ذ/ عبد اللطيف أكدي
باحث بسلك الدكتوراه – عبد المالك السعدي - طنجة
منتدب قضائي بالمحكمة الابتدائية بوزان
القسمة القضائية للعقار في التشريع المغربي
مقدمة:
يعتبر المال الشائع هو المحل
الذي ترد عليه القسمة، سواء كان منقولا أو عقارا فالشيوع أو الشياع هو وضع قانوني
ناتج عن تعدد المالكين للحق العيني دون أن يختص كل منهم بجزء مفرز فيه، ومنه
فالملكية الشائعة على هذا الأساس كونها ملكية مشتركة بين عدة أشخاص على شيء يكون
فيها لكل من الشركاء حصة معلومة القدر في كل جزء من أجزاء الشيء المشترك دون أن
تكون هذه الحصة مفرزة عن سواها من الحصص[1].
وقد حدد المشرع المغربي من
خلال الفصل 962 من ق ل ع[2]، كيفية استعمال المال
الشائع، ثم بين طرق إدارة هذا المال من خلال الفصول من 963 إلى 972 من ق ل ع.
وتقضي حالة الشياع بأي سبب
يؤدي إلى إنهاء حالة الاشتراك وذلك إما بالبيع أو الوصية أو الإرث، لكن هذه
الأسباب تظل في حقيقتها مجرد أسباب عارضة لا يقصد منها في الأصل إنهاء حالة
الشياع وإن انقضت بها فعلا، على أن تظل
القسمة هي السبب الرئيسي لانقضاء الشياع، مادامت تقصد أيضا ومباشرة إلى إنهائه وفي
هذا المجال ينص الفصل 978 من ق ل ع " لا يجبر أحد على البقاء في الشياع،
ويسوغ دائما لأي واحد من المالكين أن يطلب القسمة وكل شرط يخالف ذلك يكون عديم
الأثر[3]".
والقسمة من حيث مصدرها إما
اتفاقية تخضع لإرادة الأفراد مع عدم المساس بالنظام العام، وإما قضائية تخضع
لإجراءات سطرها المشرع في قانون المسطرة المدنية ولا دخل لإرادة الأفراد فيها.
والأصل أن تكون القسمة
رضائية حيث تترك للمتقاسمين الرشداء الحرية في إبرامها، إلا أنها تكون قضائية في
فرضيات ثلاثة:
إذا اختلف الشركاء في إجراء
القسمة الاتفاقية، أو إذا كان الشركاء لا تتوفر فيهم أهلية التصرف في الحقوق أو
إذا كان من بين الشركاء غائب أو مفقود.
وبحثنا يتعلق بالقسمة
القضائية دون الاتفاقية لما لها من إشكاليات سواء قانونية أو قضائية أو حتى فقهية،
ونجد أن ق ل ع لم يحدد لها تعريف خاص الشيء الذي يجعلنا نستغيث بأحكام الشريعة
الإسلامية والتي عرفتها بكونها:" هي تعيين الحصة الشائعة وهذا يعني إفراز
الحصص عن بعضها البعض بمقياس ما كالذراع والوزن والكيل".
وعليه فهي طريقة لانقضاء
الشيوع بمقتضاه يفرز الشيء المشترك إلى عدة أقسام تتفق وحصص الشركاء فيه، والقسمة
القضائية[4] هي التي تجرى بواسطة القضاء
ويلجأ إليها في إحدى الحالات المنصوص عليها في الفص 1084 من ق ل ع[5].
وعلى اعتبار أن الشيوع حالة
طارئة والمشرع لا ينظر إليها نظرة ترحيب وترغيب باعتبارها تثير في كثير من الأحيان
جملة من المنازعات بين الشركاء غالبا ما تكون لها أوخم العواقب على الاستغلال
المشترك للمال الشائع، وتجنبا لهذه المضار والتي كثيرا ما تمس بالمصلحتين العامة
والخاصة من الناحيتين الاجتماعية والاقتصادية على حد سواء، فإن المشرع أعطى لكل
شريك على الشيوع الحق في طلب قسمة المال الشائع حيث نص في الفصل 978 من ق ل ع:"
لا يجبر أحد على البقاء في الشياع ويسوغ دائما لأي من المالكين طلب القسمة"،
وعليه وكما ورد في قرار لمحكمة النقض أنه:" إنهاء الشياع يتم إما بقسمة الشيء
المشاع قسمة عينية وذلك بتمكين كل شريك بحصته حسب ما يملكه في المقسوم إذا كان
قابلا للقسمة العينية، وإلا فبقسمة التصفية وذلك ببيعه بالمزاد العلني وتمكين كل
شريك من حصته في الحين، وأن الفصل 980 من ق ل ع يمنع قسمة الشيء الذي تحول قسمته
دون أداء الغرض منه، عندما تكون القسمة عينية أما قسمة التصفية فلا تطالها أحكام
الفصل المذكور وتدخل ضمن أحكام الفصل 978 من نفس القانون"[6].
وعليه فما هي الإجراءات التي يمكن إتباعها في ظل
عدم التوافق على القسمة الاتفاقية وما هي مجمل الإشكاليات التي تطرحها القسمة
القضائية في ظل العمل القضائي المغربي؟ وأخيرا كيف تعامل الاجتهاد القضائي مع هاته
الإشكالية؟
للإجابة على هذه التساؤلات وغيرها سنحاول بحث
موضوعنا وفق تصميم نسلك من خلاله المنهج النظري مع تطعيمه بالجانب العملي الصرف من
أجل المزج بين ما هو نظري وعملي في نفس
الوقت، وعليه نتناول القسمة القضائية وإجراءاتها العملية في المبحث الأول على أن
يكون المبحث الثاني عبارة عن تحديد آثار ومجمل الإشكاليات التي تطرحها القسمة
القضائية للعقار.
المبحث
الأول: قسمة العقار وإجراءاتها القضائية
لابد وفي أي تحليل لأي موضوع كان يجب أن نضعه في
إطاره القانوني حيث يجب أن نحدد القسمة سواء من حيث تعريفها وتحديد موضوعها، وكذا
آثارها على اعتبار أنها تدخل في نطاق القسمة القضائية، على أن يكون المطلب الثاني
محددا للإجراءات القانونية المتبعة.
المطلب
الأول: القسمة القضائية للعقار
سنقسم هذا المطلب إلى فقرتين، نخصص الأولى للحديث
مفهوم دعوى القسمة ومعالمها، على أن نتناول في الفقرة الثانية لطبيعة القسمة
القضائية
الفقرة
الأولى: مفهومها وتحديد معالمها
إن المشرع المغربي لم يحدد تعريف خاص للقسمة لكنه
ركز على إعطاء مجمل المبادئ التي تعتمد عليها وخاصة في قانون الالتزامات والعقود
في مجال إنهاء حالة الشيوع، فالكثير لا يختلف في كونها إنهاء حالة الشيوع وتحديد
نصيب كل فرد حسب حظه ونصيبه، ومذهب الإمام مالك يعتبرها بأنها كاشفة لحق المتقاسم،
فقد ورد في التحفة:
وهذه القسمة حيث تستحق *****
يظهر فيها أنها تميز حق[7].
وقال الشيخ خليل في مختصره:
وأجبر لها الكل أن انتفع لها الكل.
والقسمة تجرى بناءا على طلب يتقدم به أحد الأطراف
إلى القضاء ويصدر بشأنه حكما يقضي بإنهاء حالة الشياع، وهذا النوع هو ما أشار إليه
ابن عاصم بقوله:" فقسمة القرعة بالتقويم أي بتقويم كل حظ بالقيمة [8] ".
وجاء في قرار لمحكمة النقض صادر بتاريخ
12/06/2003:" أن دعوى القسمة تهدف إلى تمكين كل متقاسم من حظه في جميع أجزاء
المال القابل للقسمة العينية[9]".
وهكذا جاء في قرار آخر لها والصادر في 08/02/1989" أن المحكمة كما بررت قضائها بالمصادقة على مشروع القسمة الذي قدمه لها الخبير والذي قام بضم الأملاك المطلوب قسمتها بعضها عن بعض، ولم يجري القسمة في كل ملك على حده وعين لكل فريق حظه بدون قرعة تكون قد خرقت تطبيق القانون".
الفقرة
الثانية: طبيعة القسمة القضائية
لقد اختلف فقهاء المالكية في تحديد طبيعة قسمة
القرعة مع التقويم والتعديل، هل هي بيع أو تمييز حق وقد أثار ابن عاصم في التحفة،
إلى أنها تمييز حق بقوله:
وهذه القسمة حيث تستحق ****
يظهر فيها أنها تمييز حق
ولذلك يجبر عليها من أباها إن تماثل المقسوم
وتجانس، وحيث ينتفع كل شريك بنصيبه انتفاعا متجانسا للانتفاع الأول فإن لم ينتفع
كل شريك فلا جبر[10] ، فإذا كان من شأن قسمة دار
مثلا عدم حصول الانتفاع بنصيب كل واحد سواء في المدخل أو البيوت فلا جبر عليه وقال
ابن رشد" الذي عليه العمل عندنا أن الدار لا تقسم حتى يكون لكل من المساحة
والبيوت ما ينتفع به ويستتر فيه عن صاحبه، فإن لم تحتمل المساحة القسمة واحتملت
البيوت القسمة فتقسم".
