الاسم الكامل: عبد الواحد موساوي
قواعد الفقه المالكي في المنظومة العقارية بالمغرب بين الاعمال
والإهمال "دراسة في ضوء قاعدة الإحالة في مدونة الحقوق العينية وقرارات محكمة
النقض"
مقدمة:
سارع المستعمر بعد فرض حمايته سنة 1912 بسن قوانين تحميه وتأسيس محاكم ترعاها، كما في ظهير 9 رمضان 1331 الموافق ل 12 غشت 1913، إلا أنه أبقى أحكام العقار -في مرحلة أولى – خاضعة لأحكام الفقه المالكي سواء في اختصاص المحاكم الشرعية في منازعات العقار غير المحفظ أو في اختصاص المحاكم العصرية في منازعات العقارات المحفظة أو تلك التي في طور التحفيظ بمقتضى الفصل الثالث من ظهير اخر صادر في التاريخ نفسه وهو المتعلق بالتحفيظ العقاري، بمعنى أن إحداث المحاكم العصرية وتوزيع الاختصاص بينها وبين المحاكم الشرعية لم يلغ تطبيق أحكام الفقه الإسلامي على جميع أنوع العقارات بالبلد، اللهم ماتعلق في المنازعات العقارية الناشئة بين الفرنسيين.
لكن بصدور ظهير 19 رجب 1331 الموافق ل2
يونيو 1915 المنشئ للتشريع المطبق على العقارات المحفظة استقل الفقه المالكي في
مصادره العامة بالانطباق على العقارات غير المحفظة وتلك التي في طور التحفيظ، ومع
ذلك فقد ظلت المحاكم العصرية ترجع إلى أحكام الفقه المالكي كلما أعوزها النص. غير
أن بصدور قانون التوحيد والمغربة والتعريب بتاريخ 26 يناير 1965 الملغي للمحاكم
العصرية ازداد البعد عن الفقه المالكي في مجال الفقه العقاري، إذ صار يتوجب بمقتضى
الفصل 3 من هذا القانون أن تطبق أمام جميع المحاكم بعد إلغاء المحاكم العصرية
والشرعية مقتضيات ظهير 19 رجب 1333 في العقار المحفظ وأحكام الفقه الإسلامي في
العقار غير المحفظ ومقتضيات ظهير الالتزامات والعقود في الدعاوى العينية المتعلقة
بمنقول فضلا عن القضايا المدنية. وهكذا صرنا أمام تشريعات مختلفة تطبق على مجال
واحد، والأدهى من ذلك أن الفقه المالكي وإن كان حاضرا ومراعى في كل تلك القوانين
إلا أن درجة الرجوع إليه توارت خلف قانون الالتزامات والعقود فلم يعد مصدرا
تكميليا بل احتياطيا.
فبعد صدور مدونة الحقوق
العينية بمقتضى الظهير الشريف رقم1.11.178 الصادر بتاريخ 22/11/2011 بتنفيذ
القانون 39.08 أضحت تنص على المصادر التكميلية التي يتعين على القاضي أن يلتجأ
اليها قصد الوصول إلى الحكم الذي يعدمه في
التشريع، بمقتضى المادة الأولى منها أضحى الفقه الاسلامي وبالذات الفقه المالكي
مصدرا احتياطيا وثانويا يلجأ اليه قصد تكملة النقص الذي قد يرد على بعض المقتضيات
الواردة فيها، حيث إنه يمكن للقاضي تطبيق قواعد الفقه المالكي فيما لم تنص عليه
مدونة الحقوق العينية، وذلك بعد تحري الحكم أولا في قانون الالتزامات والعقود
باعتباره مصدرا احتياطيا أعطته مدونة الحقوق العينية الأولوية على حساب المذهب
المالكي[1].
وعليه فستأتي هذه الدراسة لتبرز مكانة و مركزية الفقه المالكي في المادة
العقارية في ضوء العمل القضائي، وذلك من أجل بيان تجليات حضور قواعد الفقه المالكي
في الاجتهاد القضائي العقاري.
ومقاربة هذا الموضوع ستأتي مجيبة عن الإشكالية
الاتية :
مامدى إعمال قواعد الفقه المالكي في
الاجتهاد القضائي المغربي في المادة العقارية؟
وذلك وفق التصميم أدناه :
المبحث الأول:
نطاق الاحالة على الفقه المالكي المقررة في مدونة الحقوق العينية
المبحث الثاني:
موقف القضاء المغربي من الاحالة على الفقه المالكي
المبحث الأول : نطاق الإحالة على الفقه المالكي المقررة في مدونة
الحقوق العينية
جاء في المادة الأولى من مدونة الحقوق العينية ما يلي: " تسري مقتضيات
هذا القانون على الملكية العقارية والحقوق العينية ما لم تتعارض مع تشريعات خاصة
بالعقار. تطبق مقتضيات الظهير الشريف الصادر في 9 رمضان 1331 ( 12 أغسطس 1913)
بمثابة قانون الالتزامات والعقود في ما لم يرد به نص في هذا القانون. فإن لم يوجد
نص يرجع إلى الراجح والمشهور وما جرى به العمل من الفقه المالكي." فالمستفاد
من هذه المادة أن مدونة الحقوق العينية لم تعتمد الأقوال كلها، بل اعتمدت فقط على
بعضها، كالقولين الراجح والمشهور (المطلب الأول)، ثم ما جرى به العمل في المذهب
(المطلب الثاني).
المطلب الأول:
الإحالة على القولين الراجح والمشهور من المذهب المالكي
الفقرة الأولى:
الإحالة على القول الراجح من المذهب المالكي:
إن تبيان هذا الأمر يستدعي الحديث أولا عن مفهوم الراجح، ثم بعد ذلك تبيان
بعض صوره في مجال الحقوق العينية.
أولا: مفهوم القول الراجح
الراجح لغة من رَجَحَ الشَّيْءُ
يَرْجَحُ بِفَتْحَتَيْنِ وَرَجَحَ رُجُوحًا مِنْ بَابِ قَعَدَ لُغَةٌ وَالِاسْمُ
الرُّجْحَانُ إذَا زَادَ وَزْنُهُ وَيُسْتَعْمَلُ مُتَعَدِّيًا أَيْضًا فَيُقَالُ
رَجَحْتُهُ وَرَجَحَ الْمِيزَانُ يَرْجَحُ وَيَرْجُحُ إذَا ثَقُلَتْ كِفَّتُهُ
بِالْمَوْزُونِ [2].
