ذ/ المهدي تيم
خريج ماستر القضاء الإداري
- سلا -
القضاء الإداري ومبدأ إلزامية
تعليل الإدارة لقراراتها
تقديم:
يعتبر القرار الإداري مظهرا من المظاهر الحية
التي تمتلكها الإدارة، وعلى اعتبار أنه عملا انفراديا (من جانب واحد (Les actes administratifs
unilatérauxيدخل من ضمن الأعمال الإدارية القانونية (الوسائل القانونية).
فنظرية القرار الإداري كما هو معلوم نظرية
فقهية فرنسية، وحسب أغلب الباحثين والفقهاء فإن أول من استعمل عبارة أو تعبير
القرار التنفيذي هو الفقيه موريس هوريوMaurice
Hauriou في الطبعة الأولى من مؤلف بعنوان Précis
de droit administratif،
لكنه لم يعرفه بشكل عام إلا سنة 1927 في الطبعة الحادية عشر من هذا المؤلف، حيث
عرفه '' كل إعلان عن إرادة لإحداث أثر قانوني اتجاه المتعاملين مع الإدارة صادر عن
سلطة إدارية في شكل تنفيذي أي في شكل يستتبع التنفيذ المباشر"[1].
ولعل ما يجب تسليط الضوء عليه، هو مبدأ تعليل
القرارات الإدارية باعتباره أفضل وأنجع الوسائل التي منحها القانون للمواطنين وللقضاء
الإداري لمراقبة مشروعية الأعمال الإدارية التي تقوم بها الإدارة وبالتالي فإذا
كانت الإدارة تتمتع بامتيازات السلطة العامة وتصدر قرارات إدارية انفرادية ذات
الامتياز الأولية فإن المشرع المغربي جعل بعض قراراتها تخضع وجوبيا وإلزاميا لمبدأ
تعليل قراراتها بمقتضى قوانين خاصة، بل بات هذا المبدأ في بعض الأنظمة المقارنة
مبدأ مكرسا دستوريا، وهذا ما يجعل الإدارة ملزمة بالخضوع لمبدأ المشروعية إبان
تصرفاتها اتجاه الغير، وهذا ما يشكل في حقيقة الأمر دعامة لإرساء دولة الحق
والقانون.
فالتعليل الإلزامي للقرارات الإدارية يعد من
أهم معالم سياسة ما يسمى بالوضوح الإداري، ودليل على التزام الإدارة بالخضوع
لقواعد المشروعية وسيادة القانون وعلى أساسه تتم محاسبتها[2] عن طريق تدخل القضاء الإداري بناءا على طلب
الأطراف المتضررين من القرار الإداري والمؤثر بمركزهم القانوني، وهنا حقيقة يتبين
دور القاضي الإداري الذي يراقب مدى تعليل الإدارة لقراراتها، فإذا كانت غير معللة
يلغي القرار الإداري للتجاوز في استعمال السلطة.
والمشرع المغربي التفاتا منه عن أوضاع الإدارة،
وضمانا لحقوق الإفراد وحرياتهم فرض بمقتضى القانون رقم 03.01 إلزامية تعليل أو
تسبيب القرارات الإدارية الصادرة عن الإدارات العمومية والجماعات المحلية
والمؤسسات العمومية.
ويقصد بتعليل القرار الإداري حسبما استقر
عليه الفقه الإداري المعاصر بأنه إفصاح الإدارة في صلب قرارها عن الأسباب التي
دعتها إلى إصداره، وبالتالي يكون القرار معللا إذا أفصح تعبير شكلي عن أسباب
القرار في متنه ، فالتعليل يعني إلزام القانون في بعض الحالات الإدارة بضرورة
تعليل قراراتها بمعنى تعليل سبب صدور القرار[3]. فالتعليل هو تعبير شكلي عن أسباب القرار ومن
ثم فهو ينتمي على المشروعية الخارجية للقرار[4].