وهكذا جاء في قرار لمحكمة النقض بتاريخ 18/09/2002
أن قسمة الأصول تقتضي تقويم أجزاء المقسوم وبيان المدرك لإجراء القرعة أو بيع
المقسوم عن طريق المزاد العلني، ولما اكتفت المحكمة على تقرير الخبير الذي عين لكل
طرف جزء من المقسوم دون أن يطبق القواعد المذكورة فإنها لم تؤسس قرارها وعرضته
للنقض[11].
فإن لم تتوفر شروط القسمة العينية نتوجه لقسمة التصفية، حيث يحق بيع الشيء بالمزاد العلني حيث يقسم حق كل واحد على حدة [12]، وفي قرار آخر رقم 3588 والصادر بتاريخ 04 يوليوز 1995 في ملف عدد 1190 / 91، حيث جاء فيه" أن دعوى القسمة بطبيعتها غير قابلة للتجزئة وأن قبول الاستئناف الموجه ضد بعض أطرافها دون بقية الأطراف الأخرى يتيح لمحكمة الاستئناف النظر في القضية من جديد وفي غيبة باقي أطراف الدعوى الذين رضوا بالحكم ولم يستأنفوه ومن شأن القرار الصادر عن محكمة الاستئناف أن يغير مراكزهم القانونية دون أن يكونوا أطرافا فيه ويتمكنوا من الدفاع عن حقوقهم [13]".
الفقرة
الثالثة: موضوع القسمة القضائية للعقار
يقصد بموضوع القسمة كل الأشياء التي يمكن أن تكون
محلا لطلب القسمة، فالشركة كما يمكن أن تكون في العقار يمكن أن تكون في المنقول
وهذا يمكنه أن يكون ماديا أو معنويا ونجد الفصل 74 من قانون التجارة البحرية بشأن
قسمة السفن نص على أنه " لا يمكن أن يقرر بيع السفينة بالمزايدة إلا إذا طلب
ذلك عدد من المالكين يمثل مجموع حصصهم نصف قيمة السفينة، على شرط أن لا يكون هناك
شرط كتابي يخالف ذلك[14]".
وإذا تعلق الأمر بالقيم المنقولة والسندات والأسهم
أو حصصها فهي تباع في البورصة عن طريق الوسطاء السماسرة المختصين وفق التاريخ الذي
يحدد يوم البيع وينشر عادة، غير أنه ليس هناك ما يمنع الشركاء من اقتسامها حبيا أو
إعمال مخارجة بشأنها متى اتفقوا على ذلك ولم يكن بينهم قاصر ولا غائب.
وكذلك توجه القسمة على المنقولات المعنوية
باعتبارها مجرد فكرة تستقر في أذهان الناس[15]، وهي تقسم عادة بالبيع ومن
أمثلتها الأصل التجاري[16]، الملكية الصناعية[17]، والملكية الأدبية والفنية.
بالتالي فالأصل التجاري والذي لا يحتمل إلا البيع
وهو مسطر في ظهير 31 دجنبر 1914، بشأن بيع ورهن الأصل التجاري.
حيث سبق لمحكمة الاستئناف بالرباط أن قررت تصفية
أصل تجاري في إطار دعوى قسمة دون اعتماد تقويم أولي يقوم به الخبير فهي إذن تصفية
باطلة.
كذلك تقع القسمة على العقارات على اختلاف أنواعها، إلا أنها تختلف مثلا أراضي الملك تقسم وفق طبيعتها كذلك أراضي الجموع والكيش والأحباس ونفس الشيء بالنسبة لقسمة المياه التي تخضع في قسمتها لأعراف تواتر الناس على إتباعها[18].
المطلب
الثاني: إجراءات القسمة القضائية للعقار
كما سبق وقلت أن الشيوع حالة مؤقتة وأنه لا مناص
من الرجوع بالملكية إلى وضعها الأصلي والطبيعي، أي الملكية الفردية المفرزة وأن
ذلك غالبا ما يتم عن طريق إجراء القسمة بطلب من أحد الشركاء والقسمة هي اتفاقية أو
قضائية، وما يهمنا هنا هي الثانية – أي القسمة القضائية – والتي تأتي نتيجة دعوى
تسمى دعوى القسمة، وتخضع للمبادئ العامة التي تحكم نظرية الدعوى حيث تتخللها
إجراءات قضائية حددها المشرع بدقة في قانون المسطرة المدنية، ويبقى على المحكمة أن
تسهر على حسن تطبيقها وإلا تعرضت للنقض.
الفقرة
الأولى: أطراف دعوى القسمة والمحكمة المختصة
انطلاقا من مقتضيات الفصل 978 من ق ل ع يتبين أنه
يحق لكل واحد من المالكين على الشياع أن يطلب إجراء القسمة والذي يقدم لزوما أمام
المحكمة المختصة.
أولا:
أطراف دعوى القسمة
إن أطراف دعوى القسمة دائما وأبدا هم شركاء في الملك الشائع وحسب الفصل 978 الذي يعتبر كل
شريك في ملكية المال الشائع أنه يختلف مع شركائه في قسمة هذا المال قسمة اتفاقية
يسمى مدعي، بحيث يحق لكل شريك يرغب في الخروج من الشياع أن يرفع دعوى القسمة ويكلف
باقي الشركاء بالحضور أمام المحكمة المختصة، وهؤلاء يمثلون الطرف المدعى عليهم في
الدعوى.
ويمكن أن يكون المدعي واحدا أو أكثر وكذا يمكن أن
يكون وكيلا بمقتضى وكالة صحيحة الأركان والشروط، كما يمكن أن يكون تحت نيابة
القاصر أو عديم الأهلية، كما ترفع الدعوى من طرف الموصى له أو وارث الشريك المتوفى
باعتباره من الخلف العام، إلا أنه إذا توفي الشريك أثناء سريان دعوى القسمة أصبح
ورثته من ذوي الصفة لمتابعة الدعوى وذلك بعد إدلائهم بما يفيد ذلك[19] .
وقد جاء في قرار محكمة النقض الصادر بتاريخ 27 ماي
1981 أن "الدعوى لا تسمع من ورثة ميت إلا بعد الإدلاء بإراثتهم، لأن الإراثة
تتعلق بالصفة"[20].
إلا أنه لابد من التأكيد على أن دعوى القسمة لعقار
محفظ يجب أن ترفع على الشركاء المسجلة حقوقهم بالسجل العقاري فقط باعتبارهم مالكين
للعقار، وهذا المبدأ كرسه الاجتهاد القضائي من خلال مجموعة من قرارات محكمة النقض،
حيث جاء في قرار عدد 154 الصادر بتاريخ 09 يناير 1996 في الملف 5289 /88 "
تكون المحكمة قد صادفت الصواب لما قضت بالقسمة بين الملاكين المسجلة أسمائهم في
الرسم العقاري للملك المطلوب قسمته واعتبرت البيوع المدلى بها غير موجودة مادامت
غير مسجلة في الرسم العقاري للعقار المطلوب قسمته عملا بالفصل 66 من قانون التحفيظ
العقاري[21]."
وكذلك لابد أن يحتوي المقال على اسم من رفعت
الدعوى ضده وهو المدعى عليه، فقد يكون شريك واحد أو أكثر ويتحتم على المدعي أن
يبين هوية المدعى عليه وصفته ومحل إقامته وإلا تعرض المقال للرفض، وإذا تعدد
الشركاء فإن القسمة توجه ضد الجميع ومتى كان أحد المدعى عليهم ناقص للأهلية فيجب
أن ترفع الدعوى ضد نائبه الشرعي مباشرة وإلا وجب عدم سماع الدعوى طبقا للفصل الأول
من قانون المسطرة المدنية مع إمكانية تصحيح المسطرة طبعا، ومن البديهي أن الدعوى
في مثل هذه الحالة يجب أن تبلغ إلى النيابة العامة ولو كان القاصر فيها ممثلا
بنائبه الشرعي، احتراما لمقتضيات الفصل التاسع من قانون المسطرة المدنية[22].
ويبقى على المدعى عليه أن يجيب إما ناكرا للملك والشركة
على الشياع أو يقر بهما وإما يدعي أن القسمة البتية سبق إجرائها بالتالي يبقى مكلفا
بإثبات إدعائه لقول ابن عاصم.
ومدع قسمة البتات مكلف ****
على الأصح بالإثبات.
والقسمة البتية لا تثبت إلا بما يثبت به التفويت
وهو ما أكده محكمة النقض في قراره عدد 45 الصادر بتاريخ 25 يناير 1994 والذي جاء
فيه "لا تثبت قسمة المشاع إلا بحجة صحيحة مثنا وسندا ولا يتم ذلك إلا بما يتم
به التفويت لأنها بيع من البيوع والقرار لما اعتمد على حجة ناقصة في إثبات القسمة
بني على غير أساس بالتالي تعرض للنقض"[23].
