السياسة الجنائية لمكافحة جرائم التعاقد المالي
جريمة عدم تنفيذ عقد نموذجا
رضوان سند - باحث في المادة الجنائية
لامناص من أن المشرع المغربي خاض أشواط
ماراطونية ، تهم الحماية القانونية المدنية منها -وهي الواسعة النطاق - و الجنائية
- و هي ضعيفة وضيقة - للمعاملات
التعاقدية، لاسيما في المراحل الاصلاحية
الأخيرة في سياق تدعيمه لمناخ الأعمال و تحسين مناخ الاستثمار [1] ، بضمان
الثقة خدمة للأمن التعاقدي وطنيا و دوليا.
و انما قلنا ذلك نظرا لما عرفته المنظومة
القانونية لمجال المال و الأعمال من تحديث مستمر ومتسارع، في ظل اقتصاد عالمي سمته
الأساسية تطور التجارة الدولية وتوسعها ، وانتقال رؤوس الأموال الدولية بحركية
كبيرة ودائمة، ذلك أن المقاولات التجارية تخطت الحدود ووسعت مجال نشاطها في العالم
، بحثا عن المواد الخام والعمالة الرخيصة والأسواق لترويج منتوجها.
إلا أن هذه
المقاولات تواجه تحديا يتمثل في ضرورة احترام القوانين والأنظمة الوطنية التي
تختلف من بلد لآخر، مما يفرض على المقاولات الدولية تطوير فهمها لأنواع النظم
القانونية، التي تخضع لها عملياتها قبل توقيع عقودها الاستثمارية، إلى جانب
إدراكها لثقافة البلد وسلوك مواطنيه والمناخ السياسي والاقتصادي العام.
وعلى هذا الأساس
تكتسي المنظومة القانونية للبلد، ولاسيما منها ما يهم قانون العقود و الأعمال، أهمية قصوى بالنسبة للتجارة العالمية
وللشركات الدولية؛ فالاختلاف بين المنظومات القانونية من شأنه أن يؤثر على جاذبية
البلد باعتباره سوقا خارجية أو مجالا ملائما للاستثمار، وذلك من خلال طبيعة ضبط
الممارسات التجارية، ونمط السياسات الناظمة للاقتصاد، ومستوى الحقوق والالتزامات
المرتبطة بالمعاملات التجارية، أي بصفة عامة المنظومة القانونية المنظم للأعمال.
ومما لا شك فيه،
أن الحاجة أصبحت ملحة إلى تحسين الإطار القانوني لتسهيل التجارة الدولية وجذب
الاستثمار الخارجي. كما أن الاطلاع عبر العالم على الأنظمة القانونية والإلمام
الجيد بالقواعد القانونية المنظمة للعقود، في مجال التجارة وعالم المال والأعمال،
أصبح مسألة ضرورية بالنسبة للشركات الدولية. كما أن تعزيز تنسيق وملاءمة القوانين
الوطنية مع قوانين التجارة الدولية، وتحديثها عن طريق إعداد نصوص تشريعية وتنظيمية
في عدد من مجالات القانون التجاري الأساسية، وصياغة قواعد عصرية وعادلة تستجيب
للتطور المتسارع للمعاملات التجارية أمسى اهتمام جل الدول المنخرطة في دينامية
الاقتصاد والعولمة، بما يستجيب لأهداف وتطلعات لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري
الدولي (الأونسيترال)، وجهود البنك الدولي الذي حدد مجموعة من المؤشرات الدالة على
سهولة ممارسة الأعمال التجارية بمجموعة من اقتصاديات الدول عبر العالم. كما يقوم بقياس مدى مطابقة القواعد المنظمة
والمتعلقة بمناخ الأعمال بهذه الدول للمؤشرات المحددة، فأصبح تصنيفها العالمي في
السنوات الأخيرة حافزا لها من أجل تحديث منظوماتها القانونية في مجال الأعمال.
ومن جهة أخرى،
لا يمكن إهمال دور الاتفاقيات الدولية، الثنائية أو المتعددة الأطراف، المتعلقة
بتنمية وحماية الاستثمارات، وتسوية المنازعات، ونقل رؤوس الأموال، وتجنب الازدواج
الضريبي، واللجوء إلى الوسائل البديلة لفض المنازعات… في تحديث مناخ الأعمال،
وتفادي سلبيات اختلاف الأنظمة القانونية بين الدول .
و امام هاته
الرهانات السوسيو اقتصادية الضخمة ، فان الواقع التشريعي المغربي مازال يحتاج الى
اعادة النظر فيه نظرا لغياب الملاءمة التشريعية الجنائية المغربية للاتفاقيات
الدولية التي وقع و صادق عليها المغرب
و انما اشرنا
الى هاته الملاءمة المرجوة فذلك يعود للهشاشة التشريعية الزجرية التي من مظاهرها التجريم و العقاب، الذي سوف
نتوقف عليه بخصوص عدم تنفيذ عقد المدرج ضمن المقتضيات الزجرية لجرائم الاموال
لا جرم أن لكل جريمة أركان تتأسس بناء عليها المساءلة
عنها و المعاقبة على اقترافها وهي كما هو معهود الركن القانوني و المادي [2].