واصطلاحا: الذي عليه أكثر فقهاء المذهب أنه ما قوي دليله، أي الذي يعتضد
بدليل ناهض سالم عن المعارضة المساوية أو الراجحة، وهذا المعنى منوط بالمجتهد الذي
من شأنه استفراغ الوسع في الموازنة بين الأدلة واصطفاء الأرجح وفق المعايير
المعتبرة، يقول أبو الشتاء الصنهاجي:
إن يكن الدليل قد
تقوّى فراجح عندهم يسمّى[3]
وقد قيل: ما كثر قائله ولكن هذا المعنى منوط بالمقلد الذي لا يجاوز حكاية
القول المشهور في المذهب والافتاء به[4].
وعليه فيفهم ممّا سبق أنّ المجتهد حقه اتّباع الدليل الأقوى ولو خالف
المشهور، والمقلد حقه التوقف على ما شهّره أئمة المذهب وأجروا العمل به.
وينبغي الإشارة إلى أنّ هناك بعض المصطلحات التي قد تفيد معنى الراجح من
ذلك: الأصح، الأصوب، الظاهر، المفتى به كذا...[5]
والخلاف الذي جرى في تعريف الراجح يجري أيضا فيما يدلّ عليه كالأصح ونحو
ذلك.[6]
وإن ميزان الترجيح يكون حسب الترتيب التالي:
أ-
القول الراجح ما كان له دليل،
بينما الاخر مقول بمجرد الرأي أو الاستحسان أو نحو ذلك، فيعتبر القول المدلل
راجحا.
ب-
قد يكون القولان أو الأقوال كلها
دليل، لكن الذي له دليل أقوى يعتبر راجحا.
ت-
قد يتساوى القولان في قوة الأدلة
وحينئذ يعتبر قول الأعلم والأتقى والأورع والأصدق ونحو ذلك من الأوصاف راجحا.
ث-
القول الذي يكون أكثر شبها بقواعد
الامام وأصوله يكون راجحا والقول المخرج يكون مرجوحا.[7]
ثانيا: بعض صور القول الراجح في مجال الحقوق العينية
إن المفروض في القانون أو التشريع أن يكون جمعا وتدوينا للقول الراجح في
المذهب المالكي، وكذلك يكون مناطا لحكم القضاء هو القول الراجح. والذي يتبين
للقاضي رجحانه والدليل الواضح يظهر له مثانته، لذلك لا توجد أي صعوبة في ايراد بعض
صور القول الراجح في مجال الحقوق العينية، فمثلا نجد المجلس الأعلى ( محكمة النقض
حاليا) تنص على هذا المبدأ في قرار صادر عنها بتاريخ 1991/10/22، والذي جاء
فيه" لا يجوز اختيار القول الضعيف مع وجود الأقوى، وقد نصّ عليه ابن محرز في
تبصرته"[8].
وللقول الراجح في مجال الحقوق العينية العقارية تطبيقات متعددة، نذكر منها ما يلي:
القول الراجح في مسألة الحيازة بين الشركاء الأقارب:
دخلت مدونة الحقوق العينية حيز التنفيذ ابتداء من تاريخ 2012/05/25 وقد حدد
فيها أن الحيازة أصبح أثرها غير ذي منظور إذا ما تعلق الأمر بالشركاء أو الأصول أو
الأزواج.[9]
إن القول الراجح في هذه المسألة
أن الحيازة جائزة حتى إن كانت بين الاباء والأبناء أو الأزواج، فالشركة ليست من
موانع الحيازة عند المالكية، على تفصيل في ذلك، وهذا القول تبنته محكمة النقض في
أحد قرارتها، صدر بتاريخ 2012/09/18، والذي يرمي إلى نقض القرار عدد 506 الصادر عن
محكمة الاستئناف بأكادير بتاريخ 2006/11/21، حيث ورد في قرار محكمة النقض ما
نصه:"فإن الفقه المعمول به وقت عرض الدعوى على القضاء هو أن مدة الحيازة
العاملة بين الشركاء والأقارب الذين ليس بينهم تشاجر هي بما يفوق الأربعين سنة مع
الهدم والبناء. وهو القول الراجح المشار إليه بأحد قولي صاحب المختصر، لذا قوّله
في باب الشهادة،" وفي الشريك القريب معهما قولان، أي مع الهدم والبناء، وأنّه
لا يستفاد من مستندات الملف أن حيازة البائع للطاعنين وكذا حيازتهم من بعده كانت
مقرونة بالهدم والبناء طول المدة المشار إليها أو طول المدة الدنيا مع وجود
التشاجر.[10]
القول الراجح في طبيعة الحيازة:
إنّ القول الراجح في طبيعة
الحيازة كونها قرينة دالة على الملك وليس سببا من أسباب كسب الملكية، فهي بمثابة
الشاهد العرفي الذي يشهد للحائز بأن الشيء محل الحيازة له، ولذلك فإن الشاهد
العرفي لا ينقل الملك للحائز، وإنما يثبت له بدعواه مع حلفه اليمين، فالحيازة
المكتملة الشروط توجب الملك للحائز وتقطع حجة المدعي لأنها كالشاهد فقط، وليست
سببا يوجب التملك. ولهذا نجد فقهاء المالكية يصنفون أحكام الحيازة ضمن أحكام
الشهادات. مما يدل على اتباع القول الراجح في المذهب المالكي، هذا إضافة إلى أن
المتبع في هذه المسألة مطالبة الحائز ببيان سبب ملكه إذا اثبت المحوز عليه ملك
الحوز. فلو كانت الحيازة سببا ناقلا للملك لما أمكن بيان سبب ملكه ووجه تملكه
للعقار.[11]
الفقرة الثانية:
الإحالة على القول المشهور من المذهب المالكي
عملا بالمنهج الذي سبق، سنقوم ببيان مفهوم القول المشهور (أولا)، ثم بعض
صوره في مجال الحقوق العينية (ثانيا).
أولا: مفهوم القول المشهور
المشهور لغة: من الشُّهْرَةُ: ومعناه ظُهُورُ الشَّيْءِ فِي شُنْعَة حَتَّى
يَشْهَره النَّاسُ.[12]
واصطلاحا: اختلف في تعريف المشهور كما في الراجح على ثلاثة أقوال {أنه ما
قوي دليله، وأنه ما كثر قائله، وأنه قول ابن القاسم في المدونة}.
v
ما قوي دليله: وبهذا يكون مرادفا
للراجح، ولا يعتبر صاحب هذا القول كثرة القائلين في تعارض البينتين كثرة شهود
أحديهما. ويحتمل أن يكون أطلق الدليل على ما يشمل كثرة القائلين فيكون أعم من
الراجح بإطلاق، وبحيث يشمل جميع أفراد الراجح وأفرادا أخرى.[13]
v
ما كثر قائله: وعلى القول الثاني
فلابد من أن يزيد نقلته عن ثلاثة ويسميه الأصوليون المشهور والمستفيض أيضا.[14]يقول أبو الشتاء الصنهاجي:
والقول إن كثر من يقول به يسمى
بمشهور عندهم فانتبه[15]
v
قول ابن القاسم في المدونة[16] وإلى هذا القول مال شيوخ
الأندلس والمغرب كالباجي واللخمي...الخ.