أو يدعي ويثير دفعا يتعلق بعدم إدخال أحد الشركاء
في الدعوى فإذا تأكد ذلك للمحكمة فإنها تقضي بعدم قبول دعوى القسمة باعتبار أن هذه
الأخيرة من الدعاوي التي لا تقبل التجزئة[24] وهو ما أكده العمل القضائي
من خلال قرار 809 والصادر بتاريخ 6/2/1996 والذي جاء فيه أن طلب القسمة يجب تحت
طائلة عدم القبول أن يشمل جميع المالكين على الشياع في الشيء المطلوبة قسمته[25].. لقول خليل: وأجبر لها الكل
إن انتفع لها الكل.
أو أن يقر المدعى عليه بحالة الشركة والشياع وهذه
هي مجمل دفعات المدعى عليه في دعوى القسمة القضائية للعقار ضد المدعي أمام المحكمة
المختصة
ثانيا:
المحكمة المختصة بالنظر في دعوى القسمة
سنتحدث عن اختصاص في دعوى القسمة من خلال زاويتين.
أ
- الاختصاص النوعي:
إن التنظيم القضائي الجديد والمنظم بواسطة
القانون عدد 10/34 المغير والمتمم لظهير 15 يوليوز 1974 يحتوي على محاكم ابتدائية
ومحاكم استئناف والمجلس الأعلى التي سماه دستور سنة 2011 بمحكمة النقض باعتباره
أعلى هيئة قضائية بالمغرب ويقصد بالاختصاص النوعي بوجه عام الاختصاص الذي يرجع إلى
نوع الدعوى بغض النظر عن قيمتها وبما أن موضوعنا يقتصر على العقار دون المنقول فإن
المحاكم الابتدائية هي التي ينعقد لها الاختصاص للنظر في دعاوى القسمة العقارية
وهذا ما نصت عليه مقتضيات الفصل 18 من قانون المسطرة المدنية حيث" تختص
المحاكم الابتدائية - مع مراعاة الاختصاصات الخاصة المخولة إلى أقسام قضاء القرب بالنظر
في القضايا المدنية وقضايا الأسرة والتجارية والإدارية والاجتماعية ابتدائيا
وانتهائيا أو ابتدائيا مع حفظ حق الاستيناف.
تختص أيضا بقطع النظر عن
جميع المقتضيات المخالفة ولو في الحالة التي يسند فيها قانون خاص سابق النظر في
بعض أنواع القضايا إلى محكمة أخرى."
وتختص محكمة النقض في جميع طلبات النقض المتعلقة
بدعاوى القسمة والموجهة ضد الأحكام الانتهائية الصادرة عن المحاكم الابتدائية أو
الأحكام النهائية الصادرة عن المحاكم الاستئناف[26].
ب-
الاختصاص المحلي أو المكاني:
يقصد به الاختصاص المكاني الذي يتحدد تبعا لمحل
الإقامة أو الموطن الذي يقيم فيه الشخص عادة وينص الفصل 28 من ق م م على أنه:"
تقام الدعوى العقارية سواء تعلق الأمر بدعوى الاستحقاق أو الحيازة أمام محكمة موقع
العقار المتنازل بخصوصه"، ويفهم من هذا النص على أنه إذا كان المال الشائع
عقارا كانت المحكمة المختصة هي التي يقع في دائرتها العقار أو أحد أجزائه، وإذا
كان واقعا في دوائر محاكم متعددة (حالة وجود العقار مجزأ) فإن المشرع المغربي لم ينص ولم يضع أي شرط بهذا
الخصوص، ويمكن أن تكون المحكمة المختصة هي المحكمة التي يقع في دائرتها الجزء
الأكبر أو الأجزاء الأخرى، وهذا على خلاف بعض الفقه الذي يعتبر بأن المحكمة
المختصة في حالة تعدد العقارات هي المحكمة التي يوجد بدائرتها أكبر هذه العقارات قيمة[27]، وإن كان هذا الرأي محل نظر
أمام غياب أي نص قانوني يقضي بذلك فإن المحاكم الابتدائية هي المختصة قانونا من حيث
المبدأ بالنظر في دعاوي القسمة، ومن ثم فقد أقر المشرع المغربي على كون دعوى
القسمة هي دعوى عينية تدخل ضمن اختصاص القضاء الجماعي للمحكمة الابتدائية[28].
وإذا كان العقار موجودا خارج المغرب فلا يمكن
للمحاكم المغربية أن تنظر في دعوى القسمة حسب المادة 27 من ظهير الوضعية المدنية
للفرنسيين والأجانب، أما إذا كانت دعوى قسمة التركة فالمحكمة المختصة هي المحكمة
الذي وصل إليه آخر موطن افتتحت به التركة[29].
الفقرة
الثانية: الشروط الواجب تحققها لرفع دعوى القسمة
إن القاضي الذي ترفع أمامه دعوى قسمة عقار من
العقارات المملوكة على الشياع يكون ملزما قبل البث في موضوع الدعوى أن ينظر ما إذا
كانت هذه الدعوى قد استوفت لشروط صحتها أم ينقصها شيء ما، وهذه الشروط تقسم إلى
شروط شكلية وأخرى موضوعية.
أولا:
الشروط الشكلية
تتمحور هذه الشروط فيما يلي:
1- ضرورة طلب الشركاء جميعا أو لبعضهم القسمة لأن
المحكمة لا يمكن أن تضع يدها على القضية مباشرة ما دام الأمر لا يتعلق بالنظام
العام.
2- عدم إلحاق القسمة ضررا بالمقسوم لهم أو أحدهم
وإن كان هذا الشرط في الحقيقة غير مانع من القسمة نهائيا، بل يمنع من القسمة
العينية فقط ولكن تجوز القسمة بطريقة التصفية، وهذا ما صار عليه اجتهاد محكمة
النقض في العديد من قراراته، نذكر منها القرار عدد 572 الصادر في 14 مارس 1990 ملف
عدد 4206/89" إنهاء الشياع يتم إما بقسمة الشيء المشاع قسمة عينية وذلك
بتمكين كل شريك بحصته حسب ما يملكه في المقسوم إذا كان قابلا للقسمة العينية وإلا
فبقسمة التصفية، وذلك ببيعه بالمزاد العلني وتمكين كل شريك من حصته في الحين[30] ".
وفي قرار آخر صادر عن محكمة الاستئناف بالرباط:
وحيث تجرى القسمة بطريقة التصفية في حالتين:
أولها إذا تعذر قسمة المال المشاع قسمة عينية كما
هو الحال في قسمة شجرة أو سيارة، وثانيهما إذا كان من شأن القسمة العينية إحداث
نقص كبير في قيمته كما لو كان المال المشاع قطعة أرض معدة للبناء، وإذا قسمت خرج
أحد الشركاء بجزء صغير لا يسمح بالبناء عليه، وحيث إن الضرر للمدعين ثابت تبعا
لصغر نصيبهم الذي سيخرج به بعضهم والذي لا يتأتى بيعه أو استغلاله منفردا وهذا
ينطبق عليه قول صاحب التحفة:
ومن دعى لبيع ما لا ينقسم
**** لا يسمع إلا حيث إضرار حتم[31].
وقد عللت المحكمة حكمها بعلة أن القسمة العينية غير
متأتية واقعا وقانونا لأن الضرر محقق بشأنها، وأمرت بإجراء التصفية في العقار
موضوع النزاع[32].
3- ضرورة إدخال كافة المالكين على الشياع في الدعوى
وإلا اعتبرت غير مقبولة شكلا، ويعتبر هذا الشرط المحور الأساسي لدعوى القسمة، بحيث
يمكن تحققه من خلال فحص باقي عناصر الدعوى ووسائلها، ويحول عدم تحققه البث بعدم
القبول، وهذا الشرط (توفر جميع الشركاء) يمنح الانطلاقة الأساسية للقاضي حتى يتمكن
من إتمام إجراءات الدعوى، إذ نجد أن جل الأحكام القضائية التي تقضي بعدم طلب
القسمة شكلا يكون بعلة عدم إدخال جميع الشركاء في الدعوى وفي هذا المجال نورد بعض
القرارات والأحكام القضائية سواء المنشورة أو غير المنشورة، وبخصوص قضاء محكمة
النقض فيما يخص ضرورة إدخال كافة المالكين على الشياع، نجد القرار عدد 174 الصادر
بتاريخ 31/03/1981 ملف شرعي عدد 72700" القسمة البتية للتركة يجب أن تشمل
الدعوى جميع الورثة ومن واجب المحكمة أن تثير ذلك تلقائيا ولو لم يتمسك به الأطراف
لأن تنفيذ الحكم بالقسمة بين البعض سيؤدي بالضرورة إلى ضياع حقوق الباقين ولهذا
يتعرض الحكم للنقض، القرار الذي أفاد أن قسمة المتروك وقعت بين الأولاد دون
والدتهم التي هي من جملة الورثة[33] ".
