضائية، نرى أنه كان على المحكمة وهي بصدد دراسة هذه النزاعات أن تقف عند عنصر
الكيد وسوء النية والتعسف، والمتمثلة في كذب المتعرض في مزاعمه وعدم ادلائه بها في
الأصل وغيرها...، وأن تقرر العقوبات المنصوص عليها في الفصل 48 من ق.ت.ع رقم
14.07، بدل اكتفائها بالتصريح بعدم صحة التعرض أو صحته فقط.
وقد اتضح لنا من خلال
البحث في الأحكام القضائية، إلى أن الأحكام المتضمنة لجزاءات الفصل 48 من قانون
14.07 تعد نادرة في العمل القضائي المغربي، حيث تحسب على رؤوس الأصابع فغالبا ما
يكتفي القضاء بتقرير عدم صحة التعرض أو صحته دون تقرير الغرامة أو التعويض.
حيث رفضت المحكمة
الابتدائية بوجدة الاستجابة لطلب التعويض المقدر ب 50.000 درهم، والذي أثاره طالب
التحفيظ، بعلة أنه لم يثبت صدور التعرض عن تعسف أو تكدير أو سوء نية، وفقا للفصل
48 من ظهير التحفيظ العقاري، بالرغم من أن طالب التحفيظ أثار أن المتعرض لم يدل
بأي حجة تعضد تعرضه، مما ينطوي على إضرار به ناتج عن عرقلة مسطرة التحفيظ، غير أن
المحكمة ردت طلبه بعلة أن تعذر الإثبات لا يعني بالضرورة تعسفه أو سوء نيته.
إذ جاء في حيثيات حكم هذه
المحكمة[50] ما يلي: "وحيث
إن المتعرض تخلف عن الحضور رغم التوصل لجلسة 09/04/2008 حسب شهادة التسليم المدرجة
في الملف، وحيث إن المتعرض لم يعزز تعرضه بأية حجة.
وحيث إن طالب التحفيظ لم
يدل بما يثبت صدور التعرض عن تعسف أو تكدير أو سوء نية طبق الفصل 48 من ظهير
التحفيظ العقاري حتى يكون لطلب التعويض محل على اعتبار أن تعذر الإثبات على
المتعرض لا يعني بالضرورة تعسفه أو سوء نيته".
وقد قام طالب التحفيظ باستئناف الحكم الابتدائي مؤسسا استئنافه على أن
المستأنف عليه لم يعزز تعرضه بأية حجة، وكان هدفه عرقلة مسطرة التحفيظ، مما يبقي
التعرض الذي قدمه المتعرض تعسفيا، وأن الحكم المستأنف لم يقض له بالتعويض ولم يعلل
تعليلا كافيا، وبذلك وجب إلغاؤه والتصدي للحكم من جديد بإلزام المستأنف عليه بأداء
مبلغ 50.000 درهم كتعويض عن تعرضه التعسفي، غير أن محكمة الاستئناف هي الأخرى ردت
كل مطاعن المستأنف وأيدت الحكم المستأنف.[51]
ففي إطار هذا الحكم يمكن
اعتبار أن المحكمة تحاول التملص من اختصاصها القانوني الذي يعطي لها الصلاحية
للحكم بالتعويض والغرامة في حالة تعسف المتعرض في تعرضه، باعتبار أنها هي التي
تملك كل العناصر لاستنتاج ذلك التعسف، وبالتالي عليها توقيع العقاب لزجره والحد
منه.
ومن خلال ذلك يتبين بجلاء
عدم جرأة القضاء المغربي في إصدار أحكام قضائية تفعل مقتضيات الفصل 48 من قانون
14.07، وتبث الروح في القاعدة القانونية التي جاء بها المشرع من أجل الحد من سوء
النية في مسطرة التحفيظ، مما يعد حاجزا للوصول إلى مبتغى المشرع ومعه مصالح
المجتمع.
ثانيا: قيمة الغرامة
كحاجز في زجر سوء النية بمسطرة التحفيظ
اعتبارا بأن الغرامة في
الفصل 48 من قانون 14.07 هي وسيلة عقابية تحكم بها محكمة التحفيظ لفائدة الوكالة
الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية ضد طالب التحفيظ أو المتعرض
عليه، وذلك نظير تعسفه أو كيده أو سوء نيته من أجل ردعه وزجر ذلك التعسف أو الكيد
أو سوء النية والحد منه.
إلا أن هذه الغرامة قد لا
تكون كافية لردع ذوي النيات السيئة، خاصة في ظهير التحفيظ العقاري لسنة 1913 في
فصله 48 الذي قدر الغرامة بين 10 دراهم و1000 درهم، وكذلك ظهير 25 غشت 1954 الذي
حدد الغرامة في فصله 48 في مقدار بين 1000 و100.000 فرنك، بالإضافة إلى مشروع
التحفيظ العقاري لسنة 1997 في فصله 78 الذي قدرها بين 5000 و 50.000 درهم.