وللتشهير علامات تدل عليه منها المذهب كذا، الظاهر كذا، الراجح كذا...الخ.
ثانيا: تطبيقات القول المشهور في مجال الحقوق العينية
المشهور في المذهب المالكي صحة إحياء الأرض الموات من الذمي بشرط أن يكون
ذلك فيما بعُد عن العمران، فالمالكية بهذا لا يشترطون أن يكون المحي مسلما، إذ يصح
من الذمي وذلك فيما بعد عن العمران، وفي ذلك يقول الشيخ خليل: وافتقر الإذن ان قرب
بخلاف البعيد، ولو ذميا بغير جزيرة الغرب، وكذلك قال ابن القاسم وصرح ابن عرفة
بأنه المشهور، فالذمي يحيي فيما بعد عن العمران، وحكمه في ذلك حكم المسلمين وأما
ما قرب من العمران فيخرج عنه، فلا يأذن به الإمام وذلك دفعا للمضرة عن المسلمين.
إلا ان الملاحظ أن مدونة الحقوق العينية لم تشر إلى هذه المسألة، وعليه
تنبغي الإشارة إلى بعض الأمور:
أولا: أن المشهور في المذهب المالكي هو أن من أحيا أرضا مواتا بعيدة عن
العمران بأن خرجت عن حريم الجماعة. فإن إحياءه لا يفتقر إلى إذن الإمام. ويكون ما
أحياه ملكا له، وهذا على خلاف ما نصت عليه المدونة حيث تستلزم إذن السلطات المختصة
في جميع الأحوال.
ثانيا: إن الأراضي التي لا مالك لها هي في ملك الدولة طبقا للمادة 222 من
مدونة الحقوق العينية[17]، فينبغي للأجنبي ألا يضع
يده عليها، قريبة كانت أو بعيدة، إلا وفق المقتضيات القانونية، وحتى إن وضع يده
عليها فإنّه لا يكون تحت مسمى الإحياء، وإنما يكون ذلك بمقتضى اتفاقية أو شراكة أو
عقد أو نحوه وذلك قياسا على الحيازة لأن الحيازة لا تثبت للأجنبي قطعا والقرينة
الجامعة بين الحيازة الاستثنائية والإحياء أن كلاهما يقوم على السيطرة الفعلية على
العقار، إضافة إلى كونها من أسباب اكتساب الملكية.[18]
المطلب الثاني:
الإحالة على ما جرى به العمل من أقوال المذهب المالكي:
في هذا المطلب سنتطرق أولا إلى مفهوم ما جرى به العمل في المذهب المالكي (
الفقرة الأولى)، ثم ثانيا سنعرض أمثلة لتطبيق ما جرى به العمل في مجال الحقوق
العينية ( الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى:
مفهوم ما جرى به العمل
يقصد بمصطلح ما جرى به العمل عند فقهاء المالكية، الأخذ بقول ضعيف أو شاذ،
في مقابل الراجح أو المشهور لمصلحة أو ضرورة، أو غير ذلك. كما عرّفه الدكتور عمر
الجيدي بأنه اختيار قول ضعيف والحكم والافتاء به وتمالؤ الحكام والمفتين بعد
اختياره على العمل به لسبب اقتضى ذلك، أو العمل كما استقر عليه {أي عند المغاربة
هو العدول عن القول الراجح أو المشهور في بعض المسائل إلى القول الضعيف فيها، رعيا
لمصلحة الأمة وما تقتضيه حالتها الاجتماعية}.[19]
ويبدو من هذا التعريف أن ما جرى به العمل نوع من الاجتهاد المذهبي، إذ يقوم
على اختيار قول ضعيف من عالم أو قاض أهلٌ لذلك، أي من ذوي الاجتهاد داخل المذهب،
لأنه القادر على مقابلة القول الضعيف. أو الشاذ بالراجح أو المشهور، والنظر إلى
الأدلة التي يقوى بها ذلك القول على غيره.[20]
شروط
ما جرى به العمل:
لقد أجمل الشيخ ميارة وغيره الشروط التي يجب أن تتوفر في القول الجاري به
العمل فيما يلي:
1)
أن يكون العمل صدر من العلماء
المقتدى بهم.
2)
أن يثبت بشهادة العدول المتثبتين
في المسائل.
3)
أن يكون جاريا على قوانين الشرع
وإن كان شاذا.[21]
ولقد تناول هذه الشروط وفصّل فيها الشيخ أبو العباس أحمد الهلالي بقوله:
" إنه يشترط لتقديم ما به العمل أمور:
أحدها: ثبوت جريان العمل بذلك القول،
ثانيها: معرفة محلية جريانه عامّا أو خاصّا من البلدان.
ثالثها: معرفة كون من أجرى ذلك العمل من الأئمة المقتدى بهم في الترجيح.
رابعها: معرفة السبب الذي لأجله عدلوا عن المشهور إلى مقابله.[22]
ولقد أكد القضاء المغربي هذا المفهوم في أحد قرارته التي صدرت عن محكمة
الاستئناف بتاريخ 1976/04/13، جاء فيه أنه: يجري العمل في المذهب قضاء وفتوى
بالقول المرجوح أو المقابل للمشهور عندما تقتضي المصلحة ذلك، وأن مخالفة ما جرى به
العمل فتنة وفساد، وقد جرى العمل بالضعيف في قرطبة، والعمل بفاس تابع لعمل أهل
فاس.