وفي القرار عدد 869 الصادر بتاريخ 10/12/1996 ملف
عدد 6736 /92 " لقبول دعوى القسمة يجب أن تشمل جميع المالكين على الشياع في
العقار المطلوب قسمته وعدم إدخالهم في الدعوى رغم النص في الإراثة يجعل الدعوى غير
مقبولة ويتعرض الحكم للنقض، القرار الذي قضى بقسمة العقار في غيبة الموصى لهم
بالثلث"[34].
كذلك كما جاء في بعض حيثيات الأحكام الابتدائية
والتي جاء فيها" وحيث يتعين أن يشمل طلب القسمة جميع الشركاء على الشياع"،
وفي صياغة أخرى" وحيث يتعين إدخال جميع المالكين على الشياع في القسمة".
وإذا كان الشرط الأساسي في دعوى القسمة يقضي
بضرورة إدخال جميع الشركاء في الدعوى فإنه إذا تعلق الأمر بعقار محفظ فإن الدعوى
يجب أن ترفع على كافة الشركاء الذين سجلت حقوقهم بالسجل العقاري، وهذا ما استقر
عليه العمل القضائي كما سلف وقلت عند الحديث عن أطراف دعوى القسمة[35].
وفي هذا
الإطار فقد ورد في القرار عدد 154 الصادر بتاريخ 09/01/1996 ملف عدد 5289 /88"
تكون المحكمة قد صادفت الصواب لما قضت بالقسمة بين الملاكين المسجلة أسمائهم في الرسم العقار للملك المطلوب قسمته واعتبرت
البيوع المدعى بها غير موجودة ما دامت غير مسجلة في الرسم العقاري للعقار المطلوبة
قسمته، عملا بالفصل 66 من ظهير التحفيظ العقاري"[36].
ثانيا
: الشروط الموضوعية
إن القاضي الذي ترفع بين يديه قضية قسمة العقار
لابد أن يتأكد من توفرها على جميع الوثائق والمستندات بحيث يتأكد من توفر جميع
الشروط القانونية وهذه هي التي تمثل الشروط الموضوعية والتي تجد أساسها في إثبات
ملكية العقار المطلوب قسمته.
1
– إثبات ملكية العقار المحفظ
انطلاقا من مقتضيات الفصلين 66 و67 من ظهير
التحفيظ العقاري يتبين بأن إثبات الملكية في العقارات المحفظة لا يثير العديد من
الإشكاليات، ما دامت صفة المالك تثبت لكل شخص مقيد بالرسم العقاري دون سواه وبحسب
حصته المبينة في هذا الرسم، فعندما تتناول القسمة عقارا محفظا فإنه يكفي لقبول
الدعوى إدخال جميع الشركاء المقيدين بالرسم العقاري، وليس على المدعي أن يسد أي
نقص حاصل في الرسم من جراء عدم تقييد باقي الشركاء فيه.
وهكذا فيكفي للشريك الذي يطلب الخروج من الشياع في
عقار محفظ أن يضمن مقاله الافتتاحي بشهادة عقارية تصدر من المحافظ العقاري تثبت
صفته كشريك مالك في المال الشائع وتحدد حصته فيه وتتضمن بالإضافة إلى ذلك أسماء
جميع الشركاء المرفوعة ضدهم الدعوى وتحديد حصة كل واحد منهم مع تحديد سبب ملكية كل
واحد وكيف آلت إليهم ملكية هذا العقار، وتبين القاصر والراشد من الشركاء[37].
2-
إثبات الملكية في العقار غير المحفظ
وتتحدد وسائل إثبات ملكية العقار غير المحفظ
بالطرق التالية:
·
حالة اكتساب المال الشائع عن
طريق الإرث:
إذا كان المطلوب قسمته قد اكتسبه المدعي عن طريق الميراث
لابد من إثبات الموجبات وهي الموت وعدد الورثة وملك الموروث.
فقد جاء في قرار محكمة النقض على أنه" إذا
رفع الوصي أو الورثة أمرا للقاضي ليقسم بينهم، فإنه لا يقسم بينهم حتى يثبتوا أصل
الملك للموروث واستمراره بيده وحيازته وإثبات الموت وعدد ورثته[38]"، فلا يكفي إذن أن
يكون المقال الافتتاحي مستوفيا للشروط الشكلية حتى يقبل طلب المدعي بل يجب تعزيزه
بحجج تثبت صحة الدعوى في مواجهة الخصوم حيث يكون على المدعي أن يرفق مقاله برسم
الإراثة ورسم التركة أو ما يسمى برسم الإحصاء ورسم المتخلف وكذا برسم يثبت محل
المالك.
·
حالة اكتساب العقار المطلوب
قسمته عن طريق الحيازة[39]:
بحيث تعتبر الحيازة من أسباب كسب الملكية واعتبر القضاء
المغربي الحيازة قرينة واقعية لإثبات صحة التملك فقد اعتبرت محكمة النقض في قرار
عدد 275 الصادر بتاريخ 04/06/1969 الحيازة قرينة تدل على الملك بقوله" وحيث
أن مسألة قرينة الحيازة تدل على الملك لا على أداء الثمن عند التبايع"[40]، وفي قرار آخر:" وحيث
أن شرط صحة التبرعات هو ثبوت حيازة المتبرع عليه بما وقع التبرع به عليه قبل حدوث
المانع الشرعي[41]".
وللحيازة خمسة شروط لابد من توفرها لتحقق ملكية الشيء
المحوز:
- وضع اليد على العقار وحيازته.
- التصرف فيه تصرف المالك في ملكه.
- انعدام المنازع والمعارض واتسام الحائز بالهدوء.
- أن ينسب الحائز للملك إلى نفسه والناس ينسبونه إليه.
- طول مدة حيازة العقار عشرة أشهر بالنسبة للعقار
المجهول المدخل، وأكثر من عشر سنوات للأجانب، وأكثر من أربعين سنة للأقارب بالنسبة
للعقار المعلوم المدخل.
وفي هذا الصدد يقول صاحب التحفة:
والأجنبي أن يحز أصلا بحق
**** عشر سنين فالتملك استحق
ويقول ابن عاصم:
والأقربون حوزهم مختلف ****
بحسب اعتمارهم يختلف
فإن يكن يمثل سكن الدار ****
والزرع للأرض والاعتمار
فهو ما يحوز الأربعين****
وذو تشاجر كالأبعدين
·
حالة اكتساب العقار عن طريق
التعاقد:
إذا كان العقار مكتسب عن طريق العقد فعلى المدعي
الذي يريد الخروج منه أن يرفع مقاله بعقد سواء عقد بيع أو أي عقد آخر، الشيء الذي
أكده الاجتهاد القضائي في عدد من القرارات منها العدد الصادر عن استئنافية فاس:"
وحيث أن بيع العقارات الغير المحفظة يتم بواسطة عقد رضائي ويمكن إثباته عن طريق
اللفيف لأنه لا يخضع لمقتضيات الفصل 489 من قلع ، لقول الشيخ خليل ينعقد البيع بما
يدل على الرضا وإن بمعطاه [42].
والأكيد هو إن كان النص 489 لا يتعارض مع مقتضيات الكتاب والسنة فلا بأس من إخضاع البيوع لمقتضياته[43]، وبشكل مجمل فالشروط الواجب توافرها لتحقق دعوى قسمة العقار تتطلب حضور كافة الشركاء في الدعوى، وكذا ضرورة احترام مبدأ الاختصاص النوعي والمكاني ووجود سبب حقيقي لرفع الدعوى.
المبحث
الثاني: آثار القسمة القضائية وبعض الإشكاليات المثارة على المستوى العملي
من المؤكد أنه وعندما نطلع على هذا المبحث سنجده
مقسم لمحورين حيث آثار القسمة وما تطرحه من نتائج على العقار الذي خضع لها الشيء
الذي يجعل العمل القضائي يسقط في العديد من المتناقضات تجعله معرضا للكثير من
الدراسات والتساؤلات.
المطلب
الأول: آثار القسمة القضائية للعقار
كما سبقت الإشارة إليه فالقسمة إما مؤقتة تعقد
لفترة معينة وتتناول منافع الشيء دون أن تقضي على الشياع، وهي عبارة عن عقد يبرمه
جميع الشركاء فيما بينهم وإما أن تكون نهائية أو بتية تتناول جوهر الحق العيني،
بحيث تضع حدا لحالة الشياع بالنسبة لكل المال الشائع وبالنسبة لجميع الشركاء،
والقسمة النهائية حتى وإن تعددت طرق إدارتها فإن الآثار التي تترتب عليها تبقى
واحدة كمبدأ عام.
فأول أثر هو إنهاء حالة الشياع، وذلك لإفراز جزء
مادي محدد من المال الشائع لكل المتقاسمين، والأثر الثاني فيبقى لصيق بالأول
ومترتب عليه ذلك أن فرز الحصص المشتركة لابد أن تكون عادلة ولكي يكون كذلك يجب أن
يعطي لكل ذي حق حقه ولتحقيق المساواة رتب المشرع الضمان لكل متقاسم، وللوقوف على
هذين الأثرين سنقسم هذا المحور لفقرتين حيث فرز الحصص وما يترتب عليها من آثار
تجعل من المشرع والقاضي يحيطها ويشملها بضمانة ضد الغير السيئ النية.
