ذة. مجدوب نوال
دكتورة في القانون الخاص
أستاذة مساعدة بالمركز الجامعي مغنية تلمسان – الجزائر
الاتجار بالبشر كصورة من صور الإجرام
المنظم
مقدمة:
تعد الجريمة المنظمة إحدى التحديات الكبرى التي تهز
بكيان العدالة في عصر شاعت تسميته بعصر العولمة والمعلوماتية، أين انتشرت عصابات
الإجرام المنظم عبر الحدود الدولية، وتنوع نشاطها الإجرامي إلى أن وصل إلى الاتجار
ببني آدم، وصار الحديث عن الاتجار بالأطفال واستغلالهم لغاية العمل في الرذيلة،
كما شاع الاتجار بالنساء واستغلالهم في الإعلام الفاسد، وفي كل الأفعال الماسة
بالأخلاق و الآداب العامة.
فقد همشت المرأة في المجتمعات القديمة وكانت لا تعدو
كونها سلعة تباع وتشترى في الأسواق، أين حرمت من الميراث والحق في اختيار مصيرها،
وقد بلغ الأمر درجة من الهوان عند الشعوب الهندية أين كانت المرأة تحرق حية مباشرة
بعد وفاة زوجها، في حين اعتبرها اليهود والنصارى لعنة، بينما اعتبرتها الكنيسة
أساس البلاء[1]،
إلى أن جاء الإسلام
محررا للمرأة من أغلال
المعتقدات الزائفة التي
طرحت في حقها، لتصبح لها مكانة محفوظة وحظيت بتبجيل وعناية خاصة وأصبحت شقيقة
الرجل تتساوى معه في الحقوق، وكل ذلك بفضل الأسس والمبادئ التي جاء بها الإسلام.
غير أنه رغم المكانة التي تتمتع بها المرأة على ضوء
التشريع الإسلامي إلا أنه صار التعامل في المرأة على النحو السائد في المجتمعات
القديمة أين أصبحت تباع وتشترى كسلعة.
ولم يتوقف الإجرام المنظم عند هذا الحد بل أخذ صورة
جديدة حين صارت الأعضاء البشرية في حد ذاتها تباع و تشترى كمادة غذائية أو كسلعة.
والتساؤل الذي يطرح هو كالتالي: ما هي صور الاتجار
بالبشر كصورة من صور الإجرام المنظم؟
تم اختيار موضوع الاتجار بالبشر كصورة حقيقية للإجرام
المنظم من منطلق أنه تزايد وتنامي هذا النوع من الإجرام لاسيما بعد الثورة
المعلوماتية التي شاعت مؤخرا، هذه الثورة والتقنية التي أحسنت عصابات الإجرام
المنظم استغلالها، ومن ثم تهدف هذه الدراسة إلى:
- تسليط الضوء على طرق الاتجار بالبشر من أجل تفعيل
المنظومة القانونية المناط بها الحد من الاتجار بالبشر، مع اتخاذ التدابير
اللازمة.
- تنبيه الرأي
العام بإجرام خطير يمس بالكافة بغض النظر عن كونهم رجالا أو نساء أو أطفالا،
أحياءا أو أمواتا، هذا النوع من الجرائم الذي كان ولا يزال من الطابوهات.
- تشجيع الباحثين
من أجل خوض غمار البحث في مثل هذه المواضيع التي تصب في الاتجار بالأشخاص.
لذلك
سنقسم هذا المقال على النحو التالي: المحور الأول: أشكال الاتجار بالبشر. المحور
الثاني: آثار الاتجار بالبشر.
المحور الأول: أشكال الاتجار بالبشر
يعد الاتجار[2] بالبشر شكل عصري واسع الانتشار من أشكال الرق، وهو جرم
يثير قلقا لدى العديد من الدول لاسيما عندما يتعلق الأمر بالاستغلال الجنسي
للأشخاص، والذي يرتبط بالخلاعة والدعارة والسياحة الجنسية والبغاء[3]، وبالتالي فإن الاتجار بالأشخاص يعد بلاء وتحدي فرض
نفسه منذ القدم وزادت آثاره في عصرنا الحالي.