الفقرة الثانية:
بعض صور ما جرى به العمل في مجال الحقوق العينية:
من الأمثلة على هذا: بيع العقار المحبس إذا تعذر الانتفاع به، فالمشهور في
المذهب عدم جواز بيع العقار المحبس ولو خرب، حيث قال الشيخ خليل: " وبيع ما
لا ينتفع به من عقار في مثله (...)لا عقار وإن خرب ونقض، ولو بغير خرب إلا لتوسيع
كمسجد ولو جبرا(...). فإن المشهور في المذهب المالكي هو عدم جواز بيع العقار
المحبس ولو كان خربا، لكن العمل جرى على جواز بيعه إذا تعذر الانتفاع به، ويجعل
ثمنه في مثله، ويكون مستند العمل هنا هو المصلحة التي يقدرها المجتهد.[23]
المبحث الثاني: موقف القضاء
المغربي من الإحالة على الفقه المالكي
بين يدي هذا المبحث وقوف على أهمية رقابة محكمة النقض على تطبيق قاعدة
الإحالة { المطلب الأول } إلى جانب ذلك
بيان لأهم تجليات هذه الرقابة في التصرفات العقارية عموما ، وعلى وجه الخصوص قضايا
الشفعة والتبرعات { المطلب الثاني }
المطلب الأول:
رقابة محكمة النقض على تطبيق قاعدة الإحالة
تعتبر محكمة النقض محكمة قانون وليس
محكمة موضوع إلا في حالات استثنائية، وبناء على ذلك تمارس رقابتها المخولة قانونا
على تطبيق القانون في المحاكم الأدنى درجة ومن نماذج ذلك رقابتها على تطبيق قاعدة
الإحالة المنصوص عليها في مدونة الحقوق العينية { الفقرة الثانية } وموقفها من
استعانة محاكم الموضوع بالنصوص الفقهية { الفقرة الأولى }
الفقرة الأولى:
موقف محكمة النقض من استعانة محاكم الموضوع بالنصوص الفقهية
إنّ كلّ حكم صادر كان مشوبا ناقصا أو منعدما أو فاسد التعليل، فإنّه يكون
معرضا للنقض وهذا ما ذهبت إليه محكمة النقض في أحد قرارتها، عدد 242 بتاريخ
1984/04/15 بملف مدني عدد 81175 حيث جاء فيه: " إن كل حكم أو قرار ولو كان
صادرا عن المجلس الأعلى يجب أن يكون معللا تعليلا كافيا وسليما ويتعرض للإلغاء أو
النقص أو قبول إعادة النظر فيه إذا كان منعدم التعليل أو كان فاسد التعليل أو
ناقصه"[24]
وبناء عليه فإن أي حكم كيفما كان نوع المحكمة التي أصدرته يجب عليه أن يكون
معللا تعليلا نافيا للجهالة.
ومن الأمثلة على استدلال محاكم الموضوع بالقواعد الفقهية عند تعليل أحكامها
نذكر في هذا الصدد حكما صادرا عن ابتدائية بمدينة تزنيت جاء فيه: " وحيث إنه
من المقرر أن سبب تقييد تصرفات المريض مرض الموت ليس لعيب في إرادته أو نقص في
أهليته وإنما يرجع إلى تعلق حق الورثة بأموال المريض من وقت المرض لا من وقت
الموت..."[25]
واستشهاد محاكم الموضوع بالأقوال الفقهية لقضاة وأعلام المذهب المالكي على
وجه العموم لتعضيد الاتجاه الذي بني عليه الحكم كثيرا ما يطرح في عدة أحكام، لكن
السؤال الذي يطرح نفسه هو عن مدى توفق قضاء الموضوع في توظيف قاعدة الإحالة على
الفقه المالكي؟
ففي هذا الصدد نجد الدكتور عادل حاميدي يقول: " أما محاكم الموضوع
فإنها تلج في هذا الأمر، بحيث إنها كثيرا ما لا توفق في الاستشهاد بالأقوال
الفقهية التي تخدم المقام، وأحيانا أخرى تأتي ببعض الاستشهادات النوازلية أو
الفقهية دون ذكر لمراجعها، بل إنه كثيرا ما يتم التوسل ببعض الأقوال لفقهاء غير
معروفين، أو بأقوال فقهية مرجوحة في المذهب المالكي، وكل هذه الأمور تؤثر لا محالة
على سلامة موقف المحكمة المعبرة عنه في منطوق الحكم، وفي أحاين أخرى معينة تستنكف
المحكمة عن ذكر الشاهد الفقهي كلية، أو تكتفي بالإشارة إلى أن قضاءها يوافق النصوص
الفقهية، دون إيراد ما يدل على ذلك من الشواهد الفقهية."[26]
وأضاف قائلا : "إن تعامل القضاء مع النصوص الفقهية في حاجة إلى مراجعة
جذرية، وذلك بالالتزام بضوابط معيارية صارمة تعيد لتلك النصوص قيمتها الفقهية
ووهجها العلمي، حيث باتت تستغل لخدمة اتجاهات قضائية متباينة، علما بأن
الاستشهادات بها أضحى إلى أفول وتضاؤل بعد ان اكتسحت القوانين الوضعية سائر
المجالات ليصبح قاصرا على القضايا الشرعية المحصورة في قضايا العقار المحفظ
والأسرة."[27]
والمادة الأولى من مدونة الحقوق العينية نصت على قاعدة الإحالة وذلك
بالرجوع إلى الراجح والمشهور وما جرى به العمل في الفقه المالكي في حالة انعدام
النص فيها، مما يتضح معه جليا أن الرجوع إلى الفقه الإسلامي أضحى مسـألة قانونية
منصوص عليها تشريعيا.
لكن الملاحظ أن الأحكام الصادرة عن محاكم الموضوع نادرا ما تشير إلى
تطبيقها لهذه القاعدة، ويتضح لنا أن إشارة القضاء في أحكامه إلى تطبيقه لقاعدة
الإحالة المنصوص عليها في المادة 1 من المدونة يكتسي أهمية بالغة من شأنها أن تنبه
المتقاضين وأصحاب الحقوق إلى مصدر القاعدة التي بني عليها الحكم.[28]
أما عن مسألة الترجيح بين الأقوال الفقهية ومناقشتها فيتأكد من خلال تتبع
الاتجاه العام للعمل القضائي بخصوص تنزيل قاعدة الإحالة على الفقه المالكي في
القضايا العقارية، عزوف محاكم الموضوع، كما هو الشأن لمحكمة النقض عن الترجيح بين
الأقوال والآراء الفقهية باستقلال عما في كتب الفقه المعتمدة، حتى يتضح حدود عملية
الترجيح في كون القضاء لا يقوم بأعمال قواعد الترجيح المخولة للمجتهدين من فقهاء
المذهب، وإنما يعتمد على ما رجحه فقهاء المالكية قديما، أو قالوا بجريان العمل.[29]
الفقرة الثانية:
رقابة محكمة النقض على محاكم الموضوع في تطبيق قاعدة الإحالة
إن مهمة محكمة النقض تتمثل في مراقبة حسن تطبيق القواعد الفقهية من خلال
شرح قاعدة سيء فهمها مثلا، أو تنبيه محاكم الموضوع إلى الخطأ الذي وقعت فيه عند
تطبيقها، أو لتحديد شرط أو شروط إعمالها، والحالات التي تطبق فيها، بالتالي فهي
ليست درجة ثالثة من درجات التقاضي حتى تناقش الموضوع، بل تراعي السداد في تطبيق
القانون.