الفقرة
الأولى: فرز حصص الشركاء المتنازع حولها
يقول الأستاذ حسن كيرة" لم يكن للقسمة من
معنى غير فض الشيوع بإنهاء تعدد الملاك المشاعين عن طريق إفراز جزء مادي محدد من
الشيء الشائع، وبذلك تقتصر وظيفة القسمة على تحويل الحصص الرمزية المجردة إلى
أجزاء مادية مفرزة، مما يحصر حق كل شريك متقاسم في جزء منها معين ومحدد يتملكه
ملكية خالصة على سبيل الاستئثار والانفراد بعد أن كانوا يتملكون معا كل الشيء
الشائع فيما بينهم بحيث يقع حق كل واحد منهم في
ذات الوقت على هذا الشيء كله"[44].
وعليه فإذا ما رجعنا لقانون الالتزامات والعقود
نجده ساير نظيره الفرنسي من حيث اعتباره أن القسمة هي كاشفة بطبيعتها لحق
المتقاسمين وليست ناقلة أو منشأة له فقد نص الفصل 1088 من قلع على ما يلي"
يعتبر كل من المتقاسمين أنه كان يملك منذ الأصل الأشياء التي أوقعتها القسمة في
نصيبه سواء تمت هذه القسمة عينا أو بطريقة التصفية كما يعتبر أنه لم يملك قط غيرها
من بقية الأشياء".
ونجد أن العقارات التي تخضع للقسمة إما محفظة نص
عليها في الفصلين 66 و 67 من قانون التحفيظ العقاري[45]، والفصل الثاني من ظهير 02
يونيو 1915 [46]، ويستنتج من هذه النصوص
صراحة أن الأفعال الإرادية والاتفاقات التعاقدية ومن ضمنها القسمة والرامية إلى
تأسيس حق عيني أو نقله أو تعديله أو إسقاطه لا تنتج أي أثر إلا بإعلانها في السجل
العقاري.
وإذا ما لاحظنا أن التشريع العقاري المغربي يعتبر
أن للتسجيل أثرا منشئا وهذا يتعارض مع مقتضيات الفصول 66 و 67 والفصل الثاني من
الظهير أعلاه[47]، فموقف القضاء واضح في هذا
المجال حيث قام مجموعة من الشركاء بقسمة عقار محفظ شائع بينهم ولم يقوموا بتسجيل
هذه القسمة بالرسم العقاري وحدث أن تصرف أحد الشركاء في الحصة التي آلت إليه نتيجة
هذه القسمة الفعلية فقام شريك آخر بممارسة حق الشفعة فاعتبر القضاء أن حق الشفعة
قد مورس بكيفية صحيحة وقانونية، فما دامت القسمة لم تسجل فإن العقار لازال شائع
بالنسبة للتشريع العقاري المغربي[48].
وأما العقارات غير المحفظة فإن القواعد الواجبة
التطبيق بشأنها هي قواعد الفقه الإسلامي والذي اعتبر القسمة القضائية هي كاشفة لحق
المتقاسم، فحتى يطمئن كل متقاسم إلى أنه قد أخد ما يستحق غالبا ما يأمر القضاء
بإجراء القرعة، لذلك فهي جديرة بكونها كاشفة للحق[49].
وجاء في قرار رقم 3594 الصادر بتاريخ 04 يونيو
1996 في الملف عدد 4321/92" إن الحكم لأحد الشركاء على الشياع في عقار بفرز
حصته عن بقية الشركاء لا يمنع بعض الشركاء على الشياع في نفس العقار أن يطلبوا
قسمة نفس العقار ولا يواجهون بسبقية الفصل في القضية لاختلاف الدعويين موضوعا
وسببا وأطرافا".
الفقرة
الثانية: ضمان حقوق الغير من الضياع
كما سبقت الإشارة إليه وكما رأينا فإن الغاية من
إجراء القسمة هي وضع حد نهائي أو جزئي على الأقل لحالة الشياع، ويتم ذلك عن طريق
تحويل الملكية الشائعة إلى مجموعة من الملكيات الفردية المفرزة تتفق وحصة كل شريك على الشياع، ولابد كي تكون
عملية فرز الحصص بعضها عن بعض مقبولة من الناحية القضائية أن تمكن من إعطاء كل ذي
حق حقه ولا سبيل لذلك إلا إذا جاءت الحصص متساوية من الناحيتين القانونية
والواقعية على حد سواء.
والمشرع فرض إجراء القسمة القضائية ضمانا لحقوق
الغير من الضياع حيث قرر الفصل 1088 من ق. ل.ع"يعتبر كل المتقاسمين أنه كان
يملك منذ الأصل الأشياء التي أوقعتها القسمة في نصيبه..."
إلا أن هذا الضمان يكتنفه الغموض بحيث لا تبقى
سارية المفعول حتى المستقبل إذ أنه بعد تمام القسمة قد يصبح المتقاسم ضحية تعرض أو
استحقاق لنصيبه وقد يكشف عيوبا خفية في النصيب ومن أجل ذلك قرر الفصل 1090 من ق ل ع:"
أن المتقاسمين يضمنون بعضهم لبعض حصصهم من أجل الأسباب السابقة على القسمة".
بالتالي فالضمان على نوعين إما ضمان الاستحقاق
والعيب، وهذا الضمان يتحقق عند توفره على شروط سابقة لعملية فرز الحصص بالتالي
فعند توفرها تكون المحكمة ملزمة بالدفاع عن حقوق الطرف الضعيف حيث من حقه الرجوع
على باقي المتقاسمين ومطالبتهم بالضمان.
هذا بخصوص ضمان الاستحقاق إلا أنه في الحقيقة هناك
ضمان آخر وهو ضمان العيوب الخفية أو ما يعبر عنها بعيوب الرضى، بالتالي فالمشرع
أعطى إمكانية الطعن في كل قسمة تشوبها هذه العيوب، وهذا ما أكده الفصل 1089 من
ق.ل.ع"القسمة سواء كانت اتفاقية أو قضائية لا يجوز إبطالها إلا للغلط أو
الإكراه أو التدليس أو الغبن" الشيء الذي يجعلنا نكشف أن المشرع تجاهل أسباب
أخرى كحالات المرض وحالات أخرى مشابهة، بالتالي لربما يعود الاختصاص لتقدير
القضاة.
وعليه فإبطال القسمة توخى منه المشرع إعادة
المتقاسمين إلى الوضع القانوني والفعلي الذي كانوا عليه عند إجرائها مع عدم
الإخلال بما اكتسبه الغير الحسن النية من حقوق بالتالي فعندما يشوب القسمة عيب من
عيوب الرضى يبقى على الأطراف إما تصحيح القسمة القابلة للإبطال وإما إثارة دعوى
إبطال القسمة نهائيا.
المطلب
الثاني: الإشكاليات التي تطرحها دعوى القسمة
تحتل دعاوى القسمة حيزا مهما بخصوص الدعاوى
العقارية المعروضة على أنظار المحاكم نظرا لارتباطها بحق الملكية، وهذه الدعاوى
الكثير يصنفها من الدعاوى البسيطة بالتالي لا تثير أية صعوبات، لكن الواقع العملي
يؤكد على أنه أي قاض أو باحث حقوقي يسهل عليه أن يكتشف العديد من الإشكاليات التي
تطرحها الدعوى، لذالك ارتأينا تخصيص هذا المحور لبعض الإشكاليات والتي استقيناها
من خلال الاطلاع على كتب وعلى بعض الملفات المطروحة على القضاء والتي تهم الجانب
الإجرائي والموضوعي بل وحتى المتعلقة بالتنفيذ.
الفقرة
الأولى: الإشكاليات المتعلقة بالإجراءات المسطرية
سنتناول هذه الإشكالات (أولا) المتعلقة بحالة
ارتباط دعوى القسمة بدعوى الشفعة، تم (ثانيا) في حالة ارتباط دعوى القسمة بدعوى
مقابل الاستغلال.
أولا:
حالة ارتباط دعوى القسمة بدعوى الشفعة
إن كثير ما تقابل دعوى القسمة والمقدمة من طرف أحد
الأطراف بدعوى الشفعة لبعض الحقوق المشاعة، فهاتان الدعوتين تقدمان إما عن طريق
طلبين متضادين في ملف واحد أو عن طريق ملفين منفصلين غالبا ما يطلب ضمهما لبعضهما
بسبب الارتباط، إما ارتباط قانوني نظرا لوحدة السبب والأطراف والموضوع وإما
لارتباط واقعي يؤدي إلى ضم الملفين لتيسير الأسباب القانونية والواقعية للبث في
الدعويين وهي جوهر الإشكالية[50].