فإذا كان القرن العشرون قرن القضاء على الرق والعبودية
بعد أن حمل المستعمر عصاه من كثير من أقطار العالم، إلا أنه وفي ظل النصف الثاني
من القرن العشرون نجد أن مئات الشباب والشابات لقوا حتفهم وهم في محاولة الهجرة
غير المشروعة مانحين البحر كل ثقتهم بعد أن فقدوها في بلادهم آملين في غد أفضل في
بلاد غير بلدهم، عساه يؤمن لهم الحلم و المأوى، إلا أنه كثيرا ما التهم البحر آمال
المهاجرين ودفن أجسامهم في باطنه، ومع صرامة الإجراءات و المعاملة التي يعامل بها
المهاجرين من خلال محاولة الهجرة سريا وجدت عصابات الإجرام المنظم المتعة في بيع
الوهم لضحايا الفقر وإذابته في كأس الذل والهوان من خلال متاجرتها بأحلام البسطاء[4]، ومن هنا بدأت ظاهرة الاتجار بالأشخاص
بغرض الاستغلال الجنسي أو الاستغلال الاقتصادي والتبني غير المشروع للأطفال.
ويعرف الاتجار
بالأشخاص على أنه" تجنيد الأشخاص أو نقلهم أو تنقيلهم أو إيوائهم واستقبالهم
بواسطة التهديد والقوة وغير ذلك من أشكال القهر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع
واستغلال السلطة، وكذلك استغلال حالة الأشخاص واستضعافهم من خلال إعطاء أو تلقي
مبالغ أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال.
ومن
خلال المفهوم السابق يتضح لنا أن جريمة الاتجار بالأشخاص تتكون من أربع عناصر:
-
يتجلى العنصر الأول في أفعال تجنيد الأشخاص أو نقلهم أو تنقيلهم أو الإيجار أو
البيع و كل أنواع الاستغلال.
-
يتجلى العنصر الثاني في الوسائل المستعملة بواسطة التهديد والقوة وغير ذلك من أشكال القسر.
-
ويتجلى العنصر الثالث في القصد الجنائي من خلال لجوء ممتهن الاستغلال الجنسي إلى الاتجار
بالأشخاص بغرض الاستغلال أو لأي غرض من الأغراض المنافية للآداب أو غير المشروعة
مع علمه باستخدام ذلك الشخص لتلك الأغراض.
-
في حين يتجلى العنصر الرابع في الركن المفترض إذ يفترض أن يكون للضحية صفة
الإنسان، بغض النظر عن كونه قاصرا أو راشدا وذلك بغض النظر عن طريقة التعامل فيه
بالبيع أو الإيجار أو الاستغلال[5].
ويشمل الاستغلال كل من دعارة الغير، السيطرة، الخدمة
قسرا، الاسترقاق، الممارسات
الشبيهة بالرق، نزع
الأعضاء [6]من منطلق أنه يصعب الحصول على الأعضاء البشرية سواء
طواعية أو عن طريق التبرع مما دفع بالعصابات الإجرامية إلى اختطاف الأشخاص
لاسيما المجانين والمتسولين وقتلهم و بيع أعضاء أجسامهم[7].
ومن
ثم فقد توحدت المواقف التشريعية بعديد من الدول من خلال تجريم كل من أفعال الاتصال
الجنسي بالأطفال من الذكور والإناث، وتجريم الاغتصاب والدعارة، وقبل ذلك لطالما
جرمت الديانات السماوية كل وطء في غير زواج، ومنعت المساس بالعرض في كل صوره وجعلت
من الزواج الوسيلة الوحيدة لإشباع الغريزة الجنسية معتبرة أن كل علاقة خارج إطار
الزواج هي صورة من صور الرذيلة.
مع
الإشارة أنه لا عبرة برضا أطراف العلاقة الجنسية في جرائم الاعتداء على الحياء
العام أو جرائم الفجور والدعارة.