وبناء عليه
نباشر بتبيان الأركان ، التي تتأسس عليها جريمة عدم تنفيذ عقد كمايلي:
-
الفقرة الأولى : السياسة
الجنائية في التأطير التجريمي لمرحلة التنفيذ التعاقدي
أن القانون
الجنائي لا يعاقب على نية ما يضمره الفرد من أفكـــار و نوايا إجرامية، لان أساس
التجريم هو ما تحدثه الجريمة من اضطراب اجتماعي و الأفكار ما دامت في خيال صاحبها
لا ينشأ عليها أي خلل في المجتمع ، و إنما يفضل ذلك هي الأفعال التي تصدر عن
الجاني سلبية كانت أو ايجابية و لقيام الركن المادي للجريمة لابد من توفر ثلاثة
عناصر: السلوك، النتيجة، العلاقة السببية.[3]
و
السلوك هو ذلك التصرف الإرادي الصادر عن الإنسان سواء كانت ايجابية مثل السرقة،
القتل العمد، القتل الخطأ، الرشوة، النصب...، أو سلبية كعدم تصريح بازدياد مولود،
عدم تقديم مساعدة لشخص، او عدم تنفيذ عقد ما...،[4]
وهنا نشير ان اﻟــــﺴﻠﻮك
في جرائم الامتناع كجريمتنا هاته قيد الدراسة ﺟــــﻮﻫﺮ اﻟــــﺮﻛﻦ المادي ﺳــــﻮاء ﺑﺎﻟﻨــــﺴﺒﺔ
ﻟﻠﺠــــﺮاﺋﻢ الا يجابية أو الجرائم اﻟـــﺴﻠﺒﻴﺔ، ﻓـــﻼ ﺗﻘـــﻮم ﻫﺎﺗـــﻪ الجريمة إﻻ ﺑﻮﺟـــﻮد
ﻣﻈﻬـــﺮ ﺧـــﺎرﺟﻲ ﻳـــﺪل ﻋﻠﻴﻬـــﺎ، وﻗـــﺪ اﺧﺘﻠﻔـــﺖ اﻵراء واﻟﻨﻈﺮﻳــﺎت في وضع ﻣﻔﻬــﻮم
دﻗﻴــﻖ ﻟﻠــﺴﻠﻮك اﻹﺟﺮاﻣــﻲ ، واﻟﻘــﻮل ﺑﺎﻟــﺴﻠﻮك ﰲ
الجرائم اﻟــــﺴﻠﺒﻴﺔ ﻳــــﻮﺣﻲ ﺑــــﺬﻟﻚ المظهر اﻟــــﺬي ارﺗﻜﺒــــﻪ الجاني ﺑﻌــــﺪم إﺗﻴــــﺎن اﻟﻔﻌــــﻞ، أي اﻟﻜــــﻒ
أو اﻻﻣﺘﻨﺎع ﻋﻦ اﻟﻔﻌﻞ ، اﻟﺬي ﻛﺎن يجب أن ﻳﻘـﻮم
ﺑـﻪ، ﻓﻬـﻞ ﻳﻮﻟـﺪ ﻫـﺬا اﻻﻣﺘﻨـﺎع ﻧﺘﻴﺠـﺔ إﺟﺮاﻣﻴـﺔ ﻳﻌﺎﻗﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻘﺎﻧﻮن أما النتيجة
فهي ذلك التغيير أي الاضطراب الاجتماعي الذي يعد كنتيجة لذلك السلوك، و هي إن كانت
تصيب شخص الضحية مباشرة فان أثرها يصيب المجتمع كذلك .
أما العلاقة
السببية فهي تلك الرابطة التي تربط السلوك بالنتيجة ، و على ضوئها يمكن تسميته
نتيجة إجرامية معينة لسلوك إجرامي محدد.
بالاضافة الى ان
الجريمة لمعرفة اركانها لابد من التوقف عند اي صنف من التصيفات تدخل ، و هنا سوف
نكون امام نقاش قانوني و فقهي بخصوص هاته المسالة .
و ذلك ان
الجريمة في مقالنا هذا، تعد مندرجة ضمن الجرائم السلبية او جرائم الامتناع
مما جعل
الاغلبية من الفقهاء يعملون على حصر أركانها، في ركنين أساسين الأول المادي و
الثاني ركن الإلزام و الصفة الإرادية [5] .
فبخصوص الركن
المادي لهذه الجريمة، نشير عموما الى مايلي من الملاحظات :
– إن هذا الركن لا يقوم إلا بتوافر عنصرين
أساسيين : الأول الامتناع عن القيام بفعل إيجابي و الثاني تحقيق النتيجة :
· بالنسبة
لفعل الامتناع ،
و بالنظر لتعقيد تمظهراته ، فقد كان المجال الخصب لاختلاف النظريات الفقهية بين
توجه يضفي على فعل الامتناع مفهوما طبيعيا نفسيا و ليس باعتباره سلوكا موضوعيا يدرك
بالحواس ، و بين توجه يؤسس للامتناع باعتباره فعلا مغايرا يباشره الجاني في الوقت
الذي كان يَلزمه أداء الفعل المأمور به ، و بين توجه آخر يعتبر أن الامتناع ليس
بفعل مغاير بل بلا فعل .
مما نستنتج معه من مختلف تلك التوجهات
أنها خاضت نقاشات نظرية وفلسفية أكثر منها قانونية ، لذلك عرض للمفهوم القانوني
للامتناع من خلال مختلف النظريات الفقهية ما بين نظرية الفعل المنتظر و النظرية
القاعدية باعتبار الامتناع مخالفة لقاعدة قانونية يتجلى في سلوك مادي و إرادي
ومقصود و مخالف للقانون .
· أما
بالنسبة للعنصر الثاني في الركن المادي لجريمة الامتناع و المتمثل تحقيق النتيجة فنسجل مع الفقه محاولته التاسيس لهذا
العنصر بين مفهوم مادي للنتيجة كظاهرة مادية صرفة و كأثر مادي ملموس لنشاط الفاعل
، وبين مفهوم قانوني يعتبر النتيجة اعتداء على حق يحميه القانون يتمثل في حياة
المجنى عليه أو سلامته الجسدية أو حقا من حقوقه .