واعتبارا لموقف المشرع إزاء ثبوت التعسف
والكيد في إثارة مطالب التحفيظ والتعرض عليها، فإنه قد كان يطبعه الكثير من
المرونة والتساهل، هذه المرونة تجلت أساسا على مستوى مقدار الغرامة التي أقرها،
والتي من شأنها أن تثني ذوي النيات السيئة عن إثارة المزيد من التعرضات المفتقدة
لأي أساس، فهي غرامات هزيلة وبسيطة بالنظر لقيمة تلك العقارات المعرضة لذلك.
وهو ما استشعر به المشرع
المغربي ببساطتها ومحدودية فعاليتها في التصدي لمطالب التحفيظ والتعرضات المثارة
بسوء نية، مما جعله يعيد النظر في مقدار تلك الغرامة، حيث قام بالزيادة فيها
وجعلها مقدرة ب %10 من قيمة العقار أو الحق المدعى به حسب الفصل 48 من قانون
14.07.
إلا
أن ذلك لم ولن يحقق النتيجة المرجوة، مما يجعل من الضرورة تعديل مقتضيات هذا الفصل
المذكور، وذلك من أجل الأخذ بعين الاعتبار التمييز بين الأشخاص الذاتيين والمعنويين
من جهة، والرفع من قيمتها من جهة ثانية، باعتبارها غير كافية لردع ذوي النيات
السيئة، بل وأكثر من ذلك وجوب استتباع تلك الغرامة بعقوبة سالبة للحرية بالنسبة
للأشخاص الذاتيين، وإقرار عقوبات أخرى كنشر الحكم بالإدانة أو الإغلاق المؤقت أو
النهائي بالنسبة للأشخاص المعنويين.
بحيث أنه رغم زيادة المشرع المغربي في مقدار تلك الغرامة وتحديدها في %10 من قيمة
العقار أو الحق المدعى به، إلا أنها تبقى غرامة لن تحقق المبتغى الذي من أجله
وضعها المشرع، وهو ردع وزجر كل طالب تحفيظ أو متعرض عليه سولت له نفسه ارتكاب سوء
النية أو الكيد أو التعسف.
فأمام ذلك ننتظر ردة فعل من المشرع في الرفع من قيمة تلك الغرامة، أو على
الأقل منح الوكالة الوطنية
للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية الحق الشخصي في المطالبة بتقرير تلك
الغرامة في حق من ارتكب تلك الأفعال الواردة في الفصل 48 السالف الذكر، خاصة في
حالة عدم الحكم بذلك من طرف المحكمة عند بتها في الموضوع (أي في الحالة التي تحكم
في القضية بصحة التعرض أو عدم صحته فقط ما دام قد أقر لها الاستفادة من تلك
الغرامة).
خاتمة
خلاصة القول أن لنظام
التحفيظ أهمية بالغة في أي تنمية اقتصادية، إلا أنه لازال في حاجة ماسة إلى الكثير
من الاصلاحات حتى يواكب التطورات الاقتصادية والاجتماعية، حماية للملكية العقارية
باعتبارها حقا دستوريا، خاصة وأن ذوي النيات السيئة سواء في مرحلة التحفيظ يسعون
إلى الإضرار بحقوق الغير مما يؤثر سلبا كذلك على الدور التنموي لذلك العقار موضوع
النزاع.
وعلى امتداد هذا البحث
فقد تناولنا تأثير سوء النية على الاستثمار والتنمية الاقتصادية والاجتماعية في المرحلة
التأسيسية للرسم العقاري وتحفيظ ذلك العقار، وآثارها من خلال الجزاءات المترتبة عن
تلك النية السيئة، مع التطرق لمختلف وأهم الاشكالات التي يثيرها الموضوع مستعينين
في ذلك بالأراء الفقهية والتوجهات القضائية.
وختاما، نطرح بعض
المقترحات المتوصل إليها تعزيزا لتلك الحماية التي أقرها المشرع والقضاء، وحدا من
بعض الاشكالات المثارة ومنها:
v تفعيل مقتضيات الفصل
48 من قانون التحفيظ العقاري من قبل القضاء، وذلك بحكمة وعقلانية من أجل تحصين
نظام التحفيظ العقاري ضد كل سوء نية أو تعسف أو كيد، وجعله تطبيقا عمليا وليس حبرا
على ورق فقط.
v إعادة النظر في مقتضيات الفصل 37 من قانون
14.07، بشكل يمنح للقضاء إمكانية الفصل ما بين المتعرضين، وكذا النظر في حجج طالب
التحفيظ، لأنه لا يعقل أن يحكم القاضي بسوء نية طالب التحفيظ ما دام غير مؤهل
للنظر في حججه.
v منح المحافظ العقاري
إمكانية المطالبة بالغرامة المقررة عند ثبوت سوء النية أو الكيد أو التعسف في
مرحلتي التحفيظ أو التقييد، وذلك لفائدة الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية، ما
دام قد تأكد للمحكمة ذلك ولم تحكم بذلك الجزاء، ولم تنفذه في حق ذوي النية السيئة.
v مراجعة وتحديث
الترسانة القانونية وفق رؤية مركبة وشمولية ومندمجة، مع ضرورة إعادة النظر في هذا
التضخم التشريعي الذي تعرفه المادة العقارية، من أجل الحد منه حفاظا على استقرار
المعاملات وتحقيق الأمن القانوني.
