ذة. إحسان العيدوني
خريجة ماستر القانون المدني والأعمال
- طنجة -
إثبات الخطأ الطبي وإشكالاته
مقدمة:
يعتبر حق الإنسان في سلامة جسده من أهم الحقوق العامة المرتبطة بشخصه، وهو يشكل الحد الأدنى الواجب كفالته له إنسانيا وأخلاقيا وقانونيا، وهو حق مقدس لا يجوز الاعتداء عليه بأي حال من الأحوال، باعتباره مبدأ أقرته جميع الشرائع و القوانين، ومن بينها التشريع المغربي والذي لم يحد بدوره عن هذا التوجه بحيث جعل من الحق في السلامة الجسدية حقا دستوريا نص عليه الفصل 21 من القانون الأسمى للدولة والذي ورد فيه: "لكل فرد الحق في سلامة شخصه وأقربائه، وحماية ممتلكاته" وقد أكد ذلك الفصل 22 صراحة بنصه على أنه: "لا يجوز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص، في أي ظرف، ومن قبل أي جهة كانت، خاصة أو عامة"
وقد قدست الشريعة الإسلامية الإنسان، وجعلته فوق كل اعتبار انطلاقا من قوله تعالى في سورة التغابن، الآية 3 (خلق السماوات والأرض بالحق وصوركم فأحسن صوركم، وإليه المصير)، وفي مقابل ذلك، حرمت المساس بأي عضو من أعضائه، ورتبت الدية على كل مساس أو اعتداء على جسم الإنسان انطلاقا من قوله سبحانه في سورة المائدة، الآية 45( وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص، فمن تصدَّق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون).
وإذا كان الأصل هو قدسية شخص الإنسان، وسلامة جسده فإن هذا الأصل يرد عليه استثناءين أساسيين أولهما هو الاعتداء على النفس بموجب حكم قضائي استنادا إلى نصوص الشرع أو القانون، وثانيهما يتمثل في العمل الطبي، باعتباره عملا مباحا بالنظر إلى مقصوده العظيم ذلك لأنه يستند إلى ترخيص الشرع وإذن المشرع.
فمهنة الطب تعتبر من أنبل المهن لما تقدمه من خدمات إنسانية تدخل السرور على المرضى وتشفيهم من مصابهم، بل أحيانا تعيد لهم الحياة، فهي تتعلق بمقصودٍ عظيمٍ من مقاصد الشرع وهو حفظ النفس، ويُعتبر هذا القصد مشترَكاً إنسانياً عاماً لا يختلف أحد على أهميته وأهمية هذه المهنة ونبل القائمين عليها.
غير أن بعض الحوادث التي تنتج عن هذه المهنة بين الفينة والأخرى نتيجة عوامل متعددة والتي يذهب ضحيتها مرضى وأصحاء وأبرياء من مختلف الفئات العمرية والشرائح الاجتماعية، تفرغ المقصود الإنساني من محتواه، وتجعل الحق في السلامة الجسدية رهين بعمل الطبيب، فالخطأ وارد في جميع المجالات، غير أن مهنة الطب لا مجال فيها للخطأ، بالنظر إلى أن مجرد خطأ بسيط وقع فيه الطبيب أثناء مزاولته لعمله نتيجة غفلة أو سهو أو تهور أو سوء تقدير أو ضعف كفاءة أو لسبب من الأسباب التي لا تحصى ولا تعد، قد تذهب بحياة مريض لم تكن حالته الصحية تتطلب سوى تطبيب بسيط، وإلا فقد تصيبه بعاهة مستديمة تفقده معها طعم الحياة، بل وحتى وإن افترضنا أن هذا الخطأ لم تنتج عنه سوى مضاعفات خفيفة، سرعان ما تتلاشى، لكنها تخلف تبعات نفسية على المرضى وتؤدي إلى زعزعت عنصر الثقة في العمل الطبي.
وكيفما كانت جسامة هذه الحوادث ومهما خلفت من أضرار بل حتى وإن أدت إلى الوفاة فإنه نادرا ما تقوم مسؤولية الطبيب بمختلف أنواعها، وذلك راجع لصعوبة إثبات الخطأ الطبي، هذه الصعوبات التي تقف حجر عثرة في وجه جل ضحايا الخطأ الطبي، بل إن مسألة الخبرة في هذا المجال تزيد من معاناتهم، الأمر الذي يدفعنا إلى التساؤل حول موقف القضاء من هذا الإجرام الطبي، وبالتالي حول نطاق المسؤولية الطبية في ضوء العمل القضائي، أمام القصور التشريعي الذي تشهده المهنة الطبية، ذلك بأنه بالرغم من أن المشرع المغربي تدخل سنة 2015 بوضع قانون جديد رقم 131.13 منظم لمهنة الطب ومعززا هذا التنظيم بنصوص زجرية، محاولا بذلك تجاوز الانتقادات الكثيرة التي وجهت للقانون القديم رقم 94.10 خاصة منها إهمال الخطأ الطبي، إلا أنه بالرغم من ذلك فإنها تظل قاصرة عن ضمان الحماية الكافية لحقوق الأبرياء الذين يقعون ضحايا خطأ جسيم كان أو يسير لكنه يشكل آفة خطيرة بالنسبة لهم سيما أمام تكاثر ضحايا الخطأ الطبي الذين عانوا الأمرين نتيجة إخلال من الطبيب بواجب من واجباته الإنسانية أو التقنية.
لتحميل المقال بالكامل، إليكم العدد الثاني من مجلة الباحث المنشور فيه بصبغة PDF في الرابط أذناه:
https://drive.google.com/file/d/1Q03QxEpwKdUy9KM69M12Sp8ks0YKNRSf/view?usp=sharing
0 تعليقات