و هنا نؤكد أن المنطق العلمي اقتضى أن
يعالج علاقة السببية في جريمة الامتناع من منطلق إبراز خصوصياتها قياسا للجريمة
الإيجابية ، بل وصعوبة البحث عن علاقة سببية بين الامتناع و النتيجة ، خاصة مع
ذهاب اتجاه فقهي إلى إنكار إمكانية تصور علاقة سببية في الجريمة السلبية من منطلق
أن الامتناع كعمل سلبي ،لا يمكن أن ينتج سوى العدم ، و أن هذا العدم لا يمكن أن
يكون مصدرا لنتيجة إجرامية إيجابية
فيما نشير نحن
بان هذا التوجه لم يتفق معه الجميع اذ هناك
اتجاها فقهيا آخر يرى أن الامتناع و إن بدا عملا سلبيا ، إلا أنه، في عمقه،
فعل إيجابي يُسببُ نتيجة معينة متمثلة في الاعتداء على حق جدير بالحماية القانونية.
و
تبعا لذلك فان المشرع قد نستقرئ معه نصوصه
كونها تتجه الى اعتبار واقعة عدم تنفيذ عقد، جريمة سلبية ، و نص عليها و على
عقوبتها بالباب التاسع المتعلق بالجنايات والجنح الخاصة بالأموال، في فرعه الثالث
المخصص لخيانة الأمانة، والتملك بدون حق، المادة 551 التي تنص على أنه:
« من تسلم مقدما مبالغ من أجل تنفيذ عقد،
ثم رفض تنفيذ هذا العقد أو رد تلك المبالغ المسبقة، دون عذر مشروع، يعاقب بالحبس
من شهر إلى ستة أشهر وغرامة من مائتين إلى مائتين وخمسين درهما».
واستهدف
المشرع من خلال تجريم مثل هكدا فعل، الضرب على يد بعض أشباه المقاولين المحتالين و
النصابين وخائني الأمانة، وغير النزهاء، الذين يمسون بسلوكهم هذا، استقرار
المعاملات.
و إعمال مقتضيات هذه المادة قد يكون بدافع
تفادي المساطر المدنية أو التجارية الطويلة و المكلفة، لإجبار متعاقد على الوفاء
بالتزاماته التعاقدية.
-
أولا : السلوك المادي لجريمة عدم تنفيذ عقد .
تتلخص العناصر
المكونة لهذه الجريمة فيما يلي:
- فعل مادي يتمثل في تسلم، مقدما، مبالغ
مالية من أجل تنفيذ عقد
- عدم تنفيذ العقد
- الإمتناع عن رد المبلغ المقبوض
والعمل القضائي أوضح في غير ما مناسبة شروط إعمال مقتضيات هذه المادة بحيث استقر على اعتبار فعلَيْ الإمتناع عن تنفيذ العقد أو رد المبلغ المقبوض، و انتفاء العذر المشروع، شرطين للقول بقيام الجريمة
وقد تعددت
الاجتهادات القضائية و تضاربت بخصوص الحالة التي اذا ما توافرت فانها تقوم الجريمة
و تحرك بشانها الدعوى و المتابعة منها
مايلي
- الموقف القضائي الأول :
«لا يكفي لقيام الجريمة المنصوص عليها في الفصل
551 من القانون الجنائي عدم تنفيذ العقد بل إن الذي يكون هذه الجريمة هو الإمتناع
عن تنفيذ العقد أو رد المبلغ المقبوض..دون عذر مشروع ».[6]
- الموقف القضائي الثاني :
اذ جاء في قرار
للمجلس الأعلى[7]
سابقا :
«جريمة عدم تنفيذ عقد تتطلب أن يكون المتهم قد
تسلم مقدما مبالغ مالية من أجل تنفيذ عقد ثم رفض التنفيذ أو رد المبالغ دون عذر
-
الموقف القضائي التالث :
فقد اتجه قرارا
اخر توجها معللا مقارب للموقف السابق فيمايلي قوله :
«إن عدم تنفيذ
العقد وحده لا يكون جريمة، أما الذي يكون جريمة فهو عدم رد المبلغ المقبوض مقدما
من أجل تنفيذ
و بالتالي، و أمام استفحال ظاهرة
التملص و الإخلال بالالتزامات، يبقى تفعيل مثل هذا النص القانوني، أي المادة 551
من القانون الجنائي، من شأنه المساهمة في تخليق عالم الأعمال، و رد الإعتبار
للإلتزامات و العقود، لكون العقوبة الجنائية تستهدف، من ضمن ما تستهدفه، ردع المتلاعبين
و المستهينين باستقرار المعاملات، تجارية كانت أو مدنية.
- تانيا : لمشاركة و المساهمة والمحاولة و حالة الدفاع
الشرعي في جريمة عدم تنفيذ عقد
1- المساهمة و المشاركة في جريمة عدم تنفيد
عقد
تجدر الاشارة
الى انه ثمة هناك قضايا معقدة لهذه الجريمة
، لاسيما عندما ما أُثير النقاش بشأن المساهمة في جريمة الامتناع ، و بالضبط حالة
تعدد الجناة من خلاف فقهي بين منكر لها وبين مناصر لقيامها كلما كان للنشاط السلبي
للفاعل إسهام في حدوث النتيجة الإجرامية و كانت إرادته متجهة نحو ذلك . و هو ما
يفسر إمكانية تصور المساهمة في هذه الجريمة بصفة أصلية من خلال تنفيذ الجريمة من
قبل ممتنع لوحده أو مع غيره من الممتنعين و كذا مساهمة الممتنع في تنفيذ الجريمة و
كذا دور الفاعل المعنوي في هذه الجريمة .