قائمة
المصادر والمراجع
v
القرآن الكريم
الكتب:
v
أحمد ادريوس: أصول نظام التحفيظ "بحث في مصادره المادية والرسمية وفي توجيه
الفقهاء لنظر الشرع الاسلامي عليه"، الطبعة الأولى، مطبعة الأمنية- الرباط،
2003.
v
إدريس الفاخوري: الحقوق العينية وفق قانون 39.08، سلسلة المعارف القانونية والقضائية،
دار نشر المعرفة، 2013.
v
إدريس الفاخوري: نظام التحفيظ العقاري وفق مستجدات القانون 14.07، مطبعة
المعارف الجديدة- الرباط، طبعة 2015.
v
المختار بن أحمد عطار: التحفيظ العقاري في
ضوء التشريع المغربي، الطبعة الثانية، مطبعة النجاح الجديدة- الدار البيضاء، 2016.
v
عبد القادر العرعاري: مصادر الإلتزامات "الكتاب الثاني المسؤولية المدنية"،
الطبعة الثالثة، دار الأمان- الرباط، 2011.
v
عبد الكريم شهبون: الشافي في شرح قانون التحفيظ العقاري الجديد رقم 14.07، الطبعة
الأولى، مكتبة الرشاد سطات، 2014.
v
محمد مهدي الجم: التحفيظ العقاري في المغرب، الطبعة الثانية، مكتبة الطالب-
الرباط، 1980.
v
محمد بونبات: نظام التحفيظ العقاري "دراسة في القوانين المرتبطة بنظام
التحفيظ العقاري بالمغرب"، المطبعة والوراقة الوطنية- مراكش، 2004.
v
محمد خيري: مستجدات قضايا التحفيظ العقاري في التشريع المغربي، منشورات المعارف،
طبعة 2013.
v
يونس الزهري: الحجز التنفيذي على العقار في
القانون المغربي، الجزء الثاني، الطبعة الأولى، المطبعة والوراقة الوطنية- مراكش،
2007.
الرسائل:
v
الضحى رباب: الدعاوى الكيدية في قضايا التحفيظ العقاري، رسالة لنيل دبلوم الماستر
في قانون الدراسات العقارية والتعمير، جامعة الحسن الأول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية
والاجتماعية سطات، السنة الجامعية: 2013/2014.
v
حفيظة البشيري: سوء النية وآثاره على التقييد
بالسجل العقاري، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، جامعة محمد الأول،
كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية وجدة، السنة الجامعية: 2016/2017.
v
حليمة قيلش: المساطر الجماعية للتحفيظ ودورها
في تعميم نظام التحفيظ العقاري، رسالة لنيل دبلوم الدراسات المعمقة في القانون
الخاص، جامعة محمد الأول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية وجدة،
السنة الجامعية: 2006/2007.
v
رشيد الفيداح: الادعاء بسوء نية في قضايا
التحفيظ وفق مستجدات القانون رقم 14.07، رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون
الخاص، جامعة محمد الأول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية وجدة،
السنة الجامعية: 2012/2013.
المقالات:
v
محمد ناجي شعيب: سلطات واختصاصات قاضي
التحفيظ العقاري، المجلة المغربية للإقتصاد والقانون، العدد 8، أكتوبر 2003.
v
ليلى بشواري: دور القضاء في الحد من التعرضات الكيدية، مجلة القانون المدني،
العدد الثاني، مطبعة الأمنية- الرباط، 2015.
v ياسين فردي: أثر الجزاءات المقررة في الفصل 48 من ظهير التحفيظ العقاري في الحد من التعسف في مسطرة التحفيظ، منشور بمجلة المناظرة، العدد 21، مطبعة النجاح الجديدة- الدار البيضاء، شتنبر 2018.
الأيام الدراسية والندوات:
v
أحمد لمريني: وضعية الهياكل والأنظمة
العقارية الفلاحية بالمغرب، مداخلة في إطار ندوة الأنظمة العقارية بالمغرب،
المنظمة من قبل مركز الدراسات القانونية والمدنية والعقارية بكلية الحقوق مراكش،
يومي 5 و6 أبريل 2002، الطبعة الأولى، المطبعة الوطنية بمراكش، 2003.
النصوص
القانونية:
v الدستور المغربي لسنة 2011، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.91،
بتاريخ 29 يوليوز 2011 (27 شعبان 1432)، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر،
الصادر بتاريخ 30 يوليوز 2011 (28 شعبان 1432).
v الظهير الشريف المتعلق بالتحفيظ
العقاري الصادر بتاريخ 12 غشت 1913 (9 رمضان 1331).
v
ظهير التشريع المطبق على العقارات المحفظة، الصادر بتاريخ 2 يونيو 1915 (19
رجب 1333)، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 109- 110، بتاريخ 8 يونيو 1915 (24 رجب
1333).
v
ظهير ضم الأراضي الفلاحية، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.62.105، بتاريخ 30 يونيو 1962
(27 محرم 1382)، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 2595، بتاريخ 20 يوليوز 1962.
v
القانون رقم 14.07 المتعلق بالتحفيظ العقاري، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف
رقم 1.1.177، بتاريخ 22 نونبر 2011 (25 ذي الحجة 1432)، منشور بالجريدة الرسمية عدد
5998، بتاريخ 24 نونبر 2011 (27 ذي الحجة 1432).