ومن
هذا المنطلق فإن دراسة صور الاستغلال الجنسي تتطلب تحديد صور الاستغلال الجنسي للأطفال
(أولا)، بما في ذلك الاستغلال الجنسي للنساء (ثانيا) بالإضافة إلى الاستغلال
الجنسي بواسطة التقنيات الإلكترونية.
أولا: الاستغلال الجنسي للنساء
تعد
الدعارة الصورة الأكثر انتشارا وتفشيا من صور الاستغلال الجنسي للنساء، فهي الأكثر
امتدادا عبر الدول، وتعامل المرأة في هذا النوع من الجرائم كسلعة تعرض للبيع من
شأن تأجيرها تحقيق ملذات وإشباع رغبات جنسية.
وإذا
كان المنطق يقضي بأن ترفض كل داعرة الولوج إلى هذا العالم المدنس بالخطايا
والرذيلة ارتأينا البحث حول مصوبات لجوء هذه الفئة إلى عالم الدعارة والتي يمكن إجمالها
على سبيل المثال في ما يلي:
-
تردي الوضع الاجتماعي لدى بعض النساء والفتيات مما يدفعهم للبحث عن عمل، وقد تكون
بداية الدعارة بمجرد قراءة إعلان منشور على شبكة الأنترنيت بموجبه يعرض المعلن عن
وجود مناصب عمل للنساء، لتتفاجئ المرأة المندفعة وراء هذه العروض بولوجها إلى عالم
الدعارة بعد احتجاز جواز سفرها متى كانت العروض ذات صبغة دولية، مع تهديد المرأة وابتزازها
مع تصويرها متى كان العرض وطنيا، لتكتشفن لاحقا أنها لا تعدو كونها عروض عمل وهمية
يخفي العارض وراءها تجنيد فعلي للنساء من أجل ممارسة الدعارة وشتى صور الإغراء.
- الرغبة في حياة أفضل قد تدفع بعض النساء للعمل خارج
وطنهن بالإضافة إلى المشاكل التي تعشنها داخل أسرهن وفي ظل غياب العمل المطلوب تجد
المرأة نفسها تعمل كداعرة.
- فشل العلاقات الزوجية أو وقوع المرأة فريسة لوعود
وآمال وكاذبة من الرجل المؤول فيه الزواج، مما يدفع بالمرأة إلى الهروب إلى الشارع
لتفادي خطيئة حمل غير شرعي، لتسلك لاحقا طريق الدعارة.
- هروب المرأة من الأسرة من جراء تجبر و قسوة الأب أو
الزوج أو زوج الأم أو زوجة الأب، مما يوقعها في شباك عصابات الاستغلال الجنسي.
- بيع الزوج لزوجته مقابل الحصول على مبالغ مالي، وفي
حالة الاعتراض تتعرض للأذى الجسدي من لدن زوجها.
وبالتالي لا تملك ضحية الاستغلال الجنسي الاختيار كون أن
التزامها يتجلى في إشباع الرغبة الجنسية لزبائنها.
وإذا كانت الدعارة الصورة المثلى لاستغلال المرأة جسديا،
نجد نوعا آخر من الإجرام أكثر خطورة والذي يتجلى في استخدام عصابات الإجرام الجنسي
المرأة من أجل تركيب صور
وأفلام جنسية خليعة في شتى الأوضاع الجنسية الطبيعية
منها و الساخنة، وبغض النظر عن كون العلاقة مع رجل أو امرأة أو مع إنسان أو حيوان،
مع شخص واحد أو عدة أشخاص، مما يجعل المرأة في مرتبة أدنى من الحيوان[8].
كما طال الاستغلال الجنسي فئة الأطفال و هو ما ستتم
دراسته في ما يلي:
ثانيا: الاستغلال الجنسي للأطفال
يتم
بيع الأطفال كعبيد بهدف العمل في تجارة الجنس والدعارة، أين يتم تصوير الأطفال من أجل
بث أفلام عبر شبكة الأنترنيت، وقد يتم التصوير إما على أطفال حقيقيين أو افتراضيين
بصور زائفة مما يشكل اعتداء صارخ على الطفولة واعتداء على الأخلاق العامة عموما.