وهذا التعريف السائد في الفقه الإداري هو
الذي تضمنه القانون الصادر في فرنسا بشأن تحسين علاقة المواطن بالإدارة حيث نص في
مادته الثالثة على أن '' التعليل الذي يفرضه القانون يتعين أن يكون مكتوبا وأن
يحتوي على بيان الاعتبارات القانونية والواقعية التي تشكل أساس القرار الإداري.
ويراد بتعليل القرار الإداري طبقا لما ورد في
المادة الأولى من مقتضيات القانون رقم 03.01 المتعلق بإلزام إدارة الدولة
والجماعات الترابية ومؤسساتها العمومية والمصالح التي عهد إليها بتسيير مرفق عام
بتعليل قراراتها الإدارية هو الإفصاح كتابة في صلب القرار الإداري عن الأسباب
الواقعية والقانونية التي كانت وراء اتخاذه، وهو نفس التعريف الذي اعتمد عليه
القضاء الإداري المغربي.
ويجب التفريق بين مسألتين هما السبب والتعليل
في القرار الإداري فالسبب ركن من أركان القرار الإداري هو حالة قانونية أو واقعية
مادية تدفع الجهة المختصة إلى إصداره، وهو ما يعد قيدا للسلطة التقديرية للإدارة
(بمعنى ما الذي دفع الإدارة إلى إصدار القرار؟)، أما التعليل أو التسبيب يعني
إلزام القانون الإدارة في بعض الحالات بضرورة تعليل قراراتها أي ذكر السبب من
القرار (ما هو الدافع الذي جعل الإدارة تصدر القرار؟)، ولقد أكدت المحكمة الإدارية
العليا بمصر على وجوب التفرقة بينهما السبب والتعليل، فهذا الأخير يعتبر إجراء
شكلي قد يتطلبه القانون وبين وجوب قيامه على سبب يبرره صدقا وحقا.
وما يثيرنا هنا، هو أنه في غالب الأحيان يتم
الخلط بين التعليل والسبب وهذا ما وقع إذ رأينا أن المادة 20 من القانون رقم 41.90
المحدثة بموجبه محاكم إدارية حيث خلط فيها المشرع المغربي بين السبب والتعليل وذلك
بإجماع الفقه والقضاء، وقد وقعت وزارة العدل في نفس الخطأ من خلال دليل المحاكم
الإداري الصادر سنة 2004 حينما اعتبرت بأن انعدام التعليل هو عيب السبب[5]، كما أن أغلب القضاة الإداريين سابقا وقعوا
في نفس الخطأ وهو ما جاء في أحد أحكام المحكمة الإدارية بوجدة حينما اعتبر بأن
" انعدام التعليل يقوم مقام الخطأ في التعليل أي عدم صحة الوقائع المعتمدة
كسبب للقرار الإداري المتخذ '' [6].
وهذا ما أكد هذا الخطأ الفقيه مشيل روسي
بقوله ما معناه أن المشرع المغربي لم يميز بين مصطلحي التعليل والسبب[7].
ويتجلى مما ذكر أن أن هنالك فرق واضح بينهما
لكون أن الإدارة إذا كانت غير ملزمة بتعليل قراراتها إلا حين يلزمها القانون بذلك،
فإن سائر القرارات يجب أن تكون مبنية على سبب يبرر اتخاذها.
وقد استقر اجتهاد القضاء الإداري أن المبدأ
العام هو أن الإدارة غير ملزمة بتعليل قراراتها ما لم يوجد نص يلزمها بذلك، بمعنى
أن الأصل العام أو القاعدة العامة هو عدم تعليل الإدارة لقراراتها، أما
الاستثناء فيتمثل في إلزامية التعليل إذا
نص القانون عليه صراحة.