v
قانون 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية،
الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.02.255، بتاريخ 3 أكتوبر 2002 (25 رجب 1423)،
المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5078، بتاريخ 30 يناير 2003 (27 ذي القعدة 1423).
v
قانون رقم 58.00 المتعلق بإحداث الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية، الصادر
بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.02.125، بتاريخ 13 يونيو 2002 (فاتح ربيع الثاني
1423)، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5032، بتاريخ
22 أغسطس 2002 (13 جمادى الثانية 1423).
v
قانون رقم 25.90 المتعلق بالتجزئات العقارية
والمجموعات السكنية، الصادر بتنفيذه
الظهير الشريف رقم 1.92.7، بتاريخ 17 يونيو 1992 (15 ذي الحجة 1412)، المنشور
بالجريدة الرسمية عدد 4159، بتاريخ 15 يوليوز 1992.
مراجع
باللغة الفرنسية:
v Jacques Caillé: La
procédure judiciaires d’immatriculation foncier ou Maroc, ED: Librairie
générale de droit et de jurisprudence.
[1] - إدريس
الفاخوري: نظام التحفيظ العقاري وفق مستجدات القانون 14.07، مطبعة المعارف الجديدة-
الرباط، طبعة 2015، ص:3.
[2] - سورة طه، الآية: 55.
- وقوله عز وجل: "قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ
وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ (24) قَالَ فِيهَا
تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ (25)"، سورة الأعراف:
الآيتان: 24-25.
[3] - الظهير الشريف المتعلق بالتحفيظ العقاري الصادر
بتاريخ 12 غشت 1913 (9 رمضان 1331).
[4] - القانون رقم 14.07
المتعلق بالتحفيظ العقاري، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.1.177، بتاريخ 22
نونبر 2011 (25 ذي الحجة 1432)، منشور بالجريدة الرسمية عدد 5998، بتاريخ 24 نونبر
2011 (27 ذي الحجة 1432)، ص:5575.
[5] - للتفصيل في ذلك أكثر:
يرجى الاطلاع على مرجع، إدريس الفاخوري: نظلم التحفيظ العقاري، مرجع سابق، ص:13
وما يليها.
-
المختار بن أحمد عطار: التحفيظ العقاري في ضوء التشريع المغربي، الطبعة الثانية، مطبعة
النجاح الجديدة- الدار البيضاء، 2016، ص:69.
[6] - حفيظة
البشيري: سوء النية وآثاره على التقييد بالسجل العقاري، رسالة لنيل دبلوم الماستر في
القانون الخاص، جامعة محمد الأول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية وجدة،
السنة الجامعية: 2016/2017، ص:13.
[7] - الدستور المغربي لسنة
2011، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.91، بتاريخ 29 يوليوز 2011 (27 شعبان
1432)، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر، الصادر بتاريخ 30 يوليوز 2011 (28
شعبان 1432)، ص:3600.
-
ينص الفصل 35 من الدستور المغربي على أنه: "يضمن القانون حق الملكية...".
[8] - أحمد ادريوس: أصول نظام
التحفيظ "بحث في مصادره المادية والرسمية وفي توجيه الفقهاء لنظر الشرع الاسلامي
عليه"، الطبعة الأولى، مطبعة الأمنية- الرباط، 2003، ص: 88- 89.
[9] - نظام الإشهار العقاري
أو الشهر العقاري: يقوم على نظامين وهما: نظام الشهر الشخصي، وهناك نظام
الشهر العيني الذي يعتمد عليه المشرع العقاري المغربي، وهو ذلك النظام الذي
يقوم على شهر التصرفات العقارية وفقا للعقارات وليس وفقا لملاكيها أو اصحاب الحقوق
العينية عليها عكس نظام الشهر الشخصي.
_ عبد الكريم شهبون:
الشافي في شرح قانون التحفيظ العقاري الجديد رقم 14.07، الطبعة الأولى، مكتبة الرشاد
سطات، 2014، ص: 37- 38.
[10] - محمد
بونبات: نظام التحفيظ العقاري "دراسة في القوانين المرتبطة بنظام التحفيظ العقاري
بالمغرب"، المطبعة والوراقة الوطنية- مراكش، 2004، ص: 6.
[11] - إدريس الفاخوري، نظام
التحفيظ العقاري...، م.س، ص:13- 14.
[12] - القانون رقم 25.90 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية،
الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم
1.92.7، بتاريخ 17 يونيو 1992 (15 ذي الحجة 1412)، المنشور بالجريدة الرسمية عدد
4159، بتاريخ 15/07/1992، ص: 880.
[13] - الضحى رباب: الدعاوى الكيدية في قضايا
التحفيظ العقاري، رسالة لنيل دبلوم الماستر في قانون الدراسات العقارية والتعمير، جامعة
الحسن الأول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية سطات، السنة الجامعية:
2013/2014، ص: 60.
[14] - أحمد لمريني: وضعية الهياكل
والأنظمة العقارية الفلاحية بالمغرب، مداخلة في إطار ندوة الأنظمة العقارية بالمغرب،
المنظمة من قبل مركز الدراسات القانونية والمدنية والعقارية بكلية الحقوق مراكش، يومي
5 و6 أبريل 2002،الطبعة الأولى، المطبعة الوطنية بمراكش، 2003، ص:103.