وفي ظل غياب أي نص قانوني بخصوص هذا الارتباط نجد
المحكمة نفسها أمام دعوتين وتكون ملزمة بالفصل فيهما لكن الاجتهاد القضائي تعامل
مع الأمر وذلك إما بإيقاف البث في دعوى القسمة إلى حين البث في دعوى الشفعة أو إلى
الحكم بعدم القبول لكونها سابقة لأوانها.
فمن حيث الحكم بإيقاف البث جاء في قرار عدد 504
والصادر في 27 ماي 1981 ملف مدني عدد 86124 أنه" إذا كان هناك ارتباط قانوني
بين دعوتين يتجلى في وجود صلة وثيقة بينهما وجب على المحكمة أن تستجيب لطلب وقف
البث في إحداهما إلى أن يقع الفصل في الأخرى أو طلب ضمها إلى الأخرى للبث فيهما
معا بحكم واحد، ولا يأمر بالقسمة القضائية إذا كانت ملكية الشركاء للشيء المشاع
موضوع النزاع إذا كانت حصة طالب القسمة في العقار موضوع طلب الشفعة من طرف شركائه
وطلب هؤلاء من المحكمة أن توقف البث في دعوى القسمة إلى أن يبث في دعوى الشفعة وجب
عليها أن تستجيب لهذا الطلب لما بين الدعويين من ارتباط قانون"[51].
وفي نفس الإطار ذهبت استئنافية الرباط حينما قضت
بإيقاف البث في دعوى القسمة إلى حين البث في دعوى الشفعة على أساس أنه لا يقضي
بالقسمة إذا كانت ملكية الشيء المشاع موضوع نزاع [52].
أما بخصوص عدم القبول فهنا تأكيد على أن حالات عدم
القبول منصوص عليها على سبيل الحصر من خلال الفصل الأول من ق م م والمتعلق بإثبات
الصفة والأهلية والمصلحة، كضرورة التقاضي وكذا من خلال الفصلين 167 و169 المتعلقين
بدعوى الحيازة بذلك لا يمكن التوسع في حالات عدم القبول أو القياس عليها.
الشيء الذي نجده مخالف في حكم صادر عن ابتدائية
الخميسات بتاريخ 22/10/1998 والذي جاء في حيثياته" أن طلب القسمة يعتبر سابقا
لأوانه ما دامت هناك منازعة بخصوص حق الملكية مما يتعين التصريح بعدم القبول"[53]، وفي حكم آخر" وحيث أن
طلب القسمة يعتبر غير مؤسس قانونا ويعتبر سابقا لأوانه لكون ملكية أحد شركاء الشيء
المشاع محل طلب الشفعة...".
وعليه فالحكم الغالب على العمل القضائي المغربي عند
ارتباط دعوى القسمة بدعوى الشفعة هو إيقاف البث في دعوى القسمة إلى حين النظر في
دعوى الشفعة.
ثانيا:
حالة ارتباط دعوى القسمة بدعوى مقابل الاستغلال
موازاة مع طلب المدعي والرامي إلى إجراء القسمة من
أجل الخروج من الشياع فقد يحدث في كثير من الأحيان أن يطالب المدعي وفي نفس الوقت
مع طلب القسمة بحقه في واجب الاستغلال والذي انفرد به غيره من الشركاء، بالتالي
تجد المحكمة نفسها مضطرة للبث في مطلبين بدل مطلب واحد وعليه فما هو الاتجاه الذي
يتبناه الاجتهاد القضائي المغربي بهذا الخصوص[54]؟.
فبالرجوع لمقتضيات قلع سواء من خلال الفصل 956
والذي ينص على أنه " لكل واحد من المالكين على الشياع أن يقدم للباقين حسابا
عما أخده زائدا على نصيبه من غلة الشيء".
أو من خلال الفصل 973 والذي يحث على أحقية كل مالك
على الشياع في غلة الشيء المشترك حسب نصيبه في هذا الشيء مع إمكانية المطالبة
بمقابل الاستغلال الذي حرم منه.
أما بخصوص قواعد الفقه الإسلامي والتي تطبق على
العقارات الغير المحفظة فنجدها تنص على الحالة التي يستغل فيها الوارث بقدر نصيبه
فقط ويترك الأجزاء الأخرى من العقار محملة.
كما نجد القانون المقارن يعطي للمالك على الشياع
حق الاستفادة من ثمار ومنتجات العقار المملوك على الشياع بحسب نسبته في الملك،
ويخول له إذا حرم من ذلك إمكانية مباشرة الدعوى لاسترداد مقابل الاستغلال الذي حرم
منه.
وعليه فالملاحظ بأن هناك اختلاف في القواعد القانونية
المطبقة إلا أنه هناك اتجاهين في ميدان التطبيق القضائي المغربي:
·
الاتجاه الأول: ذهبت محاكم
الاستئناف من خلال بعض قراراتها إلى أنه من الجائز البث في كل من طلب القسمة وطلب
الاستغلال في آن واحد ففي قرار صادر عن استئنافية الرباط بتاريخ 02/02/1999 ملف
عدد 83/6/1998 والذي قضت فيه" وحيث إن الشريك على الشياع يحظر عليه الانفراد
بحيازة المال الشائع لاستعماله واستغلاله بدون موافقة بقية الشركاء وحيث إن الكراء
المبرم بين المستأنف عليها والغير بشأن الدكان المتواجد بالمدعى فيه لا يلزم باقي
الشركاء إذا لم تكن الشريكة العارضة تتوفر على نصيب المدعى فيه يصل على ثلاثة
وأرباع المال الشائع (الفصل 971 ق ل ع) وحيث إن انفراد المستأنف عليها باستغلال
المدعى فيه يخول لباقي الشركاء المطالبة بواجبهم من كراء غلة الدكان...[55]"
·
الاتجاه الثاني: يؤكد هذا
الاتجاه إلى القول بالتصريح بعدم قبول طلب واجب الاستغلال في حالة اقترانه بطلب القسمة
وإن كانت قد اختلفت معها من حيث التأسيس القانوني ، حيث جاء في قرار صادر عن
ابتدائية الرباط بتاريخ 12/11/2003 ملف عدد 09/407/2002 " وحيث إنه بخصوص طلب
مقابل الاستغلال فإن المدعين لم يثبتوا انفراد المدعى عليهم بقبض مبالغ الكراء،
وحيث أنه لذلك يكون طلبهم غير مقبول شكلا ويتعين التصريح بعدم قبول الطلب".
وفي حكم آخر" وحيث لخص الطرف المدعي طلبه في
الحكم له بمقابل الاستغلال وحيث أن المدعي عليهم أنكروا واقعة انفرادهم باستغلال
العقار موضوع الدعوى، وحيث إنه بالرجوع إلى وثائق الملف لم تتبين لها هذه الواقعة
المادية، وحيث إنه لا مكان لمطالبة المدعى عليهم بثمار ومنتجات العقار ما دام لا
يوجد بالملف ما يثبت ما أشير إليه أعلاه، وحيث إنه تبعا لذلك يكون الطلب غير مدعم
بشكل يجعله مستوفي لشروط القبول ويتعين من تم التصريح بعدم قبوله"[56].
ثالثا:
علاقة دعوى القسمة بالقانون نزع الملكية للمنفعة العامة
عند الاطلاع على بعض نصوص قانون نزع الملكية
للمنفعة العامة يتضح أن هذه الأخيرة لها
تأثير مباشر على دعوى القسمة لأن كليهما يرد على العقار، وأن الفصل 15 منه[57] منع إضافة أو إقامة أي بناء
أو غرس أو تحسين في العقار بمجرد نشر مقرر القاضي بإعلان المنفعة، وأن المشرع لم
يرتب عن التقييد الاحتياطي الإذن بالحيازة الصادرة، وأن المشرع لم يرتب عن التقييد
الاحتياطي الإذن بالحيازة الصادرة عن رئيس المحكمة بخصوص نزع الملكية للمنفعة
العامة وآثر إيقاف البث في الدعوى خلافا لما ذهب إليه العمل القضائي والذي رتب
عليه المحافظة على تاريخ تسجيل نقل
الملكية للمنفعة العامة بحيث يعود إلى تاريخ تقييد الإذن بالحيازة، وأما الفصل 38
حدد مآل الدعوى العينية عندما تكون هناك مسطرة نزع الملكية تتمثل في تحول حقوق
المطالبين إلى حقوق في التعويض.
وهكذا بعد التطرق لبعض التساؤلات والإشكاليات
المثارة على مستوى الشكل فإنه يتعين علينا بدون شك الحديث عن مختلف الجوانب التي تمس الموضوع والتنفيذ.
الفقرة
الثانية: الإشكاليات المتعلقة بإجراءات الموضوع والتنفيذ
سنتطرق لهذه الإشكالات على مستوى الموضوع (أولا) تم على
مستوى التنفيذ (ثانيا).
أولا:
على مستوى الموضوع
أ-
حماية الدائنين:
تعد حماية الدائنين من خلال ما يعرفه الواقع
العملي من طرق احتيالية يلجأ إليها أحد المالكين على الشياع أو بعضهم للإضرار
بحقوق الدائنين ونذكر منها على سبيل المثال "أن يكون قسمة عقار عن طريق
التصفية بالبيع بالمزاد في غيبة الدائنين من دون إدخالهم في الدعوى أو على الأقل
بتسجيل حضورهم فيها".