وتتجلى
الأخطار المحتملة من جراء استغلال الأطفال عبر شبكة الإنترنيت في ما يلي:
-
وصول الأطفال إلى مواقع خلاعة، مع تنظيم دعارة الأطفال عبر شبكة الإنترنيت.
-
بيع منتجي دعارة الأطفال ما تم تصنيعه من أفلام مما يشكل انتهاكا على حرمة وكرامة
الأطفال.
- سحب المجرمون المتورطون في دعارة الأطفال لأقصى قدر من
الأطفال، من خلال سعي الأطفال الضحايا إلى لقاءات عبر غرف التخاطب الإلكتروني،
لاسيما وأنه يسهل على المجرم التنكر عبر شبكة الانترنيت[9].
وعلى هذا الأساس زاد العرض والطلب على الاستغلال الجنسي
للأطفال نظرا لأسباب مرتبطة بعامل العرض (أ) وأخرى مرتبطة بعامل الطلب (ب).
أ- الأسباب المرتبطة بعامل العرض
تتجلى
الأسباب التي جعلت العرض في تزايد في ما يلي:
-
الأوضاع الاقتصادية المتردية في كثير من الدول من جراء انتشار
الفقر، لاسيما في المناطق الخارجية التي تعتمد على الفلاحة والزراعة بالدرجة
الأولى.
-
كثرة النزوح الريفي نحو المدن ساهم في تغيير الدهنيات.
-
وجود اختلال صارخ في المساواة بين الرجل والمرأة ولد نوع من الاستغلال والتمييز بين
الجنسين.
-
تحميل بعض الأولياء مسؤولية دعم العائلة للأولاد.
-
تفكك العديد من الأسر من جراء عشوائية التعامل مع مسألة تكوين الأسرة وانتهاج
الطلاق كحل وحيد من أجل التخلص من الروابط الأسرية، مما ينجر عنه تشرد الأولاد.
-
وفاة رب الأسرة وما قد ينجر عنه من ولوج إلى عالم الاستغلال للأطفال.
-
ازدياد عدد الأطفال المشردين، مع حرمانهم من فرص التعلم والتأهيل المهني[10].
-
الثغرات التشريعية الصارخة بخصوص توفير حماية فعالة لشريحة الأطفال لاسيما
الجنائية منها.
وبالإضافة
إلى الأسباب المرتبطة بعامل العرض هناك أسباب مرتبطة بعامل الطلب يمكن إجمالها في
ما يلي:
ب - الأسباب والعوامل المرتبطة بعامل الطلب
تتجلى
الأسباب المؤدية إلى ازدياد عامل الطلب على استغلال الأطفال في ما يلي:
-
تنامي شبكة الإجرام المنظم المختص بتجارة الجنس، مع ما تتطلبه هذه التجارة من
استقطاب لأقصى قدر من الأطفال حتى يمكنها جني الأرباح المبتغاة.
-
استغلال الأطفال من خلال تشغيلهم في مهن وأعمال لا تتلاءم وسنهم، مع استعمال شتى
صور الإكراه المادي والمعنوي.
-
تزايد وتفشي تجارة الجنس لاسيما مع تلك التسهيلات التي قدمتها المعلوماتية عن طريق
النت والقنوات الفضائية.
-
انخراط نساء أجنبيات ومن مختلف دول العالم في عالم تجارة الجنس، ساهم في منح
الصبغة الدولية لتجارة الجنس.
-
تزايد الأمراض والأوبئة ولاسيما مرض الإيدز جعل الطلب متزايد على الأطفال باعتبارهم
أقل عدوى.