[15] - حليمة قيلش: المساطر الجماعية
للتحفيظ ودورها في تعميم نظام التحفيظ العقاري، رسالة لنيل دبلوم الدراسات المعمقة
في القانون الخاص، جامعة محمد الأول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية
وجدة، السنة الجامعية: 2006/2007، ص: 49.
[16] - قانون ضم الأراضي
الفلاحية، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.62.105، بتاريخ 30 يونيو 1962 (27 محرم 1382)، الجريدة الرسمية عدد 2595، بتاريخ
20/07/1962، ص: 1705.
[17] - ومثالا للتعرضات الاستثنائية في الميدان
السكني، فقد وقعت هذه الحالة في إحدى القضايا التي عرضت على القضاء حيث إن شخصين
اشتريا قطعة أرضية، وقدما مطلبا لتحفيظها، وتمت إجراءات التحفيظ بعد أن أودعا
وثائقهما القانونية وأديا واجبات التحفيظ، وتمت عملية التحديد وتم نشر الإعلان،
ومر على تاريخ النشر المذكورين أجل شهرين دون أن يتقدم أي تعرض على مطلبهما، وبعد
إغلاق باب التعرض تسلما من المحافظ على الأملاك العقارية شهادة بعدم وجود أي تعرض
على مطلب التحفيظ، وبواسطة هذه الشهادة حصلا على رخصة من المصالح المعنية من أجل
إنجاز مشروع للسكن الاقتصادي في إطار برنامج 200.000 سكن، وبعد أن شرعا في أشغال
البناء، وأوشكا على إنجاز المشروع فوجئا برسالة من المحافظ على الأملاك العقارية،
تخبرهما بتسجيل تعرض على مطلب تحفيظهما، وذلك بعد مرور أزيد من ثلاث سنوات من
إغلاق باب التعرضات، مبررا قبوله لهذا التعرض بكونه داخلا في إطار الصلاحيات
المخولة له بمقتضى الفصل 29 من ظهير التحفيظ لعقاري.
ورغم أن المحكمة الإدارية
ألغت القرار، فإنه أثر بشكل كبير على إنجاز الأشغال التي توقفت من تاريخ التوصل
بقرار قبول التعرض، لأنه لا يمكن إحداث تجزئة عقارية على عقار في طور التحفيظ مسجل
على مطلب تحفيظه تعرضات، لأن وضعية العقار غير مستقرة، وبذلك أثرت سلبا على الدور
التنموي لذلك العقار.
- حكم للمحكمة الإدارية بفاس، رقم 558/2002، صادر بتاريخ 23/7/2002، ملف
عقاري عدد 49/2002 (غير منشور).
[18] - من خطاب الملك الراحل
الحسن الثاني بتاريخ 10 شعبان 1392 الموافق ل 19 شتنبر 1972، بمناسبة إعلان الثورة
الزراعية، الجزء 17، مطبوعات القصر الملكي 1972.
[19] - فيعرف الرهن الرسمي
حسب المادة 165 من مدونة الحقوق العينية رقم 39.08 بأن: "الرهن الرسمي حق عيني تبعي يتقرر على ملك محفظ أو في طور التحفيظ
ويخصص لضمان أداء دين"، والذي نظمه المشرع المغربي في المواد من 165 إلى 213 من نفس المدونة.
- وعرفه الأستاذ "إدريس الفاخوري" بأنه: "يعد أحد أكبر الضمانات العينية، من خلال الأموال العديدة التي
يوفرها لإنعاش وتنمية السوق العقارية عن طريق توفير السيولة اللازمة للاستثمار في
العديد من القطاعات التي تعود بالعديد من الإيجابيات.
وتوجه المشرع نحو ادماج الرهن الرسمي كحق عيني
على العقار في طور التحفيظ والذي لم يتوفر بعد على الرسم العقاري، يعد دلالة واضحة
على إدماجه في دائرة التنمية والاستثمار، من خلال جعله خاضعا للتداول
والحركية...".
+ إدريس الفاخوري: الحقوق
العينية وفق قانون 39.08، سلسلة المعارف القانونية والقضائية، دار نشر المعرفة،
طبعة 2013، ص: 189- 190.
[20] - إدريس الفاخوري: نظام
التحفيظ العقاري ...، م.س، ص: 14.
[21] - إدريس الفاخوري: المرجع نفسه، ص: 14.
[22] - ظهير التشريع المطبق على العقارات المحفظة، الصادر بتاريخ 2 يونيو 1915 (19 رجب
1333)، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 109- 110، بتاريخ 8 يونيو 1915 (24 رجب
1333)، ص:170.
[23] - الفصل 84 من ق.ت.ع
رقم 14.07: "إذا نشأ على عقار في طور التحفيظ حق خاضع للإشهار أمكن لصاحبه،
من أجل ترتيبه والتمسك به في مواجهة الغير، أن يودع بالمحافظة العقارية الوثائق اللازمة
لذلك، ويقيد هذا الإيداع بسجل التعرضات.
يقيد الحق المذكور عند التحفيظ بالرسم العقاري في الرتبة التي عينت له إذا سمحت إجراءات المسطرة
بذلك".