فبالرجوع لقانون ق ل ع أو من خلال قانون التحفيظ
العقاري نجد أن المشرع المغربي لم يمنح
للدائنين أي حق في التدخل في دعوى القسمة لا بصفة أصلية ولا بصفة مباشرة بالتالي
فأمام سكوت المشرع عن هذه الإشكالية الخطيرة والتي في كثير من الأحيان تعد سببا في
تضييع حقوق الدائنين خاصة عندما تتم القسمة عن طريق التصفية، وفي هذا الإطار ومن
خلال الاطلاع على مختلف الأحكام المتعلقة بالموضوع ندرك بأن الاجتهاد القضائي
المغربي لم يضف أي جديد بل سار على نفس الاتجاه التشريعي باستثناء أحد الأحكام
الصادرة عن ابتدائية الرباط والذي أقر مبدأ حماية الدائنين من خلال عدم قبول طلب
قسمة عقار مثقل بحجز تحفظي مبينا الحيثيات التالية،" حيث وإن كانت حالة
الشياع بين المدعين والمدعى عليهم ثابتة وحيث أنه بالرجوع إلى الشهادة العقارية يتبين
للمحكمة أن أحد المدعين توجد جميع حقوقه موضوع الطلب تحت حجز تحفظي ضمانا لدين
لفائدة القرض الفلاحي، وحيث أنه والحال هذه لا يمكن المطالبة بفرز نصيبه في هذا
العقار ما دام هو موضوع الحجز إعمالا للفصل 453 من ق م م خاصة إذا كان من شأن
القسمة أن تقضي ببيع العقار بالمزاد العلني وحيث أنه لذلك لا يسع المحكمة سوى
التصريح بعدم قبول الطلب[58] ".
إن هذا الحكم كرس نوعا من التجديد حيث أنه أقر
صراحة حماية الدائنين من دعوى القسمة التي قد تضر بمصالحهم إلا أنه مع ذلك فإن
الحكم جانب الصواب، لكونه اعتمد على الفصل 453 من ق م م، والذي يتعلق بالحجز
التحفظي وينص على التصرفات المؤدية لتفويت العقار[59].
ب
– البث في حدود الطلبات
جاء في القرار التالي" إذا طلب المدعي إنهاء
حالة الشياع وتبين للمحكمة أن الشيء غير قابل للقسمة العينية ، التجأت تلقائيا إلى
إنهاء الشياع عن طريق التصفية دون ضرورة تقديم طلب التصريح بذلك[60] ".
الشيء الذي بين بجلاء الخرق الذي اعتمدته محكمة
النقض من عدم العناية بمقتضيات الفصل الثالث من ق م م والذي ينص على" يتعين
على القاضي أن يبت في حدود طلبات الأطراف ولا يصوغ له أن يغير تلقائيا موضوع أو
سبب هذه الطلبات ويبت دائما طبقا للقوانين المطبقة على النازلة إن لم يطلب الأطراف
ذلك بصفة صريحة".
ثانيا:
على مستوى تنفيذ الأحكام
يعد موضوع تنفيذ الأحكام القضائية مجالا خصبا
للعديد من النقاشات، لما يثيره من إشكاليات وعوائق تحول دون إيفاء الحكم بالغرض
المتوخى منه، وكما يعلم الجميع قد تنتهي بصدور حكم قابل للتنفيذ إما بقسمة العقار
قسمة عينية يستفيد منها كل شريك أو بقسمة التصفية.
أ
– الحكم القاضي بقسمة العقار قسمة عينية
فبخصوص العقار المحفظ فأول إشكالية هي مقتضيات الفصلين 66 و 67 من
قانون التحفيظ العقاري وبالتالي لا يكفي استصدار حكم يقضي بالمصادقة على الخبرة بل
لابد لصاحب الحق أن يتوجه إلى المحافظ للمطالبة بإنشاء الرسم العقاري الخاص، الأمر
الذي يأرق كاهل صاحبه بمصاريف مضافة لمصاريف التقاضي.
أما بخصوص العقار في طور التحفيظ فإن تنفيذ الحكم لا
يكفي وحده بل لابد للمتقاضي أن يقوم بإيداع هذا الحكم لدى المحافظة العقارية في
إطار الإجراءات المنصوص عليها في الفصل 84 من قانون التحفيظ العقاري، حتى يمكن له
المحافظة على رتبته في التسجيل بعد التأسيس.
وأما العقارات غير المحفظة فإن تنفيذ الحكم يتم
دون اللجوء إلى هيئات أخرى، لكن هذا لا يعني أنه هو الآخر لا يعاني من عدة
إشكاليات وتتمثل في:
- ضرورة الاستعانة بخبير مسجل بالجدول.
- بخصوص صياغة المنطوق المتعلق بالأحكام: بحيث نجد أن
هناك اختلاط في منطوق الحكم (الإفراغ بالتخلي)، والصحيح هو أن الإفراغ ينصب على
المساكن والمعامل أما التخلي فهو مفهوم فقهي يتعلق بالأرض العارية، وعليه يتعين
على هذه الأحكام أن تنضبط لهذين المفهومين ويتعين الحكم بهما بحسب محل التنفيذ.
وفي الأخير فإن التنفيذ ينتهي بتحرير محضر يكون
كافي لإثبات حيازة المنفذ لفائدته عقار بالتالي فأي اعتداء عليه يمكنه من مباشرة
دعوى الحيازة متى توفرت شروطها وفقا لمقتضيات الفصل 570 من القانون الجنائي.
ب
– الإشكاليات المطروحة بخصوص تنفيذ الحكم بقسمة التصفية
فإذا كانت قسمة التصفية تروم إلى توزيع ثمن العقار
بين الشركاء عن طريق بيعه بالمزاد العلني، فإنها تخلف العديد من الإشكاليات
العملية خاصة وأن مسطرة البيع تتخللها عدة صعوبات والتي تنتج عن إعادة البيع لعدة
مرات، أما لاتفاق الشركاء مع الغير لعدم أداء ثمن مناسب أو للسكوت، وكذا لطلب شريك
أو أكثر للشفعة في حقه الشيء الذي يتطلب من المشرع التدخل من أجل حل هذه المعضلة
وبالتالي تطبيق قاعدة" لا يجبر أحد على البقاء في الشياع".
خاتمة:
في الأخير فالقسمة القضائية للعقار على اعتبار
أنها إنهاء لحالة الشياع بالتالي وضع حد للملكية المشتركة وجعلها ملكية مفرزة
يتحكم كل فرد بحسب حظه ونصيبه، وأنها حالة مؤقتة غير مستمرة بصفة الدوام بحيث نجد
أن القضاء هو من يتولى تحديد أجالها ووقت الحكم بها، الشيء الذي يجعل الإجراء
معرضا لإشكاليات عديدة غير مرجوة العواقب.
والكلام عن القسمة القضائية للعقار يؤكد ما كرسه
الفقه عند القول أنه لا يجبر أحد على البقاء في الشياع ما دام هناك نزاع أو صراع
بين المالكين في نصيبهم وحظهم.
وعليه فالواقع العملي يؤكد أن الشركة أو الشياع
حالة غير مرغوب فيها في بعض الأحيان نظرا للصراعات التي تقوم بين أطراف المال
المشاع، وهذا ما كرسه ضرورة وجود قضاء نزيه يقوم بالفصل بين المالكين وجعل الكل
يتصرف في ماله بحسب هواه، إلا أنه قد تثار في بعض الأحيان إشكاليات شكلية أثناء
سريان الدعوى وأخرى موضوعية، كذلك لا يمكن الاستهانة بالدور الذي يلعبه الاجتهاد
القضائي بخصوص هذا المعطى الخطير وبالتالي لابد من تأمين هذا الوضع الذي يتعرض له
الأطراف وكذا هيئة الحكم.
وكخلاصة لما سبق ذكره فالقسمة حالة طارئة لابد من
التعامل معها باحترافية ورزانة لما توليه من منح حق الجميع من المالكين، ومنه
فنطالب القضاء إلى ضرورة التطبيق الجيد للقانون وإعطاء لكل ذي حق حقه بالتساوي،
وبالتالي العمل على القضاء على كل الإشكاليات التي تطرحها القسمة.
[1] - مأمون الكزبري " التحفيظ العقاري والحقوق
العينية الأصلية والتبعية في ضوء التشريع المغربي ، الجزء الثاني الطبعة الثانية
1987 شركة الهلال العربية.
[2] - ينص الفصل 962 من ق ل ع:" لكل مالك على
الشياع أن يستعمل الشيء المشاع بنسبة حصته فيه على شرط أن لا يستعمله استعمالا
يتنافى مع الطبيعة أو مع الغرض الذي اعد له..."
[3] - بثينة العلوط – القسمة القضائية للعقار ،
الطبعة الأولى 2005 مطبعة دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع الرباط ، ص 08 و 10.