والقاضي وهو يبت في القضايا العقارية ملزم بضرورة الاعتماد على الفقه
المالكي كمصدر أساسي، وذلك في الحالة التي يعدم فيها الحل القانوني للنازلة
المعروضة عليه لا في مدونة الحقوق العينية ولا في قانون الالتزامات والعقود، كما
أن محكمة النقض بدورها تعتبر قواعد الفقه المالكي قانونا يجب تطبيقه.
ورقابة محكمة النقض على المحاكم بخصوص تطبيق قاعدة الإحالة تتمثل في مجموعة
من الأمور كما ذكرت سلفا، مثل :
§ تدخل
هذه المحكمة من أجل شرح القواعد الفقهية التي يجب إعمالها.
§ تدخل
هذه المحكمة لتصحيح سداد حكم محاكم الموضوع نتيجة عدم تركيز تعليلها على أساس فقهي
سليم.
§ وقد
تتدخل أيضا لتحديد شرط أو شروط إعمال القاعدة الفقهية المستند عليها في تعليل
الحكم.
§ وأخيرا
فإن محكمة النقض قد تتدخل للإشادة بالتطبيق السليم للقواعد الفقهية من طرف محاكم
الموضوع.[30]
المطلب الثاني: نماذج
لقواعد الفقه المالكي المعتمدة قضاء في مجالي الشفعة والتبرعات
الفقرة الأولى: مثال لقواعد
الفقه المالكي التي يحيل عليها القضاء في قضايا الشفعة
من المعلوم أن مدونة الحقوق العينية استمدت جل نصوصها من الفقه المالكي،
إضافة إلى أن القضاء المغربي كان يقوم بتطبيق أحكامه وقواعده في القضايا والنوازل
التي لم تشملها المدونة بالتنظيم، ومن بينها ما يتعلق بالشفعة، من ذلك مثلا:
الأموال
التي يمكن أن ينصبّ عليها حق الشفعة
تعرف الشفعة في الفقه الإسلامي بكونها: " أخذ الشريك حصة ممن تجدد
ملكه اللازم اختيارا بمعاوضة عقار أو ما يتبعه بمثل الثمن أو قيمته أو ما حدّد
الشارع في عوض الشخص.[31]
وعرفتها مدونة الحقوق العينية في المادة 292 منها.[32] ويتبين من تعريفها أن
المشرع قد حصر نطاق الشفعة في البيوع التي تنصب على الأملاك والحقوق العينية؛
{ويقصد بهذه الأملاك الدور والعقارات والأبنية والأراضي، أما الحقوق العينية
القابلة للتداول فهي حق الانتفاع والسطحية والكراء الطويل الأمد وحق الزينة وحق
الهواء والتعلية.}
فالمشرع بهذا يكون قد تبنى رأي الفقه المالكي الذي اشتهر عند فقهاؤه أنه لا
شفعة إلاّ في الأموال العقارية وما يتصل بها من شجر أو حيوان يرصد لخدمة العقار،
ويكون بذلك قد استثنى الأموال المنقولة.
ومن المواضع التي أغفل المشرع معالجتها في المدونة ما يتعلّق بشفعة الماء،
قال المتحف:
والماء تابع لها
فيه احكم ووحده إن أرضه لم تقسم[33]
فإذا كان ماء السقي مشتركا بين شخصين فأكثر، ففوت أحدهما نصيبه، فإن الحكم
يختلف بحسب ما يلي:
1-
إذا كانت الأرض التي تسقى مشتركة
أيضا: فالشفعة تثبت في ذلك الماء باتفاق المالكية، سواء باع الشريك نصيبه فيه
وحده، أو باع نصيبه من الماء والأرض، فللباقي شفعة المبيع من الماء والأرض معا لأن
الماء تابع للأرض وإن كان غير قابل للقسمة نفسها.[34]
2-
أمّا إذا كانت الأرض التي تسقى به
غير مشتركة، فإن الراجح في المذهب المالكي أن الشفعة تثبت فيه أيضا[35] على خلاف القول المرجوح
الذي يقول بعكس ذلك.[36]
الفقرة الثانية:
مثال لقواعد الفقه المالكي التي يحيل عليها القضاء في قضايا التبرعات
الهبة عقد تبرعي؛ عرّفها الشيخ ابن عرفة رحمه الله بقوله: " الهبة لا
لثواب تمليك ذي منفعة لوجه المعطى بغير عوض"[37]. ومتى ما انعقدت فإنها
تصبح لازمة لكلا طرفيها، لأن في نقض العقد من طرف أحد عاقديه دون الآخر، تغييرا
للمراكز القانونية التي رتبها العقد. ولقد نظمت أحكامها ضمن نصوص مدونة الحقوق
العينية إضافة إلى الفقه المالكي، ومن هذه الاحكام جواز الاعتصار فيها وسنشير هنا
إلى إحدى الجزئيات المتعلقة بالاعتصار وهي:
مسألة
اشتراط عدم الرجوع في الهبة.
فالسؤال هنا هل يعتبر هذا الشرط في
عقد الهبة مانعا من مباشرة حق الاعتصار ممن ثبت له الحق فيه، بالرغم من أن المدونة
لم تجعله ضمن موانع الاعتصار، وحدّدت موانع الاعتصار فيما يلي: "
-
إذا كانت الهبة من أحد الزوجين
للآخر ما دامت رابطة الزوجية قائمة.
-
إذا مات الواهب أو الموهوب له قبل
الاعتصار.
-
إذا مرض الواهب أو الموهوب له مرضا
مخوفا يخشى معه الموت، فإذا زال المرض عاد الحق في الاعتصار.
-
إذا تزوج الموهوب له بعد ابرام عقد
الهبة ومن أجلها.
-
إذا فوت الموهوب له الملك الموهوب
بكامله، فإذا اقتصر التفويت على جزء منه جاز للواهب الرجوع في الباقي.
-
إذا تعامل الغير مع الموهوب تعاملا
ماليا على اعتماد الهبة.
-
إذا أدخل الموهوب له تغييرات على
الملك الموهوب أدت إلى زيادة مهمة في قيمته.
-
إذا هلك الملك الموهوب في يد
الموهوب له جزئيا جاز الاعتصار في الباقي."[38]
فأمام خلو المدونة من الحكم القانوني المناسب لهذه المسألة، وكذلك نظرا
لعدم تطرق قانون الالتزامات والعقود لأحكام الهبة. علاوة على اعتبارها من عقود
التبرع التي كانت خاضعة للفقه المالكي، فإنّ القضاء المغربي وفي سبيل إيجاد الحلّ
المناسب لهذه المسألة، يحيل على الفقه المالكي الذي تعرض لهذه المسألة رأسا[39].