- فقد جاء في حيثيات حكم
لإبتدائية مكناس مايلي: "وحيث أن الثابت من خلال الفصل ظ.ت.ع أنه إذا نشأ على
عقار في طور التحفيظ حق خاضع للإشهار أمكن لصاحبه، من أجل ترتيبه والتمسك به في مواجهة
الغير، أن يودع بالمحافظة العقارية الوثائق اللازمة لذلك. ويقيد هذا الإيداع بسجل التعرضات.
وحيث إنه وما دام الأمر يتعلق في نازلة الحال
بعقار في طور التحفيظ، وبالنظر لكون ما تنظمه مقتضيات الفصل 84 المشار له يتعلق
بالمسطرة الإدارية للتحفيظ والتي تختص المحافظة العقارية بتطبيقها، فإنه ينبغي على
المدعين إيداع شرائهم لدى هذه الأخيرة ليتأتى تقييده بسجل التعرضات..."، حكم رقم 40، بتاريخ
16/01/2019، في الملف عدد 911/1404/2017 (غير منشور).
[24] - يونس الزهري: الحجز التنفيذي على العقار في
القانون المغربي، الجزء الثاني، الطبعة الأولى، مطبعة الوراقة الوطنية- مراكش،
2007، ص: 162 وما يليها.
[25] - رشيد الفيداح: الادعاء بسوء نية في قضايا
التحفيظ وفق مستجدات القانون رقم 14.07، رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص،
جامعة محمد الأول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية وجدة، السنة الجامعية:
2012/2013، ص: 39.
[26] - الضحى رباب: الدعاوى الكيدية في قضايا
التحفيظ العقاري، م.س، ص: 58.
[27] - ينص الفصل 23 من
ق.ت.ع على ما يلي: "دون المساس بأحكام
الفصل 6 من هذا القانون، إذا نص المحضر على تغيب طالب التحفيظ أو من ينوب عنه أو
على عدم قيامه بما يلزم لإجراء عملية التحديد، فإن مطلب التحفيظ يعتبر لاغيا وكأن
لم يكن إذا لم يدل بعذر مقبول داخل أجل شهر من تاريخ توصله بالإنذار...".
[28] - تنص الفقرة الأخيرة من الفصل 32 من ق.ت.ع على
أنه: "خلال
الثلاثة أشهر الموالية لانصرام الأجل المنصوص عليه في الفصل 23 يوجه المحافظ على الأملاك
العقارية مطلب التحفيظ والوثائق المتعلقة به إلى المحكمة الابتدائية التي يقع العقار
بدائرتها".
[29] - وذلك على عكس قانون
المسطرة المدنية الذي لا يأخذ بمبدأ التغريم على من أساء استعمال حق إجرائي مخول
له قانونا، ولو ثبت سوء نيته في ذلك.
[30] - وما تجدر الإشارة
إليه في هذا الصدد أن المشرع قد أقر للمحكمة وهي تنظر في نزاع التحفيظ صلاحيات
استثنائية وحصرية بالمقارنة مع الصلاحيات الممنوحة لها في قانون المسطرة المدنية،
حيث أن لها وحدها الصلاحية للحكم بالغرامة كجزاء استثنائي على اعتبار أن طالب
التحفيظ أو المتعرض ليس له المصلحة للمطالبة بهذه الغرامة لفائدة الدولة، بالإضافة
إلى أنها ذات طابع عقابي، لكن ذلك لا يمنعها من الأخذ بعين الاعتبار طلب أحد
الأطراف بتوقيع هذه الغرامة، وإن كان هذا الطلب لا يعفي من التعليل عند رفضه أو
حتى مناقشته.
- ففي حكم لإبتدائية الناظور جاء فيه حيثياته ما يلي: "وحيث يتجلى
من تصريح المتعرضين أمام الخبير وهو تصريح كتابي وموقع عليه طبقا للفصل 63 من قانون
المسطرة المدنية، وأنهم لا يؤسسون تعرضهم على أحد الأسباب المذكورة حصرا في الفصل
24 المذكور، وإنما ينازعون في تسمية المالك المجاور للعقار موضوع مطلب التحفيظ من
جهة الجنوب والغرب، لذلك فإن تعرضهم غير صحيح منسوب بالتعسف لعدم تأسيسه على سبب
يقره قانون التحفيظ العقاري مما يبرر الحكم على المتعرضين بغرامة لفائدة الوكالة
الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية تطبيقا للفصل 48 من ظهير
التحفيظ العقاري المحدد في مبلغ 25.000 درهم الذي يمثل عشر قيمة العقار حسب الثابت
في المستندات"، حكم عدد 650، الصادر بتاريخ 05/06/2014، في الملف العقاري
رقم 18/08/2013 (غير منشور).
[31] - قانون رقم 58.00
المتعلق بإحداث الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح
العقاري والخرائطية، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.02.125، بتاريخ 13
يونيو 2002 (فاتح ربيع الثاني 1423)، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5032،
بتاريخ 22 أغسطس 2002 (13 جمادى الثانية
1423)، ص: 2405.