ثالثا: مجالات استغلال الأطفال
هناك
عدة مجالات لاستغلال الأطفال يمكن تلخيصها في ما يلي:
-
استغلال الأطفال كقطع غيار بشري، فقد يتم استغلال الأطفال كقطع غيار، أين يتم بيع
أعضاء الأطفال المخطوفين، ويتم تخصيص أوكار وقبو يتم فيه إستئصال الأعضاء، وقد
يتفق المجرم مع الأطباء في المستشفيات وعيادات الولادة لاسيما في الدول النامية من
أجل الحصول على أطفال حديثي العهد بالولادة، ومن صور الاتجار بالأطفال أيضا
الاتفاق مع الحوامل من أجل شراء الجنين خلال مرحلة الحمل مقابل مبلغ مالي على أن
يتم التسليم بعد
الولادة[11].
-
التسول وقد يتم اختطاف الأطفال وتهريبهم من أجل تشغيلهم في أعمال التسول، ومن ذلك
تهريب بعض الأطفال من بلدان جنوب آسيا وإفريقيا إلى المملكة العربية السعودية
أثناء موسم الحج، وفي نهاية المطاف يجبر هؤلاء على العمل في مجال التسول[12].
-
الهجانة حيث أشارت بعض تقارير لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان واللجنة الفرعية
للنهوض بحقوق الإنسان وحمايتها ومجموعة العمل بشأن الأشكال المعاصرة للاستعباد والمنعقد
بجنيف بتاريخ 03 -17 جويلية 2003 إلى ظاهرة تهريب الأطفال، ومن ذلك تهريب الأطفال
من بنغلادش والهند وباكستان، وبعض دول جنوب آسيا وإفريقيا من أجل استخدامهم في
سباق الهجن في بعض دول الخليج العربي، أين يتم استخدام أطفال لا يتعدى عمرهم 04
سنوات في سباق الهجن.
وبالتالي
يجبر الأطفال على العيش في ظروف لإنسانية ويحرمون من الطعام والماء من أجل الحفاظ
على أوزانهم عند أقل مستوى ممكن، مما يدفع بالكثير إلى الوفاة من جراء عدم تحمل
هذه الظروف، في حين قد يتعرض البعض الآخر إلى السقوط من ظهر الإبل أثناء السباق.
بالإضافة
إلى ذلك قد نجد هؤلاء الأطفال مشردين في الشارع بعد بلوغهم، أين لا يمكن استخدامهم
في الهجانة، ومن منطلق أنه تم اختطافهم في سن مبكرة يجدون نفسهم يجهلون لغتهم الأصلية
ولغة البلد محل التهريب، مع عدم تمتعهم بجنسيتهم الأصلية، مع جهل هويتهم، مما
يجعلهم عرضة للتشرد والتسول[13].
- العمل في الزراعة، فقد أشار تقرير منظمة حقوق الإنسان
العالمية إلى أن الأطفال يعملون في القطاع الزراعي تحت ظروف عمل في غاية الخطورة والمشقة،
أين يعملون خارج الساعات القانونية، مع تكليفهم بمهام صعبة لا تتلاءم وتكوينهم
وقدراتهم الجسدية، واستغلالهم في عملية الحصاد.
-
العمل في الخدمة المنزلية ،فقد تسخر بعض الأسر أطفالها من أجل العمل في البيوت
باعتبار أنهم ينحدرون من أسر فقيرة وغير قادرة على تغطية حاجاتهم وحاجيات بقية
أفراد العائلة أين يكره الأطفال على العمل لساعات طويلة وبدون مقابل، وتكون هذه
الفئة عرضة لأمراض نفسية[14] ومن
ذلك الكبت و التوحد.
-
العمل في الصناعة، تعد الصناعة أكبر مجالا لاستقطاب عمالة الأطفال أين نجد بعض
أرباب العمل يركزون على شريحة الأطفال عند عملية التشغيل من أجل ضمان إتباع تعليماتهم،
مع تدني الأجر المدفوع لهم والتنصل من الخضوع للضمان الاجتماعي، مع سهولة التخلص
منهم و بدون أية مشقة، وسهولة تعلمهم الحرفة المطلوبة.
وبتبيان صور الاستغلال الجنسي سيتم تحديد آثار
الاتجار بالأشخاص من خلال المحور الثاني.