و
لا ننسى ان نشير الى ان هناك مساهمة من نوع خاص يمكن الاصطلاح عليها بالمساهمة
بالتبعية في جريمة الامتناع المتمثلة في عدم تنفيذ عقد قيد الدراسة، حيث يستمد
المساهم التبعي نشاطه الجرمي من الفعل الأصلي، مشيرا إلى ما أثير بشأنها من خلاف
فقهي بين منكر لها و مُقِر بوجود مساهمة تبعية سلبية ،
2- حالة
الدفاع الشرعي في جريمة عدم تنفيذ عقد
ثار جدلا فقهيا
بشأن مدى إمكانية تصور الامتناع في حالة الدفاع الشرعي، بين اتجاه يرى أن الموقف
السلبي الذي يتخذه المعتدي لا تقوم به حالة الدفاع الشرعي و يشترط ضرورة أن يكون
الاعتداء إيجابيا و من تَمّ لن ينعقد للفعل السلبي حالة الدفاع الشرعي و بالمقابل
تحمس اتجاه آخر إلى إمكانية تصور الامتناع في إطار الدفاع الشرعي مستدلا بعدة
حالات واقعية عرفت تطبيقات قضائية .
3- المحاولة في جريمة عدم تنفيذ عقد
في ثنايا القضايا المعقدة لجريمة الامتناع
، انتهى بتحليل الإشكالات المثارة في الشروع في هذه الجريمة؛ أي إمكانية تصور
المحاولة في الجريمة السلبية [8]طالما
لا تثور في جرائم الامتناع المجرد التي تفتقد للنتيجة من حيث المبدأ ، و إن تصور
البعض قيامها في بعض الحالات الاستثنائية ، بينما يسهل تصور المحاولة في جرائم
الامتناع ذي النتيجة كحالة الممرضة التي تمتنع عن إمداد المريض بالدواء قاصدة
إحداث وفاته فتفطن ممرضة أخرى فتتدخل لإنقاذ المريض .
الفقرة
الثانية : الركن المعنوي في جريمة عدم
تنفيذ عقد
كما أشرنا الى
النقاش الحاصل مع الركن المادي في جريمة الامتناع كما لو تعلق الامر بجريمتنا هاته
قيد الدراسة فايضا النقاش مفتوح بخصوص الركن المعنوي فيها
و خاصة عندما
يتعلق الامر بضرورة استلزام و توافر ركن الإلزام و الصفة الإرادية في هذه الجريمة :
– بالنسبة لركن الإلزام
باعتباره المجسّد لمبدإ الشرعية لابد من التطرق
الى تحديد موقعه ضمن الأركان الأخرى لهذه الجريمة، و ذلك في ضوء اتجاهين فقهيين
أساسين: ذهب الأول إلى اعتبار الإلزام القانوني عنصرا في الصفة غير الشرعية
للامتناع ، بينما ذهب الاتجاه الثاني إلى اعتباره عنصرا في الامتناع [9] .
و في سياق
بحثنا عن مصادر ركن الإلزام ، فنشير أنها
لا تنحصر في القانون الجنائي فحسب ( مثل الجرائم المرتبطة بالعدالة و عدم التبليغ
عن الجرائم و عدم تقديم المساعدة و جرائم الامتناع المرتبطة بالاسرة ) ، بل يتسع
نطاقها إلى قوانين عقابية خاصة ( مثل المجالات التجارية و بعض القوانين المنظمة
للمهن الحر، و كذا ما يتعلق بعدم تنفيذ القرارات القضائية و الأوامر الإدارية ) .
ثم عنصر الارادة
الذي من شانه ان يدفعنا الى تأصيل الركن المعنوي، باعتباره الركن الذي أثار كثيرا
من الجدل الفقهي الذي لم يخْلُ من نفحات فلسفية طالما يتعلق بموقع إرادة الجاني
التي انكشفت من خلال فعل سلبي ذي بُعدي نفسي و وجداني ، حيث لا يقتصر هذا الركن
على توجيه الإرادة إلى عدم القيام بعمل ملزمٍ قانونا ، بل ينصرف إلى عدم توجيه
الإرادة للقيام بذلك العمل مع القدرة على ذلك ، بمعنى أن الإحجام عن الإتيان
بالفعل الإيجابي المقرر قانونا، يشترط أن يكون إراديا و واعيا بالفعل الجرمي و
بنتيجته .
إذا كانت جريمة
عدم تنفيذ عقد تعد جنحة وهذا ما يستفاد من العقوبة المقررة لها طبقا لمقتضيات
الفصل المنظم لها من م.ق.ج، فإن هذه
الجريمة تدخل في زمرة الجرائم العمدية عملا بمنطوق الفصل 133 من م.ق.ج “الجنايات
والجنح لا يعاقب عليها إلا إذا ارتكبت عمدا…”، وهو الأمر الذي يستوجب توافر القصد
الجنائي.
وهذا القصد يقوم
على شرطين أساسيين :
- أولا:
عالما
- بأنه يقوم بابرام عقد يلزم من جهته تنفيذه،
- وأن لا يكون قد قام بالعملية التعاقدية
عن حسن نية منه.