[32] - ينص الفصل 11 من
قانون 58.00 المتعلق بإحداث الوكالة الوطنية
للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية على ما يلي: "تتضمن ميزانية الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية
والمسح العقاري والخرائطية :
أ)
في باب الموارد :
- رسوم المحافظة على الأملاك العقارية ...".
[33] - فالغرامة المدنية هي
تلك الغرامة التي تحكم بها المحاكم المدنية بناء على القانون، ولا تسري عليها إلى
درجة ما قواعد العقوبات المنصوص عليها في الأمور الجنائية، أما الغرامة الجنائية
هي عقوبة مالية تكون إضافية في الجنايات، وأصلية أو إضافية في الجنح، ولكنها دائما
أصلية في المخالفات، وهي تلزم المحكوم عليه أن يدفع مبلغا من المال إلى الخزانة
العامة، أوردتهما ليلى بشواري: دور القضاء في الحد من التعرضات الكيدية، مجلة
القانون المدني، العدد الثاني، مطبعة الأمنية- الرباط، 2015، ص: 136.
[34] - محمد ناجي شعيب: سلطات
واختصاصات قاضي التحفيظ العقاري، المجلة المغربية للاقتصاد والقانون، العدد 8، أكتوبر
2003، ص: 104.
[35] - محمد خيري: مستجدات قضايا
التحفيظ العقاري في التشريع المغربي، منشورات المعارف، طبعة 2013، ص: 372.
[36] - ياسين فردي: أثر الجزاءات
المقررة في الفصل 48 من ظهير التحفيظ العقاري في الحد من التعسف في مسطرة التحفيظ،
منشور بمجلة المناظرة، العدد 21، مطبعة النجاح الجديدة- الدار البيضاء، شتنبر 2018،
ص: 136.
[37] - محمد مهدي الجم: التحفيظ
العقاري في المغرب، الطبعة الثانية، مكتبة الطالب- الرباط، 1980، ص: 85.
[38] - قانون 22.01 المتعلق
بالمسطرة الجنائية، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.02.255، بتاريخ 3 أكتوبر
2002 (25 رجب 1423)، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5078، بتاريخ 30 يناير 2003 (27
ذي القعدة 1423)، ص: 315.
[39] - Jacques Caillé, La
procédure judiciaires d’immatriculation foncier ou Maroc, ED: Librairie
générale de droit et de jurisprudence, P : 93.
[40] - الضحى
رباب: الدعاوى الكيدية في قضايا التحفيظ العقاري، م.س، ص: 119- 120.
[41] - عبد القادر العرعاري:
مصادر الإلتزامات
"الكتاب الثاني المسؤولية المدنية"، الطبعة الثالثة، دار الأمان- الرباط،
2011.، ص: 10.
- وفي هذا الصدد قضت المحكمة الابتدائية
بالناظور، فيما يتعلق بجزاء التعويض والذي جاء فيه: "حيث إن المتعرض لا
يدعي حقا عينيا على القطعتين موضوع التحفيظ طبقا للفصل 24 من ظهير التحفيظ
العقاري، وإنما ينازع في ملكية القطعة المجاورة للمطلبين موضوع التعرض عليه فإنه
يتم التصريح بعدم صحة التعرض.
وحيث
إن المتعرض لم يدع حقا عينيا على العقار موضوع التحفيظ، وعليه فإن التعرض المقدم من
طرفه يكتسي طابع التعسف، وذلك طبقا للقاعدة المنصوص عليها في الفصل 48 من الظهير
أعلاه، وعليه فإن طلب التعويض له ما يبرره قانونا مما يتعين الاستجابة إليه.
... في التعرض: بعدم صحة التعرض وتحميل
المتعرض المصاريف.
في طلب التعويض: بأداء المتعرض لفائدة طالب
التعويض تعويضا قدره خمسة آلاف درهم (5000) وتحميله المصاريف والإجبار في
الأدنى"، حكم رقم 44، الصادر بتاريخ 26/01/2009، في الملفين المضمومين عدد 09/2004،
و10/2004 (غير منشور).
[42] - محمد ناجي شعيب:
سلطات واختصاصات قاضي التحفيظ العقاري، م.س، ص: 102- 103.
[43] - ياسين فردي: أثر
الجزاءات المقررة في الفصل
48...، م.س، ص: 138.
[44] - حيث جاء في حيثيات
الحكم ما يلي: " حيث قدم المتعرض أعلاه تعرضا كليا ضد مطلب تحفيظ.... للمطالبة
باستحقاق جميع هذا الملك.
... وحيث إنه وطالما أن طالبة التحفيظ أسست مطلبها على حيازة العقار
المدعى فيه حسبما يستفاد من الشهادة الإدارية المدلى بها وعدم إدلاء المتعرض بما
ينف هذه الحيازة عنها ويثبت خلاف ذلك، وباعتبار أن الحجج المستدل بها من طرفه لا
علاقة له بها وتفتقر لشروط الملك شرعا وقانونا، وبالتالي ليس هناك ما يثبت أحقية
الطرف المتعرض في الحقوق المزعومة من طرفه، الأمر الذي يجعل هذا التعرض غير مرتكز
على أساس قانوني سليم، ويتعين التصريح بعدم صحته.
وحيث إنه يتعين تحميل المتعرض مصاريف تعرضه تطبيقا
للفصل 51 من ظهير 12/8/1913".
حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بمكناس عدد
166، بتاريخ 18/02/2019، في ملف عقاري عدد 47/1403/2018 (غير منشور).
وهو نفس الأمر كذلك الصادر عن نفس الجهة
القضائية في:
-
حكم عدد 173، صادر بتاريخ 18/02/2019، في ملف
عقاري عدد 41/1403/2018 (غير منشور).
-
حكم عدد 174 ، صادر بتاريخ 18/02/2019، في ملف
عقاري عدد 43/1403/2018 (غير منشور).
[45] - حكم صادر عن المحكمة
الابتدائية بمكناس عدد 194، بتاريخ 25/02/2019، في ملف عقاري عدد 505/1403/2017
(غير منشور).
[46] - حيث جاء في حيثيات
الحكم ما يلي: " حيث تقدم المتعرضون المذكورون بتعرض في حدود حقوق مشاعة على تحفيظ
الملك موضوع مطلب التحفيظ ... .
.... حيث أنه بثبوت شراء مورثي ..... لجزء في العقار مطلب التحفيظ
.... وفق المفصل أعلاه يجعل تعرضهم مؤسس من الناحية القانونية، ويتعين التصريح
بصحته وذلك في حدود مناب كل واحد منهم.
وحيث يتعين تحميل طالبي
التحفيظ مصاريف هذا التعرض"، حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بمكناس عدد 55، بتاريخ 21/01/2019، في ملف
عقاري عدد 701/1403/2015 (غير منشور).
- وفي حكم لإبتدائية
الناظور جاء فيه: "حيث تعرض .... على تحفيظ الملك موضوع المطلب ... تعرضا جزئيا
مطالبا بقطعة مساحتها ثلاثة هكتارات.
وحيث أسس المتعرض تعرضه على أن القطعة الأرضية
المطالب بها آلت إليه بالشراء من طالب التحفيظ، وأدلى برسم شراء عدلي مؤرخ في.......
.
وحيث إن رسم الشراء الذي استدل به المتعرض، مستوف
للشروط الشكلية والجوهرية المقررة قانونا، ولم يكن محل طعن، ولما كانت الالتزامات التعاقدية
المنشأة على وجه صحيح تلزم أطرافها طبقا للفصل 230 من ق.ل.ع ، فإن التعرض يكون تبعا
لذلك مبنيا على أساس قانوني، ويتعين الحكم بصحته
.
وحيث يتعين تحميل المصاريف لطالب التحفيظ تطبيقا للفصل 51 من ظهير التحفيظ العقاري"، حكم عدد 642، بتاريخ 25/06/2005، ملف عقاري عدد 95/98 (غير منشور).
[47] - حكم صادر عن المحكمة
الابتدائية بوجدة رقم 1314، بتاريخ 24/03/10، في الملف رقم 04/09/23 (غير منشور).
[48] - حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بمكناس عدد 92، بتاريخ 28/01/2019، ملف عقاري
عدد 542/1403/2016 (غير منشور).
وهو نفس الأمر كذلك الصادر عن نفس الجهة
القضائية في:
-
حكم
عدد 23، صادر بتاريخ 07/01/2019، في ملف عقاري عدد 364/1403/2018 (غير منشور).
-
حكم عدد 192، صادر بتاريخ 25/02/2019، في ملف
عقاري عدد 369/1403/2018 (غير منشور).
- وفي قرار لمحكمة
الاستئناف بالرشيدية جاء في: "وحيث أن المتعرضين لم يدلوا بأية حجة قوية
لقبول تعرضهم اللهم إلا شهادة إدارية من صنع يد المتعرضين المدعين التي لا تثبت
تملكهم ولا حجة تصرفهم... .
وحيث أن المتعرضين المدعين لم يثبتوا حيازتهم
للعقار المطلوب تحفيظه بأية حجة شرعية قاطعة للحوز والتصرف، فإن عبء الاثبات يقع
على كاهلهم ولم يثبتوا التصرف ولا الحيازة لحد الآن والشهادة الادارية لا ترقى إلى
حجة لإثبات الحيازة ولا سندها"، قرار مدني رقم 151،
بتاريخ 12/12/2007، ملف رقم 07.280/6 (غير منشور).
[49] - حكم صادر عن ابتدائية
مكناس عدد 88، بتاريخ 28/01/2019، في ملف عقاري عدد 100/1403/2016 (غير
منشور).
- وفي حكم أخر لإبتدائية الناظور في حيثياته: "وحيث قدم المتعرضون إشهادا مؤرخا في ..... تنازلوا بموجبه عن التعرض الذي قدموه ضد المطلب عدد:......، لذلك وجب تطبيقا للفصل 37 المذكور، الإشهاد على تنازل المتعرضين عن التعرض"، حكم رقم 242، صادر بتاريخ 08/10/2007، ملف عقاري عدد 45/04 (غير منشور).
[50] - حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بوجدة، رقم
975، بتاريخ 07/05/2008، في الملف عدد 74/07/23 (غير منشور).
[51] - قرار محكمة الاستئناف
بوجدة، رقم 07، الصادر بتاريخ 21/01/2009، في الملف عدد 888/08 (غير منشور).
0 تعليقات