حيث قضى المجلس الأعلى{محكمة النقض حاليا} بتاريخ 2008/04/09 بأن"
الثابت من وثائق الملف أن الطالبة تقر بأنها اشترطت في العقد المطلوب إبطاله عدم
رجوعها فيما وهبته للمطلوب، ومن ثم تكون ملزمة بما اشترطته عن طواعية واختيار، ولا
يجوز لها الرجوع فيه كما ذهب إلى ذلك
الخرشي والزرقاني، إذ نصا على جواز اشتراط عدم الاعتصار إعمالا للشرط، وأضاف
الزرقاني أيضا {وإن شرط المتصدق أنه يرجع في صدقته، كان له شرطه، وله ان يعتصرها.
وكذا يعمل شرط عدمه في الهبة(...)، والمحكمة لما ناقشت الفقه المعمول به في هذا
الشأن وثبت لها أن الطالبة اشترطت على نفسها عدم الرجوع في الموهوب لفائدة المطلوب
الموهوب له، وأن هذا الشرط ملزم لها، وأن العقد شريعة المتعاقدين طالما نشأ صحيحا.
وقضت على النحو المذكور، فإنها قد طبقت الفقه المعمول به تطبيقا صحيحا، وقرارها
كان معللا بما فيه الكفاية.[40]
وعلى خلاف ما ذهب إليه هذا القرار، اتجهت محكمة النقض إلى اعتبار أن عدم
اشتراط الرجوع في عقد الهبة ليس من موانع الاعتصار ولا يلزم الواهب.[41]
الفقرة الثالثة:
رأي محكمة النقض بخصوص تطبيق قاعدة الاحالة
يستعين القضاء بالقواعد
الفقهية عند عدم وجود النص، ويعتبرها مصدرا تكميليا كما هو الأمر بالنسبة لمدونة
الأسرة والعقار غير المحفظ، أو مصدرا توضيحيا حال غموض النص القانوني أو قصوره عن
الاتيان بالاركان والشروط كما هو الأمر بالنسبة لشروط الحكمين المنصبين للتوفيق
والسداد بين طرفي دعوى التطليق والطلاق، وكذا بعض أحكام الفقه، وليس للقاضي فيها
هامش معتبر لاعمال النظر والاجتهاد طالما هو ملزم بقواعد الفقه المالكي ابتداء ثم
بغيره من المذاهب متى لم يجد الحل الفقهي فيه، بل انه حتى في نطاق الفقه المالكي
يكون ملزما بالاذعان لقيد الراجح والمشهور وما جرى به العمل منعا من التلفيق بين
المذاهب، فخطورة التعامل مع القواعد الفقهية تتمثل إما في الجهل بطرق اعمالها نوعا
وسياقا، فيضل المجتهد ويتنكب الصواب عند تلمس الحل الفقهي للنازلة، وذلك إما
بالتخير منها، أو الانتقاء دون اعمال ضابط موضوعي تنضبط له سائر الأحكام
والاجتهادات منعا من التخبط في الاجتهاد، وإما بعدم معرفتها مطلقا.
وكثيرة هي الأحكام الصادرة عن محاكم الموضوع والتي لا تشير الى النص الفقهي
المعمول به، بل تكتفي فقط بالاستعانة بقواعد الفقه المالكي على عمومها جاء في حكم
صادر عن ابتدائية تزنيت:" وحيث أنه من المقرر في الفقه المالكي أن سبب تقييد تصرفات المريض مرض الموت
ليس هو عيب في ارادته أو نقص في أهليته، وانما يرجع الى تعلق حق الورثة بأموال
المريض من وقت المرض لا من وقت موته[42]
إن المتتبع لقرارات محكمة النقض يجدها لا تلزم محاكم الموضوع بايراد النصوص
الفقهية المستدل بها في تعليل أحكامها، اذ العبرة عندها بالقواعد الفقهية
المستنبطة من تلك النصوص، وما يؤكد هذا المعنى القرار الصادر عن محكمة النقض والذي
جاء فيه:
"إن طالبة النقض في الحكم المذكور بعدم التعليل وذلك أن كلا من
الحكمين الابتدائي والاستئنافي لم يبين النص الذي ارتأئ تطبيقه، وانما اقتصر الحكم
الأول على القول بأن الفقه يقضي باليمين و أضاف الحكم الثاني أن المقرر فقها أن
...، ولكن حيث إن المحكمة غير ملزمة بايراد النصوص الفقهية التي تستند الى
مضمونها الذي لم يطعن في صحته وبذلك الوسيلة غير مبنية على أساس"[43]
إلا أنه تلزم محاكم الموضوع حين استشهادها بالنصوص الفقهية أن تناقشها في
اطار الفقه المالكي، فقد جاء في قرار عن محكمة النقض ما نصه:
"حيث إنه لحق ما نعته الوسيلة على الحكم في كل ما أشارت اليه،
فالمحكمة مصدرة الحكم المطعون فيه لم تناقش حجج الطاعن التي أدلى بها ابتدائيا
وخاصة اللفيفية عدد 27 ص 27 لم تناقشها وفق قواعد الفقه المالكي، وقولها أن
اللفيفية غير كافية لإثبات الشراء هكذا على اطلاقها غير صحيح، لأن اللفيفية المشار
اليها تثبت حيازة المدعي للمدعى فيه أكثر من عشر سنين...، فقواعد الفقه تقيم الوزن
للحيازة التي تثبتها اللفيفية وليس كما قالت المحكمة...، وعلى كل حال فالمحكمة لم
تناقش مستندات الملف على ضوء قواعد الفقه المقضي به، وبالتالي لم تصدر حكمها وفق
ذلك، وجاء حكمها غير مرتكز على اساس وفاسد التعليل الموازي لانعدامه وكان حريا
بالنقض"[44]
يتضح لنا جليا أن دور محكمة النقض يتمثل في مراقبة حسن تطبيق القواعد
الفقهية من خلال شرح قاعدة فقهية سيء فهما أو لتصحيح سدادها، أو تنبيه محاكم
الموضوع الى الخطأ الذي وقعت عند تطبيقها، أو لتحديد شرط أو شروط اعمالها،
والحالات التي تطبق فيها، بالتالي فهي ليست درجة ثالثة من درجات التقاضي حتى تناقش
الموضوع، بل تراعي السداد في تطبيق القانون، إلا أنه كثيرا ما نجد القضاء المغربي
يورد بعض النصوص الفقهية التي يعتمدها في صلب أحكامه وقراراته، بل نجد بعضها
تستكثر في الاستشهاد و ذكر النصوص الفقهية بأكثر مما يتطلبه المقام، وذلك قصد
اعطاء الحكم حقه من التعليل والتسبيب حتى لا يكون معرضا للنقض على هذا الأساس، حيث
جاء في حكم صادر عن المحكمة الابتدائية لسوق أربعاء الغرب بتاريخ 19/06/2013
أنه:" وحيث من الثابث فقها وقضاء أن الحوز هو شرط التبرعات، ولا يستقيم
التبرع بدونه...، فقد جاء في تحفة ابن عاصم "والحوز شرط تحبيس --- قبل حدوث
موت أو تفليس" وقال الشيخ التسولي في
شرح ذلك :" والمذهب أنه لابد من المعاينة ولا يكفي الاقرار بالحوز من المحبس
عليه، وانما لم يكتف عن المعاينة باقرار المحبس لان التنازع في صحة الحبس اما
الوريث أو الغريم، فلو اكتفى في ذلك بالاقرار لزم قبول اقرار الانسان على غيره وهو
باطل اجماع أما حينما يتعلق الامر بتبرع منصب على دار للسكنى فإن الفقهاء تشددوا
في مسألة الحوز... لقول صاحب التحفة: "ومن يحبس دار سكناه فلا--- يصح الا أن
يعين الخلا " وإن يكن موضع سكناه وهب---فإن الإخلاء له حكم وجب وقال الشيخ
ميارة شارحا ذلك: إن من حبس دار سكناه على بينة أو غيرهم فلابد من خروجه منها
ومعاينة الشهود إخلائها. [45]
خاتمة:
من خلال ماسبق
يتبين أن الفقه المالكي حاضر بأحكامه في الاجتهادات القضائية إلى جانب القواعد
القانونية المنظمة في مدونة الحقوق العينية وقانون الالتزامات والعقود، لكن
الاستناد إلى قواعد هذا الفقه مازال يثير مجموعة من الإشكالات خصوصا في طريقة
التعامل مع أمهات كتب المالكية إضافة إلى ضوابط التعامل مع القول المشهور والراجح
وما جرى به العمل ، وطريقة إعمال الاقوال الفقهية وغيرها من الإشكالات.