- ثانيا: إرادة النتيجة
وهي إلحاق الضرر بالضحية المتعاقد معه و تفويت فرص الربح و كسب المال سواء مال المجني
عليه أو مال الغير في العقد بدون مسوغات تبريرية مقنعة و مشروعة حسب تعبير
المشرع – بدون مبرر مشروع- مما يستشف منه الركن المعنوي بحيث غياب هذا العذر هو
دليل على ارادته الاثمة و السيئة تجاه الالتزام التعاقدي من جانبين .
-
المطلب الثاني : السيتاسة الجنائية بشان معاقبة المقترف لجنحة
عدم تنفيذ العقد
اعتبر المشرع
واقعة عدم تنفيذ عقد، جريمة، و نص عليها و على عقوبتها بالباب التاسع المتعلق
بالجنايات والجنح الخاصة بالأموال، في فرعه الثالث المخصص لخيانة الأمانة، والتملك
بدون حق، المادة 551 التي تنص على أنه:
«من تسلم مقدما مبالغ من أجل تنفيذ عقد،
ثم رفض تنفيذ هذا العقد أو رد تلك المبالغ المسبقة، دون عذر مشروع، يعاقب بالحبس
من شهر إلى ستة أشهر وغرامة من مائتين إلى مائتين وخمسين درهما».
واستهدف المشرع
من خلال تجريم مثل هكدا فعل، الضرب على يد بعض أشباه المقاولين المحتالين و
النصابين وخائني الأمانة، وغير النزهاء، الذين يمسون بسلوكهم هذا، استقرار
المعاملات.
و إعمال مقتضيات
هذه المادة قد يكون بدافع تفادي المساطر المدنية أو التجارية الطويلة و المكلفة،
لإجبار متعاقد على الوفاء بالتزاماته التعاقدية.
وتتلخص العناصر
المكونة لهذه الجريمة فيما يلي:
-
فعل مادي يتمثل في تسلم، مقدما، مبالغ
مالية من أجل تنفيذ عقد.
-
عدم تنفيذ العقد.
-
الإمتناع عن رد المبلغ المقبوض.
و تبعا لكل
ذكرناه سلفا او انفا ، فان الجريمة عندما تقوم لابد من المساءلة الجنائية و العقاب
عليها لذا نجد المشرع قد نهج تشريعا عقابيا ياتي مبينا في الفصل 551 من مجموعة
القانون الجنائي كمايلي
-من تسلم مقدما مبالغ من أجل تنفيذ عقد،
ثم رفض تنفيذ هذا العقد أو رد تلك المبالغ المسبقة، دون عذر مشروع، يعاقب بالحبس
من شهر إلى ستة أشهر وغرامة من مائة وعشرين إلى مائتين وخمسين درهما- .
و بتاملنا للنص
الجنائي العقابي نتوقف عند كون المشرع كرس سياسة عقابية مقيدة للحرية و سياسة عقابية
مالية
-
أولا : بالنسبة للسياسة العقابية السالبة للحرية
لا شك ان المشرع
المغربي قد عاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر عن
المقترف لفعل الجريمة السلبية المتمثلة في عدم تنفيذ العقد
و هنا نثير
التساؤل حول مدى اعتبار الجريمة هاته التي نعمل على دراستها من جملة جرائم الجنوح
البسيط
و الجواب ، يكون
باعتبار الجريمة المذكورة كذلك مما يفرض علينا نهج السياسة العقابية الحديثة و
الانصراف عن تطبيق عقوبات حبسية،
لكن يبقى
الاشكال محيرا حول ما اذا كان عدم تنفيذ العقد له ارتباط بمبالغ مالية ضخمة او
صفقات كبيرة، هل يمكن للمشرع هنا ان يضع عقوبات اكبرمن هاته التي بين ايدينا واخراجها
بذلك من الجنوح البسيط، برفع العقوبات الى سنتين فاكثر ، باعتبارها اياها حينذاك جنحة تاديبية
- تانيا : بالنسبة للسياسة العقابية المالية
الجميع يعلم ان
العقوبات المالية في التشريع الجنائي المغربي
لا تخرج عن الغرامة و المصادرة ،
و من تم نجد
المشرع عمل على نهج و تطبيق سياسة عقابية
مالية تختزل في عقوبة الغرامة ضد مرتكبي جريمة عدم تنفيذ عقد و هي عقوبة
ضعيفة كما هو مبين اعلاه
قد ميز بين عقوبات الجنايات والجنح،
وهي: الغرامة،الحل،حظر مزاولة بعض الأنشطة،الوضع تحت الرقابة،غلق المؤسسات،
الحرمان من دعوة الجمهور إلى الادخار،الاستبعاد من الأسواق،حضر إصدار
شيكات،المصادرة،نشر الحكم.
-
خاتمة:
نرى ان المشرع ، لم يولي اهتماما كبيرا للمسالة
التعاقدية في المشروع الجنائي المرتقب، خاصة في التجريم الملتبس ، الذي لم يتوضح
معناه في القانون الحالي ، سيما عند تطبيقات قاعدة الجنائي يعقل المدني ، ثم مسالة
العقوبات البديلة، بخصوص المقترف لجريمة عدم تنفيذ عقد ، هل تخرج هاته الجريمة من
الاستفادة منها .