ومن خلال ما سبق، يتضح أن هذا الموضوع يطرح
تساؤلا إشكاليا كالآتي: هل الإدارة ملزما في كل الأحوال بتعليل قراراتها الإدارية؟
أم أن هناك قرارات إدارية تكون فيها الإدارة غير ملزمة بالتعليل؟ وما هي
الاستثناءات التي ترد على مبدأ إلزامية تعليل القرارات الإدارية إذا كان المبدأ
العام يحث على أنه لا إلزام بالتعليل إلا بنص قانوني؟
ولعل ما يطرحه مشكل إلزامية تعليل القرارات
الإدارية من قبل الإدارة وعدم وجوب تعليلها لقراراتها إلا إذا نص القانون على ذلك،
وهذا ما يدعونا إلى التمييز بين الحالات التي تكون الإدارة فيها ملزمة بتعليل
قراراتها، والحالات التي تكون فيها الإدارة غير ملزمة بذلك، الشيء الذي يجعلنا
نعالج هذا الموضوع وفق مناهج البحث العلمي وعلى الأساس سنعتمد على المنهج الوصفي
والمنهج التحليلي.
وتماشيا مع طبيعة هذا الموضوع، ومن أجل
الإحاطة بكافة عناصر الإشكالية المطروحة، سنعمل على وضع التصميم التالي الذي يتوزع
إلى شقين أساسيين: المبحث الأول: مبدأ عدم وجوب تعليل القرارات الإدارية ما لم
يوجد نص قانوني – المبدأ العام. المبحث الثاني: مبدأ إلزامية وخضوع القرارات
الإدارية للتعليل– كاستثناء عن القاعدة العامة.
المبحث الأول:
مبدأ عدم وجوب تعليل القرارات الإدارية ما لم يوجد نص قانوني – المبدأ العام
جرى مجلس الدولة الفرنسي على تطبيق هذا المبدأ والأخذ به وذلك منذ إصدار
حكمه في قضية HARROUEL بتاريخ 30/04/1880[8]، وما تلاه من أحكام في هذا الخصوص، لعل
أحدثها نسبيا ما قرره في حكمه الصادر بتاريخ 24/04/1964 في قضية السيد DELAHAYE
الذي أورد فيه القول بأنه لا يلزم أن تكون قرارات اللجان المشتركة للقيد في قائمة
شهر الأطباء مسببة ما دامت النصوص التشريعية واللائحية قد خلت مما يوجب ذلك[9].
ويشير هذا المبدأ في فحواه إلى عدم التزام الإدارة بتعليل قراراتها ما لم
يوجد نص يوجب عليها ذلك يوجب عليها ذلك، أي أن الإدارة تكون في حل من الإفصاح عن
الأسباب القانونية والواقعية التي دفعتها لاتخاذ القرار في صلب ذلك هذا القرار.
والتساؤل يبقى قائما حول ما هي المبررات التي
يرتكز عليها هذا المبدأ؟ (مطلب أول) وعلى ماذا تواتر كل من الفقه والقضاء الإداري
في مجال إلزامية تعليل القرارات الإدارية الفردية؟ (مطلب ثاني).
المطلب الأول: مبررات المبدأ
يمكن إرجاع الأساس الذي يقوم عليه هذا المبدأ
إلى مجموعة من المبررات:
-
أولها: يتمثل في طابع السرية في أعمال السلطة
الإدارية[10]: في السابق كانت الأعمال التي تقوم بها
السلطات الإدارية داخل الدولة تتسم بالسرية وذلك قبل أن تسود مبادئ الشفافية
الإدارية، وقد كانت الإدارة تتعنت بموقفها السلبي حيال ذكر أسباب القرار والتي
دفعتها للقيام بتلك الأعمال، وقد أبانت الإدارة على أن هذه السرية هي التي تمكنها
من أداء وظيفتها وعملها بنجاح بكامل السلطة التقديرية وفي سبيل الصالح العام.
-
ثانيا: يخص قرينة المشروعية المصاحبة
للقرارات الإدارية: مؤدى هذه القرينة هو أن الأصل المفروض في القرارات الإدارية أنها
يجب أن تكون صدرت بصفة صحيحة ومطابقة للقانون، وبناءا على أسباب مشروعه.