لائحة المصادر والمراجع:
الكتب
v أصول
الفتوى والقضاء في المذهب المالكي: محمد رياض، الطبعة الأولى (1996).
v تحفة
الحكام في نكث العقود والأحكام: ابن عاصم، تحقيق محمد عبد السلام، دار الأفق
العربية، ط 1(2011).
v الإحالة
على الفقه المالكي في ضوء مدونة الحقوق العينية والعمل القضائي. رشيد لعنب الطبعة
الأولى سنة 2016 مطبعة المعارف الجديدة الرباط.
v تطبيق
قاعدة الإحالة على الفقه المالكي في المادة العقارية من خلال العمل القضائي: محمد
أركينين.
v حاشية
الدسوقي على الشرح الكبير لابن عرفة الدسوقي، دار الفكر؛ بدون طبعة.
v الحقوق
العينية في الفقه الإسلامي والتشريع المغربي: محمد ابن معجوز، الطبعة الأولى.
v شرح
حدود ابن عرفة: الرصاع، دار الغرب الإسلامي-لبنان-الطبعة الأولى (1993).
v العرف
والعادة ومفهومهما لدى علماء المغرب: الدكتور عمر الجيدي، مطبعة فضالة، المحمدية
المغرب.
v القواعد
الفقهية وتطبيقاتها القضائية في المادة العقارية: عادل حاميدي ،مطبعة النجاح الدار
البيضاء، دار السلام للنشر أبريل 2012.
v كشف
النقاب الحاجب عن مصطلح ابن الحاجب: ابن فرحون {دراسة وتحقيق: حمزة أبو فارس، عبد
السلام الشريف دار الغرب الإسلامي بيروت، الطبعة الأولى.
v لسان
العرب: جمال الدين ابن منظور، دار صادر بيروت الطبعة الثالثة ( 1414) .
v المذهب
المالكي، مدارسه ومؤلفاته خصائصه وسماته: محمد المختار المامي، مركز زايد للتراث
والتاريخ، ط 1 (2002).
v المصباح
المنير: احمد بن محمد الفيّومي، المكتبة العصرية، صيدا بيروت، ط 2014.
v مواهب
الخلاق على شرح التاودي للامية الزقاق: أبي الشتاء الصنهاجي.
v نظرية
الأخذ بما جرى به العمل في المغرب للأستاذ عبد السلام العسري ط 1417ه / 1996.
v نور
البصر شرح خطبة المختصر للعلامة خليل: أبو العباس أحمد الهلالي الفلالي، دار يوسف
بن تاشفين ومكتبة الامام مالك، ط 1(2007).
v –
مركز الفقه الاسلامي في القانون المدني المغربي – عبد الكريم الطالب رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون
الخاص جامعة القاضي عياض.
v المذهب المالكي، مدارسه ومؤلفاته
خصائصه وسماته: محمد المختار المامي، مركز زايد للتراث والتاريخ، ط 1 (2002)
v الموجز في الحقوق العينية وفق أحكام المدونة
والأصول الفقهية" أستاذنا حسن القصاب
الطبعة 1 سنة 2019.
الأحكام
والقرارات القضائية
v قرار عدد 1303، صادر عن
المجلس الأعلى بتاريخ 1991/ 10/22 في الملف الشرعي عدد 6596/1989.
v القرار عدد 4036، صادر عن
محكمة النقض بتاريخ 2012/09/18 في الملف العقاري رقم 1837/1/1/2010.
v قرار عدد 177 الصادر عن
المجلس الأعلى بتاريخ 09/04/2005 الصادر في الملف الشرعي 231/2/1/2007 .
v
قرار صادر بتاريخ 04/03/2012 عدد 569 الصادر عن محكمة النقض بتاريخ
04/09/2012، بالملف الشرعي رقم 268/2/1/2011.
v حكم عدد 21 بتاريخ
25/4/2017 ملف عقاري عدد 40/2017 صادر عن المحكمة الابتدائية بتنزنيت.
v قرار عدد 35 الصادر بتاريخ
8 محرم 1390 الموافق ل 30/3/1970، مجلة قضاء المجلس الأعلى.
النصوص القانونية
v مدونة الحقوق العينية
vقانون الالتزامات والعقود
[1]
" الموجز في الحقوق العينية وفق أحكام المدونة والأصول الفقهية" أستاذنا
حسن القصاب الطبعة 1 سنة 2019 ص 2.
[2] المصباح المنير: احمد بن محمد الفيّومي، المكتبة العصرية، صيدا بيروت، ط
2014، ص 115.
[3] مواهب الخلاق على شرح التاودي للامية الزقاق: أبي الشتاء الصنهاجي ، الجزء
2 ص 337.
[4] أصول الفتوى والقضاء في المذهب المالكي: محمد رياض، الطبعة الأولى (1996) ص
474.