-
لائحة المراجع
-
ﺟــﻼل ﺛــﺮوت، ﻧﻈﺮﻳــﺔ الجريمة
المتعدية اﻟﻘــﺼﺪ –دراﺳــﺔ ﻣﻘﺎرﻧــﺔ-، ﻣﻨــﺸﻮرات الحلبي الحقوقية ، ﺑــﲑوت ﻟﺒﻨــﺎن، 2003، ص41، .42
-
اسماعيل محمود إﺑــــﺮاﻫﻴﻢ، ﺷـــﺮح اﻷﺣﻜــــﺎم اﻟﻌﺎﻣـــﺔ ﰲ ﻗـــﺎﻧﻮن اﻟﻌﻘﻮﺑــــﺎت، دار اﻟﻨﻬـــﻀﺔ،
اﻟﻘــــﺎﻫﺮة ، ص-224
-
ﳏﻤـــﻮد ﳏﻤـــﻮد ﻣـــﺼﻄﻔﻰ، ﺷـــﺮح ﻗـــﺎﻧﻮن اﻟﻌﻘﻮﺑـــﺎت،
اﻟﻘـــﺴﻢ اﻟﻌـــﺎم، دار ﻣﻄـــﺎﺑﻊ اﻟـــﺸﻌﺐ، اﻟﻄﺒﻌـــﺔ اﻟـــﺴﺎدﺳﺔ، 1964، ص.222
-
قرار للمجلس الأعلى، صادر بتاريخ 15/09/1995
عدد 1503/3، الملف عدد 18708/92، مجلة قضاء المجلس الأعلى، عدد 49-50 ص 206.
-
قرار صادر عن محكمة الإستئناف بفاس، بتاريخ
20/02/1979 عدد 946، ملف جنحي عدد 3892، مجلة القضاء و القانون، عدد 129 ص 288 و
ما يليها
-
عبد القادر عدو، مبادئ ق.ع.ج (القسم العام)،
دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع، الجزائر، سنة 2010 ص 212.
-
منصور رحماني، علم الإجرام والسياسة الجنائية،
دار العلوم للنشر والتوزيع، عنابة الجزائر، سنة 2006 ص 149
[1] انظر في سياق التحسين لمناخ الاستثمار و المال عبر
تامين المعاملات التعاقدية كلمة السيد
الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة الأستاذ مَحمد عبد
النباوي في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر مراكش الدولي حول العدالة اذ يقول مايلي
السادة رؤساء السلطات القضائية؛
السادة رؤساء النيابات العامة؛
السادة الوزراء؛
السادة رؤساء الوفود؛
السادة ممثلو كافة السلطات؛
أصحاب المعالي والسعادة القضاة
والمحامين والأساتذة والخبراء؛
حضرات السيدات والسادة؛
إنه لمن دواعي السعادة والاعتزاز أن
نجتمع اليوم بمدينة مراكش، لنربط القانون والقضاء بالاقتصاد والاستثمار، فنقرن
بذلك الجغرافيا بالتاريخ والماضي مع الحاضر. فمدينة مراكش التي كانت فيما مضى من
عصور قاعدة تجارية تربط المغرب بمجموعة من المراكز التجارية الأوروبية، كما تصله
بعمقه الإفريقي، هي نفسها المدينة التي احتضنت حدث ميلاد منظمة التجارة العالمية
وتوقيع اتفاقية مراكش بتاريخ 15 أبريل 1994، التي كانت منطلقاً لإصلاحات هيكلية
تبنتها مختلف الدول لتأهيل اقتصادها الوطني وتهييئ المناخ المناسب للاستثمار، عبر
الانسحاب التدريجي للدولة من عالم المال والأعمال وخوصصة المؤسسات العمومية وشبه
العمومية، وترك المجال واسعاً للمبادرة الحرة والمقاولات الخاصة.
ومنذ ذلك الحين وعالم التجارة والاستثمار
يتطور ويتجدد باستمرار، بشكل أدى إلى ظهور عملية موازية، تمثلت في تأهيل القانون،
بالدخول في حركة تجديد واسعة للقطاعات المالية والاقتصادية، بغية ضمان تنمية قوية
لمختلف الأنشطة الاقتصادية. وتأمين تنافسية فعالة للأنظمة القانونية الوطنية، عبر
تقديم التسهيلات الممكنة للمستثمر، وعلى رأسها أوضاع قانونية مريحة. ذلك أن
القاعدة القانونية أصبحت اليوم وسيلة للتنمية. فلقد انتقل دورها من مجرد أداة
لتقنين مختلف العلاقات داخل المجتمع، إلى وسيلة لخدمة الاقتصاد وتشجيع الاستثمار
أيضا. مادام المستثمر يقوم قبل الإقدام على اختيار البلد الذي يستثمر فيه، بافتحاص
نظامه القانوني والقضائي، ليتأكد مما إذا كانت القوانين والعمل القضائي توفر له
الحماية الكافية على موجوداته واستثماراته. بالإضافة إلى الحوافز الاقتصادية وجودة
وجدية اليد العاملة.
ولا يختلف الوضع في شيء بالنسبة
للمغرب، فموقعه الجغرافي باعتباره بوابة لإفريقيا وجاراً لأوربا، جعله يتأثر
بالتحولات الاقتصادية الدولية التي أدت به إلى الدخول في اتفاقيات للتبادل الحر،
وصياغة استراتيجية للارتقاء بتنافسية الصناعة والمقاولات المغربية. كان من معالمها
وضع عدة قوانين شكلت ترسانة متكاملة في مجال الأعمال. من بينها مدونة التجارة،
والقوانين المتعلقة بالشركات التجارية، وقانون المجموعات ذات النفع الاقتصادي،
بالإضافة إلى تنظيم نشاط مؤسسات الائتمان ومراقبتها، وإصدار القانون المحدث
للمحاكم التجارية، وقوانين حماية الملكية الفكرية والأدبية والصناعية، ومدونة
الشغل، وتعديل الكتاب الخامس من مدونة التجارة، بهدف وضع الآليات القانونية
اللازمة لمساعدة المقاولة، التي تعاني من صعوبات مالية، أو اقتصادية، أو اجتماعية
على تخطي الأزمة التي تعترضها، عبر حزمة من المساطر الخاصة التي تسهل اندماجها من
جديد في السوق، وتراعي حقوق باقي الأطراف المرتبطة بها. بالإضافة إلى اعتماد
التدبير اللامتمركز للاستثمار، بإحداث المراكز الجهوية للاستثمار، وإحداث الشباك
الوحيد. وتسعى الاستراتيجية الوطنية في مجال تحسين مناخ الاستثمار، إلى تحسين
تصنيف بلادنا ضمن أفضل 50 قوة اقتصادية في مجال مناخ الأعمال في أفق سنة 2021.