المحور الثاني: آثار الاتجار بالبشر
يعتبر
الاتجار بالبشر إذن شكلا آخر من أشكال الإجرام الاقتصادي المنظم ، فهو إجرام يولد
ملايين الدولارات على حساب الحط من كرامة المرء وإيذاء جسمه ونفسه، وقد يصل الأمر
إلى وفاته إما بصورة حقيقية أو معنوية[15]، ونظرا
لخطورة هذا النوع من الإجرام وآثاره السلبية على المجتمع و على الفرد فقد أولته
العديد من المنظمات الدولية والإقليمية والوطنية والمنظمات الدولية غير الحكومية
والجمعيات اهتماما بالغا.
الاتجار
بالبشر إذن هو انتهاك لحق الإنسان في الحياة والحرمة والتحرر من العبودية بشتى
صورها، إذ يحق لكل فرد العيش في بيئة محمية، باعتبار أن الاتجار بالبشر ولد نوعا
من العبودية وسوء المعاملة.
وبالتالي
فإن الآثار المنجزة على القيام بعملية الاتجار بالأشخاص متعددة كونها قبل كل شيء
هي انتهاك لحرمة الجسد البشري وحقوق الإنسان (أولا)، وهي أداة لبث التفكك
الاجتماعي (ثانيا)، والأكثر من ذلك إن من شأن الاتجار بالبشر دعم الإجرام المنظم
(ثالثا)، مع حرمان الدول من القوى البشرية من جراء الاتجار بالبشر (رابعا)، ناهيك
عن خطر الاتجار بالأشخاص على الصحة العامة (خامسا)، وعلى النظم (سادسا) لاسيما مع
ما يكلف الدولة من تكاليف باهظة (سابعا).
أولا: الاتجار بالبشر يمثل انتهاكا لحقوق
الإنسان
يمارس
المجرم المشتغل في تجارة البشر شتى صور الإجرام عن طريق انتهاج أساليب غير مشروعة
بهدف جني أقصى قدر من الأموال طامسين بذلك إنسانية الضحايا مستغلين الأوضاع
الاقتصادية التي يعاني منها المجتمع الدولي والدول الفقيرة، مستخدمين في ذلك
العديد من الوسائل التي تساعدهم في ارتكاب عملياتهم الإجرامية، منتهكين بذلك حقوق
الإنسان.
ثانيا:
الاتجار بالبشر يقود إلى التفكك الاجتماعي
لما كان السند
العائلي والاجتماعي ككل هو الركيزة الأساسية من أجل إعداد جيلا ناجح في مشواره،
فإنه بفقدان ضحية الاتجار بالبشر لهذا السند فإنه صار أكثر ضعفا، مما يحوله إلى
رهينة في يد تجار البشر، مما يؤدي إلى تدمير البنى الاجتماعية ككل.
فجرائم الاتجار بالبشر تبدأ مشوارها بحرمان الأسر من
أطفالها إما إجباريا أو عن طريق التحريض، وعندما يتعلق الأمر بالأطفال فإنهم
سيحرمون من التنشئة الثقافية ويحرمون من تعلم لغة وتقاليد وديانة دولتهم الأصلية،
وبالتالي فإن النظرة الساخطة لضحية الاتجار بالبشر كثيرا ما تدفعه للولوج إلى عالم
الإجرام المنظم[16].
ثالثا: الاتجار بالبشر يدفع للإجرام
المنظم
تعد عملية الاتجار بالبشر أحد أهم صور الإجرام المنظم
،إذ تغطي العديد من الأنشطة الإجرامية أين يصنف الاتجار بالبشر كثالث أكبر
المشاريع الإجرامية في العالم، كما تعد جريمة
الاتجار بالبشر من أكثر الجرائم التي ينجر عنها أرباح طائلة.
كما لهذا النوع من الإجرام علاقة بجريمة غسيل الأموال
وتهريب المخدرات، بالإضافة إلى جرائم الفساد والإرهاب مما انجر عنه معادلة ثنائية
الأقطاب تتجلى في ما يلي:" كلما ازدهر الإجرام المنظم، ضعفت قدرة الحكومة على
تطبيق القانون".