-
وثالثا: فعالية و نجاعة الرقابة القضائية على
أسباب القرار الإداري[11]: منذ أن بسط مجلس الدولة الفرنسي رقابته على
عنصر السبب في القرار الإداري سنة 1907، وما آلت إليه رقابته على هذا العنصر من
توسع وتعمق. وقد اعتبر البعض أن في ذلك ما يغني عن وجوب تعليل القرار الإداري.
المطلب الثاني:
التراجع عن هذا المبدأ
لم يكن من العسير تفنيد المبررات التي سبقت
كأساس لمبدأ عدم وجوب القرارات الإدارية الفردية ما لم يوجد نص ذلك، خاصة في ظل الإدراك التام لأهمية تعليل القرارات
الإدارية الفردية التي تواتر عليها الفقه والقضاء الإداري على إبرازها حماية
للمصلحة العامة والخاصة على حد سواء ومن قبيل ذلك ما يلي[12]:
أ- يقوم تعليل القرار الإداري بالنسبة للإدارة بنفس الوظيفة التي يقوم بها
القاضي بتعليل حكمه، فهو يستهدف التروي والتأني والبحث والدراسة، لكي تتأنى
الإدارة بنفسها عن التسرع والارتجال في اتخاذ قراراتها وفي ذلك تحقيق للمصلحة العامة.
ب- يكفل تعليل القرار الإداري الفردي تناسق سلوك
الإدارة في المواقف المشابهة، ويفرض عليها التزاما ذاتيا لحسن سير العمل الإداري.
ت- يتيح تعليل القرارات الإدارية الفردية لصاحب
الشأن الإحاطة بأسباب القرار الصادر في حقه وتحديد مركزه القانوني مما يسهل عليه
الإثبات ما يشوب القرار من عيوب.
ث- يؤدي تعليل القرار الإداري الفردي إلى تركيز
القاضي الإداري رقابته على مشروعية أسباب القرار بمناسبة دعوى الإلغاء المطروحة
عليه.
وعلى ضوء ما سبق ذكره، فقد حاول كل من القضاء
الإداري الفرنسي والمصري والليبي التقليص من نطاق تطبيق مبدأ عدم وجوب تعليل
القرارات الإدارية الفردية ما لم يوجد نص يوجب ذلك، عن طريق دوره الإنشائي في خلق
قواعد القانون الإداري، واهتدائه بالمبادئ العامة للقانون، ويفرض بالتالي على
الإدارة تعليل قراراتها الفردية حتى في ظل غياب أي نص قانوني يوجب التعليل[13]، وهذا ما بات من غير مشكوك أن تعلي القرارات
الإدارية أصبح ذات أهمية وضرورة بالغة في
حياة الإدارة وهذا ما دفع العديد من الفقهاء الإداريين يتصدون بانتقاداتهم هذا المبدأ.
المبحث الثاني: مبدأ إلزامية خضوع القرارات الإدارية
للتعليل– كاستثناء عن القاعدة العامة:
المبدأ العام هو عدم التعليل إلا بنص خاص،
وقد كرس هذا المبدأ كل من اجتهاد الغرفة الإدارية بمحكمة النقض والعمل القضائي
بالمحاكم الإدارية بعد إحداثها سنة 1993، وقد وردت بعض النصوص الخاصة في مجالات
متعددة تلزم الإدارة بتعليل قراراتها، وقد كانت الإدارة (سابقا أي قبل صدور
القانون رقم 03.01 المتعلق بإلزامية تعليل القرارات الإدارية) ملزمة بالتعليل
بنصوص خاصة (المطلب الأول)، إلى أن جاء القانون 03.01 ووسع من نطاق تقييد الإدارة
عن طريق إلزامها بتعليل مجموعة من القرارات الإدارية التي تصدرها بمقتضى المادة 2
منه (المطلب الثاني).