أصحاب المعالي؛
أصحاب السعادة؛
حضرات السيدات والسادة؛
إن وضع القوانين وتجويدها ليس غاية في
حد ذاته، وإنما يعد وسيلة لبلوغ الأهداف التي تسطرها الدولة. وهنا تكمن أهمية دور
القضاء الموكول إليه أمر تطبيق النص القانوني على وقائع معينة، على نحو يجعله
مؤهلا لحماية النظام العام الاقتصادي وتحقيق الأمن القضائي، كما ينص على ذلك الفصل
117 من دستور المملكة. ومن أجل تحقيق أهداف المرحلة الجديدة التي أعلن عنها جلالة
الملك نصره الله في خطاب العرش لسنة 2018 بالتأكيد على أن : “الهدف المنشود هو
الارتقاء بتنافسية المقاولة المغربية، وبقدرتها على التصدير، وخلق فرص الشغل، ولا
سيما منها المقاولات الصغرى والمتوسطة، التي تستدعي اهتماما خاصا؛ لكونها تشكل 95
في المائة من النسيج الاقتصادي الوطني. ذلك أن المقاولة المنتجة تحتاج اليوم إلى
مزيد من ثقة الدولة والمجتمع، لكي يستعيد الاستثمار مستواه المطلوب، ويتم الانتقال
من حالة الانتظارية السلبية، إلى المبادرة الجادة والمشبعة بروح الابتكار”. انتهى
النطق الملكي السامي.
وقد كان القضاء في بلادنا دائما مواكبا
للإصلاحات الاقتصادية. بل إنه ابتكر حلولا واجتهادات كانت تقدم أجوبة ملائمة
لمشاكل التجارة والمقاولات في غياب النص القانوني أحيانا، كما هو الشأن في استناد
محكمة النقض إلى أحكام اتفاقية نيويورك للتحكيم قبل صدور القانون المغربي للتحكيم
والوساطة. وتطبيقها لاتفاقية هامبورغ في مجال النقل البحري بالأولوية على بعض مقتضيات
القانون الوطني )الفصلين 221 و262 من القانون التجاري البحري(، بالإضافة إلى حماية
حقوق المقاول تجاه الإدارة في الصفقات العمومية، وغيرها من الأمثلة التي تؤكد على
انخراط القضاء في تطوير المنظومة القانونية بما يتلاءم وأهداف تحسين مناخ الأعمال
و تشجيع الاستثمار.
والنيابة العامة باعتبارها جزء من
السلطة القضائية، لا تحيد عن هذا النهج، بل تواكب مختلف القوانين والسياسات
العمومية في مجال المال والأعمال والاستثمار. وتسهر على دعمها بمناسبة ممارستها
لدورها في حماية النظام العام الاقتصادي وتنفيذ السياسة الجنائية. ولذلك فقد حرصت
رئاسة النيابة العامة في أول يوم باشر فيه الوكيل العام للملك مهامه باستقلال عن
السلطة التنفيذية يوم سابع أكتوبر 2017 على مطالبة أعضاء النيابة العامة بضرورة
المساهمة الفعالة في اختيار حلول كفيلة بالحفاظ على نشاط المقاولة، والحفاظ على
مناصب الشغل، وحماية حقوق الدائنين، وتشجيع الاستثمار. كما تم التأكيد على هذا
التوجه في الدورية الصادرة بتاريخ 24 ماي 2018 بمناسبة دخول الكتاب الخامس من
مدونة التجارة حيز النفاذ. كما أن النيابة العامة لا تتوانى في القيام بأدوارها في
توفير الحماية الجنائية للتجارة والمعاملات التجارية، ولاسيما فيما يتعلق بحماية
الملكية الصناعية والقوة الإبرائية للأوراق التجارية، وعلى رأسها الشيك. وحماية
أموال الشركاء والشركات، وحماية الاقتصاد الرقمي، عبر ردع الجرائم المعلوماتية وكل
الممارسات التي من شأنها زعزعة الثقة في المعاملات الالكترونية. والحرص على ضمان
حرية المنافسة وتكافؤ الفرص، لا سيما فيما يتعلق بالصفقات العمومية. فضلا عن
المساهمة في تخليق مناخ الأعمال عبر تحريك المتابعات بشأن كل صور الرشوة واستغلال
النفوذ والغدر والاختلاس وتبديد المال العام. وتوفير الحماية للمبلغين والشهود
لتشجيعهم على الإبلاغ عن أفعال الفساد، وإحداث خط هاتفي مباشر يمكن كافة الأشخاص
ومن بينهم الفاعلين الاقتصاديين، من تبليغ رئاسة النيابة العامة مباشرة بما قد
يتعرضون له من ابتزاز أو طلب رشوة أو ما يطلعون عليه من أفعال فساد، وهو ما يؤدي
إلى سرعة التدخل وضبط المخالفين في حالة تلبس.