رابعا: الاتجار بالبشر يقضي على القوى
البشرية
إذ تشكل اليد العاملة الدعامة الحقيقية لبناء أي مجتمع
بشري بغض النظر عن كونه مجتمع صناعي أو تجاري أو فلاحي، غير أنه بانتشار الاتجار
بالبشر فإنه يتم امتصاص كل القوى العاملة مما يؤدي إلى إضعاف سوق العمل وبالنتيجة
لذلك وجود خلل صارخ في الموارد البشرية.
ومن
سلبيات الاتجار بالبشر أيضا حرمان الأطفال من التعلم مما يولد مجتمعا متأخرا في
تفكيره وتوسيع دائرة الفقر والأمية.
خامسا: الاتجار بالبشر يتلف الصحة العامة
يساهم
الاتجار بالبشر في إتلاف الصحة العامة نظرا للمعاملة القاسية التي يواجهها ضحايا
هذا الإجرام، بالإضافة إلى الصدمات النفسية لاسيما في تلك الحالة التي يضطرون للعمل
في الدعارة القسرية، مما يعرض الفرد للأمراض لاسيما لمرض فقدان المناعة زيادة عن
الأمراض النفسية.
سادسا: الاتجار بالبشر يفسد سلطة الدولة
تتبنى
العديد من الحكومات الآليات والأنظمة والإجراءات التي تجدها ملائمة لردع جرائم
الاتجار بالبشر، ومن بين هذه الإجراءات نجد الدول ممثلة في حكومتها تسعى جاهدة من أجل
السيطرة الفعلية على رعاياها.
إذ
ينجم عن تنامي الاتجار بالأشخاص نشوب النزاعات المسلحة والكوارث والصراعات
السياسية، مما ينجم عنه تشريد الضحايا، فعصابات الاتجار بالبشر من شأنها التقليل
من جهود الحكومات وبسط رعايتها[17].
سابعا: الاتجار بالبشر يحمل الدولة أعباء اقتصادية
إضافية
إذا
كان الهدف الأول من تشريع أي قانون هو البحث عن آليات المتابعة من أجل مكافحة
عمليات الاتجار بالبشر، مما يجعلها تبذل قصارى جهدها من أجل القضاء على هذا
الإجرام و مكافحته، هذه الأموال التي كان من المفترض أن توجه لدعم البنى التحتية.
الخاتمة:
من
أجل الوقاية من جريمة الاتجار بالأشخاص كنموذج أول للإجرام المنظم يجب:
-
التثبت بمبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية السمحاء التي حرمت الاتجار واستغلال
الإنسان.
-
رسم سياسة جنائية فعالة تردع هذا النوع من الإجرام من خلال فرض إجراءات صارمة على
المجرم الذي يثبت ارتكابه للجريمة أو المشاركة فيها أو حتى الشروع، ومن ثم من
الضروري تفعيل المنظومة القانونية المنوط بها الحد من الإجرام الاقتصادي المنظم في
صورته الواسعة، وجرائم الاتجار بالبشر كإحدى أهم صور الإجرام المنظم.
-
من الضروري أن ترقية المستوى الاجتماعي عن طريق احترام حقوق الإنسان، ووضع برامج
إعادة تأهيل ضحايا جرائم الاتجار بالبشر.
-
يجب أن تسعى الدول لغرس القيم الروحية لدى الفرد، مع ضرورة التفات البحث العلمي
لهذا النوع من المواضيع من خلال تفعيل الدراسات الميدانية حول الظاهرة من أجل حسن
تحليلها، والوصول إلى الحلول الناجعة من أجل القضاء عن هذا النوع من الإجرام الذي
لطالما ترك بصمته على المجتمعات العربية عموما والمجتمع الجزائري خصوصا.
-
يجب على الدول الاستفادة مما وصل إليه العلم في مجال مكافحة الجريمة، مع العمل في
إطار التعاون على جميع الأصعدة الوطنية والدولية.
-
يجب رفع كفاءة جهاز العدالة الجنائية في مواجهة عصابات الإجرام المنظم التي تتاجر
بالبشر، مع حسن تكوين وتدريب الناشطين بسلك القضاء من قضاة في المادة الجنائية
وقضاة تحقيق ومحامون.