المطلب الأول: تعليل القرارات الإدارية قبل صدور قانون 03.01 :
أ-
تعليل القرارات في مجال الوصاية الإدارية[14]: جاءت المادة 10 من ظهير 30/09/1976 أنه يمكن
حل المجلس الجماعي بموجب مرسوم مدعم بأسباب يتداول فيها مجلس وزاري وينشر في
الجريدة الرسمية وفي حالة الاستعجال القصوى يمكن توقيف المجلس بموجب قرار مدعم
بأسباب يصدره وزير الداخلية وينشر في الجريدة الرسمية، وهناك مجموعة من القرارات
الإدارية تكون فيها الإدارة ملزمة بتعليلها بمقتضى نصوص خاصة ومنها:
-
فيما يخص قرار إعلان استقالة عضو المجلس
الجماعي.
-
قرارات رفض المصادقة على مقررات المجلس
الجماعي المتعلقة بالمشاريع.
-
قرارات إعلان بطلان المقررات التي يتخذها
المجلس.
-
قرارات سلطة الوصاية المتعلقة برفض المصادقة
على مقررات المجالس الجماعية التي ثم تكريسه في القانون الجماعي الجاري به العمل.
-
القرارات الصادرة برفض التأشيرة على المقررات
التنظيمية التي يتخذها رؤساء المجالس الجماعية في مجال الشرطة الإدارية وتحديد سعر
الرسوم والحقوق المستخلصة لفائدة الجماعة.
ب: تعليل القرارات التأديبية: لقد نص الفصل
66 من الظهير الشريف المتعلق بالنظام الأساسي العام للوظيفة العمومية الصادر سنة
1958 على إلزامية تعليل العقوبات المتعلقة بعقوبتي الإنذار والتوبيخ، حيث يجب أن
تكون العقوبة معللة بمعنى إعلان وإفصاح الإدارة عن الدافع وراء اتخاذ هذه الإجراءات
التأديبية، وبالتالي يعتبر التعليل في المجال الوظيفي من أهم ضمانات التأديب فهو
العنصر الواقعي أو القانوني الذي يدفع الإدارة لإصدار القرار التأديبي، وهذا ما
شكل في حقيقة الأمر أحد الضمانات المهمة في هذا القطاع الحيوي لدولة ألا وهي
الوظيفة العمومية على اعتبار أن الموارد البشرية تعد جزء أساسي لا يتجزأ عن
الوظيفة العمومية.
أما القضاء الإداري المغربي فقد سار نحو تكريس قاعدة
مفادها" عدم إلزامية الإدارة بالتعليل إلا بنص قانوني" وهذا ما سارت
عليه الغرفة الإدارية بمحكمة النقض وهي تقضي برفض الطعن المقدم ضد المقرر الصادر
عن قائد مركز الفقيه بن صالح القاضي بإيقاف الطاعن عن عمله كسائق لأنه لم يكن يوجد
أي نص قانوني يوجب على الإدارة تعليل قراراتها وأن الإدارة بينت أسباب قرارها في
مذكراتها الجوابية وعززت ذلك بوثائق تثبت ما نسب إلى الطاعن من إخلال بواجباته
المهنية[15]، ونفس هذا الاتجاه
سارت عليه مختلف المحاكم الإدارية[16] إذا اعتبرت أن
الإدارة غير ملزمة بتعليل قراراتها إلا في حالة وجود نص تشريعي صريح يقضي بذلك.
المطلب الثاني: تعليل القرارات الإدارية
مع صدور قانون 03.01
كانت الإدارة تحتمي وراء عدم وجود نص يلزمها
بتعليل قراراتها، وهذا ما دفع المشرع المغربي إلى لفت الانتباه إلى هذه المسألة
وسد الثغرات أمام كافة المصالح والإدارات العمومية المعهود إليها بتسيير المرافق
العمومية حيث ألزمها بمقتضى القانون رقم 03.01 بتعليل قراراتها الإدارية الفردية
السلبية، إلا أن هذه القاعدة لها استثناءات حسب أنواع وظروف القرارات الإدارية.