حضرات السيدات والسادة؛
لا شك أن دور القضاء في حماية
الاستثمار لا ينتهي عند حدود تطبيق القانون بعدالة وإنصاف. وهما قيمتان لا مناص
عنهما في أداء العدالة المستقلة. وإنما يتطلب كذلك أن يخضع اجتهاد القضاة للمبادئ
الناظمة للأمن القضائي، التي تجعل المستثمرين والفاعلين الاقتصاديين مطمئنين على
استثماراتهم وعملياتهم، من جراء استقرار الاجتهاد القضائي من غير جمود، وتطوره من
غير تسرع، رعياً لمتطلبات السوق وقواعد المنافسة الحرة وحماية حرية العمل وحقوق
الأجراء وضمان استمرار المقاولة. ودون إخلال بحقوق المستهلك، الذي يشكل نواة
العملية الاقتصادية ومنتهاها. ولذلك نعتقد أن الدور الذي يمكن أن يقوم به القضاة،
ومن بينهم قضاة النيابة العامة، يعد محورياً في حماية الاقتصاد ودعم الاستثمار
والحفاظ على السلم الاجتماعي. وهي مؤشرات ينبغي على القاضي استحضارها خلال تطبيق
النصوص على الوقائع. ويجب ألاّ يغيب عن الأذهان أن جلالة الملك محمد السادس كان قد
قال في خطابه للأمة يوم فاتح مارس 2002 على أنه على القضاء “يتوقف كسبنا لرهان
الديمقراطية والتنمية”، وأنه يعزز مناخ الثقة التي تعد حجر الزاوية “للاقتصاد
الليبرالي”. وهو بذلك يساهم “في النهوض بالاستثمار والنماء الاقتصادي”.
وبهذه الدعوة المسْتشرفة للآمال، أختم
كلمتي، متمنياً أن تكلل أشغال هذا المؤتمر بالنجاح، شاكراً لكافة ضيوفنا تشريفهم
لنا بالحضور والمساهمة في النقاش وتبادل الآراء واقتسام الأفكار للبحث عن فضاءات
مشتركة يكون فيها الأداء القضائي محفزاً على الاستثمار والتنمية، وداعماً
للاستقرار والسكينة الاجتماعية ووسيلة لخدمة المنافسة الشريفة.
فلكم مني أصدق تقدير وأكبر احترام.
وباسم جميع أعضاء النيابة العامة المغربية، أتمنى لضيوفنا الأجانب مقاماً طيباً
بالمملكة المغربية، مؤملاً أن يستمتعوا بسحر مراكش كما يستمتعون بالوجبات العلمية
التي ستشكل محاور هذا المؤتمر خلال اليومين القادمين.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى
وبركاته.
[2] - عبد القادر عدو، مبادئ ق.ع.ج (القسم العام)، دار هومة للطباعة والنشر
والتوزيع، الجزائر، سنة 2010 ص 212.
[3] - ﳏﻤـــﻮد ﳏﻤـــﻮد
ﻣـــﺼﻄﻔﻰ، ﺷـــﺮح ﻗـــﺎﻧﻮن اﻟﻌﻘﻮﺑـــﺎت، اﻟﻘـــﺴﻢ اﻟﻌـــﺎم، دار ﻣﻄـــﺎﺑﻊ اﻟـــﺸﻌﺐ،
اﻟﻄﺒﻌـــﺔ اﻟـــﺴﺎدﺳﺔ، 1964، ص.222
[4] - اسماعيل محمود إﺑــــﺮاﻫﻴﻢ، ﺷـــﺮح
اﻷﺣﻜــــﺎم اﻟﻌﺎﻣـــﺔ ﰲ ﻗـــﺎﻧﻮن اﻟﻌﻘﻮﺑــــﺎت، دار اﻟﻨﻬـــﻀﺔ، اﻟﻘــــﺎﻫﺮة ، ص-224
[5] - ﺟــﻼل ﺛــﺮوت، ﻧﻈﺮﻳــﺔ
الجريمة المتعدية اﻟﻘــﺼﺪ –دراﺳــﺔ ﻣﻘﺎرﻧــﺔ-، ﻣﻨــﺸﻮرات الحلبي الحقوقية ، ﺑــﲑوت ﻟﺒﻨــﺎن،
2003، ص41، .42
- اسماعيل محمود إﺑــــﺮاﻫﻴﻢ، ﺷـــﺮح
اﻷﺣﻜــــﺎم اﻟﻌﺎﻣـــﺔ ﰲ ﻗـــﺎﻧﻮن اﻟﻌﻘﻮﺑــــﺎت، دار اﻟﻨﻬـــﻀﺔ، اﻟﻘــــﺎﻫﺮة ، ص-224
[6] - قرار للمجلس الأعلى، صادر بتاريخ 15/09/1995 عدد 1503/3، الملف عدد
18708/92، مجلة قضاء المجلس الأعلى، عدد 49-50 ص 206.
[7] - قرار صادر عن محكمة الإستئناف بفاس، بتاريخ 20/02/1979 عدد 946، ملف
جنحي عدد 3892، مجلة القضاء و القانون، عدد 129 ص 288 و ما يليها
[8] -
منصور رحماني، علم الإجرام والسياسة
الجنائية، دار العلوم للنشر والتوزيع، عنابة الجزائر، سنة 2006 ص 149
[9] ﺟــﻼل ﺛــﺮوت، ﻧﻈﺮﻳــﺔ الجريمة المتعدية اﻟﻘــﺼﺪ –دراﺳــﺔ ﻣﻘﺎرﻧــﺔ-،
ﻣﻨــﺸﻮرات الحلبي الحقوقية ، ﺑــﲑوت ﻟﺒﻨــﺎن، 2003، ص41، .42
0 تعليقات