[4] - مامون الكزبري – التحفيظ العقاري والحقوق
العينية – مرجع سابق، صفحة: 124.
[5] - أورد الفصل 1084 من ق ل ع حالات القسمة القضائية هي:
- إذا تعذر اتفاق المشتاعين على إجراء القسمة
الرضائية.
- إذا كان في الشركاء من لا يتوفر على أهلية
التصرف في الحقوق.
- إذا كان أحد الشركاء غائبا أو مفقودا.
[6] - قرار عدد 572 الصادر في مارس 1990 ملف عدد
4206/89 قرار منشور بقضاء المجلس الأعلى في القسمة خلال أربعين سنة لعبد العزيز
توفيق، صفحة: 64 .
[7] - محمد الكشبور ، القسمة القضائية في القانون
المغربي – مطبعة النجاح الدار البيضاء الطبعة الثانية، 2011 ص: 88 .
[8] - البهجة على شرح التحفة للفقيه التسولي ، الجزء
الثاني ، ص 18 مطبعة دار المعرفة البيضاء.
[9] - مامون الكزبري – التحفيظ العقاري والحقوق
العينية – مرجع سابق، ص: 167.
[10] - البهجة في شرح تحفة التسولي – مرجع سابق، ص:
186.
[11] - مجلة قضاء المجلس الأعلى 59/60 ص: 216.
[12] - الدليل العملي للعقار غير المحفظ – منشورات
جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية – سلسة الدراسة والأبحاث العدد 02 الطبعة
الثانية أبريل 2007، مطبعة فضالة ص: 137.
[13] - عبد العزيز توفيق – مرجع سابق، ص: 89 قرار رقم
3588.
[14] - الدليل العملي للعقار الغير المحفظ – مرجع
سابق، ص: 139.
[15] - عبد الرزاق أحمد السنهوري- الوسيط في شرح
القانون المدني الجديد، الجزء الثامن، حق الملكية، ص: 116.
[16] - علي سليمان العبيدي – دراسات في القانون
التجاري المغربي مطبعة الأمنية الرباط 1966 الصفحة 1984 وما بعدها.
[17] - عبدالله درميش الحماية الدولية للملكية
الصناعية وتطبيقاتها الدولية – أطروحة في القانون الخاص الدارالبيضاء 1988.
[18] - محمد الكشبور – التحفيظ العقاري والحقوق
العينية – مرجع سابق، ص: 58 وحتى 68.
[19] - بثينة العلوط، القسمة القضائية للعقار – مرجع
سابق، ص: 31-33.
[20] - قرار محكمة النقض بتاريخ 27 ماي 1981 منشور
بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 29 صفحة 35 وما بعدها.
[21] - عبدالعزيز توفيق – قضاء المجلس الأعلى في
القسمة – خلال الأربعين سنة – الطبعة الأولى 1999 مطبعة النجاح الجديدة ص 124.
[22] - محمد الكشبور – القسمة القضائية في القانون
المغربي – مرجع سابق-ص-113 114.
[23] - عبد العزيز توفيق قضاء المجلس الأعلى -مرجع
سابق –رقم 22- ص: 74.
[24] - الدليل العلمي -
مرجع سابق – ص: -140-141.
[25] - عبد العزيز توفيق- مرجع سابق-ص: 102.
[26] - بثينة العلوط
–القسمة القضائية للعقار –مرجع سابق ص-38.
[27] - محمد عاشور – القسمة في القانون المغربي
الطبعة الأولى صفحة 18.
[28] - بثينة العلوط – القسمة القضائية للعقار – مرجع
سابق، ص: 40.
[29] - محمد الكشبور – مرجع سابق، ص: 158 و 159.
[30] - عبدالعزيز توفيق، مرجع سابق، صفحة: 51.
[31] - قرار عدد 7614 صادر بتاريخ 24/11/1998 غير منشور
مأخوذ من كتاب بثينة العلوط، مرجع سابق، صفحة: 42.
[32] - بثينة العلوط – القسمة القضائية للعقار – مرجع
سابق، صفحة 42.
[33] - قرار عدد 174 بتاريخ 31/03/1981 منشور بمجلة
قضاء المجلس الأعلى عدد 30، ص: 25.
[34] - عبدالعزيز توفيق – مرجع سابق، ص: 115.
[35] - بثينة العلوط مرجع
سابق – صفحة 41 – 45.
[36] - عبدالعزيز توفيق – مرجع سابق - ص 93.
[37] - بثينة العلوط – مرجع سابق – ص 48.
[38] - قرار عدد 856 الصادر بتاريخ 25 أبريل 1995 ،
ملف الأحوال الشخصية عدد 6289 /90 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى في الشفعة خلال
الأربعين سنة ، لعبد العزيز توفيق الطبعة الأولى 1999 مطبعة النجاح الجديدة، ص:
310 و 311.
[39] - بثينة العلوط –
مرجع سابق – ص 49 إلى 64.
[40] - قرار منشور بمحكمة النقض عدد 13 ص 37.
[41] - قرار عدد 264 منشور بمجلة القضاء والقانون عدد
127 في يناير 1978 ص: 106.
[42] - قرار عدد 3270 الصادر بتاريخ 15/02/1996 منشور
سابق للأستاذ عاشور.
[43] - بثينة العلوط –
مرجع سابق – ص: 67 إلى 73.
[44] - حسن كيرة – الموجز في أحكام القانون المدني
والحقوق العينية الأصلية منشأة المعارف ، الإسكندرية 1975 نبذة 103 ص 213 .
[45]- ينص الفصل 66 من قانون التحفيظ العقاري " كل حق عيني متعلق
بعقار محفظ يعتبر غير موجود بالنسبة للغير إلا بتقييده، وابتداء من يوم التقييد في
الرسم العقاري من طرف المحافظ على الأملاك العقارية ولا يمكن في أي حال التمسك
بإبطال هذا التقييد في مواجهة الغير ذي النية الحسنة " . والفصل 67 منه
" إن الأفعال الإرادية والاتفاقات التعاقدية، الرامية إلى تأسيس حق عيني أو
نقله إلى الغير أو الإقرار به أو تغييره أو إسقاطه، لا تنتج أي أثر ولو بين
الأطراف إلا من تاريخ التقييد بالرسم العقاري، دون الإضرار بما للأطراف من حقوق في
مواجهة بعضهم البعض وكذا بإمكانية إقامة دعاوى فيما بينهم بسبب عدم تنفيذ
اتفاقاتهم".
[46] - ينص الفصل الثاني من ظهير 02 يونيو 1915 على
ما يلي " إن ضمان الحقوق العينية أو التكاليف العقارية ولو بين الأطراف لا
يحصل إلا بإعلانها عن طريق تقييدها في السجلات العقارية في الحساب الخاص المفتوح
لكل عقار ، وكذا تقييد التغييرات الطارئة على هاته الحقوق ويقع ذلك الإعلان بعد
التحقق من المستندات المدلى بها ."
[47] - محمد الكشبور – مرجع سابق – ص 241 وما بعدها.
[48] - قرار أورده دوكرو التشريع المغربي العقاري ،
نبذة 1 الرباط 1972 ص:195 .
[49] - محمد كشبور – مرجع سابق ص 246 .
[50] -
بعض الإشكاليات التي تطرحها قسمة العقارات على مستوى العمل القضائي للأستاذ
الجيلالي بوحبص مقال منشور بمجلة المحكمة العدد الأول لسنة ،2003 ص: 54.
[51] - قرار منشور بقضاء المجلس الأعلى في القسمة،
عبد العزيز توفيق مرجع سابق، ص: 27 وما بعدها.
[52] - قرار عدد 2636 الصادر بتاريخ 30/10/1991، ملف
عقاري عدد 3037/89 القرار غير منشور.
[53] - حكم غير منشور
[54] - بثينة العلوط – مرجع سابق – ص 112.
[55] - قرار صادر عن استئنافية الرباط غير منشور.
[56] - حكم عدد 14 صادر بتاريخ 08/11/2003 ملف عدد
07/19/2001 عن ابتدائية الرباط (غير منشور).
[57] - ينص الفصل 15 من قانون 1983 المتعلق بنزع
الملكية للمنفعة العامة "لا يجوز خلال أجل سنتين يبتدئ من تاريخ نشر المقرر
بإعلان المنفعة العامة في الجريدة الرسمية إقامة أي بناء أو غرس أو تحسين في
العقارات الواقعة داخل المنطقة المحددة في المقرر المذكور دون موافقة نازع الملكية
".
[58] - حكم عدد 336 صادر بتاريخ 12/11/2003 عدد
09/191/2002 صادر عن ابتدائية الرباط (غير منشور).
[59] - مأمون الكزبري – مرجع سابق – صفحة 136 إلى
138.
[60] - قرار عدد 53 صادر بتاريخ 04/02/1992 منشور
بمجموعة قرارات المجلس الأعلى المادة المدنية 1966/1982 – منشور جمعية تنمية
البحوث والدراسات القضائية صفحة 459.
0 تعليقات