وقد نصت المادة الأولى من القانون 03.01 على
أنه لكي يكون القرار الإداري صحيحا يستوجب تضمنه تعليلا مكتوبا في صلبه وإلا اعتبر
فاقدا لأهم شروطه ومن ثم يصبح القرار تحت طائلة عدم الشرعية.
وقد حددت المادة الثانية من هذا القانون
القرارات الإدارية الواجبة التعليل من طرف الإدارات والمصالح الإدارية و منها:
-
القرارات المرتبطة بمجال ممارسة الحريات
العامة أو التي تكتسي طابع إجراء ضبطي.
-
القرارات الإدارية القاضية بإنزال عقوبة
إدارية وتأديبية.
-
القرارات الإدارية التي تقيد تسليم رخصة أو
شهادة أو أي وثيقة إدارية أخرى.
-
القرارات القاضية بسحب أو قرار منشئ لحقوق.
-
القرارات التي تفرض منح امتياز يعتبر حقا
للأشخاص الذين تتوافر فيهم الشروط القانونية ( كرفض منح جواز السفر ).
إلا أن هنالك قرارات إدارية تستثنى من
إلزامية تعليلها[17]، وقد أوردها المشرع في نفس المادة على سبيل
الحصر وهي:
-
القرارات الإدارية التي تقتضي الأمن الداخلي
والخارجي: أقرت المادة الثالثة من قانون 03.01 على أن هذه القرارات تستثنى من
قاعدة إلزامية التعليل إلا أن مفهوم الأمن الداخلي والخارجي يطرح التباس لعدم وجود
معايير دقيقة وواضحة من أجل الفصل فيما يخل في إطاره.
-
و القرارات الإدارية الفردية التي تتخذها
الإدارة في حالة الظروف الاستثنائية المؤقتة.
-
والقرارات الإدارية القاضية بإنزال عقوبة
إدارية أو تأديبية في مجال الوظيفة العمومية.
-
و القرارات الإدارية الضمنية والتي لا توجب
التعليل كقاعدة عامة إلا أن المشرع أورد استثناء بمقتضى المادة الخامسة من القانون
رقم 01.03 حيث حصره المشرع في حالة ما إذا ألتزمت السلطات الإدارية السكوت من
خلال القرارات الضمنية السلبية التي
تصدرها، يحق للمعني بالأمر تقديم طلب داخل أجل الثلاثين
يوما الموالية لانصرام
الأجل القانوني للطعن لإطلاعه على أسباب القرار الضمني السالف، وتكون الإدارة حينئذ
ملزمة بالرد على الطلب داخل أجل خمسة عشرة يوما من تاريخ التوصل بالطلب.
خلاصة:
وفي
الختام، يتضح من خلال ما سبق أن القانون رقم 03.01 المتعلق بإلزام تعليل القرارات
الفردية السلبية بالنسبة الإدارات العمومية والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية
والمصالح التي عهد إليها تسيير مرفق عام ، يكتسي صراحة أهمية بالغة على
اعتبار أنه مكسب كبير وخطوة نحو إرساء
وتدعيم دولة الحق والقانون في ظل تقييد الإدارة والحد من أعمالها الانفرادية غير
المشروعية ( غير معللة ) التي كانت تقوم بها الإدارة قبل صدور هذا القانون حيث
كانت قراراتها محصة لتمسكها بقاعدة عدم إلزامية تعليل قراراتها الإدارية لعدم وجود
نص يجبرها ويلزمها على ذلك، وبهذا ما دفع المشرع المغربي نحو إصدار هذا القانون
لسد الفراغ التشريعي وجل الفجوات التي تتحصل من وراءها الإدارة، والحد من غلو
الإدارة في استخدامها لسلطتها التقديرية والتي من المفروض أن تتجه نحو تحقيق الهدف
الأسمى ألا وهو المصلحة العامة.