- محمد عبد الله ولد محمد، تجريم الاتجار
بالنساء واستغلالهن في الشريعة الإسلامية، مقال منشور في مجلة[1]
جامعة ناييف للعلوم الأمنية، الرياض، 2009،
الصفحة .129.
- يعرف الاتجار على أته مزاولة أعمال التجارة
بتقديم السلع إلى الغير بمقابل على طريقة البيع و الشراء.[2]
- يقصد بالبغاء أن تبيع المرأة المتعة من جسدها
لمشتهيها وتوصف على أنها بغي، في حين أنه متى تولى[3]
شخصا آخر استخدام المرأة واستغلال منافع جسدها
وتعامل مع جسدها على أنه سلعة تأجر لطالب الشهوة
متى دفع مقابلا لتلقي الشهوة، وذلك هو الاتجار بالبشر، لمزيد من التفاصيل
أنظر، علي حسين الشرقي، تجريم الاتجار بالنساء واستغلالهن في القوانين والاتفاقيات
الدولية، مقال منشور بمجلة العلوم الأمنية الصادرة عن جامعة ناييف، الرياض، 2009.
- محمد فتحي عبيد، عصابات الإجرام المنظم ودورها في الاتجار بالأشخاص، مجلة جامعة ناييف
للعلوم [4]
الأمنية، الرياض،2006، الصفحة .70.
- محمد السيد عرفة، تجريم الاتجار بالأطفال في
القوانين والاتفاقيات الدولية، مقال منشور بجامعة ناييف [5]
للعلوم الأمنية، الرياض، 2007، الصفحة.58.
- العضو في الطب هو مجموع الأنسجة التي تعمل مع
بعضها البعض كي تؤدي وظائف معينة كالمعدة و القلب[6]
والكبد والأنسجة، لمزيد من التفاصيل أنظر، محمد
المدني بوساق، موقف الشريعة الإسلامية من نقل الأعضاء بين البشر، مقال منشور بمجلة
ناييف للعلوم الأمنية، الرياض، 2006، الصفحة .40؛ عبد القادر عبد الحفيظ الشيخلي، تجريم الاتجار
بالأعضاء البشرية في القوانين والاتفاقيات الدولية، مقال منشور بمجلة جامعة ناييف
للعلوم الأمنية، الرياض ، 2009، الصفحة .40.
[9] - عبد القادر الشيخلي،
المرجع السابق، الصفحة .78.
[10] - أحمد سليمان الزغاليل، الاتجار
بالنساء والأطفال، مؤتمر مكافحة الاتجار بالبشر، أبو ظبي، وزارة الداخلية، 2005،
الصفحة .92.
- محمد
فضل عبد العزيز المراد ، تجريم الاتجار بالأطفال واستغلالهم في الشريعة الإسلامية،
مقال منشور[11]
بالمجلة الصادرة عن جامعة ناييف للعلوم الأمنية،
الرياض، 2006 ، الصفحة .59.
[12] - عبد القادر الشخيلي،
جرائم الاتجار بالأشخاص وعقوبتها في الشريعة والقوانين، منشورات الحلبي الحقوقية،
الطبعة .01، 2009، بيروت، الصفحة .90.
- قد ينتهي المطاف بهؤلاء الأطفال وراء القضبان
بعد التخلي عنهم على أساس جريمة الإقامة غير الشرعية [13]
في الدولة محل القبض، مع الإشارة أن بعض دول
الخليج العربي طالبت بضرورة تغيير استبدال أطفال الهجانة بإنسان آلي حتى لا تهضم و
تستعبد هذه الفئة.
- عبد القادر الشخيلي ، المرجع السابق،
الصفحة.74، نقلا عن عبد الرحمان بن محمد عسيري، الاتجار [14]
بالأطفال، الحلقة العلمية للاتجار بالأطفال،
جامعة ناييف للعلوم الأمنية، 2007، الصفحة .13 و ما بعدها.
0 تعليقات