[5] انظر: نظرية الأخذ بما جرى به العمل في المغرب للأستاذ عبد السلام العسري ط
1417ه / 1996 ، ص 38.
[6] المصدر نفسه، ص 38.
[7] المصدر نفسه، ص 38/ 39.
[8] قرار عدد 1303، صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 1991/ 10/22 في الملف الشرعي
عدد 6596/1989، نقلا عن رشيد لعنب في كتابه الإحالة على الفقه المالكي ص 103.
[9]
المادة 255 من م ح ع : " لا محل للحيازة : -بين الأب وابنه وان سفل ولا بين
الأم وأبنائها وإن سفلوا. -بين الأزواج أثناء قيام الزوجية. -بين الشركاء
مطلقا...الخ"
[10] القرار عدد 4036، صادر عن محكمة النقض بتاريخ 2012/09/18 في الملف العقاري
رقم 1837/1/1/2010 (غير منشور).
[11] الإحالة على الفقه المالكي: رشيد لعنب، ص 104 (بتصرف).
[12] لسان العرب: جمال الدين ابن منظور، دار صادر،بيروت ، ط3 ( 1414) ، ج 4/ ص 431.
[13] نظرية الأخذ بما جرى به العمل في المغرب: عبد السلام العسري، ص 40.
[14] كشف النقاب الحاجب عن مصطلح ابن الحاجب: ابن فرحون {دراسة وتحقيق: حمزة أبو
فارس، عبد السلام الشريف}، دار الغرب الإسلامي بيروت، ط 1، ص 62/63.
[15]:مواهب
الخلاق على شرح التاودي للامية الزقاق : المسماة تحفة الحكام بمسائل التداعي
والأحكام الصنهاجي ج 2/ص 237.
[16] انظر: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير لابن عرفة الدسوقي، دار الفكر؛ بدون
طبعة ، ج1/ ص20.
[17] المادة 222 من م ح ع:" الأراضي التي لا مالك لها تكون ملكا للدولة،
ولا يجوز وضع اليد عليها إلا بإذن صريح من السلطة المختصة طبقا للقانون".
[18]
الإحالة على الفقه المالكي : رشيد لعنب، ص 114 (بتصرف).
[19] العرف والعادة ومفهومهما لدى علماء المغرب: الدكتور عمر الجيدي، مطبعة
فضالة، المحمدية المغرب، ص 342.
[20] أصول الفتوى والقضاء في المذهب المالكي: محمد رياض/ ص 513.
[21] المصدر نفسه: ص 516.
[22] انظر كتاب : نور البصر شرح خطبة المختصر للعلامة خليل: أبو العباس أحمد
الهلالي الفلالي ، دار يوسف بن تاشفين ومكتبة الامام مالك، ط 1(2007)، ص 135/136 (
بتصرف).
[23] الإحالة على الفقه المالكي: رشيد لعنب، ص 135.
[24] تطبيق قاعدة الإحالة على الفقه المالكي في المادة العقارية من خلال العمل
القضائي: محمد أركينين، ص 5.:
[25] حكم عدد 68 ملف 19/2016 بتاريخ 14/06/2016 (غير منشور) {نقلا عن أحمد
أركينين}.
[26] القواعد الفقهية وتطبيقاتها القضائية في المادة العقارية: عادل حاميدي
،مطبعة النجاح الدار البيضاء، دار السلام للنشر أبريل 2012، ص 130/131.
[27] نفس المصدر: ص 131.
[28] تطبيق قاعدة الإحالة: محمد أركينين، ص 9 (بتصرف).
[29] الإحالة على الفقه المالكي: رشيد لعنب، ص 183/184.
[30] للتفصيل انظر: تطبيق قاعدة الإحالة على الفقه المالكي: أحمد أركينين: ص
16/17.
[31] الحقوق العينية في الفقه الإسلامي والتشريع المغربي: محمد ابن معجوز، ط 1 ص
156.
[32] الشفعة أخذ شريك في ملك مشاع حصة شريكه المبيعة بثمنها بعد أداء الثمن
ومصروفات العقد اللازمة والمصروفات الضرورية النافعة عند الاقتضاء.
[33] تحفة الحكام في نكث العقود والأحكام: ابن عاصم، تحقيق محمد عبد السلام، دار
الأفق العربية، ط 1(2011)، ص 72.
[34] الإحالة على الفقه المالكي: رشيد لعنب، ص 220 (بتصرف).
[35] الحقوق العينية: ابن معجوز ص 174.
[36] الإحالة على الفقه المالكي: رشيد لعنب، ص 220.
[37]
شرح حدود ابن عرفة: الرصاع، دار الغرب الإسلامي-لبنان- ط1(1993)، ج1/ص552.
[38] المادة 285 من مدونة الحقوق العينية.
[39] الإحالة على الفقه المالكي: رشيد لعنب، ص 262.
[40] قرار عدد 177 الصادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 09/04/2005 الصادر في الملف
الشرعي 231/2/1/2007، غير منشور ( نقلا عن رشيد لعنب في كتاب الإحالة على الفقه
المالكي ص 262/263).
[41] قرار صادر بتاريخ 04/03/2012 جاء فيه:" ما دام الواهب قد أشهد في
العقد بعدم التراجع في الهبة، فإنّه لا يحق له اعتصارها. والحال أن موانع الاعتصار
محددة في ثمانية أمور ذكرها التسولي في تحفته (يريد شرح التحفة). ليس منها ما
اعتمدته المحكمة. وأنه لذلك لا مانع من اعتصار الهبة ولو مع وجود شرط عدم الرجوع،
بالإضافة إلى أن الموهوب له لم يحز الهبة ولم يسجل العقد بعد في اسمه، وأن التقييد
الاحتياطي لا يفيد في الملكية ولا في الحيازة." قرار عدد 569 الصادر عن محكمة
النقض بتاريخ 04/09/2012، بالملف الشرعي رقم 268/2/1/2011 غير منشور ( نقلا عن
رشيد لعنب في كتاب الإحالة على الفقه المالكي ص 263.)
[42] حكم عدد 21 بتاريخ 25/4/2017 ملف عقاري عدد 40/2017 صادر عن المحكمة
الابتدائية بتنزنيت (غير منشور)
[43] قرار عدد 35 الصادر بتاريخ 8 محرم 1390 الموافق ل 30/3/1970، مجلة قضاء
المجلس الأعلى
[44]مجلة
قضاء المجلس الأعلى عدد 43/44، سنة 1984 ص 86 وما بعدها
[45] تطبيق قاعدة الاحالة
على الفقه المالكي في المادة العقارية من خلال العمل القضائي مقال للأستاذ أحمد أركنين باحث في العلوم القانونية ص 15
0 تعليقات