وهذا ما جعل اختصاصات الإدارة في مجال إصدارها
لقراراتها الإدارية الفردية مقيدة في إطار احترام سيادة القانون، وعدم تعسفها في
استعمال وتجاوز سلطاتها إتجاه الأفراد عامة والمتعاملين مع الإدارة خاصة، لكون هذا
القانون مهم بالنسبة لجميع المواطنين لكونه أحد القيود التي تقيد الإدارة وتحميهم
من تعسفات الإدارة والتي قد تمس حقوقهم .
[1] - الدكتور عبد الخالق
علاوي، محاضرات في مادة القرار الإداري، ماستر القضاء الإداري، الفوج التاسع، كلية
العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، سلا، السنة الجامعية 2015 – 2016، ثم
إلقائها يوم السبت 12 دجنبر 2015 على الساعة 10 صباحا.
[2] - سعيد نكاوي، تعليل
القرارات الإدارية دراسة مقارنة، دار النشر المعرفة طبعة 2014 الرباط، ص: 3.
[3] - دعاء عبد المنعم شفيق،
نظرية القرار الإداري المضاد، دراسة مقارنة، رسالة الدكتوراه جامعة الزقازيق
مصر بدون تاريخ، ص: 192.
[4] - حسن عبد الفتاح،
التسبيب كشرط شكلي في القرار الإداري، بحث منشور في مجلة العلوم الإدارية العدد
الثاني، سنة 1966.
[5] - منشورات جمعية نشر
المعلومة القانونية والقضائية – سلسلة الشروح والدلائل، العدد 3، 2004، الصفحة: 42.
[6] - حكم المحكمة
الإدارية بوجدة، حكم 18/06/1997 منشور بالمجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية،
العدد 23، ص: 23.
[7] - مشيل روسي، "
المنازعات الإدارية "، مطبعة المعارف الجديدة.
[8] - محمد عبد اللطيف،"
تسبيب القرارات الإدارية "، دار النهضة العربية ، القاهرة، 1993، ص: 81.
[9] - C.E 24 avril 1996
sieur Delahaye , A.J.D.A – p 243 n 11-303
[10] - ماجد راغب حلو ،
السرية في أعمال السلطة التنفيذية ، الدار الجامعية للطباعة والنشر بيروت طبعة
1993.
[11] - سعيد نكاوي، مرجع
سابق، ص: 27.
[12] - أنظر تعليق الدكتور
عبد الفتاح حسن، " التسبيب كشرط شكلي في القرار الإداري مجلة العلوم الإدارية
العدد 2 القاهرة 1966.
ورسالة ذ الديداموني مصطفى أحمد " الإجراءات والأشكال في القرار الإداري
للهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1992 ص: 189 وما بعدها.
[13] - سعيد نكاوي، مرجع
سابق، ص: 28.
[14] -EL Yaagoubi ,
Motivation des actes administratifs et décentralisation territorial en droit
administratif RDE 1985 ،N°1 Page: 8.
[15] -قرار الغرفة
الإدارية عدد 185 بتاريخ 21/06/1982 قضية كالطيب محمد ضد المدير العام للأمن
الوطني.
[16] - - حكم المحكمة
الإدارية بمكناس عدد 95/21 بتاريخ 12-6-1996 قضية الطاهري حرية منشور ب . م . م.
أ.م.ت عدد 12.
- حكم المحكمة الإدارية بمكناس عدد 95/51 قضية المنزهي بتاريخ 23/11/1995.
- حكم المحكمة الإدارية بالرباط رقم 470 بتاريخ 29/05/1997 ملف 185/96 قضية
مبارك ضد وزير التربية الوطنية.
[17] - محمد الأعرج، تعليل
القرارات على ضوء القانون 03.01، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية، عدد 43
ص: 65 .
0 تعليقات